هناك سوق جديدة ناشئة لمواقع تدريب الدماغ الحاسوبية الإلكترونية المطوّرة لمساعدة أفراد خاصة على تمرين، وتعزيز، وتحسين أدمغتهم. تتنوّع هذه المواقع وتعرض تدريبات مختلفة، لكن إلى حد معين تقدّم كلها فرصةً لأفرادٍ لتدريب دماغهم، والهدف عموماً تحسين الأداء اليومي في مهمات مثل انتباه، وذاكرة، وقدرة بصرية مكانية.
السؤال الكبير طبعاً هو: هل تُجدي هذه النشاطات نفعاً حقاً؟ هل يكون عقلي سليماً وبحال أفضل بالاشتراك في هذه المهمات الإلكترونية؟ لنراجع بعض الأبحاث المختصة، خارج نطاق شهادات المواقع الإلكترونية أو الدعايات الترويجية، لنرى أي برامج مثل هذه تُحدث فرقاً.
بوصفنا مجتمعاً، تطوّرنا بدمج أنفسنا بالتقانة، بالرغم من أن مستوى الدمج يختلف بناءً على الفرد. بقيت ميزات الألعاب محدودة حتى سنوات أخيرة، وقد تعرّض “اللاعبون” أنفسهم لانتقادات غالباً لقضائهم وقتاً طويلاً جداً يفعلون شيئاً يُنظر إليه على أنه لا يُقدّم فائدة كبيرة للمجتمع. على كل حال، الأوقات تتغير، وقد قُدّمت بعض الأمثلة الجيدة على فائدة الألعاب، وتأتي إحدى هذه الأمثلة من الحقل الطبي، حيث طُرح السؤال: هل هناك شيء إيجابي لطلاب الطب في ممارسة ألعاب فيديو؟ حسناً، في الواقع، توجد فائدة. أظهرت دراسة في 2011 أن طلاب الطب الذين اشتركوا في لعبة فيديو سبع ساعات أسبوعياً على الأقل أظهروا تحسناً كبيراً في مهاراتهم الحركية النفسية، ويظن هؤلاء الباحثون أن مهارات حركية نفسية أفضل يعد أفضلية لمهنة الجراحة وأن نشاطات الألعاب تُترجم إلى مهارات مفيدة في غرفة العمليات. استنتجت مراجعة نقدية عن هذا الموضوع نفسه أيضاً أن مهارات جراحية معينة قد تحسّنت، إضافة إلى الأداء عموماً في مهمات حركية نفسية، نتيجة ممارسة ألعاب فيديو. إضافة إلى هذا، يقترح دليلٌ حالياً أن لاعبين يتمتعون بأفضلية متميزة في مهارات معرفية أساسية (مثال: ملاحقة أشياء، ذاكرة بصرية قصيرة الأمد، تغيير مهمة). لم يُفهم تماماً مدى هذه “الأفضلية الدماغية”، خاصة في أعمار متنوّعة، لكن هناك جهود مستمرة لتقويمها.
لقد قدّمت هذه الأمثلة الأوّلية لتبديد خرافة أن الألعاب كلها سيئة. في الواقع، قد يكون الجار المراهق الذي يمارس الألعاب كل الليل جرّاحك بعد عشر سنوات من الآن، وبتوضيح بعض الميزات الإيجابية للألعاب، أحاول ببساطة المساعدة في جعلك تفهم أن الاشتراك في نشاطات عبر حاسوب أو جهاز ألعاب قد ينطوي على بعض الفوائد التي لم يُفكّر فيها سابقاً.
بالرغم من وجود بعض الفوائد الأساسية الواضحة للألعاب عموماً، لكن بالنسبة إلى أفراد متقدّمين بالعمر لا يسعى أشخاص إلى تحقيق هذه الفوائد العامة، إنما الفوائد النوعية. إذا قضيت وقتاً في تنفيذ مهمة، تريد أن تعرف السبب، ومدى نجاح الأمر، وهذه طبعاً أسئلة شرعية تماماً.
قبل تقديم بعض الأدلّة، ينبغي أن أوضّح أولاً، وهذا ليس مفاجئاً، أن تأثيرات ألعاب الفيديو على أشخاص كبار السن لم تُفحص على نحو شامل، بالرغم من أنها قد حظيت بالتأكيد بالاهتمام في السنوات القليلة الماضية لعدّة أسباب؛ إحداها أن الجيل الذي ترعرع مع أنظمة الألعاب المنزلية أضحى الآن بعمر الباحثين، وهم مهتمون بشأن تأثيرات النشاطات التي قد اشتركوا فيها وقتاً طويلاً وكيف يمكن الاستفادة منها لتحقيق فوائد صحية. إضافة إلى هذا، بسبب التزايد السريع لعدد السكان المتقدّمين بالعمر، يحاول كل من الأفراد كبار السن ومهنيي الرعاية الصحية إيجاد طرق جديدة للتعويض عن تضاؤل خدمات، ومعلومات، واهتمام.
