تنتهي حياة مريض باركنسون غالبًا بشكل سيئ. إنه ثاني أكثر الأمراض العصبية شيوعًا بعد الألزهايمر. إن إعاقة باركنسون تؤثر على السرعة وجودة الحركة وسهولتها. وأعراضه المميزة، والتي تسوء حالًا مع تقدم المرض، تشمل رعشة اليدين، وتيبس الأطراف، واضطراب التوازن، وصعوبة المشي. وقد يؤثر كذلك على المزاج، والتفكير، والنوم. ومرض باركنسون ليس له شفاء كامل الآن.
وهذا المرض يسببه موت خلايا عصبية متخصصة في منطقة من المخ تتحكم في الحركة, وعادة ما يحدث هذا بعد سن الخمسين. وقد تزيد احتمالات الإصابة مع وجود تاريخ مع الصدمات الدماغية، وهو ما قد يكون سببًا لشيوعه بين لاعبي الملاكمة، كمحمد علي، ولاعبي كرة القدم الأمريكية، كاللاعب الشهير فورست كريج. إلا أن أي شخص قد يكون حتى أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة بسبب الملوثات السامة في بيئتنا والتي تتراكم في غذائنا وتؤثر بالنهاية على أدمغتنا.
في تقرير المجلس الرئاسي للسرطان لعام ٢٠٠٨/٢٠٠٩ والصادر عن المعهد الوطني للسرطان ناقش إلى أي حد أصبحنا محاصرين بالمواد الكيماوية الصناعية. وخلاصته: إن الشعب الأمريكي – حتى قبل أن يولد أفراده – تحت هجوم مستمر من قبل توليفة هائلة من تلك المواد الخطرة. والهيئة تحثك (سيادة الرئيس) بشدة على استخدام كل سلطة بين يديك لإزالة جميع المسرطنات وغيرها من السموم من طعامنا ومائنا وهوائنا والتي تزيد بلا داع كلفة الرعاية الصحية وتحد من القدرة الإنتاجية لأمتنا وتدمر حياة الأمريكيين.
وإضافة إلى زيادة مخاطر إصابتك بالسرطانات المختلفة، قد تلعب الملوثات الصناعية دورًا في بداية حدوث أمراض التدهور الدماغي (العصبي) ومنها باركنسون. وتلك السموم مستقرة في أجسام معظمنا.
كل بضع سنوات، تقوم هيئة مراكز الوقاية والسيطرة بقياس مستويات الملوثات الكيماوية في أجسام آلاف الأمريكيين عبر البلاد بأسرها. وبحسب نتائج الهيئة، وجد أن أجساد غالبية النساء الأمريكيات ملوثة بالمعادن الثقيلة، مع عدد من المذيبات السامة، وكيماويات معطلة للغدد الصماء، ومثبطات الحرائق، وكيماويات من المواد البلاستيكية، وثنائي الفينيل متعدد الكلور، ومبيدات حشرية محرمة مثل الدي دي تي (ونشرتها عالمة الأحياء الأمريكية راتشيل كارسون في كتابها الذائع Silent Spring).
في حالات عديدة، وبنسبة ما بين ٩٩ إلى ١٠٠٪ من النساء اللاتي خضعن للاختبار أمكن رصد مستويات لافتة من هذه الملوثات في تيار الدم. وجدت لدى النساء الحوامل، في المتوسط، نسب من خمسين مادة كيماوية مختلفة. هل يعني وجود هذه الملوثات في أجسادهن أنها تمرر بالضرورة للأجنة في أحشائهن؟ لقد قرر الباحثون الإجابة عن هذا السؤال بقياس مستويات الملوثات لدى الأطفال بمجرد الولادة بعينة من الحبل السري. (بمجرد قطع الحبل السري، يتبقى قدر ضئيل من الدم يمكنه دفعه إلى إحدى قوارير الاختبار). وبعد فحص أكثر من ثلاثمائة امرأة أنجبت حديثًا، انتهى الباحثون إلى أن ٩٥٪ من عينات الحبل السري تظهر بقايا مبيد الدي دي تي. وذلك بعد عقود كاملة من تحريم ذلك المبيد.
