التصنيفات
الغذاء والتغذية

المربى الطبيعي والصناعي

كان المربى في بداية أمره يقدم للضيوف في الأعياد وفي ليالي الشتاء الطويلة. وقد تم اعتباره غذاء مهما لا يستغني عنه كلٌّ من القصر ومقرات الدراويش. إن أقدم وصفة للمربى في مقرات المولوية هي وصفة مربى الورد الذي كان معروفا لديهم. يتكون المطبخ في القصور العثمانية من أقسام مختلفة. خانة المربيات التي تصنع فيها المربيات قسم موجود داخل خانة الحلوى في مطبخ القصر. لم يكن المربى الذي يستهلك في زماننا إلى مائدة الفطور فقط طعاما عاديا بالنسبة للعثمانيين. إن المربيات التي تصنع اليوم من السكر المكرر ومن جلوكوز الذرة والفروكتوز أو غيرها من المحليات كانت في السابق تصنع من عصير قصب السكر ومن العسل اللذين يضافان إلى الفاكهة. وكانت أنواع المربيات وأصنافها تقدم إلى الضيوف في المناسبات الخاصة، وفي الأعراس داخل أطباق وأوعية مخصصة لها.

في مقالة نشرتها جريدة الزمان، نقل الكاتب طريقة شرب القهوة في الأزمنة القديمة فقال: «قبل تناول القهوة هناك طقوس لتذوق المربى بهدف تحلية الفم قبل تناول القهوة. وقد صنعت لهذه المناسبة أوانٍ خاصة للقهوة والمربى توضع على صوانٍ فضية. يوضع المربى في زبدية تتوسط الصينية. يوجد في الجهة اليمنى من الصينية إناء فيه الملاعق المعدة لتذوق المربى، أما في الجهة اليسرى فهناك إناء آخر يحتوي على القليل من الماء، وتوضع فيه الملعقة التي استخدمت للتذوق. كانت الأصول تقتضي بتناول ملعقة واحدة فقط من المربى. بعض السياح الأجانب لم يستوعبوا سبب الاقتصار على تناول ملعقة واحدة فقط فكتبوا في مؤلفاتهم عن البخل الذي كان ساريا في القصور السلطانية». علما أن المقصود بهذا الطقس هو مراعاة قواعد الصحة العامة وقوانين الإتيكيت. لم تكن الملعقة المستعملة تغمس مرة أخرى في طبق العسل بل تترك في إناء الملاعق المستعملة، وتستعمل ملاعق جديدة في كل مرة. إن أكثر أنواع المربى استهلاكا في القصور هي مربى الورد، ومربى الكباد، ومربى زهرة النرجس.

الفتاة التي لا تجيد صنع المربى لا تحظى بزوج

لم تقتصر عقوبة المرأة التي لا تجيد صنع المربى عند العثمانيين على النقد والإدانة، بل تعدتها ربما إلى حرمانها من الزواج! في تلك الأزمنة، لم تكن المرأة لتنعم بحياة سعيدة إن لم تكن تتقن صنع أصناف الطعام، أو لم تكن غنية بما يكفي لإحضار خادم. لذلك، كان على الفتاة قبل أن تزف كعروس أن تتقن كل ما يتصل بأمور الطبخ. فقد كان الطعام مصدرا للصحة والمتعة. وكانت فاكهة الصيف وخضراواتها وحبوبها تُموّن للشتاء ويدخل المربى ضمن ذلك. لم تكن العبارة الحديثة أشتري ما أحتاج إليه من البقالة معترفا بها في ذلك الوقت. وكانت معظم المأكولات يجري إعدادها في البيت. لهذا السبب، إن محتويات الأطعمة كانت معروفة لهم ظاهرا وباطنا، ويتم استهلاكها بكل طمأنينة. لم يكن الوضع مشابها لما هو عليه اليوم؛ حيث نجهل محتويات ما نأكله.

من المؤكد أن تلك الأزمنة لم تخلُ من مختصين في صناعة المربيات، ومن الخبازين في الأفران، ولكن أولئك كانوا تحت رقابة موظفي الحسبة، أما تجار ذلك الزمن فقد كانوا بخلاف أقرانهم اليوم من أهل القناعة والأخلاق ممن لا يلجأون إلى النصب والاحتيال. ما زال تقليد صناعة المربيات ساريا في البيوت اليوم كما في السابق مع بعض الفوارق المهمة. في السابق، لم يستخدم السكر الأبيض المكرر؛ حيث لم يعرف لدى العثمانيين السكر المكرر. واستخدم بدلا عن ذلك ماء قصب السكر. ونرى في القانون العثماني هذه المادة: «الذين يقومون بصناعة حلوى الكعك عليهم استخدام كميات كافية من العسل والسكر المعقد الجيد. لا ينبغي أن تكون تحلية الحلويات ناقصة».

