ما من شك أن الشبكة المعاونة المكونة من الأسرة والأصدقاء يمكنها تقديم مساعدة متميزة في التغلب على إحدى نوبات التوتر في حياتك. وحتى إن لم تكن تملك سوى قريب واحد أو صديق يقف بجانبك عندما تتأزم الأمور، فإن هذا الإنسان كفيل بأن يمنحك دفعة منشطة من الطاقة التي تجعلك أكثر قدرة على مكافحة التوتر. ونحن قادرون على التعامل مع أي شيء بسهولة أكثر إذا شعرنا بأن هناك من يفهمنا ويؤازرنا.
في الأحوال النموذجية، يتكون فريق مشجعيك من أسرتك. ولكن ليست كل الأسر تتكاتف معاً عندما تجد أن أحد أفرادها في حاجة للمساعدة. وبعض العائلات تفككها الأزمات والمواقف المشحونة بالتوتر. بينما تجد في عائلات أخرى، أن الأطفال يعملون على امتصاص الصدمات في المشاكل التي يخوضها الآباء.
وتختل وظيفة الأسرة عندما يصبح الأطفال آباءً لآبائهم بدلاً من أن يظلوا أطفالاً لهم. فلو أنك ترى أن الأسرة عبارة عن منظومة هرمية يرعى فيها الجيل الأكبر سناً أبناءهم من الجيل الأصغر سناً، فيعطونهم خلاصة معرفتهم وتجربتهم ويمنحونهم التأييد والتشجيع، فإن معنى هذا أن الجيل الجديد بدوره سوف يفعل الشيء نفسه لأطفاله. ولكن إذا كان الجيل الأقدم لا يزال مشغولاً بمحاولة التغلب على ما في نفوسهم من نتائج نقص المحبة والفهم من آبائهم هم، فإنهم سيصبحون مهمومين بهاجس من توترهم بحيث لا يمكنهم منح اهتمام كاف لاحتياجات أطفالهم (فإن فاقد الشيء لا يعطيه). وهذا يصنع توتراً ليس فقط بين الأبوين وأبنائهما، وإنما أيضاً فيما بين الأبوين، حتى إذا كان أحد الأبوين فقط هو الذي كان يعاني من الإهمال العاطفي لأبويه. وعندما يحدث ذلك، فإن الطفل غالباً ما يحاول أن يحقق ما يعتقد أن أبويه التعيسين يريدانه أن يكون. أو قد يحاول الطفل أن يقوم بما يعتقد أنه سيفيد في جعل أبويه سعيدين. وقد يستمر هذا في بعض الأحيان طوال ما تبقى من حياة الطفل وقد يمتد إلى ما بعد انتهاء الحياة التعيسة للأبوين. ويظل انتباه الطفل مركزاً نحو الخلف أي نحو حياة أمه أو أبيه بدلاً من أن يتجه للأمام نحو شريك حياته و/أو طفله الذي بدوره يعاني أيضاً من نقص المساندة والعاطفة.
أما في الأسرة التي تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، فإن الأطفال يمكنهم الاعتماد على أبويهم إلى أن يبلغوا سن الاعتماد على النفس ويصبح لديهم من القوة الكافية لكي يعتمدوا على أنفسهم. وهذا معناه أن أطفالهم بدورهم يمكنهم بعد ذلك أن يعتمدوا عليهم وهم صغار. وعندما يعاني الأطفال من غياب أحد الأبوين أو كليهما بحيث لا يمكنهم الاعتماد عليهما، فإنهم غالباً ما يتحولون إلى رعاية آبائهم بحيث تجد في النهاية الآباء هم الذين يعتمدون على أطفالهم. وهذا عبء رهيب وثقيل بالنسبة لطفل لكي يتحمله وغالباً ما يدفع هؤلاء الأطفال الثمن غالياً فيما بعد في حياتهم. فقد يصبحون ذوي إيمان شديد بالواجب ومفرطين في تحمل المسئولية، بينما يهملون احتياجاتهم هم. وهذا لأنهم لم يتمتعوا مطلقاً بترف تلبية احتياجاتهم الخاصة عندما كانوا صغاراً. لقد تبنّوا وظيفة الحماية والرعاية وهم أطفال وهم ببساطة لا يعرفون كيف يلقون بهذا العبء من فوق أكتافهم ويبدءون في الاهتمام بأنفسهم ورعايتها.