فماذا عن الرجال؟ يبدو أن الرجال يحتفظون بمعدلات أعلى من النساء في ملوثات بعينها. وجاءت الإشارة لحل هذا اللغز حين أخذ تاريخ الإرضاع في الحسبان، فالنساء اللاتي لم يرضعن قط، لديهن نفس مستويات التلوث الموجودة لدى الرجال، أما اللواتي أرضعن أطفالهن لفترات طويلة، فتقل الملوثات بالقدر ذاته في أجسادهن، بما يشير إلى أنهن ينزعن السمية من أجسادهن بتمريرها عبر الرضاعة إلى أولادهن.
لقد ظهر أن مستويات بعض الملوثات في دم النساء قد تهبط إلى النصف في أثناء الحمل؛ وذلك لأن أجسادهن تمررها عبر المشيمة. وهو ما يفسر التركز الكبير للملوثات في لبن الأم خلال الحمل الأول مقارنة بنسبها في حالات الحمل التالية. وهو ما يجعل ترتيب ولادة الأبناء مؤشرًا قويًّا على مدى تركز الملوثات بينهم، فالطفل الأول يحصل على الجرعة الكبرى من المخزون السمي في جسم الأم، بينما يبقى القليل منه لإخوته وأخواته التالين.
حتى أولئك الأمهات اللاتي أرضعن طبيعيًّا خلال طفولتهن يكون مستوى تلوث لبن صدورهن أعلى من غيرهن حين يكبرن، ما يشير إلى أن هذه المواد الكيماوية يمكن تمريرها عبر الأجيال. بعبارة أخرى، ما تأكله الآن قد يؤثر في مستوى الكيماويات في دم أحفادك. وفيما يتعلق بطعام المواليد الصغار، يظل لبن الأم هو أفضل خيار – قطعا – لكن بدلًا من تفريغ سمومنا في أجساد أبنائنا، علينا أن نجتهد في ألا نسمم أجسادنا في المقام الأول.
في عام ٢٠١٢، نشر باحثون من جامعة كاليفورنيا – ديفيس، تحليلًا للأنظمة الغذائية التي يتلقاها الأطفال بين الثانية والسابعة من العمر. (حيث يعتقد أن الصغار هم بالخصوص أكثر عرضة للكيماويات في غذائهم؛ لأنهم لا يزالون في حال نمو، ولهذا يحصلون على كميات أكبر من الأطعمة والسوائل مقارنة بأوزانهم). وقد وجد أن الكيماويات والمعادن الثقيلة في أجسام الأطفال تتجاوز بالفعل المستويات الآمنة بهامش كبير مقارنة بحالة البالغين، فمعدلات مخاطر الإصابة بالسرطان، مثلًا، تم تجاوزها بنسب تصل إلى مائة درجة أو أكثر. ففي كل طفل تمت دراسته، تم تجاوز المستويات المسموح بها من الزرنيخ، ومبيد الديلدرين المحرم، ومواد صناعية ثانوية سامة تسمى الديوكسين, ووجدوا كذلك محملين بنسب عالية جدًّا من دي دي إي وهو منتج ثانوي من الدي دي تي.
فأي الأطعمة هو أكثر مساهمة في زيادة المعادن الثقيلة؟ إن أول المصادر الغذائية للزرنيخ هي الدواجن بين أطفال ما قبل المدرسة، وأولها بالنسبة لآبائهم هي التونة. وأول مصادر الرصاص الألبان, والزئبق المأكولات البحرية.
أولئك المهتمون بتعرض أولادهم للأمصال المحتوية على الزئبق يجب أن يعلموا أن تناول وجبة واحدة من السمك كل أسبوع خلال الحمل تحمل جسد الطفل بكمية زئبق تجاوز ما قد يحصل عليه من الحقن مباشرة بدزينة أمصال محتوية على الزئبق. يجب أن تجاهد للتقليل من تعرض ولدك للزئبق، لكن فوائد المصل تفوق بكثير مخاطره. لكن ذلك لا ينطبق على التونة بالتأكيد.
