التصنيفات
القلب | جهاز الدوران | أمراض الدم

ينبغي ألا تصاب بنوبة قلبية: برنامج القلب ج1

تخيل عالما تكون فيه النوبات القلبية نادرة للغاية، ولا يعرف الموت بسبب نوبة قلبية باكرة، فتصبح شيئا من الماضي. تخيل عالما يكتشف فيه مرض القلب باكرا جدا وبدقة كبيرة (وبذلك يعالج بكفاءة)؛ وهكذا، لا يحتاج إلا القليل القليل من الناس إلى التعرض للإجراءات الباضعة والباهظة التكاليف، مثل الرأب الوعائي (توسيع الشرايين) أو جراحة المجازة الإكليلية (التاجية). تخيل عالما يعيش فيه معظمنا بصحة جيدة وقدرة على الإنتاج وبأعمار مديدة خالية من تهديد النوبة القلبية والسكتة.

يمكن أن تفكر بأن “أطفالي أو أحفادي قد يكونون محظوظين بما يكفي ليعيشوا في مثل هذا العالم، لكن ذلك لن يحدث خلال حياتي”.

إذا كان ذلك ما تفكر فيه، فأنت على خطأ.

تشير الأخبار الآن إلى أننا نعلم الآن كيفية الوقاية من الكثرة الكاثرة من النوبات القلبية والسكتات ونقدر على ذلك؛ كما نستطيع إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح سنويا. إنني لا أتكلم عما يمكن القيام به بعد عشر سنوات من الآن، أو حتى خمس سنوات؛ إنما أتكلم عما نستطيع القيام به الآن تماما. وأكثر ما يلفت النظر هو حقيقة أننا نمتلك الآن طرقا تشخيصية غير باضعة وغير مؤلمة ولا تحتاج إلى التعافي لتحديد الأشخاص الذين هم في خطر مرتفع للإصابة بداء الشرايين التاجية (الإكليلية) (CAD)، وبذلك يمكن معالجتهم باكرا. كما أن لدينا علاجات فعالة جدا، بما في ذلك الأدوية وتغيير نمط الحياة، تستطيع إزالة الضرر الواقع على شرايين القلب من دون أن يحتاج المرضى إلى مبضع الجراح. وتعد هذه العلاجات بسيطة ورخيصة مقارنة مع رأب الأوعية أو جراحة المجازة.

أعلم أن ذلك حقيقي، لأنني أصف هذه العلاجات يوميا أثناء ممارستي للطب؛ ومعظمكم يمكن أن يعرفني كطبيب وضع النظام الغذائي ساوث بيتش، لكنني طبيب عارض للنظام الغذائي من جديد؛ فعلى مدى ثلاثين سنة تقريبا، كنت اختصاصيا في أمراض القلب، كما كنت على مدى أكثر من عشرين سنة في كلية الطب بجامعة ميامي ميلر. لقد كرست معظم حياتي الطبية في تصوير القلب وهو عمل غير جراحي، وهو تكنولوجيا تسمح لنا بالحصول على صور مفصلة للقلب والشرايين التاجية (الإكليلية) من خارج الجسم؛ فإذا كنت قد خضعت لتفريسة قلبية، سواء تفريسة مقطعية محوسبة أو تصوير مقطعي بحزمة إلكترونية، فلربما أعطيت منسب الكالسيوم كجزء من نتائج الاختبار لديك؛ ويقوم ذلك على قياس الكالسيوم التاجي الذي يدعى أيضا منسب أغاتستون، وتدعى طريقة تحري الكالسيوم طريقة أغاتستون. وكلتا الطريقتين كانتا نتيجة عمل باكر مع الزميل الطبيب وارن جانوويتز الذي طور طريقة تصوير الشرايين المسدودة بلويحة والتي يمكن استعمالها قبل سنوات من حصول أعراض النوبة القلبية. في الواقع، طوال حياتي المهنية كان تركيزي واهتمامي منصبين على تشخيص أمراض القلب والوقاية منها.

الاهتمام بالوقاية

مما لا يصدق اليوم أن 66.5٪ من الأميركيين هم إما مفرطو الوزن أو سمينون، و14٪ معرضون لداء السكر. كما أن نحو 21 مليون أميركي مصابون بداء السكر فعلا؛ وهذا العدد في تزايد يومي. فضلا عن ذلك، نحن نصدر أوبئتنا المتمثلة في السمنة والاستعداد لداء السكر وداء السكر نفسه إلى بقية العالم بمعدل خطير. ويعد الأشخاص المصابون بهذه الأمراض، الناجمة بشكل رئيسي عن النظام الغذائي السيئ ونمط الحياة السيئ، مرشحين رئيسين لأمراض القلب.

