مثلما توجد مجموعة متنوعة من الاختلافات بين الحالات الطبية، توجد اختلافات أساسية في أنواع الضغوط التي ربما تشعر بها. وتؤثر نوعية الضغوط بشكل كبير على تشخيص حالتك وأسلوب علاجك. وليست هناك نوعية جيدة للضغوط الكثيرة، ولكن يمكنك أن تدرك الاختلافات بين الضغوط المزمنة والحادة والتعامل معها وفقًا لذلك.
التحدي
يمر معظم الناس بوقت صعب في تحديد ما إذا كانوا يعانون بعض أنواع الضغوط الموهنة في حياتهم، علاوة على تكملة هذا التقييم الذي يدور حول إذا ما كانت الضغوط مزمنة أم حادة. ورغم ذلك، لا تنشأ كل الضغوط بشكل متساو، وتعتمد طريقة تعاملنا معها على نوعيتها. وأنت بحاجة إلى معرفة الاختلافات، والأمور التي يمكنك القيام بها للتخفيف من حدتها. ويتمثل التحدي مع الضغوط المزمنة والحادة في إدراك الاختلافات، والأمور التي تسهم في نشأة كل نوعية، والتأثيرات التي تتركها على صحتك العقلية والجسدية، وكيفية مقاومة كل منهما. وعن طريق معرفة مصدر الضغوط التي تشعر بها، يمكنك القيام بأولى الخطوات المهمة في التشخيص والعلاج، ومساعدة نفسك وإخصائي الرعاية الصحية على عبور هاتين الحالتين اللتين تحمل كل منهما صعوباتها الخاصة.
الحقائق
بشكل عام، وكما في الاضطرابات الجسدية الأخرى، يشير مصطلح حاد ومصطلح مزمن إلى بداية المرض وطول مدته؛ فالضغوط الحادة تمثل حالة مؤقتة وسريعة التطور، وربما ترتبط بمحفزات معينة، مثل التغير الوظيفي، أو الطلاق، أو موت أحد أفراد العائلة، أو عوامل أخرى، بينما تعني الضغوط المزمنة حالة مستمرة، وربما لا ترتبط بأحداث معينة، ولكنها ترتبط بالشعور العام بالضغوط وصعوبة التعامل مع الجوانب الطبيعية في الحياة. ومن الممكن أن يحدث كل منهما لسبب جسدي.
وكقاعدة عامة، فإن الضغوط المزمنة هي أكثر أنواع الضغوط انتشارًا، وهذا وفق ما صرح به خبراء الضغوط، مثل مركز “ويلنيس سنتر” العلاجي، والمجموعة البحثية “مايو كلينيك”، ودورية “بريتش ميديكال جورنال”، وجمعية علم النفس الأمريكية. وربما تدل عليها أعراض نفسية وجسدية طويلة المدى. وربما تتضمن هذه الأعراض الجسدية الأوجاع والآلام، والشعور بالسخونة دائمًا، والشعور بالبرد دائمًا، وسوء التغذية، وسوء التميّه (إضافة الماء)، واضطرابات النوم.
ربما يصعب تحديد الضغوط الحادة، فمن الممكن أن تشعر بالضغوط قصيرة المدى لأسباب متنوعة، بعضها يسبب تهديدًا حقيقيًّا للحياة. وعادة ما تختفي هذه النوعية من الضغوط، عندما تخف حدة الموقف. ويتفق معظم الخبراء على أن الضغوط الحادة الحقيقية تصبح مشكلة، عندما تدوم يومين على الأقل، وأنها ربما تتسبب في حدوث مجموعة متنوعة من الاضطرابات العقلية والجسدية. وربما تنشأ الضغوط الحادة بسبب مشكلات غير مهددة للحياة، مثل مشكلات العمل، أو التعامل مع أحد المواقف الحياتية، مثل مشكلات في العلاقات أو مع واحد من الأطفال الذين ربما يظهرون سلوكيات مزعجة.
ويعد الأشخاص المصابون بالقلق طويل المدى مرشحين للإصابة بالضغوط المزمنة، فهم لا يستطيعون إغلاق عناصر النظام العصبي الودي، التي تساعدهم على التعامل مع الضغوط الحادة. وبعد التعامل مع العناصر الجسدية للضغوط، مثل زيادة الأدرينالين والكورتيزول، تتعرض مستويات هذه الهرمونات الجسدية للاستنزاف. ويؤدي هذا إلى الشعور بالإرهاق، الذي لا يتفق مع شعورك العادي بالتعب. ومع مرور الوقت، ربما تؤدي هذه الاستجابة المتنامية إلى أمراض الأوعية الدموية القلبية، أو التهاب القولون، أو متلازمة القولون العصبي، أو القرحة، أو حتى الأورام السرطانية. وهذا يعني أن نظام الاستجابات للضغوط المنقذة للحياة ربما يتسبب في تهديد الحياة، عندما يتم التعامل معه مع مرور الوقت على أنه أحد أعراض الضغوط المزمنة.
وربما تحدث اضطرابات الضغوط الحادة بسبب عدد من العوامل المميزة. ويستطيع أي عامل، أو مجموعة من العوامل، التسبب في حدوث الضغوط الحادة:
– يتعرض الفرد لحدث صادم يتضمن الأمرين التاليين: يعلم الفرد، أو يشهد، أو يواجه حدثًا تقع فيه وفاة حقيقية، أو إصابة خطيرة، أو تهديد لسلامة الآخرين؛ وكانت استجابة الفرد تتضمن الخوف الشديد، أو الشعور بالعجز والرعب.
