التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

دور العائلة والأصدقاء في دعم المكتئب والعيش معه – ج14

لا يؤثر الاكتئاب فقط في الأشخاص المصابين به، وإنما أيضاً في الذين يهتمون بهم- أي العائلة والأصدقاء والزملاء. وإذا كان شخص يهمك مصاباً بالاكتئاب، فإن أحد أهم الأشياء التي تستطيع فعلها لنفسك ولذلك الشخص هو تعلم قدر المستطاع عن الاكتئاب وكيفية معالجته.

وسواء كان الشخص المكتئب والدك، أو زوجك، أو رفيقك، أو ولدك أو صديقاً عزيزاً لك، فإن اطلاعك على المعلومات يساعد رغبتك وقدرتك على المساعدة، ويخفف من مخاوفك وقلقك، ويمنحك استراتيجيات للتغلب على الأزمة.

والواقع أن خوض نوبة اكتئاب مع شخص آخر قد يكون تجربة صعبة جداً. فهذا يستلزم الصبر والشجاعة من كلا الطرفين. إليك بعض الأمور التي تساعدك على تسهيل الطريق لكليكما.

إثبات الوجود

إذا لم تعانِ أبداً من نوبة اكتئاب، يستحيل عليك إذاً معرفة مدى اليأس والعجز والتفاهة التي قد يشعر بها شخص مكتئب. لكن حتى لو كنت لا تعرف ما معنى أن يكون الشخص مكتئباً، فإنك تستطيع تقديم التعاطف والحنان للمصاب بالاكتئاب. فمجرد إثبات وجودك قرب ذلك الشخص كفيل بإحداث فرق في مسار مرضه.

ولكي تتمكن من المساعدة، عليك الإدراك أن الاكتئاب هو مرض خطير يستلزم انتباهاً محترفاً. فالاكتئاب ليس نتيجة عيب في الشخصية، وليس كسلاً، وليس مجرّد حالة حزن. كما أن المصابين بالاكتئاب لا يتظاهرون بذلك، فضلاً عن أنهم يعجزون عن إخفاء اكتئابهم تماماً مثل المصابين بالسكري أو التهاب المفاصل.

كيفية الدعم

حين تدرك أن الاكتئاب ليس شيئاً يستطيع محبوبك التغلب عليه، قد يسهل عليك توفير الدعم والرعاية. إليك بعض الطرق التي تستطيع مساعدتك:

عبّر عن قلقك
إعترف بألم الشخص المكتئب من دون أن تعلن له معرفتك بمشاعره. إستمع إليه إذا أراد التحدث، لكن لا تحاول استنطاق الشخص ولا تطرح عليه أسئلة تطفلية. فالانعزال وعدم التواصل مع الآخرين هما في الغالب جزء من المرض. لا تعتبر الأمر ضدك شخصياً.

إسأل عن كيفية المساعدة
قد لا يكشف الشخص المكتئب عن اقتراحات محددة للأمور التي تستطيع فعلها، لكنه سيدرك أنك راغب في دعمه.

توفير الأمل
ذكر المكتئب أنه يمكن معالجة الاكتئاب، وأنه سيتحسن على الأرجح. وإذا كان الشخص يخضع للمعالجة، ذكره بلطف أن العلاج يحتاج إلى بعض الوقت حتى يجدي نفعاً.

توفير الدعم الإيجابي
يشعر الأشخاص المكتئبون غالباً بعدم الجدوى، ويركزون كثيراً على أخطائهم وعيوبهم. ذكر الشخص المكتئب بنقاط القوة لديه وكفاءاته ومدى أهميته بالنسبة إليك.

إحتفظ بحس الدعابة
يحتمل أن تشعر بالإحباط والغضب في بعض الأحيان. لا بأس في ذلك، لكن لا تحاول التعبير أمام الشخص المكتئب ولا تصبّ غضبك عليه. إلجأ إلى المرح عند الإمكان لتبديد التوتر وتلطيف الأجواء، لكن لا تمزح على حساب الشخص المكتئب.

شجع السلوك والنشاطات السليمة
أطلب من الشخص المكتئب الانضمام إليك لممارسة النشاطات أو زيارة العائلة أو الأصدقاء المشتركين. لكن لا تلحّ عليه كثيراً ولا تتوقع منه الكثير بسرعة. ذكّر ذلك الشخص بلطف أيضاً بمدى أهمية التمارين والغذاء الصحي.

