حالات نقص التغذية التي تصيب الطفل في السنوات الأولى من حياته يمكن أن تؤثر سلباً على نمو المخ؛ وهذا يعني التأثير على التطور النفسي أيضاً.
الأطفال الذين يعانون سوء التغذية يكونون أسرع غضباً وأكثر عدوانية ويعانون المزيد من التقلبات المزاجية ونوبات الصداع.
اكتشفت دراسة متابعة1 لأطفال صغار حدوث زيادة في الاضطرابات السلوكية والميول العدوانية لدى الأطفال المصابين بسوء التغذية أثناء نموهم.
طبقاً لنفس الدراسة، فإن الأطفال الذين عانوا من نقص البروتين، والزنك، والحديد، وبعض فيتامينات ب في سن الثالثة ظهرت لديهم زيادة بنسبة 41% في الميول العدوانية حينما وصلوا إلى سن الثامنة، وزيادة بنسبة 51% في السلوكيات العنيفة المعادية للمجتمع حينما وصلوا إلى سن السابعة عشرة. وكان الفارق الوحيد لديهم على مر السنين ينحصر في نظامهم الغذائي.
بالنظر لما يأكله الأطفال اليوم، نجد أنفسنا نواجه خطر تنشئة جيل من الأطفال غير المستقرين عاطفياً، والضعاف بدنياً، والذين لا يحصلون على الفيتامينات والمعادن الضرورية لكي يؤدوا بكفاءة حينما يصيرون بالغين مكتملي النمو.
تذكري أنه من الطبيعي جداً أن تتفاوت أعراض الطفل من يوم لآخر. ومن المهم أن تراقبي باهتمام حدوث أية تغيرات جوهرية.
إشارات تحذيرية تنبهك قبل حدوث حالة سوء تغذية شديدة
● الشهية: من الطبيعي تماماً أن تتفاوت شهية الأطفال تبعاً لآلية داخلية لديهم تحدد ما يحتاجونه ومتى يحتاجونه. ولكن عليك أن تنتبهي لأي تغير مفاجئ مثل حدوث انخفاض شديد في الشهية، أو إفراط في تناول الطعام، أو زيادة في العطش، أو تغير حاد في تفضيلات الأطعمة والنكهات.
● الهضم: في ضوء ما يأكله الأطفال هذه الأيام، لا عجب أن يعانوا أحياناً من اضطراب الهضم. ولكن إذا وصل الأمر إلى حدوث قيء متكرر، أو انتفاخ، أو غازات، أو إمساك، أو إسهال، أو آلام عند التبرز، أو وجود طعام غير مهضوم (أو حتى ديدان أو دم) في البراز، فهذا يتطلب اهتماماً فورياً.
● مستويات الطاقة: عادة ما تكون مستويات الطاقة أفضل مؤشر للصحة. إذ يجب أن يكون الطفل منتبهاً ونشطاً. ابحثي عن علامات نقص الطاقة مثل الإرهاق، والكسل، واختلاق الأعذار بشكل زائد عن المعتاد لعدم أداء أشياء مثل الواجبات المنزلية، أو الألعاب الرياضية؛ أو عكس ذلك من علامات ارتفاع مستويات الطاقة (فرط النشاط).
● المزاج والسلوك: يعتبر مزاج الطفل وسلوكه، بدرجة كبيرة، انعكاساً لصحة مخه. انتبهي للتقلبات المزاجية، أو نوبات الغضب، أو السلبية، أو الميول العدوانية، أو القلق/الخوف، أو زيادة الطلبات، أو شدة التعلق، أو فرط الحساسية، أو انخفاض مستويات التركيز.
● أنماط النوم: من الصعب ألا يلاحظ المرء وجود مشكلة واضحة في النوم، خاصة إذا كان والداً يعاني الحرمان من النوم. يجب التعامل مع أي تغيرات شديدة في أنماط النوم مثل حدوث الأرق، النوم المتقطع، الاستيقاظ المتكرر في الليل، بلل الفراش، ازدياد الحاجة إلى نوم القيلولة، قلة الحاجة للنوم، صعوبة الاستيقاظ.