لقد وضعت النظام الغذائي ساوث بيتش لمساعدة مرضاي على إنقاص وزنهم وتحسين العناصر الكيميائية في دمهم وتجنب الإصابة بداء السكر؛ وقد كان ذلك جزءا من لغز الوقاية، وقد أدى عمله. وكل الشكر للنجاح الواسع لكتابي الأول، فقد أعطاني فرصة متميزة ورائعة للمساعدة على تغيير الطريقة التي يأكل بها الأميركيون؛ وخلال ابتهاجي بدفعي لملايين الناس في العالم لاتباع النظام الغذائي ساوث بيتش، لدي جدول أعمال طموح أيضا.

إن هدفي من كتابة برنامج القلب من الساوث بيتش هو المساعدة على تغيير الطريقة التي تجري من خلالها حاليا الوقاية من أمراض القلب ومعالجتها في أميركا.

إنني أعتقد أن أحد أهم مظاهر الإخفاق في ممارسة الطب اليوم هو أن المرض القلبي الوعائي لا يشخص ويعالج في مراحله الأولى. وأسمع في كل مرة بأن شخصا ما قد مات نتيجة نوبة قلبية مفاجئة، ولا أستطيع المساعدة، لكنني أفكر بأنه هل ينبغي أن يحصل ذلك؛ إذ يمكن إنقاذ الحياة إذا كانت الضحية ربما قد استفادت من آخر الطرق التشخيصية والعلاجات الطبية.

يعتمد برنامج القلب من الساوث بيتش على هذه الوسائل القاطعة، والتي تستعمل حاليا من قبل اختصاصيي أمراض القلب وأطباء الأمراض الباطنية المهتمين بالوقاية في البلد؛ فهذا البرنامج يظهر لك كيفية تحقيق معظم هذا التقدم، مع تحسين نظامك الغذائي ونمط حياتك أيضا.

يمكن الوقاية من النوبات القلبية

منذ اللحظة التي تخرجت فيها من كلية الطب، كنت مهتما كثيرا بالوقاية من أمراض القلب، لكنني لم أكن أعرف كيف أحقق ذلك. لقد تغير كل شيء بعد ظهور الأدوية المخفضة للكوليسترول، وطرق الاستقصاء التاجية (الإكليلية) غير الجراحية الجديدة، واختبارات الدم المتقدمة، والفهم الأكثر دقة لكيفية حصول النوبات القلبية. ومع أنني مارست شكلا مما أحب أن أسميه الوقاية الهجومية أو المكثفة على مدى سنوات، لكنني لم أتمكن حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي من القدرة على الاستفادة من جميع هذه الاستراتيجيات الجديدة، وتنفيذ برنامج الوقاية من أمراض القلب الذي أستعمله اليوم.

الآن، تغمرني السعادة عندما أتذكر آخر مرة تلقيت فيها اتصالا في آخر الليل من قسم الإسعاف، يخبرني بأن أحد مرضاي يعاني من نوبة قلبية؛ ولم يكن لدي مرضى بعمر 40 أو 50 أو 60 سنة في ممارستي يعانون من نوبات قلبية أو سكتات؛ فمن بين الأشخاص الذين عالجتهم لفترة من الزمن، نادرا ما وجدت أنه من الضروري إحالتهم إلى الإجراءات غير الجراحية مثل رأب الأوعية (توسيعها) أو جراحة المجازة؛ كما لم أتعامل إلا مع أصحاء من الناحية القلبية. لقد كنت أعالج بشكل رئيسي رجالا ونساء من ذوي الخطورة العالية، ولديهم عوامل خطر متعددة وتاريخ عائلي يتماشى بشدة مع أمراض القلب. في الواقع، يأتيني الكثير من المرضى بعد إصابتهم بنوبة قلبية بعمر صغير؛ وإذا ما اتبعوا برنامجي، فهم لا يتجهون إلى برنامج آخر.