هل تنشّط لعبة فيديو عمل فرد متقدّم بالعمر؟
الجواب هو نعم! تبين أن ألعاب الفيديو فاعلة في مساعدة أفراد متقدّمين بالعمر على تحسين عدّة مهارات، لكن الاهتمام الأكبر هو كيف تساعد هذه الألعاب وما المهارات التي تحسّنها؟ بدايةً، اهتم الباحثون بفحص إن كانت ممارسة ألعاب “أصلية” أساسية (مثال: دونكي كونغ، باك-مان، تيتريس) ستؤدي إلى أداء معرفي عام أفضل. أظهرت هذه الدراسات الأوّلية التحسينات المحدّدة التي يمكن ملاحظتها بممارسة إحدى الألعاب “الأصلية”. مثلاً، وجدت دراسة أن أفراداً متقدمين بالعمر (بين عمري السابعة والخمسين والثالثة والثمانين) يلعبون دونكي كونغ وباك-مان أظهروا تحسّناً في أوقات انتقاء إجاباتهم، ما يعني أنهم أصبحوا أسرع في مهمات تتطلّب منهم أن يقرروا بسرعة الإجابة الصحيحة. من ثم، في هذه الحال، تكون ممارسة أفراد متقدّمين بالعمر ألعاباً ممارسات عامة لمهمات تتطلّب حكماً واختياراً سريعاً. لقد أظهرت أبحاث إضافية في هذا المجال أيضاً أن أفراداً متقدمين بالعمر (من التاسعة والستين إلى التسعين) يلعبون لعبة سوبر تيتريس قد أظهروا تحسّناً كبيراً في وقت ردود أفعالهم وفي بعض الحالات إحساسهم بالخير. على كل حال، فيما يتعلق ب سوبر تيتريس، مهم أن نلاحظ أن الباحثين أشاروا إلى تسجيل تأثيرات أضعف في قياسات الأداء المعرفي، مقترحين أن المكتسبات محدّدة بنوع المهمة المنجزة. بالرغم من أن هذا قد يبدو سلبياً، إلا أنه يقدّم أيضاً رأياً بشأن طرق الاستفادة من هذه المهمات. مثلاً، نعرف أن المرء يمكن أن يصبح عموماً أسرع في مهمات حركة موجّهة بصرياً، ما يعدُّ مكافأة ممتازة، خاصة بمواجهة التقدّم الكبير بالعمر.
هذه النتائج رائعة؛ لأنها تُظهر أن تحسّناً يحدث عند مستوى معين في الدماغ المتقدّم بالعمر. تساءل الباحثون إن كان ممكناً استخدام ألعاب أكثر تعقيداً أو مجموعة ألعاب لتحسين عمليات معرفية أكثر تكلّفاً، مثل ذاكرة، واستنتاج، وقدرات تخطيط (مثال: مهمات الفص الجبهي). في سنوات حديثة، بدأ الباحثون محاولة الإجابة عن هذا السؤال. مثلاً، استخدمت دراسة مجموعة من سبعة ألعاب فيديو اختيرت لقدرتها المفترضة على تحسين التركيز، وسرعة المعالجة، ومهمات إجرائية، وذاكرة عاملة. اختارت دراسة أخرى لعبة قدّمت تغذية راجعة حقيقية وكانت إستراتيجية جداً، وتتطلّب انتباهاً مستمراً لعناصر متنوّعة من اللعبة وتطبيق إستراتيجية عامة. ركّز باحثون آخرون على لعبة ظنّوا أنها تحفّز “التحكّم التنفيذي” (مثال: تشتّت انتباه، مسح بصري، ذاكرة عاملة)، ووجدوا أنها أكثر فاعلية في إنشاء نقل أفضل لمهارات معرفية يومية. ما تشترك فيه هذه الدراسات عموماً هي أنها كلها تقدّم تقارير، عند مستوى معين، عن أداء أفضل لسكان متقدّمين بالعمر في مهمات معرفية مثل ذاكرة عاملة، وذاكرة بصرية قصيرة الأمد، وتغيير مهمة، واستنتاج، وجودة الحياة. هذه القائمة من الفوائد واعدة جداً ويشجّعها الفحص المتزايد لاستخدام ألعاب معقّدة للمساعدة في تغيير عملياتنا المعرفية. على كل حال، تُنجز هذه المهمات في بيئات صارمة مع أدوات تحكّم دقيقة، ويكون اللاعب المشارك مسروراً ويحاول من دون شك تقديم أفضل ما لديه في كل مرة. من ثم، إذا بدا هذا التدريب مرغوباً لديك، فتذكّر أن الانتباه الكامل مهم جداً لتحقيق هذه الفوائد.