● المناعة: من المهم ألا يغفل المرء هذا الأمر. وبالطبع فإن الأطفال يصابون بنزلات البرد وغيرها من حالات العدوى بشكل متكرر في بداية العام الدراسي، أو الانتقال لمدرسة جديدة، أو عند تغير فصول السنة. ولكن انتبهي لحالات العدوى المتكررة في الأذن أو غيرها، أو كثرة تكون المخاط في الأنف و/أو الصدر، أو أزيز الصدر، أو الربو، أو التهاب الحلق المتكرر، أو كثرة العطاس، أو حالات الحساسية الموسمية.
● الوزن: لا يعتبر الوزن دائماً مؤشراً جيداً للصحة، فعادة ما تتغير أوزان الأطفال مع حدوث طفرات النمو، ولكن انتبهي لحدوث أي زيادة مفاجئة أو نقص مفاجئ في الوزن.
● الجلد: يعتبر الجلد مؤشراً مرئياً واضحاً للصحة. انتبهي جيداً إذا أصبح الجلد شاحباً، أو مبقعاً، أو جافاً، أو بطيء الالتئام، أو إذا ظهرت فيه الكدمات أو الطفح أو البثور. احرصي على مراقبة حالة جلد طفلك في كل مكان من جسمه، فمعظم حالات الطفح وغيرها من العلامات المرضية للجلد ليست مقتصرة على الوجه. وإذا كان الأطفال أكبر سناً، فعوديهم على مراقبة جلدهم بأنفسهم.
● الشعر: تأكدي من أن شعر طفلك مستمر في النمو. لاحظي أي زيادة في سقوط الشعر، أو جفاف الشعر، أو تقشر فروة الرأس.
● العينان: تعتبر العينان مؤشراً جيداً للصحة. لاحظي تكون هالات سوداء أسفل العينين، أو احمرار العينين أو تغيمهما، أو شحوب الجفنين (داخل الجفنين السفليين).
● الأظافر: صدق أو لا تصدق؛ إن أظافر طفلك يمكن أن تخبرك بالكثير عن صحته. هل هي شاحبة أو متقصفة؟ هل تنكسر بسهولة؟ هل بها أحرف بارزة أو بقع بيضاء؟
حالات نقص العناصر الغذائية الأكثر شيوعاً في الأطفال وكيفية التغلب عليها
أدت الأطعمة المعالجة، المليئة بالسعرات الحرارية والسكر المكرر والدهون المشبعة، والفقيرة في العناصر الغذائية إلى نشوء جيل من الأطفال مصاب بفرط التغذية فيما يتعلق بالسعرات الحرارية ولكنه مصاب أيضاً بسوء التغذية فيما يتعلق بالفيتامينات والمعادن. وثمة خمسة عناصر غذائية أساسية يشيع نقصها في أطفال اليوم وهي: الكالسيوم، وأحماض أوميجا-3 الدهنية، والحديد، وفيتامين د، والزنك. وإليك شرحاً موجزاً للأدوار التي تلعبها هذه العناصر فيما يتعلق بالصحة والنمو، وملخصاً لمصادرها الغذائية لمساعدتك على زيادة مستويات هذه العناصر في طعام طفلك:
● الكالسيوم مهم أثناء مرحلتي الطفولة والمراهقة، حينما تزداد كتلة الجسم وتصل كتلة العظام إلى ذروتها؛ واستهلاك الكالسيوم بقدر كافٍ خلال هذه الفترة يمكن أن يقلل مخاطر التعرض لكسر وهشاشة العظام في المستقبل. وتشمل مصادر الكالسيوم منتجات الألبان، والخضراوات الورقية الخضراء، والطحالب البحرية، والمكسرات، والبذور، والتوفو، والبقول، والحبوب الكاملة مثل القطيفة والكينوا. ويحتاج الكالسيوم لعنصر المغنسيوم لكي يتم امتصاصه؛ ويوجد المغنسيوم أيضاً في الخضراوات الورقية الخضراء، والمكسرات، والبذور.
ويمكن أن تتسبب المشروبات الغازية التي تحتوي على مستويات عالية من الفسفور في جعل الجسم يسحب الكالسيوم من العظام، مما يؤدي بالتالي إلى ضعف العظام.
