يظن بعض الأشخاص خطأ أن الاكتئاب هو جزء طبيعي من التقدم في العمر. لكن الاكتئاب ليس محتّماً مع تقدمك في العمر. إلا أن هناك العديد من العوامل في الحياة التي تترافق مع العمر المتقدم، بما في ذلك تزايد المشاكل الصحية، والضغط المالي، وموت أفراد العائلة والأصدقاء، والتي تزيد ربما من خطر الاكتئاب. فقد تبين أن 15 في المئة تقريباً من الأميركيين الكهول يعانون من الاكتئاب.
لكن بعد التعرف إلى الاكتئاب، يمكن معالجته غالباً بفاعلية. ويستجيب الكبار في السن عموماً للعلاج بصورة جيدة تماماً مثلما يفعل الشباب.
الاسباب الشائعة
عند الكبار في السن، يمكن أن تسهم العوامل الطبية والنفسية والاجتماعية التالية في نشوء الاكتئاب:
المرض الجسدي
قد يحدث الاكتئاب مع أمراض أكثر شيوعاً في هذه المرحلة من الحياة، مثل داء ألزهايمر، ومرض باركنسون، والسكتة، ومرض القلب والسرطان. وبما ان عوارض هذه الأمراض قد تتداخل مع عوارض الاكتئاب، يبقى الاكتئاب غالباً من دون تشخيص عند الكبار في السن الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى.
الأدوية
هناك بعض الأدوية التي تسبب الاكتئاب. وهناك أدوية أخرى تجعلك أكثر عرضة للاكتئاب إذ تعدل مستويات الهرمونات أو تتفاعل مع الأدوية الأخرى. وهناك أدوية أخرى تسبب التعب، وقد يفضي التعب إلى قلّة التمارين وسوء التغذية والعزلة الاجتماعية- وهي عوامل قد تسبب الاكتئاب. كما يسيء بعض الأشخاص استعمال أدويتهم- قصداً أو عن غير قصد- أو يمزجونها مع الكحول، التي تسبب الاكتئاب. وقد يزيد ذلك أيضاً من خطر الاكتئاب.
الحزن
مع التقدم في العمر، يزداد احتمال مواجهتك لموت الزوج أو فرد من العائلة أو صديق، وبالتالي للحزن والأسى المرافقين للموت.
التقاعد
في العام 1900، بقي ثلثا الرجال فوق عمر 65 عاماً في وظائفهم. وفي العام 1990، بقي فقط 16 في المئة من الرجال و7 في المئة من النساء يعملون خارج منازلهم فوق عمر 65 عاماً. ومع تقاعد الناس في سن مبكرة وازدياد أمد العيش عموماً، أصبح هناك فترة أطول بين نهاية المهنة ونهاية الحياة. يفلح العديد من الأشخاص في إجراء انتقال سهل بين العمل والتقاعد. لكن البعض الآخر يواجه صعوبة أكبر، خصوصاً الذين كانوا يستمدون تقديرهم الذاتي ورضاهم من مهنهم. وقد يعني التقاعد أيضاً انتقالاً إلى موقع جديد وفقدان روابط وطيدة.
التفكير
مع التقدم في العمر، تميل إلى التفكير في حياتك وإنجازاتك. يشعر بعض الأشخاص بالحزن لأنهم لم يحققوا توقعات حياتهم، أو يصابون بخيبة الأمل لأنهم لم ينفذوا الأمور في حياتهم بطريقة مختلفة.
مواجهة الموت
يواجه بعض الأشخاص صعوبة في قبول فكرة مفادها أن حياتهم باتت على وشك الانتهاء.
التعرف إلى الاكتئاب عند الكبار في السن
يمكن أن يفضي الاكتئاب غير المشخص وغير المعالج إلى تأثيرات وخيمة في نوعية الحياة. فقد يفضي إلى تضاؤل الوظائف الجسدية وزيادة الاتكال على الآخرين. وقد يرتبط الاكتئاب أيضاً بازدياد خطر الموت بين المصابين ببعض أشكال مرض القلب، بما في ذلك اضطرابات إيقاع القلب وتضاؤل تدفق الدم إلى القلب (مرض القلب الإكليلي).
ومع التقدم في العمر، تزداد صعوبة التعرف إلى الاكتئاب. فقد تعزو أنت أو طبيبك عوارض الاكتئاب، مثل انخفاض الطاقة، وتغيرات الذاكرة والتركيز، والتهيج غير المبرر، وفقدان الشهية ومشاكل النوم، إلى تأثيرات مرض ما. بالإضافة إلى ذلك، وكما هي حال العديد من الأشخاص الآخرين، يحتمل انك نشأت في حقبة كان فيها المرض العقلي، مهما كان نوعه، يحمل وصمة عار. في هذه الحالة، قد تتحدث عن آلامك أو أوجاعك ولكن من دون ذكر مشاعر الحزن أو العجز أو عدم الجدوى. أما التغيرات الأخرى المرتبطة باكتئاب “الشيخوخة” فتشمل فقدان الاهتمام في النشاطات الاعتيادية، والعزلة الاجتماعية، وازدياد القلق والشك في الآخرين.