– خلال مواجهة حدث مؤلم، أو بعد مواجهته، ربما تظهر عليك ثلاثة أو أكثر من هذه الأعراض التفارقية: الإحساس الذاتي بالخدر، وانفصال الاستجابة الانفعالية أو غيابها، والشعور بالوقوع في متاهة، والاغتراب عن الواقع؛ وتبدد الشخصية، والعجز عن تذكر جانب مهم من الصدمة.
– يشعر الفرد بالصدمة مرة أخرى بسبب تكرار الصور، والأفكار، والأحلام، والأوهام، وتذكر التجربة أو الإحساس بمعايشتها مرة أخرى.
– تجنب المثيرات التي تتسبب في إعادة تذكر الصدمة.
– مواجهة أعراض القلق أو الاستثارة المتزايدة.
– يتسبب الاضطراب في الشعور بألم كبير من الناحية الطبية، أو في تدهور في المجال الاجتماعي، أو المجال المهني، أو المجالات المهمة الأخرى للعمل، أو في إضعاف قدرتك على متابعة بعض المهام الضرورية.
– يدوم الاضطراب يومين على الأقل، وأربعة أسابيع على الأكثر، ويحدث في إطار أربعة أسابيع من الحدث الفعلي.
– لا يعود سبب الاضطراب إلى الآثار النفسية المباشرة لبعض المواد، مثل المخدرات أو الكحوليات.
وهناك العديد من المصطلحات الأساسية التي تتعلق بمناقشة كل من الضغوط الحادة والمزمنة وفهمها:
– يمثل تبدد الشخصية أحد الأعراض التفارقية، التي يشعر فيها المريض بأن جسده غير حقيقي، أو يتغير، أو يتحلل.
– يمثل الاغتراب عن الواقع أحد الأعراض التفارقية، التي يعتقد فيها الفرد أن البيئة الخارجية غير حقيقية.
– يمثل التفارق رد فعل على الصدمة، يقوم فيها العقل بقطع أجزاء معينة من الصدمة من الوعي. وربما يؤثر هذا على ذاكرتك، وإحساسك بالواقع، وإحساسك بهويتك.
– تمثل الصدمة، في إطار الضغوط الحادة، حدثًا كارثيًّا أو مهددًا للحياة.
وفي مقابل الضغوط الحادة، تمثل الضغوط المزمنة حالة من الاستثارة النفسية المستمرة. وتحدث الضغوط المزمنة، عندما يواجه الجسد عددًا من الأمور المثيرة للضغوط، التي لا تحظى بفرصة تنشيط أنظمة التحرر من الضغوط. وربما تكون الضغوط المزمنة منتجًا مألوفًا لأسلوب الحياة العصري، من العمل إلى العائلة إلى الأمور التي يجب أن تتحرر من التوتر العصبي. وتشير التقديرات إلى أن نسبة كبيرة تصل إلى 90 % من أسباب زيارة عيادات الأطباء تعود في جزء منها إلى الضغوط.
الحلول
تتأصل الاستجابة للضغوط بداخلك، وهي مصممة من أجل إنقاذ حياتك عند حدوث مشكلة الضغوط الجسدية الحادة، وتعود هذه الاستجابات إلى الوقت الذي كنا نعيش فيه عن طريق صيد الحيوانات وجمع الثمار ومواجهة الأخطار اليومية في حياتنا. وكانت هذه الأخطار تثير ما يعرف باسم استجابة الكر أو الفر، عندما كان الأدرينالين والهرمونات تعد جسمك إما للهرب من موقف مثير للضغوط أو مقاومته.
ويمكن تمييز الضغوط الحادة على أنها قصيرة العمر نسبيًّا، فبعد التعامل مع عوامل الضغوط بشكل ناجح، ستعود أنظمة الجسم إلى حالتها الطبيعية؛ حيث لا تدوم بعض عوامل الضغوط الحادة، مثل الجوع – كأسباب الضغوط المزمنة – عندما يتوافر الطعام.
وعلى خلاف الضغوط المزمنة، يمكن التعامل مع الضغوط الحادة بسهولة من الناحية الطبية، إذا قام الشخص الذي يعاني الضغوط بزيارة أحد الأطباء أو المعالجين الذين يتمتعون بالخبرة في تمييز الضغوط الحادة وعلاجها. ويعتمد تشخيص الضغوط الحادة على مجموعة من التاريخ الصادق والفحص الجسدي، الذي يمكنه استبعاد أي أمراض تسبب الشعور بالقلق. وعادة ما يتضمن علاج اضطرابات الضغوط الحادة مجموعة من العقاقير المضادة للاكتئاب والعلاج النفسي. وغالبًا ما يتم ربط هذين الاثنين معًا كجزء من خطة العلاج. وتتأثر احتمالات التعافي من الضغوط المزمنة بحدة الصدمة ومدتها ومستوى الأداء السابق للمريض.
عادة ما لا يمكن التنبؤ بالأحداث الصادمة، التي تسبب كلًّا من الضغوط الحادة والمزمنة، كما أن منعها صعب للغاية. ويكمن الحل في معالجة الحالة مع التدخل المتخصص في أسرع وقت ممكن بعد حدوث الصدمة. وفي بعض الأوقات، يمكنك تمييز اضطرابات الضغط الحادة، عن طريق مراقبة التغيرات الكيميائية الحيوية في النظام العصبي المركزي، والعضلات، والجهاز الهضمي.
ويتمثل أحد تأثيرات الضغوط المزمنة الخطيرة للغاية في الأثر الموهن الذي تتركه على جهازك المناعي؛ حيث يتسبب هذا في حدوث حالة متدرجة يتأثر فيها جسدك بالأمراض التي ربما لا ترتبط بالضغوط بشكل مباشر. وفي الحقيقة، تحدث هذه الأمراض بسبب الضغوط المزمنة، التي تسبب سوء عمل النظام المناعي.