مواجهة المقاومة

لا بد أحياناً من بذل جهد كبير لإقناع الشخص المكتئب أنه مصاب بمرض ويحتاج إلى المساعدة المحترفة. وبدل سؤاله: “هل أنت مكتئب؟” أو القول: “أظن أنك مكتئب”، إشرح له بلطف سبب قلقك. ومن دون اللجوء إلى الانتقاد، صف له التغيرات التي لاحظتها في سلوكه ومزاجه. إسأله بعدها عما يجري وعن سبب إحباطه.

قد يجدر بك القيام بعدة محاولات قبل إقناع ذلك الشخص بطلب المساعدة، ولكن تابع المحاولة. أعرض عليه الذهاب معه إلى الموعد. فهذا لا يكشف فقط عن دعمك وإنما يتيح لك أيضاً مشاركة ملاحظاتك مع الطبيب، الأمر الذي قد يساعد في التشخيص. وثمة خيار آخر يتجلى في الاتصال بالطبيب أو اللقاء به قبل الموعد والتعبير له عن مخاوفك.

أثناء العلاج، قد يجدر بك المساعدة في نظام الأدوية الموصوفة من خلال تذكير المكتئب، أو في بعض حالات الاكتئاب الوخيم، منح الجرعات كما هي موصوفة للتأكد من تناول الدواء كما يجب. وإذا لاحظت علامات تحسن- وقد تكون أول من يلاحظ ذلك- شارك ملاحظاتك مع المكتئب لمنحه التشجيع والأمل. وإذا لم تلاحظ أية علامات تحسن بعد فترة من العلاج، إقترح على الشخص المكتئب أن يأخذ موعداً آخر مع طبيبه أو معالجه، أو يلجأ ربما إلى رأي آخر.

تحمّل العبء

قد يقلق العديد من الأشخاص بشأن الشخص المكتئب، لكن القلق قد يتخذ منحى أكبر بالنسبة إلى الشخص أو الشخصين اللذين يوفران الرعاية الحقيقية. فالاهتمام بشخص مكتئب قد يكون أحد أكبر التحديات التي تواجهها في حياتك. بالفعل، قد يكون الأشخاص المكتئبون منعزلين، وكريهين، وغير راغبين في الاتصال مع الآخرين. وقد يعتبرون تصرفاتك ومخاوفك بمثابة تدخل أو ربما عديمة الجدوى.

تجدر الإشارة إلى أن زوجة الشخص المكتئب والمقرّبين منه قد لا يواجهون فقط مسؤوليات الرعاية، وإنما يستلمون في الغالب المهام التي أصبح الشخص المكتئب عاجزاً عن القيام بها في الوقت الراهن. فعلى سبيل المثال، إذا كانت زوجتك تهتم عادة بكل مسائلك المالية، قد يجدر بك الآن استلام هذه المهمة إلى أن تتحسن.

هل الضغط كثير؟

أثناء الاهتمام بالشخص المكتئب، قد تشعر أن حياتك بأكملها باتت معلّقة. لكن من المهم أيضاً أن تعتني بنفسك.
تتحدث جمعية ألزهايمر عن عشر علامات تؤكد تعرض موفر الرعاية للضغط. ورغم أن هذه العلامات موجهة إلى الأشخاص الذين يعتنون بالمصاب بداء ألزهايمر، فإنها تنطبق أيضاً على الذين يهتمون بشخص مكتئب.

الإنكار
تخفق في قبول المرض وتأثيره في الشخص الذي تحبه وفيك وفي عائلتك.

الغضب
تجد نفسك غاضباً على الشخص المريض، وعلى الآخرين الذين لا يفهمون ما تمرّ به، وعلى الطبيب لأنه لم يعالج المشكلة، أو ببساطة على العالم أجمع.

الانعزال الاجتماعي
تتوقف عن النشاطات التي كانت توفر لك قبلاً المتعة وتعزل نفسك عن الأصدقاء.

القلق
تقلق بإفراط مما قد يحدث يوماً بيوم وفي المستقبل.

الاكتئاب
إن ضغط الاعتناء بشخص مكتئب قد يعرضك أنت أيضاً لخطر الاكتئاب.