مثلما سبق وذكرت، لا تقتصر خبرتي على ما ذكرت وحسب؛ فإن أحد الأسرار التي أحتفظ بها في الطب هو أن الأطباء الذين يمارسون الوقاية المكثفة توقفوا تقريبا عن رؤية النوبات القلبية والسكتات بين مرضاهم. عندما نتقابل في المؤتمرات ونقارن الملاحظات، كثيرا ما نسمع أحدهم يقول: “أنا بالكاد رأيت نوبة قلبية أثناء ممارستي لعملي الطبي هذه السنة”؛ “وإذا كانت المستشفيات ستعتمد على إحالاتي للجراحة، فستكون غرف العمليات لديها هادئة جدا”. نحن لن ننتظر إلى أن يصبح مرضانا عاجزين بسبب ألم في الصدر أو في مرحلة النوبة القلبية؛ ففي هذه المرحلة المتأخرة، سيكون التدخل الجراحي ضروريا عادة. وبدلا من ذلك، نحن نستعمل أحدث وسائل التكنولوجيا للتعرف إلى الأشخاص الذين هم في خطر مرتفع بالنسبة إلى النوبة القلبية قبل سنوات من معاناتهم من أي أعراض؛ كما نثقف مرضانا بشأن النظام الغذائي الصحيح والتمارين، ونصف الأدوية المخفضة للكوليسترول والعقاقير الأخرى التي ثبت أنها تساعد على الوقاية من النوبات القلبية والسكتات.

كما نراقب عن كثب مرضانا ونثابر على ذلك؛ وهم يبقون أصحاء وسعداء ومتعافين من النوبات القلبية دائما. لقد جلبت مراقبة المرضى الذين مات أحد والديهم أو أشقائهم بنوبة قلبية قبل عمر الخمسين سنة وبلوغ الستينات وربما أكثر، أكبر درجة من الرضا لي كطبيب. هذا، وليس هناك روتين حول إنقاذ الأرواح، إنما أصبح استعمال طرق الوقاية المكثفة وإنقاذ الأرواح روتينا في ممارسة طب القلب. يقدم برنامجي الفوائد، لأنه تجميع لما قد تعلمناه على مدى السنين من الكثير من الرواد في أبحاث طب القلب والممارسة، وهؤلاء لهم دين في رقابنا.

الملايين منسيون ومحرومون

رغم كل التقدم والنجاح المثبتين لدينا، أشعر بخيبة الأمل من أن الكثير من الأميركيين لا يحصلون على الرعاية الوقائية التي يتمتع بها مرضاي ومرضى الأطباء الوقائيين الآخرين. في الواقع، تمثل أمراض القلب إلى حد بعيد القاتل الأول في الولايات المتحدة، حيث تكون مسؤولة عن خمس حالات وفاة سنويا؛ ولا يكون الرجل المتوسط العمر أو المسن هو الضحية فقط؛ فأمراض القلب قاتلة بدرجة متساوية، حيث إن نحو 500 ألف امرأة يمتن نتيجة الأمراض المتعلقة بالقلب سنويا. وأنا أقول للنساء ملاحظة تنص على أنه: “إذا كنت مصابة بنوبة قلبية، فلديك احتمال أكبر بمرتين من الرجل للموت بسببها”. وأتمنى من النساء القارئات التحقق من أن ما أقوله في هذا الكتاب يهمهن مثلما يهم أزواجهن وأولادهن وآباءهن وإخوانهن.

تنجم معظم وفيات أمراض القلب عن حالة تدعى التصلب العصيدي أو تصلب الشرايين، وهي تحصل عندما تمتلئ جدران الشرايين شيئا فشيئا بلويحة وبحساء سام متفاوت من الكوليسترول والخلايا الملتهبة والنسيج المتندب والعناصر الأخرى، لكن اللويحات جميعا لا تتشكل بدرجة متساوية؛ فالنوبة القلبية تحصل عندما تنفجر لويحة لينة غنية بالكوليسترول، مما يؤدي إلى تشكل جلطة تسد أو تمنع جريان الدم إلى القلب (تكون آلية معظم السكتات متماثلة، عدا تلك التي تحدث في الشرايين المتجهة إلى الدماغ أو الموجودة فيه).

رغم حقيقة أن معظم النوبات القلبية يمكن الوقاية منها، إلا أن هناك نحو 865 ألف نوبة قلبية جديدة وناكسة (متكررة) سنويا، ولا يستثنى من ذلك ما نراه نحن أطباء القلب الوقائيين في ممارستنا، فالعدد الكلي للإجراءات القلبية الجراحية هو في ارتفاع فعلي. وهناك أكثر من مليون عملية رأب وعائي تجرى سنويا لفتح الشرايين المسدودة. كما أن نحو 467 ألف عملية مجازة تاجية تجرى سنويا في الولايات المتحدة.

