إننا نُذكّر يوميا بمدى خطورة تفشي الكوليسترول في أنحاء أمريكا. إن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة في الولايات المتحدة. ربما تفترض مثلي أن الكوليسترول هو السبب في أمراض القلب، كما تشير الإحصاءات والكثير من وسائل الإعلام.
إذا كان الأمر كذلك، فقد تفاجأ إن علمت أن الكوليسترول ليس الجاني وراء أمراض القلب، بل التهاب الأوعية الدموية. إن أكثر من نصف المرضى الذين يعانون النوبات القلبية في الولايات المتحدة لديهم مستويات طبيعية من الكوليسترول! ويمكنك تخمين ما يقضي تماما على التهاب الأوعية الدموية أو يحد منه بشكل ملحوظ؟ هذا صحيح: إنها المكملات الغذائية.
هذه النتيجة ثورية في علاج النوبات القلبية والوقاية منها. بدلًا من التركيز على خفض الكوليسترول وحسب، فإنك تحتاج إلى فهم الخطوات اللازمة للحد من سبب التهاب الشرايين في المقام الأول. ويمكن أن يكون لهذا النهج آثار مهمة ومأساوية في الوقاية من أمراض القلب وعكس مسارها.
ماذا عن الكوليسترول؟
هل تعلم أن ارتفاع الكوليسترول في الدم لم يعتبر دائما عاملا مسببا في الإصابة بالشريان التاجي والسكتة الدماغية؟ عندما بدأت ممارسة الطب في عام ١٩٧٢، كنا نعتبر أن أي مستوى للكوليسترول يقل عن ٣٢٠ هو مستوى عادي. وأتذكر بوضوح إخباري المرضى الذين كان لديهم مستوى كوليسترول يتراوح ما بين ٢٨٠ أو ٣١٠ بأنه لا داعي للقلق لأنها مستويات طبيعية.
حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، لم نكن حقا قد بدأنا ندرك أنه كلما ارتفعت مستويات الكوليسترول، ازداد خطر الإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية. وكان هذا يستند إلى حد كبير إلى دراسات فرامنجهام، التي تتبعت عددًا كبيرًا من المرضى الذين عاشوا في فرامنجهام بولاية ماساتشوستس. وأشار العلماء في هذه الدراسات إلى أنه مع زيادة مستويات الكوليسترول، ازاداد خطر الإصابة بالنوبات القلبية. وبعد هذا البحث، اعتُبر مستوى الكوليسترول الذي يزيد على ٢٠٠ مستوى غير طبيعي، والذي يزيد على ٢٤٠ يزيد من خطورة إصابة المريض بأزمة قلبية.
في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ الأطباء يدركون أن الكوليسترول لم يكن كله ضارًّا. وقد علمنا أن البروتين الدهني مرتفع الكثافة (HDL) هو الكوليسترول الجيد، وأنه كلما ارتفع كان أفضل. أما البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) فهو الكوليسترول السيئ. يتراكم كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة على طول جدران الشريان، ويكوّن ترسبات، ويضيق الشرايين. ثم يأتي كوليسترول البروتين الدهني مرتفع الكثافة وينظف الشريان.
بعد هذا الاكتشاف بدأنا في فحص مستويات الكوليسترول الكلي ثم تحديد نسبة نوعي الكوليسترول الجيد والسيئ. تحسب النسبة بقسمة نسبة الكوليسترول الكلي على كوليسترول البروتين الدهني مرتفع الكثافة. وعندما يتعلق الأمر بأمراض القلب، فإنه كلما انخفضت هذه النسبة كان هذا أفضل للمريض. ومن الشائع الآن أن يجرى فحص روتيني لكوليسترول البروتين الدهني مرتفع الكثافة ومنخفض الكثافة. وغني عن القول أننا صرنا ندرك الآن أهمية الكوليسترول والآثار الضارة لكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة.
ما أخبرك به حتى الآن هي معلومات معروفة جدا. فهل أنت مستعد للاطلاع على المعلومات غير الشائعة؟
إن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة ليس “سيئا” في الحقيقة؛ فالله خلقه لغرض معين. إن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الذي ينتجه الجسم في الأصل، هو كوليسترول جيد، بل في الواقع هو ضروري لبناء أغشية الخلايا، وأجزاء الخلية الأخرى، والعديد من الهرمونات المختلفة التي تحتاج إليها أجسامنا. نحن لا نستطيع العيش بدونه. في الواقع، إذا كنا لا نحصل على كفايتنا منه في نظامنا الغذائي، فإن أجسامنا تقوم بإنتاجه في الواقع.
