بإمكاني أن أضمن لك أنّه لو مارس كلّ شخص الرياضة لساعة واحدة يوميّاً، لكانت نسبة اعتلال القلب مختلفة جذريّاً عمّا هي عليه اليوم.
والواقع أنّه قد حدث انقلاب جذري في تقبّل الرياضة كوسيلة علاج على مرّ سنوات خبرتي. فحين كنت طبيباً متدرّباً، كان مرضى النوبات القلبيّة يجبرون على ملازمة السرير لمدّة أسبوعين! فقد كنّا نعتقد بأنّ الرياضة مؤذية لمرضى القلب. وطبعاً، صرنا نعلم اليوم بأنّ العكس هو الصحيح.
والحقيقة أنّ الرياضة هي واحد من أهمّ العوامل التي تساهم في صحّة القلب والأوعية. وهذا لا يعود إلى ارتباطها الوثيق (والمهمّ) بتخفيف الوزن وحسب. فالرياضة تشكّل دواءً قويّ المفعول بحدّ ذاته، من شأنه أن يغيّر الجسم على مستوى الأيض. ونحن نعلم اليوم أنّ لها دوراً هامّاً جدّاً في السيطرة على اعتلال القلب التاجي والمساعدة في استقرار الحالة-لدرجة أنها تشفي في الواقع التلف الذي لحق بالقلب.
ولكن، بالرغم من هذه الحقيقة التي أصبحت ثابتة، فإنّنا نزداد خمولاً، ونعتمد على نحو متزايد على سياراتنا ونلتصق بمقاعدنا أمام التلفاز أو الكومبيوتر أو شاشة الهاتف المحمول. إن أردنا التمتّع بقلوب أكثر صحّة وعافية، علينا أن ننهض من كراسينا ونبدأ بالحركة!
والدعوة إلى ممارسة الرياضة لا تعني بأنّه عليك إجراء تغيير جذري وخطير في حياتك. فقد لاحظت أنّ لمرضاي فكرة مبالغ فيها عمّا تعنيه “الرياضة”. وأعتقد بأنّ تردّدهم في مباشرة برنامج رياضيّ جدّي يعود إلى اعتقادهم الخاطئ بأنّ الالتزام باللياقة يحتاج إلى تدريبات مضنية. فهم يملكون فكرة غير واقعيّة عمّا يحتاجون إلى تحقيقه لتكون رياضتهم مفيدة.
والحقيقة أنّك لست بحاجة إلى أن تصبح كذاك الشاب الذي يتوقّف عند بائع العصير وقميصه مبلّل بالعرق بعد أن مارس العدو لمسافة 12 ميلاً أو تلك المرأة ذات القوام المثالي التي لا يبدو بأنّها استعملت يوماً السلّم الكهربائي. إن كنت تخشى عدم قدرتك على مجاراتهما توقّف عن المحاولة وابدأ باستحضار صور أكثر واقعيّة!
فكّر عوضاً عن ذلك بنماذج مختلفة من الناس: زوجان متقدّمان في السنّ يمارسان رياضة المشي السريع كلّ مساء بعد العشاء، المرأة التي تأخذ طفلها ليركض في الحديقة العامّة أو العائلة التي تستعمل الدراجة في البلدة نهار كلّ أحد لإحضار الجريدة. هذا هو نوع الرياضة الذي أفكّر فيه من أجلك، وليس بالضرورة المشاركة في الماراتون القادم! وكلّما تحوّل النشاط الجسدي إلى جزء من روتينك اليومي، ساهم هذا النشاط في الحفاظ على سلامة وتيرة قلب، وهذا كلّ ما عليك فعله لكي يحصد جهازك القلبي الوعائي الفوائد الفريدة والهائلة للرياضة.