غالبا ما يخبر المرضى بأن خضوعهم للرأب الوعائي أو جراحة المجازة سيقيهم من نوبة قلبية أولى أو ثانية. في معظم الحالات، لا يكون ذلك ببساطة صحيحا؛ ففي حين أن الرأب الوعائي (الذي يشمل فتح الانسداد بنفخ بالون موجود في نهاية القثطار) قد يكون منقذا للحياة عندما يجرى في مرحلة باكرة من مساق النوبة القلبية أو عندما تكون الأعراض شديدة، فإنه يجرى غالبا – إن لم نقل دائما – عند مرضى مصابين بأعراض خفيفة للمرض القلبي أو غير مصابين بأية أعراض. بكلمة أخرى، يجرى هذا الإجراء الجراحي عند أشخاص يعيشون حياة طبيعية نوعا ما؛ ولا يؤدي فتح الشريان المسدود بشكل مزمن لديهم إلى أية فائدة وقائية من نوبة قلبية مستقبلا. في حين أن جراحة المجازة (تقوم على تغيير طريق جريان الدم حول مواضع الانسداد في الشرايين التاجية باستعمال أوردة أو شرايين منقولة من أجزاء أخرى من الجسم) قد تكون منقذة للحياة أو مطيلة للعمر لدى بعض الناس، لكن الكثير من المرضى يخضعون لهذا الإجراء الخطير جدا رغم أنه لا يطيل حياتهم ولا يجعلهم يشعرون بأنهم بحالة صحية أفضل.

لماذا يقوم الكثير من الأطباء بالمداخلات الجراحية؟

سنصيغ السؤال كما يلي: إذا كان أطباء القلب الوقائيون قادرين على التقليل من وقوع النوبات القلبية بدرجة كبيرة بين مرضانا، وإذا كنا نتخلص تقريبا من الحاجة إلى الإجراءات الباضعة مثل الجراحة القلبية، فلماذا لا يزال مئات آلاف الناس يصابون بالنوبات القلبية ويخضعون لهذه الإجراءات ويموتون نتيجة أمراض القلب؟ ولماذا نقوم بما لا يقوم به الأطباء الآخرون؟ والأهم من ذلك، لماذا لا يقومون بهذا الأمر؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج إلى مجلدات حول الحالة الراهنة لممارسة الطب.

بادئ ذي بدء، يفهم أطباء القلب الذين يمارسون الوقاية المكثفة أن السبب الحقيقي للنوبة القلبية يختلف عما يعتقد عادة؛ فعندما كنت في كلية الطب في سبعينيات القرن الماضي، كنا نتعلم أنا وزملائي ما أدعوه نموذج التسليك في أمراض القلب. وقد تعلمنا أن النوبة القلبية تنجم عن انسداد في شريان تاجي (إكليلي) رئيسي بسبب تكون تدريجي للويحة عصيدية، بطريقة مماثلة تماما لتراكم الغلس أو الكدارة أو الوحل في بالوعة المطبخ المسدودة. وكانت النظرية تنص على أنه عندما يصبح الشريان مسدودا بالتدريج بلويحة، يؤدي ذلك إلى تضيق يزداد شيئا فشيئا إلى أن ينقطع تدفق الدم إلى القلب.

قبل نحو عشرين سنة، بدأ الباحثون في القلب بإيجاد ثغرات في نموذج التسليك؛ فقد لاحظوا أن ما يدعى اللويحات السادة المشاهدة في الصور الوعائية والمسببة لمعظم النوبات القلبية هي لويحات صغيرة ضمن البطانة الداخلية لجدران الأوعية؛ وتشبه هذه اللويحات البثرات الصغيرة؛ ولكن بدلا من أن تمتلئ بالقيح، تمتلئ بالكوليسترول. وعندما تكبر هذه البثرات الكوليسترولية تؤدي إلى إصابات دقيقة في الجدار الوعائي. ومع بدء التئام الإصابة، تتشكل جلطة دموية بشكل شبيه تماما بما يحصل عندما يحدث جرح في الجلد؛ فإذا كانت الجلطة كبيرة بما يكفي لسد الشريان، لا يصل الدم إلى جزء العضلة القلبية المروى بذلك الشريان، فيموت هذا الجزء، وهذه هي النوبة القلبية؛ فإذا تأذى جزء هام من العضلة القلبية، لا يعود القلب قادرا على القيام بوظيفته، مما يؤدي إلى الفشل القلبي أو الموت. ولكن، تتمزق معظم هذه اللويحات ولا تؤدي إلى نوبة قلبية أو أعراض مطلقا. وهذا بالضبط ما يسعى إلى معالجته أطباء القلب المتدخلون.