الإرهاق
قد تشعر بتعب كبير للانتقال إلى يوم آخر.

الأرق
تتقلّب وتقلق في الليل، وتعجز عن النوم بسبب الأفكار المزعجة التي تراودك على الدوام.

التهيج
تغضب من الآخرين أو تشعر أنك تتسلق الجدران.

عدم التركيز
تواجه صعوبة في إبقاء عقلك مركزاً على ما تنجزه وفي تنفيذ المهام اليومية.

مشاكل صحية
يبدأ الضغط بالكشف عن تأثيراته الجسدية والعقلية.

الاعتناء بنفسك

إن كيفية معالجتك للوضع واهتمامك بنفسك أثناء هذه المرحلة الصعبة قد تشكّل كل الفرق في صحتك وقدرتك على التأقلم مع اكتئاب الشخص الذي تحبه. فتلبية حاجاتك الشخصية لا يعني أبداً الأنانية. وعند الاعتناء بصحتك، تصبح قادراً على توفير المزيد من الرعاية للشخص المكتئب. يمكن أن تساعدك الخطوات التالية في السيطرة على ضغطك والتخفيف منه:

اطلب المساعدة
لا يمكنك فعل ذلك لوحدك. أطلب عند الإمكان مساعدة العائلة والأصدقاء لتحمّل بعض مسؤولياتك. وإذا قدم لك الآخرون المساعدة، لا تتردد في قبولها. وإذا لم يقدم الآخرون المساعدة، أطلب منهم صراحة مساعدتك في مهام معينة.

اقبل مشاعرك
سوف تشعر حتماً بالحرمان في بعض الأحيان، ولن تتمكن دوماً من إخفاء عواطفك. لا بأس في إخبار الشخص المكتئب بأنك محبط. لكن تذكر أن هناك فرقاً بين القول: “لقد سئمت منك” والقول: “أنا أحبك، لكني أحتاج أحياناً لبعض الوقت لنفسي”. فالتعبير عن مشاعرك بهذه الطريقة يمكن أن يخفف أيضاً من شعورك بالذنب تجاه هذه المشاعر. وتماماً مثل الشخص المكتئب، قد تشعر أيضاً بالخسارة والحزن. وهذه ردات فعل طبيعية.

اطلب النصائح والدعم
تحدث إلى صديق موثوق أو إلى أحد أفراد العائلة واطلب النصائح والمعالجة من اختصاصي. فمشاركة مشاعرك قد تكون مفيدة على نحو هائل. يمكنك الانضمام أيضاً إلى مجموعة دعم للحصول على الدعم العاطفي والمعلومات المفيدة والنصائح.

للعثور على مجموعة دعم ملائمة لك، إتصل بطبيبك المفضل، أو الجمعية المحلية للصحة العقلية، أو رجل الدين أو المستشفى المحلي.

خصص وقتاً لنفسك
حين يكون أحد أفراد العائلة مكتئباً، ينتقل تركيز كل العائلة إلى ذلك الشخص. لا تهمل حاجاتك. تناول الطعام كما يجب، مارس التمارين واحصل على الكثير من الراحة. شارك في المناسبات الاجتماعية وأنجز الأمور التي تحبها. والواقع أن العديد من استراتيجيات المساعدة الذاتية المذكورة في الجزء الثامن قد تفيد موفري الرعاية وكذلك الأشخاص الذين يشفون من الاكتئاب.

عملية توازن

إن العيش مع شخص مكتئب ليس سهلاً أبداً. وقد يصبح الوضع أكثر صعوبة إذا توجب عليك الاعتناء بأشخاص آخرين. ذكّر نفسك أنك شخص واحد فقط وأنك تستطيع القيام بمهام محددة. كما أن طلب المساعدة من الآخرين أو تخصيص الوقت لنفسك ليس دليلاً على الضعف. فإذا شعرت بالضغط أو التعب أو تعرضت لمشاكل صحية، يتضاءل احتمال مساعدتك للشخص المكتئب.

أخيراً، ذكّر نفسك دوماً بوجود ضوء في نهاية النفق. فعند تلقي المعالجة الصحيحة، يشفى معظم الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. وقد تكون الأيام الأفضل آتية في الأفق.