ربما يفكّر المرء: “رائع، قد يكون هذا عنصراً مفيداً جداً في إبقائي على قمة لعبتي حين أتقدّم بالعمر، لكن ماذا يحدث إذا كان دماغي معرضاً لهجوم من داء معرفي؟ هل هناك شيء يمكنني فعله لمساعدة دماغي آنذاك؟”. حسناً، كما يحدث دائماً، هناك دراسات تجري لمساعدتنا في فهم ما يمكننا فعله إن كنا مصابين بمرض تنكّس عصبي مثل ألزهايمر.
الألعاب/التدريب وداء ألزهايمر
لقد ظنَّ أفراد مصابون بداء ألزهايمر تاريخياً أن ليس بمقدورهم فعل الكثير وأن دواءً للمساعدة في مكافحة هذا الهجوم على أدمغتهم هو حقاً الخيار الوحيد، وقد يكون هذا إشكالياً جداً لأفراد لا يستطيعون، لعدّة أسباب، أخذ أدوية معينة. على كل حال، لقد وجد الباحثون في سنوات حديثة أن الدواء ليس الخيار الوحيد، ويعدُّ التدريب المعرفي cognitive training لمرضى داء ألزهايمر مجال بحث جديد نسبياً، ومنذ 2004 فقط يُقال إنه لا توجد إجراءات معالجة معرفية مثبتة تجريبية لداء ألزهايمر. على كل حال، أشارت دراسات أكثر حداثة أن التدريب المعرفي، إضافة إلى مثبّطات الكولينستيراز (دواء)، قد يكون فاعلاً في تحسين أو استقرار المعرفة في داء ألزهايمر معتدل. مثلاً، أظهرت دراسة بالاستفادة من برنامج حاسوبي مدّة ثمانية أسابيع، ويتكوّن من مجموعتين من ست عشرة جلسة تدريبات معرفية متنوّعة، أن مرضى مصابين بداء ألزهايمر معتدل قد تحسّنوا كثيراً نتيجة جرعات ثابتة من مثبّطات الكولينستيراز في اختبارات معرفة عالمية (نقاط MMSE)، وإنتاج ألفاظ، ووظائف تنفيذية. إضافة إلى هذا، كشفت دراسة استدلالية عشوائية تقارن إضافة التحفيز النفسي أو التحفيز المعرفي إلى مثبّطات الكولينستيراز في مرضى داء ألزهايمر معتدل تحسناً في نقاط اختبارات معرفية عالمية، التي بقيت على حالها حتى انتهت الدراسة بعد أربعة وعشرين أسبوعاً. على نحو مشابه، استفاد مرضى داء ألزهايمر معتدل يتناولون جرعة ثابتة من مثبّطات الكولينستيراز من تدخّل تأهيل معرفي، وأظهروا تحسّناً في التكيّف، وتعلّم روابط اسم-وجه، وسرعة معالجة، ونشاطات وظيفية محدّدة مثل إجراء تغيير في عملية شراء. أُجريت هذه التدريبات مدة ثلاثة شهور من دون أي جلسات تقويم إضافية.
لقد أظهرت دراسات أخرى تحسّناً في القدرة المعرفية ونشاطات الحياة اليومية، وفيها تغييرات إيجابية في اضطرابات سلوكية وإجهاد مانح الرعاية. رأى باحثون استخدموا تدريبات تهدف إلى تأهيل الذاكرة ونشاطات الحياة اليومية في مرضى تناولوا جرعات ثابتة من مثبّطات الكولينستيراز تحسّناً كبيراً في نشاطات الحياة اليومية وتحسناً بسيطاً في الذاكرة بعد انتهاء برنامج تدريب مدّته أربعة عشر أسبوعاً. حافظ مرضى مصابين بداء ألزهايمر خفيف إلى معتدل أو خلل معرفي معتدل يتناولون مثبّطات كولينستيراز، وتلقّوا تدخلاً حركياً-معرفياً، على الحالة المعرفية بعد ستة شهور وحافظوا أو حسّنوا حالتهم العاطفية بعد سنة واحدة.