تبدأ المشكلات في الحدوث عندما تغير الجذور الحرة كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي أو تؤكسده. وهذا الكوليسترول المعدل هو “السيئ”. في العدد ١٩٨٩ من مجلة نيو إنجلاند الطبية، افترض الدكتور “دانيال شتاينبرج” أنه إذا كانت لدى المريض مضادات أكسدة كافية تمنع التأكسد، فإن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة لن يكون ضارا.
في السنوات التي تلت صدور نظرية الدكتور “شتاينبرج”، أجريت مئات الدراسات في محاولة لإثبات نظريته أو دحضها. ويمكنك أن تفهم لماذا قابل العلماء والباحثون نظرية الدكتور “شتاينبرج” الجديدة بمثل هذا الحماس. فمن ضمن ١.٥ مليون مريض أصيب بنوبة قلبية في الولايات المتحدة هذا العام وحده، هناك نسبة تبلغ النصف تقريبا تحت سن الخامسة والستين. لدينا جميعا أصدقاء أو أحباء بدوا لنا في صحة ممتازة، ثم نجد أنهم ذات يوم ماتوا فجأة بسب أزمة قلبية. فإذا ثبتت صحة نظرية “شتاينبرج”، فسيُفتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة واسعة من البروتوكولات الوقائية والعلاجية الجديدة.
في عام ١٩٩٧، أجرى الباحث الدكتور “ماركو دياز” استعراضا رائعا لجميع الدراسات التي ظهرت في المجلات الطبية الرئيسية منذ أن قدم الدكتور “شتاينبرج” نظريته لأول مرة. وقد خلص “دياز” إلى أن المرضى الذين يحظون بمستويات أعلى من مضادات الأكسدة داخل أجسادهم كانوا في الواقع الأقل إصابة بمرض الشريان التاجي.
كما أن الدراسات التي أجريت على الحيوانات خلال هذا الوقت كانت تدعم نظرية الدكتور “شتاينبرج”. لقد أصبحت مضادات الأكسدة والمواد الغذائية الداعمة أملا جديدا في الحرب ضد مسبب الوفيات الأسوأ: أمراض القلب.
طبيعة الاستجابة الالتهابية
إن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة ليس المسبب الوحيد لالتهاب الأوعية الدموية. وتشمل الأسباب الرئيسية الأخرى ما يسمى بالهوموسيستين والجذور الحرة التي يتسبب بها تدخين السجائر، وارتفاع ضغط الدم، والأطعمة الدهنية، ومرض السكري.
إن الالتهاب الذي يصيب شراييننا يشبه إلى حد كبير الاستجابات الالتهابية التي تنشأ في أماكن أخرى من الجسم. وسأحاول أن أشرح هذه العملية بلغة مبسطة كي تتمكن من فهم ما يجري داخل الخلية على أفضل نحو. لا تشغل بالك بمحاولة فهم كل تفصيلة دقيقة لهذه العملية (فحتى الأطباء يصعب على معظمهم فهمها، لذلك لا تشعر بالسوء إذا لم تستطع فهم كل ما يحدث). سأشرح لك لاحقا كيف تتمكن من حماية نفسك على نحو أفضل ضد هذا الهجوم الموجه إلى شرايينك. إنه أمر بسيط حقا.
إذا نظرت إلى مقطع عرضي لشريان متوسط الحجم، فربما تحتاج إلى تأمل الطبقة الأولى من الخلايا والتي تسمى البطانة الغشائية ، وهي بطانة من الأنسجة الرقيقة. كل ما سأتحدث عنه يتعلق بهذه الطبقة الرقيقة من الخلايا وبالمنطقة الواقعة تحت سطحها والتي تسمى منطقة تحت البطانة.
يتكون السطح الداخلي للشريان من طبقة حساسة من الخلايا تسمى البطانة الغشائية وتحتها توجد طبقة عضلية. وبين البطانة والطبقة العضلية تقع منطقة تحت البطانة. هذا هو المكان الذي يبدأ منه تضرُّر الشريان.
