من المبادئ الأساسية لتربية أفضل، وضع حدود لسلوكيات الطفل السيئة أو المؤذية له وللآخرين. إن وضع الحدود أمر أساسي داخل العلاقات الإنسانية على اختلاف أنواعها، وتختلف تلك الحدود حسب طبيعة العلاقة. فبالنسبة للعلاقة بين الآباء والأبناء تبدأ عملية التأديب ووضع الحدود بعد الميلاد مباشرة، وتستمر مع تدرج الطفل في النمو إلى نهاية مرحلة المراهقة. والتأديب معناه تعليم الطفل كيفية التصرف باستخدام الأساليب التربوية، ومن خلال وضع مجموعة من القواعد.
فعن طريق الأساليب التربوية (كالعزل والثناء والحوار والحزم) نصنع الحدود ونؤدب الطفل، لنعطيه رسالة نقول له فيها: احترم نفسك ووالديك والآخرين، فليس من حقك أن تسبب الأذى لهم ولا أن تسبب الأذى لنفسك. واعلم أن أمك وأبيك هما من يسيطر على الموقف، ومسئوليتهما أن يضعا الحدود لسلوكك غير المناسب. والانضباط يكون بمحاولة التوفيق بين شيئين أساسيين: أن يوفرا العطف والحنان، وأن يكونا حازمين عند اللزوم. وهذا يعني بالضرورة توفر قاعدة من الاحترام المتبادل بين الطرفين.
يجب على الوالدين فرض عدد من القواعد أو القوانين المحددة والواضحة، التي من الأفضل ألا تتجاوز (الخمس قواعد) بالنسبة للأطفال الصغار، وهي على سبيل المثال:
1– ممنوع أن تضرب أحد إخوتك.
2– ممنوع مشاهدة التلفاز لأكثر من نصف ساعة إلى ساعة في اليوم.
3– الذهاب للنوم يجب أن يتم في الساعة الثامنة.
4– ممنوع تشتيت الألعاب في أنحاء المنزل.
5– ممنوع استعمال الصراخ كوسيلة للحصول على طلباتك.
ليس كثرة القواعد بالمهم، بقدر تأكيدها وتعزيزها بصورة مستمرة. فعندما تمنع ابنك من شيء ما لا يصح لك أن تتراجع، أو تطبقه في موقف وتمنعه في موقف آخر، فالأطفال يفكرون بطريقة منطقية فحين تفعل ذلك يدركون أنك لست جاداً فيراوغون، وتفقد أنت شيئاً من سلطتك.
تمنح القواعد والقوانين الطفل إحساساً بالأمان لأنها توضح له الحدود التي يجب ألا يتجاوزها، فهي تلعب دور المرشد في عالم واسع معقد.
وعلى الرغم من أن الأطفال يدركون أنهم سيعاقبون إن هم خالفوا القواعد، إلا أنهم لا ييأسون من محاولة انفلاتهم من تلك القواعد بالبحث عن نقاط الضعف التي تُمَكنهم من ذلك. أحد أسرار نجاح الآباء الأكفاء في تربية أطفالهم، أنهم لا يسمحون لهم بمخالفة القواعد. لذلك تشبث بموقفك، وتجنب العقاب المفرط بأن تلجأ إلى أساليب مناسبة لحجم الخطأ وقابلة للتنفيذ (كما سيتضح في المبحث القادم).
مثال: طفل (3 سنوات) شتت ألعابه في أرجاء المنزل، هذا تصرف غير مناسب، والحل هو أن تطلب منه أن يجمع ألعابه، ويعيدها للصندوق المخصص لها، وإن صمم على موقفه يمكنك أن تمنعه من اللعب بها لمدة ساعة. طريقة حازمة ومنطقية، فإجراءات السلطة الحازمة أو العقاب لها بداية ونهاية واضحة وتحترم الطفل، كما أن العقاب يجب أن يلقن درساً.
ومن المهم وضع الحدود بشكل فوري لسلوكيات الطفل السيئة، كي يتمكن من الربط بين سلوكياته غير المناسبة وسلطتك الحازمة.
لا تتوقع من طفلك الكمال، ولتكن توقعاتك منطقية بالنسبة للإنجازات التي يمكنه القيام بها في هذه المرحلة، كي لا يتعرض للإحباط، على سبيل المثال: لا يمكنه البقاء في حالة نظيفة باستمرار وهو يتعلم الأكل بمفرده أو يلعب في الحديقة.. ولا تتوقع منه مستوى من الإنجاز يفوق قدراته الحالية، أو العكس تتعامل معه بطريقة تقلل فيها من إمكانياته، مثلاً: تطعمه بيدك خوفاً من أن يوسخ المكان. ولا تجعله يخاف من الوقوع في الخطأ، باستعمالك لأساليب القسوة والتهديد عند ارتكابه لخطأ ما حسب وجهة نظرك، فتجعله يخاف من نتائج أفعاله، فتضعف قدرته على الإبداع وأخذ المبادرة خوفاً من ارتكاب خطأ ما، وقد يميل للكذب والمراوغة والتحايل.