إحدى الرسائل المهمة الرئيسة من هذه الدراسات هي أن تدخلاً يستند إلى الحاسوب يستهدف أفراداً مصابين بداء ألزهايمر؛ مرض كان يُظنُّ سابقاً أنه لا يستجيب لتدخّل لا دوائي، قد يكون فاعلاً. من ثم، هدف باحثين كثيرين الآن هو فهم تفاصيل مثل هذه البرامج، ولماذا تكون استراتيجيات معينة أكثر فاعلية من أخرى وأي أجزاء من الدماغ ينبغي استهدافها.
عندما يتعلق الأمر باستهداف أجزاء دماغية، قد لا تكون محاولة علاج المرض مفيدة جداً وربما تسبّب إحباطاً لكل من مانح الرعاية والمشترك. محاولة علاج المرض تعني، مثلاً، استهداف الذاكرة (إذا كان شخص يعاني مشكلة ذاكرة) بنحو يومي، باستخدام إستراتيجية مركّزة لإحداث تغيير وزيادة الذاكرة. مثلاً، قد يتضمن هذا وضع قائمة بعشر كلمات لفرد مصاب بداء ألزهايمر يقرؤها كل صباح ثلاثين دقيقة، من ثمَّ إبعاد القائمة والطلب منه أو منها تذكّر تلك الكلمات العشر. كما قد تتخيّل، بالنسبة إلى فرد مصاب بداء ألزهايمر، ستصبح هذه المهمة صعبة ومحبطة جداً، فتذكّر أي شيء أي مدة من الوقت، خاصة كلمات غير مترابطة في مهمة ذاكرة قصيرة الأمد، سيكون من دون شك صعب الإنجاز. على كل حال، إذا قدّمت كل صباح لفرد مصاب بداء ألزهايمر لعبة يمارسها تطلب منه ترتيب أشكال أو إيجاد طريقه عبر متاهة، فلن تكون المهمة على الأرجح صعبة جداً وستتفادى صداماً مع المريض (إن كانت الذاكرة الاهتمام الرئيس). الهدف طبعاً هو تحسين الأداء عموماً، وفيها الذاكرة، عبر تنشيط أجزاء أخرى من الدماغ، التي بالمقابل قد تساعد في تحفيز مناطق مصابة عبر مسارات غير مباشرة.
هناك، طبعاً، عدّة أجزاء دماغية تعمل بالتنسيق مع بعضها كل يوم في جهد لتنفيذ مهمات متنوّعة، وقد أظهر بحث حديث فحص البنية الفيسيولوجية للنظام العصبي أن دماغ المرء يتمتع بصلات مهمة بين أجزائه المختلفة. في الواقع، التكامل البنيوي لحزمة من الألياف العصبية (الحزمة الطولانية الخلفية، الحزمة الجبهية القفوية الخلفية، القشرة الطوقية، والجزء المهادي الخلفي) مع ملاحظة أن صلات بين أجزاء الدماغ الجداري (أي منطقة الفعل)، والجبهي (أي التخطيط والتنظيم)، والصدغي (أي الذاكرة) مهمة في الحفاظ على وظيفة الدماغ العامة. يشير البحث أن ضرر حزم الألياف هذه في، لأقل، المناطق الجدارية قد يؤثر في إحداث تغييرات في أجزاء مثل الفص الصدغي. من ثم، أقترح أنه إذا ضعُفت هذه الصلات بين الأجزاء الدماغية نتيجة مرض أو أذية (مثال: إصابة دماغية رضّية)، فإن تقوية منطقة قد يساعد أخريات، أو على الأقل إنشاء رابط أفضل. بالرغم من عدم وجود دليل حاسم على حدوث هذا في الواقع، قد تُلقي أبحاث أخرى في سنوات قادمة مزيداً من الضوء على هذا الموضوع.
في الختام، قد يسأل المرء: هل ينبغي تضمين ألعاب فيديو أو تمرينات ذهنية في جهودي اليومية للحفاظ على دماغ سليم؟ حسناً، أظن أن السؤال ليس إن كان ينبغي عليكم ذلك، إنما كم وبأي طرق. أظن أن هناك جواباً حاسماً لهذا السؤال، وبالرغم من أن بعض المواقع الإلكترونية تقترح أن بمقدورك تحديد منطقة ضعيفة – وهذا صحيح – إلا أنها قد لا تكون المنطقة التي تثير الاهتمام، واستهدافها قد لا يساعدك في الحفاظ على صحتك. لذا أفضل نصيحة هو تغيير نشاطاتك باستمرار وتدريب دماغك كله، لا أجزاء منه فقط.