ففي أي المصادر الغذائية توجد هذه الملوثات؟ اليوم، يأتي معظم الدي دي تي من اللحوم، وخاصة الأسماك. فقد أصبحت المحيطات مزبلة البشرية ومصب صرفها؛ إلى البحر ينتهي كل شيء تقريبًا. والأمر ذاته يصح بحق تعرض الغذاء إلى مادة بي سي بي – وهي مجموعة أخرى من الكيماويات المحرمة، والتي كانت تستخدم بشكل واسع في عزل السوائل بالأجهزة الكهربية، في دراسة أجريت على أكثر من ألف نوع من الأطعمة وعلى عينات غذائية من ثمانية عشر بلدًا، وجد أن أعلى درجات التلوث بمادة بي سي بي كانت في السمك وزيت السمك، جاء بعدها البيض، ثم الألبان، ثم اللحوم الأخرى. وأقل درجات التلوث جاءت في أولى حلقات السلسلة الغذائية، النبات.
ومركب السداسي كلورو بنزين، مبيد محرم آخر منذ نصف قرن تقريبًا، يوجد الآن بشكل أساسي في الألبان واللحوم، بما فيها الأسماك. فماذا عن كيماويات البيرفلورو؟ إنها توجد بكثرة في الأسماك وغيرها من اللحوم. أما بالنسبة للديوكسين، في الولايات المتحدة، أكثر مصادر تركزه الزبد، يليه البيض، ثم اللحوم المحفوظة. ومستوياته في البيض تفسر انتهاء إحدى الدراسات إلى أن تناول أكثر من نصف بيضة يوميًّا لاحتمالات أعلى بمرتين أو ثلاث للإصابة بسرطانات الفم، والقولون، والمثانة، والبروستاتا، والثدي مقارنة بمكن لا يأكلون البيض مطلقًا.
إذا أرادت النساء تنظيف غذائهن قبل الحمل، فكم من الوقت تحتاج هذه الملوثات كي تخرج من نظامهن الحيوي؟ لبيان ذلك، طلب الباحثون من الناس أن يأكلوا وجبة كبيرة واحدة من التونة كل أسبوع ولمدة أربعة عشر أسبوعًا, وذلك لرفع معدلات المعادن الثقيلة في أجسادهم ثم يتوقفوا. وبقياس مدى هبوط معدل الزئبق، تمكن العلماء من حساب نصف دورة حياة الزئبق داخل الجسم. كانت أجسام المشاركين قادرة على التخلص من نصف كمية الزئبق خلال شهرين. هذا يعني أنه خلال سنة من التوقف عن تناول السمك، يكون الجسد قد تخلص منه بنسبة ٩٩٪. للأسف تستغرق ملوثات أخرى في السمك وقتًا أطول ليتخلص منها الجسد؛ نصف دورة بعض الديوكسينات، وبي سي بي، والنواتج الثانوية ل دي دي تي الموجودة في السمك تصل إلى عشر سنوات. وعليه فإن الوقت المطلوب للتخلص بنسبة ٩٩٪ منها يصل إلى مائة عام – وهو وقت طويل لتأخير الحمل بأول طفل.
ولعلنا نتساءل الآن عن الكيفية التي تسربت بها هذه الكيماويات إلى طعامنا في الأصل. من بين أسباب ذلك أننا لوثنا هذا الكوكب إلى حد أن أصبحت الملوثات تنزل مع المطر، فمثلًا، أورد العلماء أن ثمانية مبيدات مختلفة تلوث القمم الثلجية لحديقة جبال الروكي الوطنية في كولورادو. وبمجرد أن تصل هذه الملوثات إلى التربة، يمكنها شق طريقها عبر السلسلة الغذائية بتركيزات متزايدة. تخيل مثل أن بقرة الحليب قبل أن تذبح لأكلها لحمًا كانت قد تناولت أربعة وثلاثين كيلوجرامًا من النباتات. وخزنت الكيماويات التي تحويها النباتات في دهون البقرة وتراكمت في جسدها. حين نأتي إذن للمبيدات الذائبة في الدهون، فإنك في كل مرة تأكل البرجر، تأكل بالضرورة كل ما أكله الحيوان الذي صنع منه البرجر. وأفضل سبيل لتقليل تعرضك للسموم الصناعية هو أن تجعل جل طعامك من الحلقة الأولى في السلسلة الغذائية: الطعام النباتي.