في الواقع يصبح كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي محاصرا في منطقة تحت البطانة، حيث يمكن أن يتأكسد بسهولة إذا لم يكن هناك ما يكفي من مضادات الأكسدة. هذا الكوليسترول المؤكسد “يتم التهامه” من قبل الخلايا البيضاء الأحادية التي تصبح حرفيا “محشوة” بالدهون. تذكر أن هذا لا يحدث إذا لم يتأكسد كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة. وعندما تمتلئ الخلايا البيضاء الأحادية بالكوليسترول المؤكسد، تتحول إلى ” خلية رغوية”. وهذه الخلايا الرغوية هي التي تسبب الأضرار التي تلحق ببطانة الشريان الحساسة عبر إحداثها إجهادا تأكسديا في هذه المنطقة. هذا يؤدي إلى إصابة بطانية ثم خلل بطاني، لتبدأ عملية تصلب الشرايين.
عملية الاستجابة الالتهابية
الخطوة الأولى: الهجوم الأولي على البطانة الغشائية
تتسم البطانة الغشائية بالحساسية الشديدة؛ ما يجعلها تتأثر بأدنى تهيج. ويعتقد معظم علماء الأبحاث أن تصلب الشرايين يبدأ عندما يؤذي الإجهاد التأكسدي أو يهيج هذه الطبقة الخلوية.
إن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد، أو الهوموسستين، جنبا إلى جنب مع الإنتاج المفرط للجذور الحرة يسببان الإجهاد التأكسدي الذي يؤذي البطانة الغشائية. يحدث هذا عندما يتمكن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي من المرور إلى المنطقة الواقعة تحت بطانة الشريان (منطقة تحت البطانة) ويتأكسد. ومن ثم يبدأ هذا الكوليسترول في تهييج بطانة الشريان.
الخطوة الثانية: الاستجابة الالتهابية
لدى الجسم نظام دفاع مصمم لحماية بطانة الشريان. وفي حالة الإصابة، يستجيب الجسم عن طريق إرسال خلايا بيضاء معينة (أغلبها من الخلايا الأحادية) في محاولة منه للقضاء على كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد. هنا يبدأ فريق الدفاع المكون من الخلايا الأحادية في التهام العدو للحد من تهيج البطانة. فإذا كانت هذه الاستجابة الالتهابية ناجحة، فستنتهي المشكلة ويتم ترميم بطانة الشريان. ولكن هذا ليس ما يحدث في العادة.
فكر في الخلية الوحيدة بوصفها شاحنة صغيرة بيضاء. وبينما تسير، فإنها تحمل الأطفال وتترك كل واحد منهم عند مكانه الصحيح، وهي لا تتمكن إلا من حمل عدد محدد من الأطفال في كل مرة حتى يتناسب ذلك مع عدد المقاعد وأحزمة الأمان المتوافرة. والشيء نفسه ينطبق على الخلايا الأحادية. عندما نكون بصحة جيدة فإنها تتحرك من مكان لآخر لتحمل كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة من مكان لآخر. ومثل الشاحنة البيضاء، لا تتمكن الخلايا الأحادية إلا من حمل عدد محدد من جزيئات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة في كل مرة. وهذا ما يعرف بآلية التغذية الراجعة الطبيعية .
عندما يتأكسد كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، لا تعود جزيئات الكوليسترول عناصر بريئة. وتشكل بدلًا من ذلك تهديدا للجسم، وتتعامل معها الخلايا الأحادية بطريقة مختلفة تماما. تستمر الخلايا الأحادية في جمع خلايا البروتين الدهني منخفض الكثافة، لكنها لا تتركها. وهذا الأمر أشبه بعصابة من الأحداث الذين يعانون السمنة المفرطة تتسلل إلى الشاحنة الصغيرة عبر بابها الخلفي دون أن يكون للسائق أية سيطرة على عدد الاطفال الداخلين على الإطلاق. إذا حدث ذلك، فستتجمد الشاحنة في مكانها، وسرعان ما تعطل حركة المرور.
عندما تواجه الخلايا الأحادية الكوليسترول السيئ، تعمل بأسلوب مماثل. ولكن نظرا لعدم وجود آلية تغذية راجعة طبيعية، تمتلئ الخلايا الأحادية عن آخرها بكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد (الدهون) وتتحول إلى خلايا رغوية والأمر كما تخيلته تماما: إنها خلية تبدو كأنها كرة من الدهون. هذه الخلية الرغوية تعلق نفسها ببطانة الشريان وتشكل في نهاية المطاف الخلل الأولي المسبب لتصلب الشرايين، الذي يعرف بالخطوط الدهنية .