لذلك، إذا لم يكن الإجراء الهادف إلى التقليل من الانسداد أو تجاوزه هو المعالجة الفضلى، فماذا تكون؟ كيف نتعامل مع هذه اللويحات الرخوة المملوءة بالكوليسترول والتي لا تزال تنمو وتتمزق وتؤدي إلى تضرر العضلة القلبية؟ الإجابة موجودة في برنامجي الذي يقوم على النظام الغذائي والتمارين والأدوية لشفاء الجدران الوعائية وإعادتها إلى حالتها الصحية الطبيعية. نحن بطرق عديدة يكون عمرنا مساويا لعمر أوعيتنا الدموية. ولقد وجدت أننا نستطيع من خلال الطرق الصحيحة جعل أوعيتنا الدموية أكثر شبابا بالفعل.

أحب أن أصف العدد المتزايد من الأطباء الذين يستعملون أسلوب الوقاية المكثفة في أمراض القلب بالمستشفين أو المعالجين، خلافا للمسلكين الذين يستعملون الأسلوب التدخلي بشكل رئيسي. وسيكون العلم والمستقبل للمعالجين، لكن عددا هائلا من المرضى (الأغلبية الساحقة في الواقع) يعالجون حسب الطراز التسليكي؛ فعلى سبيل المثال، يقدر بأن نحو 50٪ فقط من مرضى القلب ذوي الخطر المرتفع سيستفيدون من تناول دواء الستاتين المنقذ للحياة لإنقاص الكوليسترول، وهذا تقدير محافظ. في الواقع، لا يعالج الناس بالأساليب الطبية غير الباضعة المناسبة، سواء أدل ذلك على دواء الستاتين أو أحد أدوية فرط ضغط الدم أو النظام الغذائي الصحي للقلب أو برنامج التمارين أو إيقاف التدخين، وهذا ما يفسر المعدلات المرتفعة باستمرار لرأب الأوعية وجراحة المجازة؛ ويكلفنا ذلك كثيرا من وجهة النظر الإنسانية والاقتصادية.

إن القاعدة، بصرف النظر عن الاستثناء، ترى أن الأساليب الطبية الحديثة، حتى تلك التي لها رصيد علمي قوي، بطيئة الاندماج في الممارسة اليومية. واليوم، إذا ذهب الجراحون من مريض إلى آخر من دون غسل أيديهم أو تعقيم أدواتهم، فلربما تشعر بالانبهار والفزع. ولكن، لنعد إلى الوراء حتى منتصف القرن التاسع عشر، فقد كان ذلك ممارسة شائعة، ونتيجة لذلك كان نحو نصف المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية يموتون بالعدوى التالية للجراحة. ويمكن أن يفكر أحدنا بأنه عندما كنا في سبعينيات القرن التاسع عشر، أوضح الطبيب البريطاني الرائد جوزيف لستر بأن بعض التدابير – مثل غسل اليدين وتعقيم المعدات الجراحية وتنظيف الجروح – قد تقلل معدلات وفيات المرضى بشكل مثير، وقد تبنى زملاؤه الأطباء بسهولة هذه الطرق المنقذة للحياة. في الواقع، رفض معظم الأطباء في بلده تصديقه. ومر عقدان من الزمن قبل أن تصبح الجراحة العقيمة ممارسة معيارية في بلده الأصلي إنكلترا. وأنا أذكر ذلك لأبين أنه عندما تأتي إلى إرادة المجتمع الطبي وسرعته في تبني الأفكار الجديدة، فإن الأشياء لا تتغير كثيرا.

كسر ظهر نظام الرعاية الصحية

هناك حوافز اقتصادية قوية لتعلق الأطباء والمستشفيات بالطريقة القديمة لفعل الأشياء؛ وتؤيد سياسات التعويض في نظام الرعاية الصحية الأسلوب التسليكي بوضوح. كما تدفع سياسات التأمين على الإجراءات عادة، وليس على الوقاية. وهذا أمر سار في العديد من الحالات منذ الأيام التي كانت فيها الاستراتيجيات الوقائية الفعالة قليلة بالنسبة لمرض القلب، أو قل الكثير من الأمراض الأخرى. نتيجة لذلك، لا ترى أن الكثير من المستشفيات تحتوي على وحدات للرعاية الوقائية، بل تعج بوحدات الرعاية القلبية التي صممت لمجرد القيام بالإجراءات الباضعة التي تعد مصادر حيوية للدخل. في الحقيقة، يدفع الأطباء إلى معالجة الأمراض، وليس إلى الوقاية منها.