التدخين وباركنسون
احتفت مؤخرًا هيئة مراكز الوقاية والسيطرة بالذكرى الخمسين لصدور التقرير الجراحي الفارق لعام ١٩٦٤ عن التدخين، وهو يعد أحد أعظم إنجازات الصحة العامة في عصرنا. ومن المثير للاهتمام العودة إلى تلك الحقبة وقراءة ردود فعل صناعة الدخان على هذا التقرير، فمثلًا، قال أحدهم إن الحقيقة على عكس ما ذكر التقرير عن كلفة التدخين على البلاد والتي تقدر بالملايين: “فالتدخين يوفر على البلاد مالها؛ لأن الناس يموتون عقب التقاعد مباشرة”. بعبارة أخرى، فكروا بكم ما سنوفره من تكاليف في الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي بفضل السجائر.
كذلك انتقدت الصناعة التقرير “لفقدانه التوازن فيما يتعلق بفوائد التدخين”. وبحسب شهادتهم أمام الكونجرس فإن هذه “الفوائد الصحية الإيجابية” تشمل “الإحساس بالارتياح والرضا والسعادة وكل شيء”. بخلاف كل هذه السعادة التي حاول التقرير التغافل عنها، ضمن معهد الدخان في عبارته “وكل شيء آخر” الحماية من مرض باركنسون.
وكما ظهر بالفعل، وعلى غير المتوقع تمامًا، وفي أكثر من ستين دراسة أجريت خلال نصف القرن الماضي بدا أن التدخين مرتبط بنسب إصابة أقل كثيرًا بمرض باركنسون. وقد فشلت محاولات شجاعة عديدة في دحض هذه النتائج. وقد رجح علماء الصحة العامة أن المدخنين ربما يموتون قبل الإصابة بهذا المرض. لكن هذا غير دقيق، فالمدخنون محصنون من هذا المرض في جميع الأعمار. فلعل ذلك يكون بسبب كثرة شربهم للقهوة، والتي تعرف بقدرتها الوقائية. كلا أيضًا، حيث يبقى الأثر الوقائي حتى بعد سيطرة الباحثين على تناول العينات للقهوة في أثناء الدراسة. كذلك انتهت دراستان متطابقتان إلى استبعاد العامل الوراثي. حتى النشأة في بيت يدخن فيه الوالدان أو أحدهما يبدو واقيًا حين يتعلق الأمر بمرض باركنسون. فهل كان صناع التبغ على حق؟ هل هذا مهم أصلًا؟
منذ صدور تقرير الجراحة العامة الفارق عام ١٩٦٤، مات أكثر من عشرين مليون أمريكي بسبب السرطان. وحتى لو لم تكن مباليًا بموتك بسبب سرطان الرئة أو الانسداد الرئوي المزمن، حتى لو كنت تبالي فقط بحماية مخك، يظل الابتعاد عن التدخين واجبًا؛ لأن التدخين عامل خطورة أساسي في الإصابة بالسكتة الدماغية. لكن ماذا لو تمكنت من تحصيل فوائد التدخين دون أن تقرب مخاطره؟
بإمكانك ذلك فعلا. العامل الواقي للأعصاب بالدخان يبدو أنه النيكوتين. والدخان هو جزء من العائلة الباذنجانية التي تشمل الطماطم والبطاطس والباذنجان والفلفل. وقد ثبت أنها تحتوي هي أيضًا على النيكوتين، لكن بكميات ضئيلة – أقل بمئات المرات مما يوجد من النيكوتين في سيجارة واحدة – بحيث لا يمكن التعويل على قدرتها الوقائية لمحدوديتها. لكن نفسين فقط من دخان سيجارة كفيلان بتشبع كامل لمستقبلات النيكوتين في نصف دماغك. ثم علمنا بعد ذلك أن مجرد التدخين السلبي يقلل كذلك من خطر الإصابة بباركنسون وأن مقدار ما تحصل عليه من النيكوتين بجلوسك في مطعم يدخن فيه الناس من حولك هو ذاته المقدار الذي تحصل عليه من وجبة صحية في مطعم لا تدخين فيه. أفلا يكون الإكثار من الخضر الباذنجانية وسيلتك الأولى للوقاية من مرض باركنسون؟
قرر الباحثون في جامعة واشنطن الإجابة عن هذا السؤال. حين فحصوا تلك الخضراوات بحثًا عن النيكوتين لم يجدوه في الباذنجان، بل وجدوا القليل في البطاطس، والبعض منه في الطماطم، ومقدارًا أكبر في الفلفل الحلو. كانت تلك النتائجة متسقة مع ما انتهى إليه الباحثون حين فحصوا قرابة خمسمائة شخص أصيبوا بباركنسون في مقابل مجموعة مقارنة. وجدوا أن تناول الكثير من الخضراوات الغنية بالنيكوتين والفلفل بالخصوص، جاء مرتبطًا بتراجع في نسب الإصابة بباركنسون. (ولم يوجد هذا الأثر إلا بين غير المدخين لأن تدفق النيكوتين سيطغى بالطبع على أثر غذائي). فقد ساعدت هذه الدراسة في العوامل الوقائية من مرض باركنسون والتي توجد بشكل محدود في الطماطم والبطاطس وكذا الخضر الباذنجانية البحر متوسطية.