كما أن أنواعا قليلة جدا من الفاكهة تصنع منها المربيات في وقتنا الحالي، في حين أن العثمانيين صنعوا المربيات من أنواع كثيرة من الفاكهة كالتمر؛ وخاصة تمر طرابزون، والتفاح، والإجاص، والورد، والأكيدنيا، والجوز، والكرز الحامض، والتوت البري، والدراق، والشمام، والكوسا، والباذنجان، والكباد، والسفرجل، والعناب، والمشمش، والليمون، والليمون الأفرنجي، واللوز، والخوخ، والنرجس، وزهرة البنفسج، وزهرة السفرجل، وزهرة البرتقال، وزهرة الأرجوان، وزهرة النيلوفر، وزهرة الدراق، ووردة اللبان، والياسمين، والإجاص البري، والأناناس، والمريمية، والمشمش الكلابي، والزنجبيل، والعنب الخالي من البذور، وزهرة الخبازى، والعنب البكداشي، والفستق، والحصرم الصخري، والكستناء الفج، والزيتون، وغيره… دع جانبا صناعة هذه المربيات، هل من نسائنا من يتقنّ تعدادها على الأقل؟! وتجاوز قضية تجهيز مؤونة السنة كاملة في البيت، إننا جيل لا يستطيع إعداد طعام ضيافة ليوم استقبال واحد، أو لأيام العيد من دون أن يعتمد على الأطعمة الجاهزة على رفوف المحلات التجارية.

يقول الكاتب دجانة جندي أوغلو في شرحه لهذه الظاهرة: «عندما ذكر لي أحد أصدقائي قبل فترة أن أخاه الذي يقرأ فيلو صوفيا لورين قال لزوجة أخيه: إنني أريد الاقتران بزوجة تجيد صنع المربى. لم أتمالك إلا أن أبتسم للتفكك السريع الذي انتاب مفهوم الأسرة التقليدي، وللتنافر الحاصل حاليا بين كلمة المرأة وكلمة البيت، ولتوجه فتياتنا إلى حل مشاكلهن خارج البيت، وعدم رغبتهن في أن تكون التجربة التي سينقلنها إلى أبنائهن موروثة من العائلة، وعدم قدرتهن على ذلك، و… و…»

كي تكون قادرا على صنع المربى، أو دعنا نقل: كي تشعر بالحاجة إلى رؤية أنواع المربى المختلفة على مائدة الفطور، ينبغي أولا أن تتعود منذ الطفولة على الجلوس مع أفراد عائلتك إلى مائدة الفطور، وعلى رؤية المربى في بيتك على المائدة التي تجمع أفراد العائلة كافة. هل المربى هي الشيء الوحيد الذي حُرم منه الأطفال الذين يغمضون جفونهم ويستسلمون للنوم ليلا ليستيقظوا صباحا في بيوت غير بيوتهم وأسرّة غير أسرّتهم؟! إن المربى برأيي أيقونة ترمز إلى محبة الأم، ودفء العش الأسري، وإلى التربية المنزلية. أبناؤنا الذين يجتمعون إلى مائدة غرف السكن المدرسي أو في بيوت العازبين من أجل إشباع بطونهم من دون أن يحظوا بفرصة تناول طعام الفطور إلى موائد أعدتها أمهاتهم، أو الذين نشأوا من دون أن ينعموا بشكل كاف بدفء الاجتماعات الأسرية على موائد الطعام، ما الثمار التي حصدوها؛ سواء أنهوا تحصيلهم العلمي أم لم ينهوه؟ هل كنت بحاجة إلى التأكيد بهذا الشكل على أن الحرمان من المربى يعني الحرمان من ثراء تجربة الحياة ضمن أسرة؟

إن أغلبية الفتيات لا يتخذن من أمهاتهن أو جداتهن نماذج تقتدى؛ لأنهن يشعرن أن ذلك الجيل ينتمي إلى عالم آخر، وهن محقات في ذلك. إن هؤلاء الفتيات اللاتي نشأن بعيدا عن المربيات التي صنعتها أيدي أمهاتهن لتزين الموائد العامرة سيشعرن بالضيق حتما في المحيط الأسري الذي ينشأن فيه، وسيتصورن بطبيعة الحال أن تناول الوجبات في المطاعم أو تناول الوجبات الخفيفة في الشوارع نوع من أنواع المدنية والتطور.