فكر للحظة بتكلفة الابتعاد عن تنفيذ برنامج مكثف للوقاية من أمراض القلب، في الحقيقة، إننا سنخسر الكثير من المال في معالجة أمراض القلب في مراحل متأخرة، مما قد يقسم ظهر نظام الرعاية الصحية الذي أصبح طفلا ينمو يوما بعد يوم؛ فإذا فكرت بأنك تدفع الآن الكثير من المال للتأمين الصحي الخاص، وإذا فكرت بأن المدفوعات المرافقة كثيرة، وأن ضريبة الرعاية الطبية لك عالية جدا، فأنا سأصاب بالذعر من احتمال إصابتك بصدمة كبيرة؛ فهذه العلاوات والمدفوعات والضرائب مستمرة في الارتفاع.

لماذا؟ لأننا نحن الأميركيون نزداد بدانة، ونعاني من داء السكر أكثر من ذي قبل. وكما لاحظت في البداية، باتت الرابطة السببية بين داء السكر والسمنة وأمراض القلب معروفة تماما. وقد وصل نحو 36 مليونا منا إلى عمر 65 سنة أو أكثر، حيث تكون عوامل خطر النوبات القلبية والسكتات على أشدها في هذه المرحلة من الحياة. ومع زيادة عمر الطفل، سيزداد عدد السكان من ذوي الخطر المرتفع هذا حتى سبعين مليونا في عام 2030. وليس في ذهني سؤال عما إذا كان نظام الرعاية الصحية المتزايد التكاليف (والسيئ التوجه) والتعاظم المتنامي يتجهان إلى تغطية قدرة مجتمعنا على الدفع بسرعة والتغلب على ذلك فورا.

أنا طبيب من الجيل الثالث، كان والدي اختصاصيا في طب العيون وجدي لأبي أول طبيب أطفال ثم طبيب عيون أيضا؛ وهذا ما أعطاني نظرة بعيدة عن مقدار ما سببته اقتصاديات الرعاية الصحية من أذى للعلاقة بين الطبيب والمريض، والتي هي الشيء الذي جذب الكثيرين منا إلى ممارسة الطب في المقام الأول. اليوم، يشعر المرضى بأن أطباءهم لا يصغون إليهم ولا يهتمون بهم غالبا، ويكونون في عجلة من أمرهم على الدوام. كما أن الأطباء يشعرون بعبء المقدار الهائل من الأبحاث والأعمال الإشرافية التي تطلبها شركات التأمين ومنظمات حفظ الصحة والبرامج الممولة من الحكومة مثل الرعاية الطبية. وليس من الغريب أن من المستحيل لدى الكثيرين منا تقريبا أن نمضي كل الوقت الذي نريده مع مرضانا. وأعتقد أن الوضع حرج، لكنه قابل للمعالجة. وسأعرض في كلمتي الختامية أفكاري في المساعدة على استعادة صحة نظام الرعاية الصحية.

دورك كمستفيد من الطب

إن تثقيف المرضى والتواصل معهم هما من الأجزاء الأساسية في ممارستي؛ ولقد وجدت أن المرضى الذين يفهمون الأسباب التي تقف وراء توصياتي أكثر ميلا نحو اتباعها.

تعد المعرفة أكثر حول أمراض القلب والأوعية ضرورية إذا كنت ترمي إلى الاستفادة من الثورة الجديدة في الرعاية القلبية. ونظرا إلى القيود المفروضة على نظام الرعاية الصحية، فستحتاج إلى ممارسة دور فاعل في المحافظة على صحتك، وسيعلمك هذا الكتاب كيف يكون ذلك.

إذا كان جهازك القلبي الوعائي صحيحا، فستتعلم كيفية المحافظة عليه لبقية حياتك؛ وأما إذا كان لديك تاريخ عائلي مع مرض قلبي، فستتعلم كيف تبقى في منأى عن أن تكون ضحية لجيناتك. وأما إذا كنت قد أصبت بنوبة قلبية أو سكتة أو خضعت لرأب وعائي أو جراحة مجازة، فستتعلم كيف تنقص بشكل ملحوظ خطر إصابتك بحوادث أخرى أو تعرضك للوفاة في عمر باكر.

قد يكون مرض القلب القاتل الأول في الولايات المتحدة، لكن لا ينبغي أن يقتلك.