مرضا ألزهايمر وباركنسون والاكتئاب
ثمة مرضان شائعان نسبياً عند الكبار في السن هما مرض ألزهايمر ومرض باركنسون. وبما أن بعض العوارض المرتبطة بهذين المرضين قد تكون شبيهة بعوارض الاكتئاب، يصعب التحديد أحياناً ما إذا كان الشخص يعاني من بداية مرض ألزهايمر، أو بداية مرض باركنسون، أو الاكتئاب، أو مجموعة من هذه الأمراض. لهذه الأسباب، يكون الطبيب النفسي غالباً أحد أفراد الفريق الطبي الذي يجري التشخيص.
مرض ألزهايمر والاكتئاب
إن تحديد ما إذا كان الشخص مصاباً بالاكتئاب أو ببداية مرض ألزهايمر، أو الاثنين معاً، مهم جداً في تحديد العلاج الأفضل. يمكن للائحة التالية المشتملة على بعض الاختلافات بين الاكتئاب وبداية مرض ألزهايمر أن تساعد في التشخيص:
● قد لا يبذل الشخص المصاب بالاكتئاب جهداً كبيراً للأداء بصورة جيدة في الاختبارات التي يستعملها الأطباء لتقييم الذاكرة. أما الشخص غير المكتئب، وإنما المصاب بمرض ألزهايمر، فيتعاون عادة ويحاول إنجاز المهام بأفضل ما يستطيع.
● إن الشخص المصاب بالاكتئاب قد لا يستمتع بالتجارب الممتعة أو المسلية عادة. أما المصاب ببداية مرض ألزهايمر فيستمر عادة في الاستمتاع بالنشاطات التي يجدها ممتعة أو مسلية.
● يستمر الشخص الذي يعاني من الاكتئاب في التحدث وفهم الكلام ويستطيع إنجاز النشاطات الحركية التي تعلمها بصورة جيدة ومن دون صعوبة. أما المصاب ببداية مرض ألزهايمر فقد يواجه صعوبة في التكلم، وتسمية الأشياء، والكتابة وفهم اللغة. قد يواجه صعوبة أيضاً في إنجاز النشاطات الشائعة، مثل ارتداء الثياب.
● يستجيب الشخص المكتئب بصورة جيدة للعلاج المضاد للاكتئاب. أما المصاب ببداية مرض ألزهايمر غير المصحوب بالاكتئاب فلا يستجيب لمضادات الاكتئاب. ومن جهته، يكشف المصاب ببداية مرض ألزهايمر والاكتئاب عن بعض التحسن مع الأدوية المضادة للاكتئاب. بالفعل، قد تتحسن عوارض الاكتئاب، لكن الدواء لا يعالج خصائص مرض ألزهايمر.
مرض باركنسون والاكتئاب
تبين أن 40 في المئة تقريباً من المصابين بداء باركنسون يعانون أيضاً من الاكتئاب. وعند ربع هؤلاء الأشخاص تقريباً، قد تظهر عوارض الاكتئاب قبل أشهر أو حتى سنوات من تشخيص مرض باركنسون. ورغم أن القيود الجسدية الناجمة عن داء باركنسون قد تكون محبطة ومسببة للضغط، فإن الاكتئاب لدى شخص مصاب بداء باركنسون لا يكون عادة ردة فعل على الإعاقة الجسدية. فهو ينجم على الأرجح عن تغيرات باطنية في الدماغ مرتبطة بداء باركنسون.
وكما هي الحال في مرض ألزهايمر، قد يصعب تشخيص الاكتئاب عند مصاب بداء باركنسون بسبب تشابه عوارض المرضين- أي فقدان الطاقة، عدم القدرة على النوم، حركات بطيئة وكلام بطيء. لكن ثمة طريقة للتمييز بين عوارض داء باركنسون والاكتئاب، ألا وهي الشهية. فالمصابون بداء باركنسون من دون أي اكتئاب يكشفون عادة عن شهية جيدة، حتى لو فقدوا بعض وزنهم.
ثمة فارق آخر يتجلى في الاهتمام والاستمتاع ببعض النشاطات. فرغم أن المصاب بداء باركنسون قد يشعر بالإحباط نتيجة قيوده الجسدية، ويتجنب بالتالي القيام ببعض الأمور، فإنه يبقى مهتماً في النشاطات. أما الشخص المكتئب فلا يشارك أبداً في النشاطات التي كان يحبها لأنه لم يعد يجدها ممتعة أو مسلية.
السكتة والاكتئاب
تحدث السكتة عند انقطاع وعاء دموي في الدماغ أو انسداده، مما يسبب الأذى في نسيج الدماغ. ويحدث ذلك عادة عند الكبار في السن وقد يسبب مضاعفات خفيفة إلى وخيمة. فحسب الجزء المصاب من الدماغ، قد تنجم أنماط مختلفة من ضعف العضلات وصعوبة الكلام وتعطل الذاكرة.