وقد انتهى باحثو جامعة واشنطن إلى أننا بحاجة إلى مزيد من البحث قبل التفكير في الخيار الغذائي كسبيل للوقاية من باركنسون، لكن التدخل فيه هو بالقطع أكثر صحية، ولا أرى سببًا للتأجيل.
الألبان
وجد أن مرضى باركنسون ترتفع في دمهم مستويات الأورجانوكلوريد، وهو من فئة مبيدات واسعة التحريم تشمل الدي دي تي. وجدت الدراسات التشريحية مستويات مرتفعة من المبيدات في أنسجة مخ مصابي باركنسون كذلك وجدت في أدمغتهم ملوثات أخرى مثل بي سي بي، وكلما ارتفعت مستويات بي سي بي، زاد التلف في تلك المنطقة من المخ المسئولة عن المرض، والتي تسمى المادة السوداء. وكما ذكرنا سابقًا، أنه على الرغم من تحريم العديد من المبيدات قبل عقود فإنها لا تزال موجودة في البيئة بإصرار. وقد تبقى متعرضًا لهذه المواد ما دمت مستهلكًا للمنتجات الحيوانية الملوثة بها، ومن تلك المنتجات الألبان. وجد أن مستويات مادة بي سي بي المرتبطة بمرض باركنسون تكون أقل ما تكون في دم أولئك الذين لا يأكلون الألبان أو يلتزمون بنمط غذائي نباتي.
انتهى تحليل تلوي لدراسات شملت أكثر من ثلاثمائة ألف مشارك إلى أن استهلاك الألبان بوجه عام يرتبط باحتمالات أكبر للإصابة بباركنسون. وقدروا أن نسبته تزيد بمقدار ١٧٪ مع استهلاك كوب لبن واحد يوميًّا. يقول الباحثون في تفسيرهم: “إن تلوث اللبن بالمسممات العصبية له أثر بالغ الأهمية”. فمثلًا، مادة سامة عصبية مثل التيتراهيدروسوكوينلين، وهي مركب يستخدم في حقن الفقاريات بمرض الشلل الرعاش في الدراسات المختبرية، وجد أنها تتركز بشكل أساسي في الجبن. تركيزها ليس كبيرًا، لكن المشكلة أنها قد تتراكم باستهلاكها المستمر على مدى العمر. متسببة في المستويات العالية التي توجد في أدمغة المصابين بباركنسون. لقد طلب من صناع الألبان كثيرًا أن يقوموا بمسح للسموم في اللبن، لكن لم يستجب لهذه الدعوات مطلقًا.