الطبيب تيد فيلدمان عندما تعالج الناس بشكل مكثف بالأدوية المخفضة للكوليسترول… لن تصاب بنوبات قلبية، لقد شفيت المرض”.

كانت أول عملية رأب وعائي أجريت عام 1977 عندما كنت لا أزال في كلية الطب، وأتذكر هذا التفكير “إنه بارد حقا، فنحن نفتح الشرايين المسدودة بالبالون والقثاطر الصغيرة؛ ونستطيع إنقاذ الأرواح، وهذا ما أتمنى أن أقوم به”. لقد أصبحت مولعا جدا بطب القلب، وكسبت ثناء كبيرا كشخص وطبيب من الإجراءات الكثيرة التي كنت أقوم بها يوميا، وكنت ممارسا نشيطا، لكنني لم أكن أرى المرضى إلا بعد أن يخمد الحريق في البناء، وهذا التشبيه مضحك لأن والدي كان رئيس الإطفاء في مدينة نيويورك، وكان يجري فعليا نحو الأبنية المحترقة. لكنني شعرت أيضا وكأنني أنفق أيامي بإطفاء النيران بطريقة مختلفة.

مع الوقت، تغيرت الأشياء عندي شخصيا، وكذلك حصل الأمر مع ممارسة طب القلب؛ ففي منتصف ثمانينيات القرن الماضي شخص لدى والدتي ارتفاع شديد في الكوليسترول. لقد كان الكوليسترول الكلي لديها أكثر من 7.8 ميلي مول/ليتر والتريغليسيريد أكثر من 5.6 ميلي مول/ليتر؛ وعرفت من خلال هذين الرقمين بأنها كانت في درجة عالية جدا من خطر الإصابة بمرض القلب، وربما كانت مصابة به فعلا، لكنها كانت إحدى المرضى الأوائل الذين أعطوا دواء تجريبيا جديدا يدعى الستاتين، والذي كان في ذلك الوقت غير متوفر على نطاق واسع في الولايات المتحدة. وعندما بدأت بتناول هذا الدواء، انخفضت الأرقام لديها. واعتقدت أن تناول الدواء أبلى بلاء حسنا؛ فمحاولة منع اللويحة من التشكل تبدو طريقة أفضل مما كنت أفعله كل يوم، وهو نزعها. وخطر في بالي أنه إذا أنقصنا مستويات الكوليسترول بشكل كاف حتى نقطة ما، فلن نحتاج إلى القيام بأي إجراءات. لقد آمنت بفلسفة “الأخفض هو الأفضل”. وعندما بدأت أخبر مرضاي والأطباء الآخرين بذلك، اعتقدوا أنني أصبت بالجنون. والآن، هذا هو منطق اليوم، فبهذه الطريقة عملت مع والدتي، وهي في العقد الثامن من عمرها الآن وقلبها رائع.

لقد كنت مترددا جدا في تحري الأرقام لدي حتى عام 1994، حيث كنت بعمر 39 سنة. وكانت هذه الأرقام سيئة لدي، فعلا، سيئة فعلا؛ فالكوليسترول الكلي لدي كان 7.1 ميلي مول/ليتر، والتريغليسيريد 6.4 ميلي مول/ليتر، والكوليسترول السيئ (LDL) 4.9 ميلي مول/ليتر، والكوليسترول الجيد (HDL) 0.7 ميلي مول/ليتر، ولم أكن زائد الوزن أو أي شيء آخر؛ بل كنت ذا لياقة كاملة. ولكنني ورثت حالة وراثية تدعى فرط كوليسترول الدم المتغاير العائلي من النمط الثاني من والدي، وكنا جميعا نعلم بأن الكوليسترول كان سيئا، لكننا لم نكن نملك أي دليل حاسم على أن إنقاص الكوليسترول بالأدوية الستاتينية سينقذ الأرواح فعلا، ولذلك لم أتناول أحدها. وبعد ذلك، طرحت الدراسة 4S (دراسة البقيا الإسكندينافية عن السيمفاستاتين) في مؤتمر الرابطة القلبية الأميركية عام 1994، وقدمت أدلة واضحة على أن إنقاص معدل الكوليسترول هو الأفضل؛ فذهبت فورا إلى عقار الستاتين، ثم إلى الأدوية الأخرى أيضا بما في ذلك النياسين والزيتيا (الإزيتيميب)، وبدأت أصف الستاتينات لمرضاي، وكان تبريري لذلك: لماذا لا نجرب إنقاص معدل الكوليسترول عند الناس إلى أقصى درجة ممكنة، فنحن نملك اليوم هذه الأدوية العظيمة؟