الرياضة تروّج لنفسها
غالباً ما تشهد القاعات الرياضيّة في الولايات المتّحدة ارتفاعاً كبيراً في عدد المشتركين في شهر كانون الثاني، ولكن مع حلول شهر شباط، تُنسى القرارات التي أخذت في بداية السنة الجديدة وتتراجع معها نسبة الحضور في القاعات. أمّا السبب في ذلك فيرجع إلى أنّ الناس لا يحصلون على النتائج المنتظرة التي تبقيهم متحفّزين للمتابعة. فلم الاستمرار بدفع جدار أصمّ؟
هنا أيضاً يتمّ تطبيق النموذج العلاجي الواحد عمليّاً، مع النتائج غير المرغوب بها نفسها. وكما سبق وأكّدنا فإنّ هذه المقاربة الأحاديّة البعد لجسدنا وصحّتنا لن تنجح. علينا أن نبدأ بالتحرّك طبعاً، ولكن على نحو أكثر ذكاءً. فالدواء الذي يتبيّن بأنّه فعّال مع جارك قد لا يناسبك، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى نظام الغذاء. والأمر نفسه ينطبق على الرياضة. فحاجاتك الجسديّة المختلفة تتطلّب برنامجاً رياضيّاً يناسب جسدك والحالات الأيضيّة الخاصّة بك. وسأفصّل لك في الصفحات التالية ما تحتاج إليه لكي تحصل على التدريب الرياضي الأفضل، وأعتقد بأنّك ستبدأ برؤية نتائج ممتازة.
برأيي، إن بدأت تمارس الرياضة وتشاهد نتائجها الإيجابيّة، فإنّك ستلتزم ببرنامجك مهما كان هدفك النهائيّ صعباً. ويسرّني القول إن معظم مرضاي يشهدون بذلك، وهذا ليس لأنّهم أفضل أو أكثر حماساً من غيرهم. فالسبب الذي يدفعهم على الاستمرار هو شعورهم بالتحسّن عندما يباشرون برنامجهم. ذلك أنّهم يتخلّصون من الوزن الزائد ويصبح بإمكانهم رؤية – ولمس – أصابع أقدامهم للمرّة الأولى منذ سنوات كما يتخلّصون من الآلام والأوجاع البسيطة ومن أوجاع الظهر والتيبّس الذي يشعرون فيه في الصباح فضلاً عن صرير الأوراك والمفاصل. وإضافة إلى ذلك تصبح رئاتهم أكثر صفاءً ويتمتّعون بطاقة أكبر وقدرة أكثر على الاحتمال في نشاطاتهم، فضلاً عن التحسّن في حياتهم ومزاجهم. أخيراً لا آخراً، بعد الرياضة، تتحسّن أرقام تحاليل المؤشّر الأيضي المتطوّر هي أيضاً!
وميزة الرياضة التي تجعلك تتعلّق بها هي الشعور الجيّد الذي تضفيه على ممارسها، والنتائج الواضحة التي تنشأ عنها.
والواقع أنّ الناس الذين يمارسون الرياضة يميلون إلى التمتّع بصحّة أفضل عموماً. فهم يأكلون على نحو أفضل ويعانون من توتّر أقلّ. كما أنّهم يتمتّعون بمظهر أجمل حتّى وإن لم ينقص وزنهم – ثق بي، 175 باونداً من العضلات تبدو أجمل من 175 باونداً من الدهون. لذا، حين يبدأ أحد مرضاي بممارسة الرياضة، لا أخشى عليه إمكانيّة التراجع – فالرياضة، التي تناسب وضعك الصحّي، ترّوج لنفسها بنفسها.
لهذا السبب أنصح قبل كلّ شيء بأن تستمتع بالرياضة التي تمارسها. يجب أن تتطلّع إلى حلول لدرجة أن تضحّي بأمور أخرى عند الضرورة لحسابها. وحين يكون البرنامج الرياضي متلائماً مع حالتك القلبيّة الوعائيّة، سترى النتائج بالتأكيد. فبإمكاني إعطاءك الأدوات التي تضمن لك برنامجاً فعالاً عوضاً عن ضرب جدار أصمّ. وبما أنّني لن أراقبك لأتأكّد من أنّك ستواظب على البرنامج، سوف أعطيك كثيراً من الأسباب الجيّدة المثبتة علميّاً للاستمرار بالتمارين. بتعبير آخر، أعتقد بأنّ أفضل طريقة لإقناعك بممارسة الرياضة هي إقناعك بفاعليّتها.