هل تدللين طفلك على نحو مفرط؟
يتبادر هذا السؤال إلى ذهنك بصورة تلقائية في الأسابيع القليلة الأولى بعد رجوعك إلى المنزل، إن كان وليدك يهتاج كثيرا فيما بين الرضعات بدلا من الخلود إلى النوم في سكون. ففي هذه الحالة، تحملينه وتمشين به في أرجاء المنزل، فتجدينه يتوقف عن البكاء، على الأقل مؤقتا. بينما عندما تضعينه في فراشه، يبدأ السيناريو الكامل من جديد، وكأنه هو المتحكم فيما يحدث. ولكن الحقيقة الأكثر ترجيحا هي أن هذا الطفل الصغير بائس ومسكين. فعندما يتوقف عن البكاء عندما تحملينه، فيرجع ذلك على الأرجح إلى أن الحركة والإلهاء، وربما الضغط بدفء على بطنه لدى حمله، يجعله ينسى ألمه أو التوتر الذي ينتابه بصورة مؤقتة على الأقل.
إن الإجابة عن سؤال التدليل يعتمد في الواقع على أي دروس تعتقدين أن وليدك يتلقاها في الشهور الأولى، ولكنه في الأسابيع الأولى يعجز عن تعلم كيف يتوقع أن كل رغباته يجب أن تلبى على مدار الساعة؛ وهذا هو ما يعنيه التدليل؛ فصغار الأطفال لا يمكنهم أبدا توقع المستقبل؛ فهم يعيشون بالكامل في اللحظة الحالية وفي المكان الحالي. ولا يمكنهم أيضا التفكير على النحو التالي: «سوف أجعل حياة أولئك القائمين على رعايتي بائسة إلى أن يعطوني كل ما أريد»، وهذا مكون آخر من مكونات شخصية الطفل المدلل.
ما يتعلمه الأطفال في خلال هذه الفترة هو الشعور بالثقة الأساسية في العالم. فإن تمت تلبية احتياجاتهم على الفور وبحب، فسوف ينتابهم الشعور بأن الأشياء الجيدة تحدث بصفة عامة، وأن الغمة تنقشع بمساعدة الأشخاص المميزين الذين يعرفونهم على أنهم آباؤهم. ويرى عالم النفس الشهير إريك إريكسون أن هذا الشعور بالثقة الأساسية -أو الافتقار إليه- هو ما يكون جوهر شخصية المرء، أي بصفة عامة الأسلوب الإيجابي للتعامل مع الناس وتحديات الحياة. ولذا فإن الإجابة عن سؤال: «هل يمكن أن يعتاد الطفل الصغير على فرط التدليل؟» هي لا، إلى أن يبلغ من العمر من ستة إلى تسعة أشهر. والسؤال الأفضل الواجب طرحه هو: كيف يمكنك مساعدة وليدك في إنماء شعوره بالثقة الأساسية؟ وتكمن الإجابة في محاولة معرفة احتياجاته وتلبيتها.
فرط التدليل بعد ستة أشهر
يمكن أن ينتابك الشك بصورة أكبر في عمر ستة أو سبعة أشهر، فحينئذ ينتهي المغص والأسباب الأخرى التي يمكن أن تسبب للطفل شعورا بدنيا بعدم الراحة. وبطبيعة الحال، يعتاد بعض الأطفال الذين كان يتم حملهم والتمشية بهم لفترة طويلة -خلال فترة إصابتهم بالمغص- على لفت الانتباه باستمرار؛ فيريدون استمرار التمشية بهم واصطحاب الآخرين لهم.
انظري مثلا إلى حال أم لا تتحمل سماع بكاء وليدها، حتى ولو لدقيقة، فتهرع إلى حمله معظم أوقات استيقاظه. فهذا الطفل، في عمر ستة أشهر، ينتهي به الحال بالبكاء فور وضعه على الفراش، مع رفع ذراعيه طلبا لأن يتم حمله تارة أخرى. وبهذه الحال، يضحى العمل المنزلي مستحيلا، ولا يكون بيد الأم حيلة في شعورها بالاستياء من استعباد وليدها لها، بينما لا تتحمل -على الجانب الآخر- بكاءه الناقم. ولأن الطفل يشعر على الأرجح بقلق الأم وشعورها بالاستياء، فربما يستجيب لذلك بالمزيد من الإلحاح وعدم القابلية للإرضاء.
