حادث عرضي مفاجئ، يعبر عن ظاهرة مرضية موقتة وحميدة، تحدث لدى الأطفال وفي مختلف المجتمعات؛ تبدأ عند «انفجار» الطفل بالبكاء الحاد الناتج عن حالة غضب، حنق، ألم حاد أو خوف شديد يؤدي إلى انحباس النفس (apnea) وذلك لفترة وجيزة وموقتة عند الطفل، وصولاً إلى حالة الغشيان (syncope).
هذه التشنجات تعد السبب الأكثر شيوعاً للغشيان عند الأطفال والرضع بين عمر خمسة أشهر وثلاث سنوات، ونادراً ما تحصل بعد 5 أو 6 سنوات؛ وهي ليست نادرة الحدوث نسبياً إذ تتعرض لها نسبة مهمة من الأطفال (4 إلى 5 %).
يمكن لهذه الظاهرة أن تأخذ أحد الشكلين السريريين:
1. الأول يتمثل بالشكل الأزرق الخانق، ويشمل ثلثي الحالات. تبدأ علاماتها السريرية لحظة مشاكسة الطفل، لحاجة ما يريد الحصول عليها معانداً، أو عند التمنع عن تحقيق رغبة له إذ، يبدأ بالبكاء فجأة، يزعق ويخبط برجليه غضباً، ليعاود التنفس بشكل بطيء وصولاً إلى مرحلة زفير ساكتة تتواصل من ثانية إلى أخرى، يبقى خلالها الفم مفتوحاً مع عدم صدور أي صوت منه. ثم يبدأ الطفل بمرحلة الازرقاق (Cyanosis) الذي يتزايد مؤدياً، إلى حالة انقطاع النفس الموقت، إنه الإغماء في حد ذاته، أما إذا تواصل حبس النفس الموقت فإن الأهل يشهدون حالة غشيان خانقة والطفل حينئذ فاقد الوعي، وعضلات جسمه في وضعية الارتخاء مع ارتداد عيونه إلى الوراء، فهو في حالة هامدة، ليلكي اللون ومنقطع النفس لفترة تدوم ثواني معدودة، يعاود الطفل بعدها التنفس ليصبح واعياً. نشير هنا إلى أنه يسجل في بعض الحالات مثل احتباس التنفس لفترة أطول ما يؤدي إلى ظهور حركات ارتجاجية في الجسم، وفي النهاية تحصل الاستفاقة من النوبة سريعاً، من دون أي علاج ولا أي أثر يذكر على وضع الطفل الصحي ووعيه فيما بعد.
2. الشكل السريري الثاني والذي يؤدي إلى اللون الشاحب pallor الناتج عن الاحتباس الدموي (Ischemia): يحدث هذا دائماً في حالات الشعور بالخيبة (Frustration) ويتميز بعدم وجود صرخة بكاء، كما يأتي تحت تأثير حادث مؤثر ليصبح الطفل فجأة شاحب اللون، فاقداً للوعي، وهي حالة غشيان ناتج عن توقف خفقان القلب للحظات. تحدث هذه الحالات إجمالاً عند الأطفال الذين يبدون إفراطاً في الحركة، هم يتحركون بدوامة أو مشاكسين ينتابهم الغضب، وهذا ما يبعث القلق في نفوس الأهل، ويشكل ظرفاً مناسباً للطفل يستفيد منه، فيمارس ابتزازه لهم من نوبة إلى أخرى. حالة الإغماء هذه تؤدي إذا ما تكررت، وهي سوف تتكرر، في حال لم يضبط الأهل أعصابهم ولم يضعوا حداً لتصرفهم العاطفي المفرط خلال النوبة وبخاصة لدى الأمهات الشابات حديثات العهد في العلاقة مع الأطفال وأساليب تربيتهم، ما يدفعهن إلى اعتماد وسيلة الحماية الزائدة لأولادهن الذين يستغلون ردة فعل الأهل هذه، من خلال النوبات المتكررة، للمقايضة على شيء يريدون الحصول عليه أو يرغبون في تحقيقه أو منعوا من القيام به، فيعمد الأهل إلى الإغداق عليه وتحقيق رغباته، كيف لا وهم يبغون عدم تكرار النوبة، وهنا يغتنم الطفل الفرصة الذهبية! ويغدو في وضع المساوم ويتصرف بنوع من «السيادة الظالمة». وفي أغلب الحالات يحصل الإغماء أو التشنج عند وجود أحد أفراد العائلة ضعيف الاحتمال للمواقف العاطفية الحساسة أو لديه الاستعداد للمساومة مع الطفل. لذا من المهم الأخذ بالنصائح الناجعة أمام حصول هذه الحالات، وهي المحافظة على هدوء تام مع إظهار برودة أعصاب تعطي للطفل الانطباع بعدم الاكتراث الزائد، ومن ناحية أخرى نزع فكرة الاعتقاد أو التوهم بأن الطفل «يموت بين أيدينا ولا نفعل له شيء»، بالرغم من قيام بعضهم بترطيب جبين الطفل بالماء أو نفخ الهواء في وجهه، عله يستفيق. فهو آيل في نهاية المطاف (لثوان!) بالعودة إلى التنفس الطبيعي واستعادة وعيه الطبيعي بسرعة ودون أية مخالطات أو تأثير على وضعه الصحي. وما يثير الدهشة عند حصول النوبة في عيادة الطبيب وهي ليست نادرة، خصوصاً أثناء الفحص الطبي، يعمد الأهل لا سيما الأم إلى انتشال الطفل من بين يديه! وكأنهم أدرى منه في إسعافه، إذا ما استوجب الأمر، بينما هو يحاول أن يطمئنهم ويهدئ من روعهم، طالباً منهم الهدوء، فيستعيدون حينذاك وعيهم ويعتذرون: «عفوا يا حكيم… الله يلعن الشيطان»!
يبقى أن نشير إلى نقطة هامة في نهاية الحديث عن حالات الإغماء بأن هذه ليست لها أية علاقة بداء النقطة أو الصرع (epilepsy) أو بحالات التشنجات العصبية Convulsion أو هزة الحائط، ولا بداء التشنجية أو النزوع المزاجي إلى التشنج أو متلازمة فرط التهوية (Spasmophilia: hyperventilation syndrome) وذلك نظراً إلى سمة الإثارة وقصر فترة فقدان الوعي والعودة السريعة إليه: كلها عوامل أساسية لإثبات التشخيص في حالة الإغماء الناتج عن الغشيان.