البيض، الزيتون ورقائق البطاطا. هذا ما إشتهته إحدى الحوامل خلال حملها الثاني. إن معظم حالات وحام النساء ليست أنباء عالمية ولكن قصص الوحام تضفي الحيوية إلى تاريخ العائلات، صفوف التدرب على الولادة، مواقع الأمومة الإلكترونية، مواضيع حلقات البرامج التلفزيونية، ومقالات المجلات التي لا تعد ولا تحصى.
إشتهت زوجتي سندويشات التونة بشكل حاد. حددنا موقع كل مطعم في البلدة التي نقيم فيها وفي البلدات المجاورة بالإضافة إلى جودة السندويشات التي يمكن تناولها.
لم تبلغ أمي عن أي وحام يذكر خلال حملها بي وبشقيقتي التوأمين (وجميعنا ولدنا بصحة جيدة).
من يشعر بحالة الوحام؟
الأمهات المراهقات واللواتي في العقد الثالث من العمر، الثريات والفقيرات، الريفيات والمتمدنات، الأميركيات والأوروبيات والأوستراليات والآسيويات والهنديات، كلهن أبلغن عن حالات من الوحام.
علمت أن بعض النساء كان وحامهن على العطف. تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة الرغبة الحادة المفاجئة تبلغ 86 بالمئة من بين كل الحوامل، فيما تشير دراسات أخرى إلى أن النسبة أقل من 33 بالمئة. تقدر معظم الدراسات النسبة بأكثر من 50 بالمئة. إلا أن الدراسات المختلفة تطرح الأسئلة بشكل مختلف، لذا تصعب المقارنة.
طرحت دراسة أجريت في جنوب إفريقيا الأسئلة نفسها حول الوحام على ما أسمته “الزنجيات الريفيات، الزنجيات المتمدنات، الهنديات، الزنجيات (من أوروبا – أفريقيا – مالايو)، البيضاوات ولاحظت وجود حالات من الوحام لدى معظم النساء في كل مجموعة (تراوحت النتائج بين 67 و84 بالمئة. ليس الفرق كبيرا). في دراسة أجريت في دولة عربية، لم يجد الباحثون أي فرق بين المستوى الثقافي والعادات الغذائية خلال الحمل.
إن حالة الوحام شائعة كيفما حددت النساء اللواتي تشعر بها.
ماذا تشتهي النساء؟
إن المخللات والمثلجات هو مزيج معروف تشتهيه النساء وكمثال جيد عن المأكولات الإستثنائية التي قد تشتهينها. أعرف نساء إشتهين الطماطم المالحة في الحليب، رقائق الثلج، أقراص السعال مع صلصة السباغيتي، والمعجون الذي يستخدمه الأطفال في المدرسة الإبتدائية. لدي مريضة كانت أمها تشتهي خلال حملها رائحة مقابض الأبواب الجديدة (تذكري أن حاسة الشم تزداد خلال الحمل. لم أتمكن قط من شم رائحة مقابض الأبواب الجديدة أو غيرها).
ما الذي ترفضه النساء؟
إن مقت بعض الاطعمة خلال الحمل هو أمر شائع مثل إشتهاء الطعام إلا أنه ليس بالحدة نفسها. ففي النهاية، يبدو رفض المأكولات التي كانت مفضلة من قبل أمرا مثيرا للإهتمام. ولكن لأن حالات الوحام تكون أكثر تحديدا، تكون قصصها أكثر فرضا. غالبا ما تكون حالات الوحام ملحة أي “أريده وأريده الآن وأعني الآن في هذه اللحظة”، فيما تكون حالة المقت مستمرة وثابتة مثل “لا أحتمل رؤيته وخاصة شم رائحته”. يمكن أن يكون الوحام محددا جدا: “أريد رقائق البطاطا من هانوفر كوشر ديل مغمسة في شوكولاته بن وجيري وكعكة محلاة مثلجة الآن، أرجوك عزيزي”. وتكون حالة المقت عامة في أغلب الأحيان “أنا أحب اللحم ولكنه الآن يشعرني بالغثيان. وكم هي مقرفة رائحة القهوة في الصباح!”