في مقال التحرير بمجلة علمية خاصة بعلوم الغذاء، اعتبرت القضية منتهية: “إن التفسير الممكن الوحيد لهذا التأثير هو تلوث اللبن بهذه السموم،” لكن ثمة تفسيرات أخرى تهدف إلى نزع الصلة بين اللبن ومرض باركنسون. فمثلًا، لا تفسر مستويات الملوثات ارتباط باركنسون باستهلاك سكر اللاكتوز في اللبن وليس دهن اللبن، أكثر ارتباطًا باللبن من ارتباطه بالزبد. فلربما كان المتهم الفعلي هو الجالاكتوز، أو سكر اللبن، في الإصابة بكسور العظام، والسرطان، والوفاة. وأولئك الذين لا يستطيعون نزع السمية من الجالاكتوز الموجود في اللبن قد لا يعانون فقط مشكلات العظام بل يعانون أمراض المخ أيضًا. وقد يساعدنا هذا على تفسير الصلة بين اللبن ومرض باركنسون، كما يفسر الصلة بين اللبن ومرض عقلي آخر يسمى مرض هانتنجتون. ولا شك أن الاستهلاك المتزايد لمنتجات الألبان ربما يضاعف فرص الإصابة المبكرة بمرض هافنتنجتون.
وثمة تفسير آخر وهو أن استهلاك اللبن يقلل مستويات حمض اليوريك في الدم، وهو مضاد أكسدة مهم للمخ ثبت أنه يحمي الخلايا العصبية في مواجهة الإجهاد التأكسدي الذي تسببه المبيدات. قد يبطئ حمض اليوريك من تقدم مرضى هانتنجتون وباركنسون، والأهم، أنه قد يقلل من احتمالات الإصابة بباركنسون من الأصل. إلا أن كثرة حمض اليوريك قد تبلورت في مفاصلك وتسبب لك مرضًا مؤلمًا آخر هو النقرس؛ ولذا فإن حمض اليوريك سيف ذو حدين. كذلك ترتبط كثرته بأمراض القلب والكلى؛ وقلته الشديدة مرتبطة كذلك بباركنسون والتصلب والسكتة الدماغية. وأولئك الملتزمون بالنمط الغذائي النباتي الخالي من الألبان يصيبون الحسنيين فيما يتعلق بالمستوى المثالي لحمض اليوريك.
اللبن قد لا يكون فيه نفع لجسد الإنسان، على الأقل فيما يتعلق بالعظام والمخ.
التوت
في توصيفه الأصلي وقبل قرون للمرض الذي يحمل اسمه، حدد الدكتور جيمس باركنسون سمة أساسية لهذا المرض: أمعاء “بليدة” أو حالة إمساك شديدة تسبق توصيف الحالات ربما بسنوات. منذ ذلك الحين تعلمنا أن حركة الأمعاء ربما تكون مؤشرًا أو علامة على مرض باركنسون، فالرجال من أصحاب حركة الأمعاء البطيئة تزيد احتمالات إصابتهم لاحقًا بالمرض بمقدار أربع مرات, كذلك تم افتراض العكس: فلربما لم يكن الإمساك هو ما يقود إلى باركنسون. ربما كان باركنسون – وحتى قبل تشخيصه بعقود – هو ما يقود إلى الإمساك. وقد دعم هذا الطرح أدلة شفهية تقول إن العديد ممن أصيبوا بباركنسون لم يشعروا في حياتهم قط بالعطش الشديد وربما أسهم نقص ما يتناولونه من ماء في حالة الإمساك لديهم.
ومع علمنا بعلاقة الملوثات الغذائية بمرض باركنسون، فإن الإمساك ربما يكون سببًا مباشرًا في الإصابة بالمرض: كلما طال بقاء الفضلات في الأمعاء زاد مقدار ما يمتص من هذه الملوثات. هناك ما يزيد على مائة دراسة الآن تشير إلى علاقة بين باركنسون وبين المبيدات الحشرية، لكن العديد منها يعتمد على تعرض عارض أو محيطي لهذه الملوثات. هناك ما يقارب من بليون كيلوجرام من المبيدات تستخدم سنويًّا في الولايات المتحدة، والحياة أو العمل في مناطق تكثر فيها قد تزيد من احتمالات إصابتك. كذلك استخدام المبيدات الحشرية المنزلية يزيد من احتمالات الإصابة.