● أحماض أوميجا-3 الدهنية ضرورية لنمو مخاخ الأطفال؛ وقد أظهرت الدراسات وجود ارتباط بين اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط وبين انخفاض مستويات هذه الأحماض الدهنية لدى الأطفال. ويمكن أن توجد هذه الأحماض الدهنية في الأسماك الزيتية مثل السلمون والماكريل (وفي زيوت الأسماك بالطبع). كما توجد في الزيوت النباتية مثل زيوت بذر الكتان، والجوز، وبذر اليقطين، واللفت.
● الحديد ضروري للجسم لعمليات نقل الأكسجين، وإنتاج الطاقة، ونمو الخلايا والأنسجة، وتكوين الناقلات العصبية (كيميائيات المخ). ويمكن أن يؤدي نقص هذا العنصر في وقت مبكر من الحياة لإعاقة النمو، وضعف جهاز المناعة، ومشكلات في التعلم، واضطرابات سلوكية. وكثيراً ما يحدث نقص الحديد لدى الأطفال في طور النمو.
وجدير بالذكر أن حديد “هيم” -الذي يأتي من المصادر الحيوانية- يكون أسرع هضماً ويوجد في أطعمة مثل اللحوم الحمراء، والدواجن، والأسماك، والبيض.
وأما الحديد “غير الهيم” -الذي يأتي من المصادر النباتية ومنتجات الألبان- فيكون أبطأ هضماً ويوجد في أطعمة مثل المكسرات، والبذور، والبقول، والخضراوات الورقية الخضراء، والبامية، والبسلة، والفواكه المجففة، والعسل الأسود؛ وهو يحتاج لأطعمة غنية بفيتامين ج مثل الفواكه الحمضية وعصير الفاكهة والطماطم لتساعد على امتصاصه.
ملحوظة: تناول الشيكولاتة، والسكر، والكافيين، والأطعمة المحتوية على حمض الأوكساليك يقلل امتصاص الجسم للحديد.
● فيتامين د ضروري للتكوين الطبيعي للعظام، وهو أيضاً يساعد على امتصاص الكالسيوم والفسفور من الأمعاء. ويعتبر الأطفال الذين يعانون نقصاً في فيتامين د أكثر عرضة للمعاناة من إعاقة النمو ومرض من أمراض ضعف العظام يسمى “الكساح”. ويكون نقص فيتامين د أكثر انتشاراً في شهور الشتاء. وينتشر بصفة خاصة بين الأطفال الذين يعيشون في المناطق الشمالية التي تضعف فيها أشعة الشمس في الشتاء، وبين الفئات العرقية التي تكون بشرتها شديدة السمرة لدرجة لا تسمح بامتصاص أشعة الشمس بسهولة، والأشخاص الذين يعيشون في مناطق شديدة الحرارة تدفعهم للبقاء داخل بيوتهم.
ويتكون فيتامين د في الجلد حينما يتعرض لأشعة الشمس. ويكفي في الأيام المشمسة التعرض لأشعة الشمس بمعدل 6-8 دقائق يومياً للحصول على مستويات كافية من فيتامين د، بينما ننصحك بقضاء ما لا يقل عن نصف ساعة يومياً في الشتاء في البيئات الباردة. كما يمكن الحصول على هذا الفيتامين من خلال مصادر غذائية مثل صفار البيض، والأسماك الزيتية، وزيوت الأسماك، واللبن المدعم (بالفيتامينات)، والمارجرين المدعم.
● الزنك يوجد في كل جزء من أجزاء الجسم وله وظائف كثيرة متنوعة في النمو، والهضم، والانقسام الخلوي؛ وهو شديد الأهمية في مرحلة المراهقة، بسبب دوره في إنتاج الهرمونات الجنسية والتطور الجنسي. ويؤدي نقص الزنك إلى ضعف الجسم، وإعاقة النمو، وبطء التئام الجروح، وضعف جهاز المناعة. وأكثر علامات نقص الزنك وضوحاً هي وجود بقع بيضاء على الأظافر.
وعادة ما تكون الأنظمة الغذائية منخفضة البروتين والأنظمة الغذائية للأشخاص النباتيين فقيرة الزنك. إذ يوجد الزنك أساساً في الأطعمة الغنية بالبروتين مثل لحوم البقر والضأن والدجاج والأسماك. ومن المصادر الجيدة الأخرى: المكسرات، والبذور، والفول السوداني، وزبدة الفول السوداني، والبقوليات.