ثمة رابط قوي أيضاً بين السكتة والاكتئاب. فقد تبين أن نصف الذين يتعرضون لسكتة يصابون بالاكتئاب في غضون سنتين من السكتة. لكن خطر الاكتئاب لا يتطابق مع درجة الصعوبات الجسدية الناجمة عن السكتة. فبعض الأفراد الذين يعانون من صعوبات جسدية خفيفة قد يصابون بالاكتئاب، فيما يعاني آخرون من صعوبات جسدية كبيرة لكنهم لا يصابون بالاكتئاب. وتشير الأبحاث إلى أن موقع السكتة هو مؤشر على حصول الاكتئاب لاحقاً. فالسكتات في الجهة اليسرى الأمامية من الدماغ يحتمل أن تفضي إلى الاكتئاب أكثر من السكتات الحاصلة في بقية أنحاء الدماغ.
وكما هي حال بقية أشكال الاكتئاب، يمكن معالجة الاكتئاب الذي يلي السكتة بالأدوية أو العلاج النفسي أو الاثنين معاً، بفاعلية كبيرة في أغلب الأحيان. لكن الاكتئاب يبقى لسوء الحظ من دون تشخيص عند هذه الفئة من الأشخاص. فقد يظن الأطباء وأفراد العائلة والأشخاص الذين يشفون من السكتة أن عوارض الاكتئاب “طبيعية” في هذه الظروف. لكن ثمة سبباً مهماً لمعالجة الاكتئاب لأن العلاج الفعال قد يزيد من قدرة الفرد على الشفاء وتخطي التأثيرات الجسدية للسكتة.
معالجة الاكتئاب عند الكبار في السن
يتحسن أكثر من 80 في المئة من الكبار في السن المصابين بالاكتئاب عند تلقي العلاج. وتستعمل مضادات الاكتئاب على نحو شائع. إنها فعالة عموماً، ويعاني معظم الأشخاص من عدد ضئيل من التأثيرات الجانبية، أو لا شيء منها أبداً، خصوصاً عند تناول المضادات الجديدة للاكتئاب. للتخفيف من خطر تعرضك للتأثيرات الجانبية، قد يوصيك الطبيب بالشروع في جرعة صغيرة من الدواء ومن ثم زيادة الجرعة تدريجياً. كما أن الجرعات الصغيرة من مضادات الاكتئاب قد تكون ملائمة لأن جسمك يميل إلى استقلاب الأدوية ببطء أكبر مع التقدم في العمر.
والعلاج النفسي مفيد غالباً، وقد يكون الخيار الأول في معالجة الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل، خصوصاً إذا خشي الطبيب من حصول تأثيرات جانبية محتملة أو تفاعلات عقاقير نتيجة إضافة دواء آخر إلى مجموعة الأدوية التي تتناولها. أما المعالجة بالتخليج الكهربائي فتوصى عموماً إذا كنت تعاني من الاكتئاب المعتدل إلى الوخيم ولم تستجب للعلاجات الأخرى. والواقع أن المعالجة بالتخليج الكهربائي آمنة وفعالة غالباً عند الكبار في السن كما هي عند الشباب.
السيطرة على الاكتئاب
بعد السيطرة على عوارضك وشعورك بالتحسن، قد تساعدك الخطوات التالية على الحؤول دون نوبة اكتئاب أخرى. (وقد تساعد أيضاً على الحؤول دون نوبة أولى من الاكتئاب). ثمة استراتيجيات أخرى للسيطرة على الاكتئاب مذكورة في الجزء الثامن.
تجديد العلاقات وإنشاء أخرى جديدة
عند بلوغ سن التقاعد، قد تقضي مع زوجتك وقتاً أطول مما كنت تفعل قبلاً. ويعني ذلك أنه يجدر بك تعديل روتينك وتوقعاتك. كما أن علاقاتك مع أفراد العائلة أو الأصدقاء قد تتغير. اعتبر هذه التغيرات بمثابة فرص.
الحفاظ على النشاط الاجتماعي
أخرج لتناول القهوة مع الأصدقاء. خطط للنشاطات مع الجيران والأقرباء. وإذا كنت تشعر بالضجر، تعلّم هواية جديدة، أو خذ دروساً في الكمبيوتر، أو تطوّع في منظمة محلية. وإذا كنت تعيش لوحدك وليس لديك العديد من العلاقات الاجتماعية، إبحث عن موارد اجتماعية متوافرة أو فكر في الانضمام إلى مجموعة للمتقاعدين توفر فرصة أكبر للعلاقات الاجتماعية.
الحفاظ على النشاط الجسدي
إذا كانت صحتك تسمح بذلك، قم بنزهة يومية. يمكنك الانضمام أيضاً إلى صف للياقة البدنية أو الانضمام إلى فريق غولف. لكن راجع طبيبك أولاً للتأكد من أنك تستطيع زيادة مستوى نشاطك الجسدي.
استعمال الأدوية بحكمة
تناول كل الأدوية مثلما وصفها لك الطبيب. واحرص على إبلاغ طبيبك والصيدلي بكل الأدوية التي تتناولها.