التدريب المعرفي واعتلالات داء ألزهايمر العصبية
كما يتبين من تصنيفها، تتصف حالة تنكّس عصبي مثل داء ألزهايمر بأنها متطوّرة وموهنة. على كل حال، بالرغم من هذا التوضيح، لا يزال احتمال المرونة المعرفية قائماً. في الواقع، يشير الدليل إلى أنه يمكن ملاحظة مرونة معرفية (أي قدرة الدماغ على التكيّف) في بداية داء ألزهايمر، وقد أظهر بحث عن مرضى داء ألزهايمر تنشيطاً أكبر في أجزاء الدماغ الداعمة لنشاطات ذاكرة وتنفيذية، ما يشير إلى أن الدماغ المتضرر يعمل بجد أكبر، ودعماً لهذا، لاحظ بحث علم أمراض أنه يمكن رؤية زيادات في حجم الممسّات العصبية. من ثم، النظرية أن المرحلة الباكرة من داء ألزهايمر تُوجد بيئة يحاول الدماغ فيها التعويض عن النقص بزيادة حجم الممسّات العصبية ونشاطها، وتسمح تغييرات في عمليات الدماغ للمرء بالتعامل مع بداية داء ألزهايمر، لكن أوقاتاً محدودة فقط. عدم المساعدة في هذه العملية، برأيي، يعني أن داء ألزهايمر قد يتقدّم بسرعة أكبر، خاصة في أفراد معينين لا يكونون مستعدين تماماً للتكيّف مع التحدّيات أو التغييرات الجديدة في كيميائية الدماغ وبنيته، وتشير أدلّة إلى أن تدخّلات إضافية غير دوائية مثل نشاطات تحفيز معرفي، مترافقة مع الدواء، قد تحسّن قدرات المرء أكثر مما يمكن أن نلاحظه عند تناول الدواء وحده.
التدريب المعرفي وداء ألزهايمر
إجراءات تأهيل مرضى داء ألزهايمر منطقة جديدة نسبياً من البحث، ولا توجد مواد مطبوعة شاملة عن هذا الموضوع. نتج عن مراجعة كبيرة للأبحاث في 2006 ست عشرة دراسة مكتوبة (التُزم فيها بقواعد ملائمة ووسائل تحكّم مناسبة) تركّز على التدريب المعرفي لأفراد مصابين بداء ألزهايمر. المثير للاهتمام أن كل دراسة تضم بالمتوسط ستة عشر موضوعاً فقط، وتشير إلى أن التدريب المعرفي لهذه المجموعة السكانية لم يُدرس بأي وسيلة على نطاق واسع. عموماً، يبدو أن التدريب المعرفي يقدّم فعلاً بعض الفائدة، لكن ما يحقق هذه الفائدة لا يزال موضع نقاش، وربما يُعزى السبب إلى اشتراك الفرد روتينياً في مهمات مع فرد آخر، وهذا الاهتمام المستمر هو ما يساعد على تحسين المزاج والانتباه، وإبقاء الفرد بنحو عام فاعلاً ذهنياً، أو إلى أن استراتيجيات متجدّدة أيضاً (التي تستهدف الخلل لكنها تركّز على إبقاء الدماغ نشيطاً)، مقارنة باستراتيجيات معاصرة (تحاول إصلاح خلل محدّد)، أكثر فائدة.
لقد أشارت أبحاث إضافية أنه عندما يحظى أفراد مصابون بداء ألزهايمر بفرص الاشتراك في برامج تدريب معرفي أو تأهيل معرفي، يحدث تحسّن واضح. بنحو محدّد، أظهر إجراء تحسّناً معرفياً عبر الاستفادة من مهمة برنامج حاسوبي، مع تحسّن في الذاكرة (قصيرة الأمد وطويلة الأمد)، والإدراك الحسي، والانتباه، وإضافة إلى هذا، أظهرت دراسات عن مرضى مصابين بخلل معرفي معتدل زيادات واضحة في الذاكرة العاملة والتعلّم الحركي النفسي (فهم إلى أين يتحرّك عند الطلب). بنحو عام، لوحظ تحسّن كبير في “فحص الحالة العقلية” (MMSE)، والفصاحة اللفظية، وتخطيط وتنظيم مهمات. يعالج أحد البرامج فاعلية استخدام إجراء تحفيز معرفي محدّد مقابل مقاربة أكثر شمولية، وأظهرت النتائج أن التحفيز الشامل، بدلاً من إجراءات معرفية محدّدة، أكثر نجاحاً (مشابه لما ذُكر آنفاً)، كما يتضح من التحسّن في الفصاحة اللفظية، واضطرابات سلوكية، وإجهاد مانح الرعاية. تقترح مقاربات أخرى أن الطريقة الأكثر فاعلية لإبطاء تقدّم داء ألزهايمر تكون عبر مزيج من إجراءات التدريب المعرفي والمعالجات الدوائية (مثال: مثبّطات كولينستيراز). أظهر مرضى مصابين بداء ألزهايمر معتدل عولجوا بمثبّطات كولينستيراز أداءً أفضل في التكيّف، وتعلّم روابط وجه-اسم، وسرعة المعالجة، وقدرات وظيفية محدّدة، واستفادت هذه المجموعة أيضاً من تحفيز أسبوعي للذاكرة وقدرة اللغة، الذي حسّن بالمقابل الوظيفة المعرفية ونشاطات الحياة اليومية.