في العام 2000، ذهبت لرؤية آرثر أغاتستون أحد أصدقائي لإجراء تفريسة قلبية، ووجدت أن منسب الكالسيوم لدي كان في الجزء المئوي 75 بالنسبة إلى عمري، ويعني ذلك أنه بالمقارنة مع رجال آخرين في مثل عمري، كنت في مجموعة الخطر الأعلى، وقررت أن أتجه إلى النظام الغذائي للساوث بيتش، ليس لإنقاص وزني، فقد كنت بطول 180 سنتم وبوزن 93 كلغ، وما زلت كذلك؛ ولكن لأنه أفضل نظام غذائي صحي للقلب من حولنا. ولذلك أنا أتناول الآن الأدوية، وأعمل، وأتبع النظام الغذائي ونمط الحياة بحسب ساوث بيتش.

لقد استفدت من هذا الأسلوب، فأرقام الشحميات لدي ممتازة، فالكوليسترول الإجمالي هو 3.4 ميلي مول/ليتر، والكوليسترول السيئ 1.6 ميلي مول/ليتر، والكوليسترول الجيد 1.46 ميلي مول/ليتر، والتريغليسيريد 0.58. وعندما ذهبت لإجراء تفريسة قلبية للمتابعة، كانت حالتي مستقرة، ولم تظهر لدي أي لويحات جديدة. لقد أوقفنا بالفعل تطور مرض القلب لدي في مساره.

اليوم، هذا ما أقوم به بالضبط في ممارستي، وقد أدى إلى فرق هائل عند مرضاي. وأفضل إيضاح أستطيع تقديمه هو أنني قبل عشرين سنة كنت أرى نحو 5 حالات من احتشاء العضلة القلبية بارتفاع القطعة ST في الأسبوع، وهذا الاحتشاء هو أسوأ نوبة قلبية مهددة للحياة يمكن أن تصاب بها. والآن أعمل مع ستة أطباء اختصاصيين في أمراض القلب، ولدي قواعد بيانات نشيطة لنحو 10 آلاف مريض رأيناهم في الأشهر الأربعة والعشرين الماضية؛ ولم نشاهد سوى خمس حالات من ذلك الاحتشاء في السنة بين مرضانا الخارجيين! ولم نرهم لأنه عندما كنت أعالج الناس بشكل مكثف بالأدوية المخفضة لكوليسترول الدم وتخفض مستويات الكوليسترول السيئ حتى 2 ميلي مول/ليتر أو أقل عند المرضى من ذوي الخطر المرتفع جدا و3 ميلي مول/ليتر أو أقل عند ذوي الخطر المتوسط الارتفاع، فلن تعاني من نوبات قلبية. لقد شفيت المرض في أهم أجزائه. ولكن لا يزال هناك أشخاص مصابون بالنوبات القلبية والسكتات، غير أن هؤلاء هم أولئك الذين لم يعالجوا طبيا.

اليوم، نحن نعالج الناس أكثر فأكثر بهذه الأدوية، وننقص مستويات الكوليسترول لديهم أكثر فأكثر، وأنا أقوم بإجراءات باضعة قليلة جدا في الأسبوع، فمرضاي لم يعودوا بحاجة إليها. وخلال السنوات الخمس الماضية، تعرض واحد من مرضاي فقط لنوبة قلبية، فقد كان شرطيا يطارد مشتبها به في ميامي على دراجة؛ وخلال عملية المطاردة، أصيب بنوبة قلبية وكان عليه أن يخضع لجراحة مجازة إسعافية. وهو الآن بحالة صحية جيدة، لكن النوبة القلبية التي أصيب بها هي الوحيدة التي شاهدتها خلال آخر خمس سنوات من ممارستي للطب.

عندما أسأل عن كيفية تغير ممارستي للطب، أحب أن أقول: “لقد وضعت نفسي خارج عملية التدخل، وأصبحت الآن ضمن عملية الوقاية”. وأقوم بكثير من الأبحاث السريرية، وأنشر المجلات التخصصية وقد أصبحت مؤيدا كبيرا للوقاية.

في الحقيقة إن الأقل أو الأخفض هو الأفضل، فهدفنا هو إنقاص الكوليسترول، وضغط الدم، وسكر الدم، ومنسب كتلة الجسم. وكما أقول غالبا الأقل هو الأفضل باستثناء حسابك المصرفي والكوليسترول الجيد لديك

تأليف الدكتور آرثر أغاتستون