الخطوط الدهنية هي عبارة عن تندبات التهابية. إنها الخطوة الأولى في عملية تصلب الشرايين . لو كانت العملية تتوقف عند هذا الحد، لتسنى للجسم القضاء على هذا الخلل. ولكنها لا تفعل. وكما هي الحال في أية حرب، يكون لهذه العملية بعض الأضرار غير المباشرة. بعبارة أخرى، تتضرر الخلايا الضعيفة التي تبطن الشرايين بدرجة أكبر بسبب العملية ذاتها التي يفترض بها أن تعالجها. هذا في الواقع يسبب المزيد من الالتهاب، الذي يجذب المزيد من الخلايا الأحادية، ما يغير بدوره من كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي إلى كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد. وهذا يسبب استجابة التهابية مزمنة في المنطقة التي تحيط ببطانة الشرايين.
الخطوة الثالثة: الاستجابة الالتهابية المزمنة
الالتهاب المزمن هو السبب الكامن وراء كل من النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وأمراض الأوعية الدموية الطرفية، وتمدد الأوعية الدموية. وتصنف هذه الأمراض معا تحت فئة أمراض القلب والأوعية الدموية (الأمراض التي تصيب الشرايين). عندما يستمر التهاب الشرايين، تبدأ خطوط الدهون البسيطة التي وصفتها بالتغير. ولا يقتصر الأمر على اجتذاب الالتهاب لمزيد من الخلايا البيضاء (الخلايا الأحادية في المقام الأول)، فالخلايا الأحادية عندئذ تمتلئ عن آخرها بكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد، وهذا يجعل اللويحات أكثر سمكا بكثير، ليصبح تصلب الشرايين على بعد خطوات.
هذا الالتهاب المزمن يسبب أيضا ثخانة طبقة العضلات في الشريان وذلك عن طريق عملية تسمى التكاثر ، أي تكاثر المزيد خلايا العضلات الأكثر سمكا. ونتيجة لذلك يبدأ الشريان يضيق.
تصبح هذه العملية برمتها حلقة مفرغة؛ فالصفائح تتراكم، والشرايين تزداد سُمكًا. وعادة ما تعمل طبقة البطانة الغشائية على النحو الأمثل من خلال إطلاق منتج مهم وهو أكسيد النيتريك . ولكن عند حدوث الاستجابة الالتهابية، تتوقف البطانة عن إطلاق أكسيد النيتريك، ما يضعف من أدائها، ويؤدي بدوره إلى التحام الصفائح الدموية باللويحات؛ ما يسبب في النهاية تقلص الشرايين الموجودة حول اللويحات.
تبدأ الخلايا الرغوية في التراكم، مجتذبة المزيد من الخلايا الأحادية، والتي تتحول في نهاية المطاف إلى خلايا رغوية. تبدأ العضلات الملساء في التكاثر والهجرة إلى هذه المنطقة ما يتسبب في ضيق تجويف الشريان. ويضعف أداء بطانة الشريان، ما يضيق الشريان بدرجة أكبر بسبب تقلص الشرايين والتحام الصفائح الدموية باللويحات.
الخطوة الرابعة: تمزق اللويحات
الخطوة الأخيرة فيما يصل إلى ٥٠ ٪ من النوبات القلبية التي تصيب البشر هو تمزق إحدى هذه اللويحات وتشكل جلطة حول ما تمزق منها. وهذه الحالة تسبب الإغلاق التام والمفاجئ لهذا الشريان، ما يمنع تدفق الدم إلى ذلك الجزء من القلب. وهذه اللويحات المحتملة الخطورة غالبا ما تكون صغيرة، وقد لا تسبب ضيقا بالغا في الشريان، الأمر الذي يجعل تشخيص النوبة القلبية صعبا قبل تمزق اللويحة. (يمكنك أن ترى الآن لماذا يعد تصلب الشرايين مرضا صامتا وغير متوقع. وهذا إلى أن يحدث تمزق باللويحات يسد الشريان). قد يتسبب الإجهاد التأكسدي أيضا في تحلل هذه اللويحات، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تمزقها.
يمكن أن يستمر الشريان في الضيق إلى أن يصبح منغلقا تماما. هل سبق أن تم حقن صديق لك أو فرد من أفراد أسرتك بصبغة في شرايينه لاكتشاف ما إذا كان هناك شريان أو أكثر من الشرايين التاجية قد أصيب بضيق حاد؟ هؤلاء المرضى يعانون عادة ألمًا في الصدر أو ما يدعوه الأطباء بالذبحة الصدرية غير المستقرة . في حالات مثل هذه إما أن يقوم الأطباء بفتح الأوعية عن طريق القسطرة (نفخ بالون داخل الشريان) وإما معالجة هذا الانسداد بالجراحة.