إن التسلط أسلوب غير منطقي وينتج عنه مشكلات لا حصر لها تلازم الأطفال مدى حياتهم، كما أن القسوة والعنف تسلبهم قواهم العاطفية والفكرية، وتتركهم في مواجهة حياة غير مهيئين لها. بينما التفاعل المستمر والإيجابي بين الأطفال ووالديهم هو الذي يخرج أقصى ما يمكن من إمكانياتهم.
أما التساهل المفرط فينتج عنه أطفالاً لا يحترمون حدود الآخرين. ويسبب الصراخ والتوبيخ والسخرية جراحاً عميقة لا تمحى عبر مراحل النمو، إضافة لمشاعر الخزي والغضب. وكلها أساليب سلبية وغير مقبولة.
إن الحزم مطلوب عندما يرتكب الطفل خطأ ما، نبرة صوت قوية ومنخفضة وجادة لا تردد فيها وتعكس عدم رضاك عن سلوكه، اذهب إليه وانزل إلى مستواه كي لا تخيفه، وامسكه من ذراعه، وقل له انظر إلي، دون استعمال التهديد أو العنف أو الصراخ أو السخرية، وقل له بوضوح وهدوء أنه ارتكب خطأ. على سبيل المثال: إذا ضرب أخيه، قل له: «ضرب الآخرين غير مقبول، ولا تفعله ثانية من فضلك». الأطفال خبراء في التقاط الإشارات الصغيرة، لنبرة الصوت ولغة الجسد، وسرعان ما يدركون ترددك أو ضعفك إن لم تكن حازماً. الصوت الحازم يبين للطفل الحدود التي يجب عليه أن لا يتخطاها، وقد لا يأتي هذا الصوت بشكل عفوي بل يحتاج إلى تدريب. فأول خطوة نحو تأديب الطفل هو التدرب على كيفية التحدث إليه، لأنه قادر على التقاط ترددك وضعفك من خلال نبرة صوتك وتعابير وجهك.
أحد المبادئ الأساسية لوضع الحدود، قول كلمة (لا) للأطفال أكثر من قول كلمة (نعم). كلمة (لا) عندما تقال باحترام وحزم، ودون تراجع أو تردد، تبين للطفل مدى اهتمامك وحرصك على مصلحته وسعادته. كلمة (لا) تحمل في طياتها إرضاء مؤجلاً يؤدي إلى تنمية التفكير الإبداعي، وإلى أطفال أكثر ميلاً للسعادة وأكثر اعتماداً على النفس. من أخطر الأمور بالنسبة لشخصية الطفل الإذعان المستمر لطلباته ورغباته بقولك الدائم له كلمة (نعم).
من أجل سلامة الطفل النفسية والجسمية تعلم أن تقول كلمة (لا)، لأنك عندما تضع الحدود سواء لطفل (5 سنوات) كي لا يسيء لأخته الرضيعة، أو لمراهق كي لا يبقى خارج المنزل حتى منتصف الليل، فإنك بذلك تخبره أن تصرفاته لا تحدث في فراغ وأنه متصل بشخص آخر هو أنت يهمه ما يفعل. كما أن الأطفال يحتاجون إلى مساحة آمنة ليكبروا فيها، فمن طبيعتهم اختبار تلك المساحة عن طريق تجاوزهم للحدود وكثرة مطالبهم أو التجرؤ عليك، لذلك أنت تشعره بالراحة عندما يفهم من ردك أن هناك من يهتم به ويعيش معه. لذلك كلمة (لا) مهمة كي يشعر أطفالك بالأمان، قلها بصيغة احترام وقوة حازمة ليتعلموا السلوك المناسب ويتعلموا هم أنفسهم كيف يقولون (لا) للأصدقاء والآخرين. فالطفل الذي ينشأ دون حدود يتعرض لمشاكل كثيرة عند تعامله مع الأقران والكبار وتنقصه المهارة الاجتماعية.
حاسب طفلك على بذل الجهد والعمل، وليس على النتائج. شجعه على العمل الجاد، وقدم له الدعم والمساندة وأظهر ثقتك في إمكانياته.
التربية الإيجابية تجعلك قادراً على أن تكافئ أطفالك على السلوك الجيد، وتضع عواقب للسلوك السيء، دون أن تفسد علاقتك بهم. لذلك عليك أن تبتعد عن الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق التي قد تخلقها أنت لهم، فالعاطفة والحب والاحترام والسلطة الحازمة هم أساس العلاقة التي يجب أن تربطك بأبنائك.
تأليف: د. فاطمة الكتاني