كان تدريب المهارات الوظيفية مرتبطاً بالحفاظ الناجح على مكتسبات معرفية مدّة ثلاثة شهور، ولاحظ الباحثون نقطتين رئيستين هما أن التدريب المعرفي المشابه كثيراً لمواقف في العالم الحقيقي ذو فائدة كبيرة للمرضى، وأن أداءً أفضل في هذه المهمات الوظيفية قد يكون نتيجة مباشرة لتدريب بصريحركي. من ثم، لاحظت هذه الدراسة أهمية المعالجة البصريحركية في إحداث تأثير إيجابي على التحسّن المعرفي لمرضى داء ألزهايمر. يشير هذا إلى أن أبحاثاً مستقبلية ينبغي أن تستكشف هذا النوع من التدريب لتحديد التأثيرات طويلة الأمد.
بالرغم من أن دراسات عديدة مذكورة هنا أظهرت تحسّناً معرفياً عاماً، ينبغي تعديل النتائج بحقيقة أن هذه التحسّنات لم تُلحظ في كل المجالات أو في كل الدراسات، خاصة حين بلغ أفراد مرحلة أكثر تقدماً من الخلل المعتدل إلى الحاد. لم تُلحظ مكتسبات معرفية في كل المرضى، وبقي أداؤهم في بعض الحالات عند مستوى مستقر نسبياً، ما يثير تفاؤلاً بأن مرض التنكّس العصبي كان يواجه مقاومة من نوع ما.
يمكن عرض ثلاث نقاط رئيسة من هذه المراجعة لداء ألزهايمر والتدريب المعرفي. أولاً، هذه العملية تحقق نجاحاً، والدليل هو التغيير المعرفي الكبير على عدّة مستويات. ثانياً، نظراً إلى أن هذه التغييرات الأساسية ملحوظة، هناك فرصة لمعالجة هذا المرض على مستويات مختلفة. أخيراً، ينبغي توسيع مبادرات التدريب لمعالجة حالات خلل أكثر شمولية مرتبطة بداء ألزهايمر. حتى الآن، كانت برامج التدريب المعرفي تطبيقات إرشادية أساساً لمرضى داء ألزهايمر، من ثم لم يكن التركيز كبيراً على تحفيز أجزاء دماغية متنوّعة – مثلاً، الفص الجداري، الذي كان موضوع أبحاث محدودة بالرغم من وجود حالات خلل كثيرة مرتبطة به، خاصة في مهمات حركية موجّهة بصرياً. من ثم، للتعامل مع حالات خلل في الأداء البصريحركي/البصريمكاني (مثال: نشاطات الفص الجداري) والترويج للتأهيل الشامل (لوحظ أنه يؤثر على التدهور المعرفي العام)، قد يكون تصميم إجراءات تدريب لتنشيط الشبكات الجدارية خياراً حيوياً في تأهيل جزء يتأثر كثيراً بتقدّم داء ألزهايمر. يمكن أن تحسّن هذه الإجراءات جودة الحياة لأفراد كثيرين، لكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث.
فعالية كلفة معالجة التحفيز المعرفي
أولاً وقبل كل شيء، عندما يقرأ شخص عبارة فعالية كلفة، يفكّر في مقدار الأموال التي يمكن توفيرها، لكن فعالية الكلفة ينبغي أن تُفحص على نطاق واسع، ويجب أن تدرك حكومات أن تخصيص مزيد من الأموال قد يحمي مواطنيها من تدهور خطير أقسى حين يواجهون مرضاً مرتبطاً بالعته. من ناحية شخصية، قد تشير فعالية الكلفة إلى تكلفة الحفاظ على مستوى قدرة المرء أطول وقت ممكن، و”الحفاظ على النفس” أمر بالغ الأهمية، وينبغي أن يدرك أفراد تكلفة عدم فعل شيء.