إذا قضيت يوما بصحبة جراح قلب أو جراح قلب وأوعية دموية في المستشفى، فستدرك قريبا أنه يتعين عليه قضاء معظم وقته في “إخماد الحرائق”. إنه يعالج المرضى ممن يكونون في نهاية العملية الالتهابية، مع وضع جل تركيزه على محاولته البطولية لإنقاذ حياة هؤلاء. في هذه المرحلة لا يكون لديه وقت متبقٍّ لنصح المريض بإحداث التغييرات اللازمة على نمط حياته لإبطاء أو حتى درء هذا المرض المدمر وعدم تكرار حدوثه في المستقبل.
الوقاية من أسباب الالتهاب في الشرايين
الخبر السار هو أن مضادات الأكسدة والمواد الغذائية الداعمة يمكنها أن تقضي على جميع أسباب الالتهاب في الشرايين أو على الأقل تحد منها بشكل كبير. تذكر مئات الدراسات السريرية المعنية بأمراض القلب أن استخدام المكملات الغذائية له فائدة صحية كبيرة. دعونا نتأمل كل مكمل غذائي على حدة، لنرى ما دوره في إبطاء أو منع هذه الاستجابة الالتهابية.
فيتامين د Vitamin D
عندما يتعلق الأمر بإعاقة عملية تصلب الشرايين، فإن فيتامين د هو أهم مضادات الأكسدة المطلوبة. والسبب الرئيسي في أن فيتامين د يوفر مثل هذا الدفاع القوي هو حقيقة أنه من الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون، ما يجعله أقوى مضادات الأكسدة داخل جدار الخلية. في الواقع يلتحم فيتامين د بكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة. وكلما ارتفعت مستويات فيتامين د داخل غشاء الخلية في كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي، زادت مقاومة كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة للتغير أو الأكسدة. فأينما يذهب كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي، يذهب فيتامين د معه.
من المهم أن نفهم أن كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة لا يصبح مؤكسدا داخل الشريان نفسه، ولكن حينما يعبر من خلال بطانة الشريان الرقيقة إلى منطقة تحت البطانة. ويعتقد الباحثون الآن أن محتوى مضادات الأكسدة العالية في البلازما أو الدم لا يسمح لهذا التغيير بأن يحدث في الشريان.
وفي منطقة تحت البطانة، توفر الخلايا المحيطة حماية مضادة للأكسدة أقل بكثير. ولكن إذا كان محتوى فيتامين د من كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي عاليا، تكون محمية من الأكسدة حتى لو مرت عبر منطقة تحت البطانة. تذكر أن الخلايا البيضاء الأحادية تحمل كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي وتنشره كي لا يتراكم. إن الحفاظ على كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة الطبيعي من التغيير من شأنه أن يمنع عملية الالتهاب بأكملها من البداية.
فيتامين ج Vitamin C
توضح الدراسات الحديثة أن فيتامين ج هو أفضل مضادات الأكسدة داخل البلازما أو سائل الدم، وذلك لقابليته للذوبان في الماء. وقد ثبت أن فيتامين ج يحافظ على وظيفة البطانة الغشائية ويحميها. تذكر أن خلل منطقة تحت البطانة هو أحد الأسباب الرئيسية لهذه العملية الالتهابية. ونظرا لأن الحفاظ على سلامة هذه البطانة الرقيقة بالشريان يعد مصدر قلق بالغ، فقد أجريت العديد من الدراسات لمعرفة أثر فيتامين ج في منع أو تقليل أمراض القلب والأوعية الدموية.
وقد ثبت أيضا أن فيتامين ج فعال في حماية كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة من التأكسد داخل البلازما ومنطقة تحت البطانة. وهناك فائدة أخرى لفيتامين ج، وهي قدرته على تجديد فيتامين د والجلوتاثيون داخل الخلايا بحيث يمكن استخدامهما مرارا وتكرارا.