كما في الوحام، هناك لوائح من المأكولات المرفوضة. من بين كل الإثنيات، ترفض الحوامل في جنوب إفريقيا تناول اللحم، القهوة والمأكولات الدهنية. وكانت النساء العربيات أكثر من عبر عن نفورهن من الحليب، التمر، أحد مكونات الكاري، الشاي، القهوة، المشروبات الغازية أو اللحم. أشارت دراسة أميركية سابقة إلى حالات نفور من اللحوم، الدجاج، القهوة، والصلصات المنكهة بالأوريغانو. وعبرت المراهقات في ولاية تينيسي عن حالة إشمئزاز من اللحم، البيض والبيتزا. فيما كان الخضار أكثر ما رفضته النباتيات (نعم، الخضار!) بالإضافة إلى الأطباق الحادة المذاق والرائحة، المأكولات الدسمة، القهوة، الشاي. في دراسة شاملة لشيرمان وفلاكسمان، كانت الأغذية الأكثر رفضا هي اللحوم، السمك، الدجاج، البيض، القهوة، الشاي، الصودا والخضار.
إذا، قد تشتهي النباتيات اللحم وتنفر من الخضار فيما تجد محبات اللحوم أنفسهن مشمئزات من اللحم. إن حالات المقت أكثر شيوعا في المأكولات التي تفسد بسرعة وتحتوي طبيعيا على مواد سامة. إن النساء اللواتي تحتجن بشكل أخص إلى مأكولات فردية لا تنفر منها في أغلب الأحيان. مثلا، إن أصيبت إمرأة بفقر الدم، قد لا تشعر بإشمئزاز من المأكولات المحتوية على الحديد مثل الكبد. يزيد معدل المقت عندما تكون نسبة الخطر في نوع من الطعام أعلى من فوائده بالنسبة إلى إمرأة ما أو مجموعة من النساء.
المدمنات على الشوكولاته
حاول الباحثون تصنيف حالات الوحام وتوصلوا إلى لوائح مختلفة من المجموعات الأكثر شيوعا. أظهرت دراسة جنوب إفريقيا المذكورة سابقا أن أكثر أغذية الوحام هي المأكولات الحامضة، المقبلات، الحلويات، الفواكه والحليب (هذا كل شيء تقريبا!). بالنسبة إلى بعض الشعوب التي شملتها هذه الدراسة، ظهر التراب والطين في رأس اللائحة. أدرج في دراسة نشرت في الجريدة الهندية للصحة العامة أكثر المأكولات إشتهاء خلال الحمل وتأتي بالترتيب التالي: المأكولات الحامضة (65%)، الفواكه غير الناضجة (40%)، اللحم والسمك (47%)، الفواكه الناضجة (30%)، الطعام الموزع من الصدقات (26%)، المربى وثمرة الخبز (22%). أما المأكولات التي تشتهيها النساء العربيات في فترة الحمل فهي: المأكولات المالحة، المأكولات الحامضة، الحلويات، التمر، الحليب، البيض واللحوم. ويضاف إلى اللائحة الطين، الجص، الورق والثلج ولكن ليس بالشغف نفسه.
أجريت إحدى الدراسات العلمية الأولى حول الوحام في الولايات المتحدة حيث أبلغت النساء عن توقهن إلى الحليب، المثلجات، الحلويات، السكاكر (وخاصة الشوكولاته)، الفواكه والسمك. وفي دراسة أخرى، إشتهت مراهقات تينيسي بشكل خاص الحلويات (الشوكولاته)، الفواكه وعصائرها، المأكولات السريعة، المخللات، المثلجات والبيتزا. فيما أظهرت دراسة أخرى تضم النباتيات فقط أن المأكولات الأكثر إشتهاء وشيوعا هي الغنية بالبروتين (خاصة الحليب)، يليها الفواكه والحلويات. لم تصنف الشوكولاته من بين الحلويات ولكن ما رأيكن أيتها السيدات؟
أما الدراسة الشاملة التي منحت تصريحا قويا لسبب إشتهاء الطعام والنفور منه فهي دراسة شيرمان وفلاكسمان من قسم البيولوجيا العصبية والسلوك في جامعة كورنل. وتضمنت مقابلات مع 6239 إمرأة. وظهر على لائحة المأكولات الأكثر إشتهاء (وبالترتيب) الفواكه وعصائرها، ثم الحلويات، العقبة والشوكولاته، يليها المواد اللبنية والمثلجات. وظهرت كل أصناف الطعام في مكان ما على اللائحة.