هؤلاء الفتيات اللاتي يشكلن مشروع سيدات أعمال في المستقبل، أليس من الطبيعي أن يرغبن بتناول وجبات نهايات الأسبوع في الخارج؟ وأن يحلمن بتحصيل مستوى دخل يتيح لهن ذلك؟ وأن يعتقدن أن تلك هي الطريقة الفضلى للتخلص من وصم القروية؟

إن الأبناء الذين ينشأون ضمن أسرة هم الذين يملكون استعدادا لتكوين أسرة. والطفل الذي نشأ على مائدة لا تخلو من المربى هو من سيشعر بالحاجة إلى مائدة عامرة بالمربى. فالبشر يمنحون أسرهم ما منحتهم إياه أسرهم. من الطبيعي إذا أن يشعر أولئك الذين لم يتنسموا عبير الأسرة باللامبالاة تجاه القيم العائلية، وأن يستخفوا بمشاعر الاشتياق إلى أطعمة قامت الأم بطهيها. الأمهات المجهدات اللاتي فقدن القدرة والجرأة على تنشئة طفلاتهن ليكن زوجات صالحات وأمهات قديرات وسيدات بيت ماهرات، هل يمكن لبناتهن أن يمنحن ذريتهن ما عجزت أمهاتهن عن منحهن إياه؟ مخطئ من يظن ذلك. إن إرسال الأمهات – والآباء أيضا – بناتهن إلى المساكن المدرسية أو بيوت العازبين سيعقبه قيام هؤلاء بدورهن بإرسال أبنائهن إلى روضات الأطفال. لقد نشأن من دون أن يتذوقن المربى والفطائر من أيدي أمهاتهن اللاتي لم يكلفن أنفسهن عناء ذلك، بل ربما أنشأن أبناءهن على ثقافة الكولا والبرغر لاعتقادهن أنها وسيلة التخلص من وصم القروية. هؤلاء الأبناء بدورهم سينقلون إلى أبنائهم ما تلقوه من آبائهم. وهم لن يستمتعوا بتناول الفطيرة، ولكنهم سيضيفون حتما البيتزا والبرغر إلى قائمة أذواقهم العصرية».

المربَّى الصناعي

يتم إنتاج أغلب أنواع المربى المختلفة كمربى الكرز والورد والمشمش في المصانع. وإذا كنا سنطلق على مربيات الأزمنة القديمة اسم المربى، فعلينا إذا إيجاد اسم آخر لمربيات هذا العصر. ولأننا لا نملك حاليا تسمية كهذه، فسنستخدم عبارتي المربى المنزلي والمربى الصناعي. إن المربى المنزلي اليوم يتم صنعه باستخدام الفاكهة والسكر المكرر، ويستخدم الليمون أيضا أو ملح الليمون بمقادير صغيرة جدا. أما المربيات الصناعية فهي تزخر بمواد إضافة كثيرة لا يحصيها العد. ولو وُجِد سبيل إلى عدم إضافة الفاكهة والاستعاضة عنها بفواكه وزهور اصطناعية مما يضاف إلى زجاجات بعض الأنواع الرديئة من ماء الورد لفعلوا ذلك.

إليكم المواد التي تستخدم في إنتاج المربيات الصناعية والجيلي والمرملاد:

● فاكهة
● سكر مكرر
● شراب الجلوكوز والفروكتوز
● محليات
● عصير فاكهة ونكهات ومركَّزات
● واحدة أو أكثر من المواد الحافظة الصناعية مثل ثاني أكسيد الكبريت E220، وكبريتيد الصوديوم E221، وكبريتيد الصوديوم الهيدروجينية E222، وثاني كبريتيد الصوديوم E223، وثاني كبريتيد البوتاسيوم E224، وكبريتيد الكالسيوم E226، وكبريتيد الكالسيوم الهيدروجينية E227.
● جيلاتين E441، وبكتين 0 E44، وحمض السيتريك E330، وسوربات البوتاسيوم E202، بالإضافة إلى مواد ملونة ومكثفات.

وغير ذلك من مواد الإضافة التي تضاف إلى المربيات، وقد تختلف بحسب الشركة المنتجة.

إن هذه المربيات لن تدخل في قائمة المسموحات برأيي بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يقدرون عوائلهم، ويرغبون بتناول الأطعمة الطيبة.

المربَّيات الطبيعية المنزلية المصنوعة من الفواكه المجففة

تستطيع المرأة التي ترغب بإطعام أفراد عائلتها من الطعام الطيب أن تعد المربى من الفاكهة المجففة في مدة 5–10 دقائق.

يتم فرم الفاكهة المجففة المرغوبة التين أو المشمش أو العنب أو الخوخ أو التوت أو العناب وتوضع في قدر، ثم يضاف إليها الماء إلى مستوى يغطيها قليلا، وتوضع القدر على النار إلى أن تتبخر كمية الماء. يضاف إلى المربى ورق إبرة الراعي أو الريحان أو الآس من أجل إكسابه رائحة جميلة. يمكن أيضا أن ترش فوقها كمية كبيرة من السمسم. (السمسم القروي الحقيقي ذو اللون الفاتح والغامق، ويجتنب السمسم الأبيض غير المعروف).