فكيف تزيد المبيدات الحشرية احتمالات إصابتك على وجه التحديد؟ يعتقد العلماء أنها قد تسبب تحورات جينية تزيد من نسب التعرض للإصابة, أو أنها تؤثر على طريقة تفاعل بعض البروتينات في المخ، فلكي تعمل البروتينات بشكل فعال، يجب أن تكون في شكلها الصحيح. وحين تقوم بصناعة بروتينات جديدة في خلاياك، فإن خرجت بشكل غير سليم، يعاد تدويرها، ويحاول جسدك مجددًا. وبعض البروتيات غير المضبوطة قد تأخذ شكلًا يصعب على الجسد تفكيكه، فإن حصل هذا باستمرار، فإن البروتينات المشوهة قد تتراكم وتكون النتيجة وفاة لخلايا المخ، فبروتينات بيتا النشوية مغلوطة التركيب، مثلًا، ترتبط بمرض الألزهايمر؛ وبروتينات البريون مغلوطة التركيب قد تتسبب في مرض جنون البقر، ونوع آخر من البروتينات مغلوطة التكوين قد تسبب مرض هانتنجتون؛ وبروتينات ألفا سينكلين مغلوطة التركيب قد تقود إلى الإصابة بباركنسون. وفي أكثر الدراسات التي أجريت حتى الآن شمولًا في هذا الصدد، وجد أن لثمانية من اثني عشر مبيدًا شائعًا القدرة على تحفيز تراكمات بروتينات ألفا سينكلين في الخلايا البشرية.
وكما سبق أن قلت، يحصل مرض باركنسون نتيجة موت خلايا عصبية متخصصة في منطقة في المخ هي المسئولة عن الحركة. ومع ظهور أول عوارض المرض، تكون ٧٠٪ من هذه الخلايا قد مات فعلًا. والمبيدات الحشرية بارعة في قتل هذه الخلايا العصبية حتى إن العلماء يستخدمونها في إحداث حالات باركنسون بين حيوانات التجارب لاختبار علاجات جديدة.
فإن كانت تلك المبيدات قادرة على قتل خلايا دماغك، فهل هناك من شيء يمكنك فعله إزاء هذا بخلاف خفض تعرضك لها؟ ليست هناك أدوية معروفة لمنع هذه البروتينات المشوهة من التراكم، لكن هناك مواد غذائية نباتية تسمى الفلافونويد – والتي توجد في الخضراوات والفاكهة – وجد أنها قادرة على تحقيق الوقاية اللازمة. لقد اختبر الباحثون ثمانية وأربعين مكونًا نباتيًّا مختلفًا لها القدرة على تجاوز المانع الدموي المخي لبيان إذا ما كانت قادرة على إيقاف تراكم بروتينات ألفا سينكلين. المدهش أن مركبات الفلافونويد لم تظهر قدرة على إيقاف هذا التراكم فحسب، بل كانت قادرة كذلك على تفكيك المتراكم منها.
تقول الدراسة إن تناول طعام صحي، يقلل من تعرضك للملوثات ويواجه آثارها في الوقت ذاته. وحين يتعلق الأمر بمواجهة آثار المبيدات، يأتي التوت في المقدمة، في مواجهة مباشرة بين التوت والمبيدات، وجد الباحثون أن إقران الخلايا العصبية بمستخلص التوت الأزرق يحسن قدرتها على الصمود في وجه الآثار المدمرة للمبيد الحشري. لكن معظم هذه الدراسات أجريت على خلايا في وضع مختبري، فهل هناك من دليل على أن من يأكلون التوت يتحقق لهم الاختلاف المنشود؟
قبل عقود، أجريت دراسة صغيرة وانتهت إلى أن تناول التوت الأزرق والفراولة يحمي من باركنسون، لكن أسئلة ظلت من دون إجابات إلى أن أجريت دراسة جامعة هارفارد على ١٣٠ ألف شخص وانتهت إلى أن أكثر الناس تناولًا للتوت هم على ما يبدو أقلهم إصابة بهذا المرض.
وانتهى المقال التحريري المرافق لنشر الدراسة في مجلة نيورولوجي إلى أن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث، لكن “حتى ذلك الحين، تفاحة كل يوم، لن تضر أحدًا”. فللتفاح على ما يبدو قدرة على الوقاية من باركنسون، لكن للرجال فقط. ورغم أن الجميع يفيدون من تناول التوت الأزرق والفراولة، فإن التوت وحده هو ما شملته هذه الدراسة.