ما سبب وحام الحامل؟ ومن أين يأتي؟
علميا، يصعب السيطرة على الوحام أكثر من المقت. هناك نظرية تقول إن الوحام حالة نفسية. عندما تكون المرأة حاملا، ولأنها تأكل لشخصين وتتوقع فترة الوحام، تمنح نفسها الإذن بإشتهاء (وتناول) الحلوى والمثلجات حتى تقوم إرادتها بردة فعل مقاومة تمنعها من الاستمرار بما تقوم به. قد يكون ذلك صحيحا، ولكنني لم ألتق الكثير من النساء اللواتي ينتظرن إلى أن يحملن كي تسمحن لأنفسهن بإشتهاء المخللات، والملفوف، أو النشاء.
تقترح نظرية أخرى أن الرغبة المتغيرة في الطعام طيلة فترة الحمل هي مجرد أثر جانبي لمستويات الهورمون المتقلبة بدون أي تأثير فعلي على الأم أو الطفل. غالبا ما يشير الباحثون الذين يدعمون هذه النظرية إلى حالات وحام مماثلة ولكن أقل حدة قبل العادة الشهرية وخلال فترة سن اليأس (الإياس) كدليل داعم. قد يكون الأمر صحيحا جزئيا ولكن يبدو أن حالة الوحام خلال الحمل توازي إحتياجات الطفل المتغيرة. ويظهر أن الوحام الذي تختبره معظم الحوامل هو أكثر من مجرد حدث.
من هنا تأتي نظرية أخرى ألا وهي محاولة ربط حالات الوحام بالإحتياجات الغذائية للأم أو الطفل. يدعم هذه النظرية عمل فاليري دافي الحائزة على شهادة الدكتوراه عن دراسة الحمل في جامعة يال. تابع فريقها التغيرات الحاصلة في تفضيل الأغذية خلال فترة الحمل. تاقت النساء في الفصل الأول من الحمل إلى النكهات اللاذعة ربما لتحذيرهن من إستهلاك اللحوم الملوثة، الأعشاب السامة خلال هذه الفترة الحرجة. في وقت لاحق، عاد هذا التوق إلى النكهات اللاذعة إلى طبيعته في الحمل. من جهة أخرى، كانت نسبة إشتهاء المأكولات الحامضة مرتفعة في الفصلين الثاني والثالث أكثر من الفترة السابقة أو اللاحقة للحمل (أمن هنا يأتي إشتهاء المخلل؟). من المعروف أن إشتهاء المأكولات الحامضة المذاق يعزز نظاما غذائيا أكثر تنوعا. كما أنه يزيد نسبة إستهلاك الفاكهة (الفواكه غنية بالمواد المغذية وتقع على رأس قائمة المأكولات التي تشتهيها الحوامل). ترتفع نسبة إشتهاء الحلويات في الفصل الثاني أي عندما تزداد الحاجة إلى الوحدات الحرارية ويحتاج الجنين إلى المزيد من الغلوكوز من أجل نمو الجسم. وتزيد نسبة إشتهاء المأكولات المالحة بشكل ثابت خلال الحمل فيما تزداد الحاجة إلى حفظ المزيد من السوائل في الدورة (هنا تظهر المخللات مجددا ورقائق مادونا).