الصورة العامة هي: أظهرت أبحاث عن معالجة التحفيز المعرفي (CST) قدرتها على أن تكون خياراً تفوق فائدته كلفته فيما يتعلق بمعالجة داء ألزهايمر. يمكن ملاحظة تحسّن جودة الحياة والحال المعرفية مع بدء تطبيق معالجة التحفيز المعرفي. التحسّن نتيجة معالجة التحفيز المعرفي أكثر فائدة حين مقارنتها بمعالجات نموذجية. أبرز هذا البحث أيضاً أهمية استخدام تقنيات المعالجة المعرفية لعلاج أمراض مرتبطة بالعته والأفضليات التي يمكن كسبها بتطبيق برامج معرفية بسيطة على هؤلاء السكان. لإلقاء نظرة أقرب على هذه التدخّلات، سيقدّم القسم الآتي فهماً للتكاليف البشرية والمادية الحقيقية المرتبطة بهذا النوع من النشاط.
التكاليف البشرية والمادية لمعالجة التحفيز المعرفي
لم تحظ فاعلية كلفة، أو مدى فاعلية، برامج علاج التحفيز المعرفي باهتمام كبير نسبياً؛ لأنه لا توجد طريقة لتقويم هذه الأنواع من البرامج، ويؤثر تحديد ما ينبغي قياسه، أو كيف يُقاس، على التكلفة كثيراً. إضافة إلى هذا، بسبب هذه التباينات، قد تكون محاولة إجراء مقارنات مباشرة بين دراسات مختلفة صعبة. على كل حال، بالرغم من هذه القضايا، أُجريت دراسات كثيرة لمحاولة تحديد التكاليف المرتبطة بعلاج التحفيز المعرفي.
فحصت دراسة في 2006 فاعلية كلفة علاج التحفيز المعرفي في المملكة المتحدة في جهدٍ لفهم الرغبة في دفع أموالٍ لإحداث التغيير المعرفي، وعرض الباحثون أشياء مثل كلفة إنجاز زيادة نقطة واحدة على مقياس معرفي مثل فحص الحالة العقلية، التي قُدّرت بمبلغ 102 جنيه إسترليني (156 دولار أمريكي)، وبالنسبة إلى مقياس جودة الحياة، يكلّف تغيير بمقدار نقطة واحدة 22.82 جنيه (36 دولاراً). بدت هذه الأرقام، خاصة الثاني، منخفضة نسبياً؛ لأن أسراً أشارت إلى أنها ستدفع بالمتوسط 100 جنيه (145 دولاراً) لإنجاز تغيير فاعل، ولاحظ باحثون أن انحدار نقطة واحدة في سجل فحص الحالة العقلية لفرد يأخذ دواءً (دونبزيل) قد قُدّر بمبلغ 56 جنيهاً (86 دولاراً) من التكلفة المباشرة للرعاية الصحية والاجتماعية، ولا يتضمن هذا الرقم تكاليف العلاج والإقامة في المستشفى، التي ستكون كبيرة طبعاً. من ثم، اقترحوا أن قيمة علاج التحفيز المعرفي قد تكون أكبر مادياً وأفضل كثيراً من الاعتماد على الأدوية فقط في المعالجة. أخيراً، تساءلوا إن كان العامل الذي يحدث هذا التغيير في مجموعات علاج التحفيز المعرفي مرتبط بالعنصر الاجتماعي لهذا العلاج لا التدخّل نفسه. على كل حال، فحص الباحثون بيانات التنظيم في مجموعات اجتماعية فقط وحدّدوا أن الاختلاف حدث في الواقع نتيجة علاج التحفيز المعرفي لا التفاعل الاجتماعي فقط. بالرغم من أن هذا البحث ركّز أساساً على الجانب المادي، أظن أنه سيكون ممكناً القول إن زيادة في سجل جودة حياة شخص، لا رؤية انخفاض مستمر، يعدُّ كسباً مهماً لكل من الأفراد وأسرهم، ما يخفض “الكلفة البشرية” أيضاً.
لقد أظهرت دراسات إضافية لم تفحص أياً من هذه التكاليف مباشرة أن برامج معرفية تحقق نجاحاً في إحداث تغيير معرفي. بالمعدّل، انخفاض سنوي بمقدار 1.8 إلى 4.2 نقطة في سجل فحص الحالة العقلية نموذجيٌ لمرضى داء ألزهايمر. عند أخذ هذا بالحسبان، أظهر باحثون أن برامج علاج معرفي قد تُبطل هذا التنكّس (لاحظ أن عدم وجود حركة إطلاقاً على المقياس يعدُّ في الواقع كسباً مع هذا المرض)، ويشير أحد الأبحاث أنه كلما طالت مدة اشتراك المرء في برامج تدريب معرفي، كان الأثر أكبر في تفادي تدهور معرفي كبير وزيادة وقت بقاء أفراد في المنزل، كما اقترحت أيضاً أن الاستمرارية (نشاطات معرفية متواصلة) أساسية لأفراد مصابين بداء ألزهايمر. من ثم، تعدُّ البرامج المعرفية فرصاً جيدة لإحداث تغيير فوري، واقترح البحث أيضاً أن هذه البرامج ينبغي أن تضم أوقات نشاط مستمر للمساعدة في الحفاظ على المكتسبات المعرفية، وأنها إذا لم تتميز بذلك، فقد تتدهور حال أفراد بعد ثلاثة وعشرين أسبوعاً فقط من التدخّل المعرفي.