وهناك أسباب عديدة تجعل شخصاً ما ينشغل عن أطفاله أو شريك حياته فلا يجدونه. فالابنة التي كانت وهي طفلة تؤدي وظيفة الوصيفة والمعاونة لأمها نظراً لغياب الأب عاطفياً عن الأم، لن تشعر بأن اهتماماتها الخاصة جديرة حتى بأن تذكر مقارنة باحتياجات الأم الأكبر (حسبما ترى هي). وهذه الابنة قد تصاب بعقدة من الرجال فتعامل زوجها بعد ذلك وكذا ابنها بدرجة حب أقل مما يستحقانه. فمن ناحية، هي لا تزال في حالة دفاع عن أمها ضد والدها. وقد يؤدي ذلك إلى تقويض حياتها الزوجية وتنشئة ابنها على الشعور بأنه لا يوجد من يسانده وبأنه مواطن من الدرجة الثانية. وهذا بدوره يقلل من فرص نجاح الابن في تكوين علاقة ناجحة في المستقبل أو قيامه بدعم والده أو طفله.
ولا يوجد ما يمكننا عمله لتاريخ أبوينا، ولكن من المؤكد أنه في قدرتنا إيقاف زحف الخلل. وإليك بعض التساؤلات التي يمكنك أن تطرحها على نفسك حتى تكتشف ما إذا كنت لا تزال متعلقاً بطفولتك أم لا:
هل جاوزت سن الثلاثين ولا تزال تشكو من أبويك؟
هل تجد نفسك أحياناً وقد أخذت تتذكر أحداث طفولتك المتعلقة بأبويك وتشعر بالألم أو الغضب بسببها؟
هل تتصرف بطريقة كنت دوماً تكرهها في أمك أو أبيك؟
هل أنت مقتنع بأن والديك لم يقوما بأي شيء طيب تجاهك؟
ألا زلت تدخل في مناقشات داخلية مع والديك برغم أنهما لم يعودا على قيد الحياة؟
هل تجد صعوبة في إظهار الحب لشريك حياتك و/أو أطفالك؟
أي من تلك السلوكيات يعد علامة على أنك لم تتخلص بعد تماماً من ارتباطك بطفولتك. وفي الوقت الذي تتعلق فيه بأهداب الماضي، فإنك غائب عن كل من شريك حياتك أو أطفالك. كذلك أنت غائب عن ذاتك. فأنت لا تزال تنتظر من أبويك أن يخبراك بأنك أهم شيء حدث لهما في حياتهما. وهذا شيء فظيع أن تظل في حالة انتظار لأمر ما في حين أن أبويك نفسيهما لا يزالان في حالة انتظار لوصول نفس الرسالة من أبويهما! وفي الوقت نفسه، شريك أو شريكة حياتك وأطفالك يبحثون عنك دون جدوى لأنك مشغول بالماضي.
ونقطة الانطلاق للأمام من هنا تكمن في ضرورة الحصول على مساعدة أخصائي في شئون العلاج لمعاونتك في التغلب على أحداث الماضي التي تجعلك أسير الماضي. وبمجرد أن تبدأ العلاج، سوف تبدأ الكثير من توتراتك الحالية في الزوال، وسوف تبدأ علاقاتك مع أسرتك في التحسن نحو الأفضل. في بعض الحالات، قد يعني هذا أن تضطر للافتراق عن شريك حياة غير مناسب، بينما في أحوال أخرى قد يؤدي هذا إلى إنقاذ علاقة وجعلها أقوى مما كانت عليه. ولكن حتى إذا أنهيت علاقتك مع شريك حياتك نتيجة للمضي في طريق العلاج، فإنك سوف تصبح أكثر أبوة أو أمومة تجاه أطفالك برعايتك لنفسك بدلاً من أن تجعل أطفالك يشعرون بأن من واجبهم رعايتك. وبمجرد أن تبتعد عن متاعبك مع طفولتك وتتركها وراء ظهرك، يمكنك العودة كاملاً إلى أطفالك ومنحهم ما يستحقونه من رعاية ومؤازرة. وأفضل شيء تفعله الآن أن تبحث عن شريك حياة يقدرك ويحبك فتجد سعادتك معه.