إذا قررت اتباع توصيتي بتناول التوت كل يوم، فإني أوصيك كذلك بألا تتناوله مع الكريمة، فإنها لا تزيل فقط بعض فوائده الغذائية، لكنها، وكما سبق أن رأينا، تحتوي على مركبات قد تتسبب في التلف نفسه الذي يسعى التوت لمنعه.
أكل اللحوم يزيد التضخم الحيوي
إذا كان الناس لا يأكلون إلا في حدود الحلقتين الأوليين من السلسلة الغذائية، النباتات وآكلات النباتات – أي الأبقار والدجاج الذي يتغذى على الحبوب والصويا – فلماذا تزيد نسب التلوث بين الأمريكيين؟ أولئك الذين يذكرون قصة جنون البقر يعرفون الإجابة عن هذا السؤال، في مجال أعمال الزراعة الحديث، لم يعد هناك من آكلات للعشب كما نتصور.
فملايين الأطنان من مخلفات المسالخ تؤخذ لتتغذى عليها حيوانات المزارع في الولايات المتحدة كل عام. نحن بهذا لا نحول هذه الحيوانات إلى آكلات لحوم فحسب، بل تتحول للتوحش بشكل فعلي. إننا حين نطعم حيوانات المزارع ملايين الأطنان من اللحوم والعظام، فإننا نطعمها معها أية ملوثات ربما كانت تحتويها تلك المأكولات. بعدها، وحين تذبح هذه الحيوانات بدورها ويتم إطعام الجيل التالي بمخلفاتها، فإن تركز الملوثات يصير أعلى وأعلى. وبهذا ينتهي المطاف بنا كدببة قطبية أو نسور في آخر السلسلة الغذائية ونعاني نتائج التضخم الحيوي للملوثات. إننا حين نأكل هذه الحيوانات، نكون كما لو أننا قد أكلنا كل حيوان قامت بأكله سابقًا.
إن استخدام مخلفات المسالخ في إطعام حيوانات أخرى يعيد تدوير المعادن الثقيلة السامة وكذلك الكيماويات الصناعية في مصادر الطعام من جديد. يتراكم الرصاص في العظام والزئبق في البروتين الحيواني (حيث يتركز في بياض البيض من الزئبق ما يزيد على ما فيه صفاره بعشرين مرة). والملوثات العضوية الدهنية اللحوحة (والتي تعرف اختصارًا ب POLP) تتراكم في الدهون الحيوانية وتقليل استهلاك اللحوم يساعد على التقليل من التعرض للملوثات، لكن هذه الملوثات قد ترتد إلينا ثانية في مختلف المنتجات الحيوانية. ويقول أحد العلماء المتخصصين في علم السموم: “رغم أن دورة الحياة النباتية قد تقلل من مخزون الجسم من الملوثات العضوية الدهنية والزئبق والرصاص، فإن هذه الفوائد قد تتراجع قيمتها مع استهلاك البيض والألبان الملوثة. إن حيوانات المزارع التي تطعم بمخلفات حيوانية تنتج ألبانًا وبيضًا ملوثًا”.
فإذا أردت خفض مستويات السموم العضوية في جسمك، فانخفض قدر استطاعتك في درجات السلسلة الغذائية.
أمور بسيطة لخفض نسب إصابتك بمرض باركنسون
هناك عدة أمور بسيطة يمكنك القيام بها لخفض نسب إصابتك بمرض باركنسون أو شلل الرعاش. ويمكنك تثبيت أحزمة الأمان أو خوذات قيادة الدراجات كي تتفادي صدمات الرأس، وبإمكانك الانتظام بممارسة الرياضة، وكذلك تفادي زيادة الوزن، وتناول الفلفل والتوت والشاي الأخضر وتقليل تعرضك للمبيدات الحشرية، والمعادن الثقيلة، والألبان وغيرها من المنتجات الحيوانية. الأمر يستحق العناء. ثق بي حين أقول لك إن عليك تفادي الإصابة بهذا المرض بكل سبيل، فهو مأساة.