لقد فحص باحثون أيضاً تدخلات مرتبطة بمعالجة مرضى العته وداء ألزهايمر، وقدّمت منشآت عديدة تقارير عن قضايا مرتبطة بالقلق، واضطرابات سلوكية، وأذيات جسدية (مثال: حالات سقوط). لاحظت دراسة في 2012 أن تطبيق برنامج إدارة سلوكية؛ مزيج من برنامج معالجة يضم عناصر من موسيقا، وتقوية ذاكرة، وأشرطة دي-في-دي خاصة مرتبطة بالراحة والتحفيز، يؤدي إلى زيادة تفاعل أفراد مع الموظفين وخفض مستويات غضبهم، ما يخفض بالمقابل المدة التي يقضونها في التعامل مع مرضى منزعجين ويمنحهم مزيداً من الوقت لتقديم رعاية أفضل. إضافة إلى هذا، لاحظ هؤلاء الباحثون أن حالات السقوط قد انخفضت بمعدّل 32.5 بالمئة في أثناء أول ستة شهور من هذه الدراسة. مهم أن نلاحظ أن هذا البرنامج استخدم مزيجاً من معالجات إدارة السلوك، وفيها نشاطات تحفيز، وبالرغم من أن عدداً من هذه النتائج إرشادية فقط، أظن أنها ترتبط جيداً بنظرية أن نشاطات التحفيز المعرفي تحقق فوائد عديدة ويمكن استعمالها وتنفيذها بسهولة في بيئات متنوّعة.
بالرغم من أنني لم أضع قائمة بأي كلفة مباشرة مرتبطة بهذه البرامج، يمكن أن تطمئن إلى أن الحفاظ على فرد ضمن جماعة وفي المنزل يعدُّ، على مستوى شخصي، أقل إجهاداً له ولأفراد الأسرة أيضاً. طبعاً، مانحو الرعاية المباشرون مستثنون؛ لأنهم يتعرّضون لضغط كبير في أوقات التعامل مع أحبائهم، ثم إن اضطرارهم إلى اختيار وضع طويل الأمد (إن كان ممكناً وبمقدوره أن يتحمّله) قرار صعب جداً. من ثم، تطبيق برامج تدريب معرفي سهلة، ومستمرة، وتفيد الجماعة بفاعلية، قد يكون ذا فائدة تفوق الكلفة، خاصة حين ننظر إلى أرقام معالجة أفراد كما كنا نفعل في السابق.
تقترح بيانات من جمعية الألزهايمر الأمريكية أننا إذا استطعنا تأخير الرعاية المنزلية طويلة الأمد شهراً واحداً، يمكن توفير مليار دولار سنوياً. إضافة إلى هذا، لاحظ تقرير من جمعية ألزهايمر في أونتاريو، كندا، أن الترويج لبرامج وقاية (تتضمن برامج معرفية) يمكن أن توفّر ما يصل إلى أحد عشر مليار دولار في العقد القادم، وفيها خفض ثلاثة وستين ألف حالة جديدة من داء ألزهايمر كل سنة. قد تساعد برامج ونشاطات وقاية في تأخير بداية العته، وإضافة إلى هذا التوفير الكبير في الكلفة، الذي يؤمل ألا يمر مرور الكرام أمام حكومات وجماعات، يمكن تحقيق توفير في الكلفة الشخصية أيضاً. إذا كان هذا يحدث لك أو أحد أحبائك، فماذا ستدفع لتستعيد خمس سنوات، أو حتى سنة واحدة، من الصحة الدماغية الجيدة؟ ماذا سيساوي ذلك؟ ماذا سيساوي الحفاظ على استقلالية فرد أو إحساسه بذاته ستة شهور إضافية فقط؟ قد تضيف برامج مثل هذه سنوات صحة معرفية جيدة، وسيكون هذا لكثيرين لا يقدّر بثمن. من ثم، “الكلفة البشرية” لا يمكن احتسابها ولا ينبغي عدّها شيئاً مُسلّماً به.