الجلوتاثيون Glutathione
الجلوتاثيون هو أقوى مضادات الأكسدة داخل الخلايا كما أنه موجود داخل كل خلية. إن مستوى الجلوتاثيون داخل خلايا المرضى الذين يعانون مرض الشريان التاجي يكون أقل من الموجود داخل خلايا الأشخاص أصحاب الشرايين السليمة. الجلوتاثيون هو مضاد أكسدة رئيسي لأنه موجود في جميع الخلايا التي تحيط بمنطقة تحت البطانة. عندما تتناول المواد الغذائية اللازمة للخلية لإنتاج المزيد من الجلوتاثيون (السيلينيوم، وفيتامين ب٢، والنياسين، وأسيتيل السيستئين)، فأنت تعزز من نظام الدفاع مضاد الأكسدة داخل الجسم بشكل عام.
البيوفلافونويدات Bioflavonoids
هناك آلاف من البيوفلافونويدات موجودة داخل الفواكه والخضراوات. إليك قاعدة عامة: كلما كان لون الفواكه والخضراوات التي تتناولها أكثر تنوعا، كانت مجموعة البيوفلافونويدات التي ستحصل عليها أكثر تنوعا كذلك. إنها مضادات أكسدة قوية للغاية ولديها أيضا بعض الخصائص المضادة للحساسية والالتهابات. كما أن هناك عنصرًا في عصير العنب يسمى البوليفينول ، ثبت أنه يقلل من تكوين كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة المؤكسد، كما أنه يساعد على حماية سلامة البطانة الغشائية.
ويُعتقد أن مستخلص بذور العنب هو أفضل البيوفلافونويدات المضادة الأكسدة في منع الأمراض الالتهابية المزمنة.
الطب الغذائي: الوقاية الحقيقية
اكتشف علماء الأبحاث أن السبب الجذري لأمراض القلب هو الالتهاب الناجم عن الإجهاد التأكسدي. إن الأطباء بحاجة إلى تطبيق هذه المعلومات بطريقة عملية ومفيدة بالنسبة للمريض. ولكن الأطباء والباحثين يميلون للتعامل مع المواد الغذائية الأساسية بوصفها أدوية؛ أي أنهم يختبرون استجابة الجسم لمغذٍّ واحد فقط في المرة ليحددوا إمكاناته بالضبط.
على سبيل المثال، سيجري العالم دراسة على فيتامين د، ثم دراسة على فيتامين ج، وأخيرا دراسة منفصلة لدراسة آثار بيتا كاروتين. أحيانا لا تظهر التجربة السريرية فائدة صحية مهمة؛ ما يجعل الأطباء والباحثين يترددون في التوصية بتلك المغذيات. وهذا ما يسبب حالة الجدل التي تراها في وسائل الإعلام وفي المراجع الطبية. يريد الأطباء أن يتأكدوا – دون ذرة شك – من أن هذه المغذيات ستساعد فعلا قبل أن يوصوا بأي نوع من أنواع المكملات الغذائية، ولكنهم لا ينتبهون للتأثيرات التآزرية المهمة في الطب الغذائي.
هذا يشير إلى الطرق التي تعمل بها مضادات الأكسدة معا لوقف الإجهاد التأكسدي، يحتاج الجسم إلى ما يكفي من مضادات الأكسدة لمواجهة جميع الجذور الحرة، ما يجعل مضادات الأكسدة في حاجة إلى جميع المواد الغذائية الداعمة للقيام بعملها على أفضل شكل. وهذه المكونات تعمل في تآزر بينما تحقق الهدف النهائي وهو القضاء على الإجهاد التأكسدي.
وأنا أقترح على مرضاي توفير كل العناصر الغذائية اللازمة للخلايا والأنسجة على أفضل مستوى؛ فرغبتي هي وقف هذه العملية الالتهابية قبل أن تبدأ؛ لذلك، أوصيهم بأن يكون لديهم أعلى مستوى من فيتامين د داخل كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة نفسه لحمايته من التأكسد.
وقد وجدت أن مرضاي بحاجة إلى أن يكون لديهم أعلى مستوى ممكن من فيتامين ج لحماية سلامة البطانة الغشائية، وتقليل أكسدة كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، وتجديد فيتامين د والجلوتاثيون. كما أن بيتا كاروتين – جنبا إلى جنب مع جميع أنواع الكاروتين المختلفة – ضروري لمنع أو إبطاء هذه العملية.
نحن بحاجة إلى بناء مستويات مرتفعة من الجلوتاثيون داخل الخلية من خلال إعطاء الجسم مركباته الطليعية – السيلينيوم، وفيتامين ب٢، وأسيتيل السيستئين، والنياسين.