من ناحية أخرى، ينعكس الموقف بالكامل عندما تحمل الأم طفلها طواعية، لدى سماعها أي أنين يصدره، أو عندما تضعه في حمالة الصدر طوال اليوم، حتى ولو لم يكن يبكي. ففي الكثير من الثقافات، نادرا ما يتم ترك الأطفال بمفردهم إلى أن يستطيعوا المشي؛ ولكن هؤلاء الأطفال ليسوا مدللين بإفراط. ولكنه من المفيد أيضا ترك الطفل الذي يبلغ من ستة أشهر إلى اثني عشر شهرا بمفرده، حتى يلعب بنفسه مع نفسه لعدة دقائق، مع السماح له بأن ينتظر انتباهك إليه. وبالنسبة لصغار السن، من الطبيعي أن تحاولي تلبية احتياجاتهم قدر استطاعتك، ولكن مع الأكبر سنا -في مرحلة تعلم المشي أو الطفولة- تجب مساعدتهم في فهم أن الاحتياجات والرغبات شيئان مختلفان – بمعنى أن الاحتياجات تلبى، بيد أن الرغبات أحيانا ما تلبى.
كيف تنزعين صفة التدليل من شخصية طفلك؟
يتطلب الأمر قوة عزيمة والقليل من قسوة القلب؛ لتستطيعي قول «لا» عندما يريد شيئا. وحتى تهيئي نفسك لفعل ذلك، عليك تذكر أن كون طفلك صعب الإرضاء -بطريقة غير معقولة- على المدى الطويل، واعتماده الشديد عليك من الأمور السيئة له وليس لك، بالإضافة إلى أنه يجعله في حالة عدم اتزان مع العالم الخارجي. ولذا؛ فأنت بذلك تصلحينه لمصلحته هو.
ضعي جدولا لنفسك، على الورق إن تطلب الأمر، تطالبين نفسك فيه بالانشغال بالأعباء المنزلية أو بأي شيء آخر في أوقات استيقاظ وليدك. وحاولي فعل ما يمليه عليك الجدول بنشاط وهمة -حتى تبهري وليدك وتبهري نفسك. ولنقل مثلا أنك أم لصبي اعتاد أن يتم حمله طوال الوقت. فعندما يبكي ويهتاج ويرفع ذراعيه انتظارا لأن تحمليه، اشرحي له بطريقة ودية وبنبرة صوت جادة حازمة بأن كذا وكذا يجب أن يتم فعله في فترة بعد الظهيرة. وعلى الرغم من أنه لن يفهم الكلمات، فلسوف يفهم نبرة صوتك. واستمري في فعل مهامك، واعلمي أن الساعة الأولى من أول يوم هي أصعب الأوقات التي ستمرين بها.
هناك من الأطفال من يتقبل التغيير بصورة أفضل إن ظلت الأم بعيدة عن ناظريه لوقت طويل في البداية، مع التحدث معه قليلا؛ فمن شأن ذلك أن يساعده في الانشغال بشيء آخر. وهناك طفل آخر يتكيف بصورة سريعة إن كان يرى أمه على الأقل، ويسمع صوتها تتحدث معه، حتى وإن لم تحمله. فعندما تقدمين له دمية، أو تشرحين له كيف يستخدمها، أو عندما تقررين اللعب معه، اجلسي بجانبه على الأرض؛ ودعيه يصعد على ذراعك إن أراد، ولكن دون العودة إلى ما اعتاد عليه من قبل؛ أي التمشية به محمولا على ذراعيك. فعندما تجلسين بجواره على الأرض، يمكن أن يحبو بعيدا عنك عندما يدرك في النهاية أنك لن تمشي به. أما إن حملته ومشيت به، فلسوف يعترض بالتأكيد بصخب ما إن بدأت في وضعه على الأرض تارة أخرى. وفي حالة استمرار بكائه واعتراضه لأجل غير مسمى عندما تجلسين معه على الأرض، تذكري فعل شيء آخر وانشغلي به.
إن ما تحاولين فعله بكل ذلك هو مساعدة طفلك في البدء في بناء قدرة على تحمل الإحباط – على نحو تدريجي. وإن لم يبدأ يتعلم ذلك تدريجيا فيما بين ستة أشهر واثنى عشر شهرا، فسوف يتعلمه لاحقا بطريقة أكثر قسوة.