تصبح هذه النظرية أكثر تحديدا. على الأرجح أن هذا ما يحدث مع النباتيات اللواتي يشتهين اللحم لأن أجسامهن تحتاج إلى المزيد من البروتين، الحديد، الزنك أو الفيتامين B12. كما أن النساء اللواتي يشتهين السمك يتقن ربما إلى زيوت السمك التي تحتوي على DHA وARA أي الأحماض الدهنية أوميغا-3 وأوميغا-6 التي تساعد على نمو دماغ الطفل. أما النساء اللواتي يشتهين التراب فربما يتقن إلى الحديد الذي يحتجن إليه في نظامهن الغذائي.
والمشكلة في هذه النظرية هي أنه عند النظر فيها علميا، غالبا ما تكون المواد المغذية الضرورية غائبة في المأكولات التي تشتهيها الحوامل. في أفضل الأحوال، يوازي الوحام حالات النقص مما جعل الباحثون يومئون برؤوسهم إيجابا بإحباط. لكن الدليل لا يضيف أي شيء.
التوق الرجيع
عندما كنت في كلية الطب، كنت متحمساً لتعلّم ظاهرة تدعى الرجيع أي الشعور بالألم في مكان يبعد عن منطقة منشئه. مثالاً كلاسيكياً على ذلك هو الألم في الذراع اليسرى من جراء نوبة قلبية. يحدث ذلك لأنه من المفروض أن يكشف العصب نفسه عن المشاكل في القلب والذراع. عند تهيّج العصب، على الدماغ أن يعرف مكان المشكلة وغالباً ما يكون الذراع، حتى لو لم تكن هذه الأخيرة مصابة وحالة القلب خطيرة. وبسبب واقع الرجيع الفعال والجدير بالملاحظة، يعتبر الأطباء الألم إشارة على وجود خطب ما بدون الإفتراض بأن المشكلة تقع في مكان الألم. إنّ تهيّج عضلة الحجاب يؤلم في أغلب الأحيان مكاناً محدداً في الكتف. ويمكن أن تكون آلام الظهر أساس المشاكل في الرئتين. ويمكن أن ينتج الألم خلف سرة البطن عن مشكلة في الزائدة عند الجهة اليمنى من أسفل البطن.
أفترض أن حالات الوحام هي نوع من “التوق الرجيع”. فالوحام عبارة عن إشارة حقيقية إلى توق الجسم إلى مواد مغذية محددة ولكنها قد تكون أو لا تكون حاضرة في المأكولات المشتهاة. وتتوازى هذه الأخيرة مع حاجات الأم الحقيقية. فإشتهاء المأكولات الغنية بالكالسيوم قد تعني الحاجة إلى المزيد من الكالسيوم، والتوق إلى المأكولات المالحة قد تعني الحاجة الى المزيد من الملح. فيما إشتهاء التراب، والوحل، ورقائق الثلج يعني الحاجة إلى الحديد أو المعادن الأخرى حتى لو لم تتواجد المعادن في الأشياء المرغوب فيها. قد تكون حالات الوحام الأخرى أقل دقةً.
بين المطرقة والسندان
أعتقد أن النساء لا يتبعنَ بتهور الوحام كإلهام ولا يرفضنَه كوهم شيطاني في وجه فهم علمي حديث للتغذية ما قبل الولادة. عوضاً عن ذلك، أوصي بالتنبه إلى حالات الوحام والإستجابة إليها على ضوء ما تعرفينه عن إحتياجات جسمك.
إنْ كنت تشتهين غذاءً صحياً، لا بأس بذلك ولكن خذي بعين الإعتبار ما يشير الوحام إليه. ربما حان الوقت لوضع لائحة بالمواد المغذية الضرورية في الحمل وإعرفي ما يناسبك. وإنْ كنت تشتهين شيئاً غير صحي (السمك النيء أو الكثير من سمك التونة)، إبحثي عن طريقة أخرى للحصول على المواد المغذية التي قد يتوق إليها جسمك (مثل السلمون، الجوز أو بزر الكتان). وإنْ كنت تشتهين الكثير من الشوكولاته وتأكلين منها ما يحلو لك، قد يزيد ذلك من حجم الوركين بسبب الحمل.
لحسن الحظ، إنّ القليل من الغذاء الذي تشتهينه كافٍ لتسدّي رغبتك.