التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

اللمس والارتباط العاطفي بين الآباء والمواليد حديثي الولادة

ينمو الأطفال باللمسات الحانية: قبل الميلاد، يشعر الأجنة بالاحتواء والدفء، ويحصلون على الغذاء من أمهاتهم، وبالمثل يشاركونهن جميع الحركات البدنية التي تصدر عنهن. أما بعد الميلاد، فتحمل الأمهات أبناءهن طوال اليوم في حمالات الصدر القماشية في أنحاء كثيرة في العالم. ويستمر الرضع أيضا في مشاركة الأم جميع أنشطتها: تناول الطعام وإعداده، أعمال الفلاحة، أعمال الحياكة، والأعمال المنزلية، كما ينامون معها في السرير نفسه ليلا. ويرضعون منها طبيعيّا حين يبدءون البكاء، وهم لا يسمعونها فقط، بل يشعرون بترددات صوتها حين تتحدث أو تغني. وعندما يكبرون قليلا، ربما يتولى الإخوة والأخوات الأكبر سنّا مسئولية حملهم على أرجلهم أو ظهورهم. والرضع في هذه الثقافات لا يبكون كثيرا، ونادرا ما يلفظون اللبن (أو يقومون بالقشط) أو تكثر شكواهم وبكاؤهم.

من ناحية أخرى، ابتكر مجتمعنا عشرات الطرق الجديدة لوضع مسافة بين الأم وأبنائها. فما إن يولدوا حتى يزاحوا من طريق أمهاتهم، ويذهب بهم إلى الحضانة، حيث يعتني بهم أشخاص آخرون؛ فيطعموهم رضعات صناعية تجارية من زجاجات، ويجعلوهم ينامون على فرش مستوية وصلبة. بالإضافة إلى أننا نعكف على ربطهم بمقاعدهم الخاصة؛ حتى لا نضطر أبدا إلى حملهم. حتى إن لدينا مقاعد في السيارة يمكن أن تتحول إلى عربات للأطفال؛ لئلا يضطر الآباء أبدا إلى لمس أطفالهم على الإطلاق. فلتقارني بنفسك بين هذه المعاملة وبين أفضل علاج لألم الصغار والأطفال والبالغين وشعورهم بالإهمال والألم -ألا وهو الحضن الدافئ.

إنّ الحاجة ماسة للتواصل البدني بين الطفل وأمه؛ فاللمسات الحانية تطلق هرمونات في المخ -عند كل من الرضيع والأم- تزيد من الشعور بالاسترخاء والسعادة، بل وتقلل الألم. فعندما يشعر الرضع بشكة الإبرة في كعوب أقدامهم أثناء تحليلات الدم الروتينية، فإنهم يبكون بحدة أقل إن كانت أمهم تحملهم وأجسامهم متلامسة؛ والرضع المبتسرون الذين يتعرضون يوميا للمسات أمهم الحانية ينمون بصورة أسرع من غيرهم.

التواصل المبكر والارتباط العاطفي

من الأمور الرائعة مشاهدة الأمهات مع أبنائهم حديثي الولادة، فهم يقضون وقتا طويلا في لمس أجسام ووجوه وأطراف أبنائهن. وفي حالة وجود مجموعة من الأمهات، فإن المسموح لهن بلمس أبنائهن على هذا النحو – أي عندما لا تعارض سياسات مستشفى التوليد هذه الممارسة- تكون علاقاتهن بأبنائهن أفضل، حتى ولو بعد مرور عدة أشهر، كما يكون أبناؤهن أكثر استجابة من غيرهم بالمثل.

إنّ الملاحظات التي اتّخذت على هذه الشاكلة أدت بطبيبي الأطفال جون كينيل ومارشال كلاوس إلى استخدام مصطلح «الارتباط العاطفي»؛ لوصف عملية التواصل التي تحدث طبيعيّا بين الآباء ورضّعهم حديثي الولادة. ومن النتائج المدهشة لبحثهما أن معظم المستشفيات الآن تشجع إبقاء الوليد مع الأم. وفي بعض المستشفيات الأكثر تقدما، يجفّف حديثو الولادة من الدماء بعد خروجهم من الرحم مباشرة، ليوضعوا في أحضان أمهاتهم، حيث يسكنون في أحضانهن ويستمتعون بدفئهن، وفي الغالب يبدءون في الرضاعة.

رغم كل ذلك، فإن الارتباط العاطفي يساء فهمه على نطاق واسع، فالآباء وحتى المتخصصون يعتقدون أنه -في الغالب- في حالة عدم حدوث الارتباط العاطفي في الأربع والعشرين ساعة أو الثمانية والأربعين ساعة الأولى، فإنه لن يحدث أبدا. والحقيقة هي أن الارتباط يحدث بمرور الوقت، ولا يوجد موعد تنتهي فيه صلاحية حدوثه. والآباء يرتبطون بأبنائهم في أية مرحلة عمرية؛ حيث إن الارتباط -وهو الشعور بالصلة والانتماء فيما بين الأبناء والآباء- قوة عظيمة، ويحدث على أية حال على الرغم من الممارسات التربوية التي تفصل بين الآباء وأبنائهم الصغار، فعلى الرغم من أن الرضع المبتسرين يقضون الشهور الأولى في الغالب في حضانات بعيدة، فإن آباءهم يستطيعون الوصول إليهم عن طريق الفتحات الموجودة في الحضانات.

أظن أن الآباء في مجتمعنا يمكنهم تكوين وجهة نظر أفضل حول الطرق التي نتبعها عن طريق مقارنتها بما يحدث تلقائيّا في المجتمعات الأقل تقدما من حيث التكنولوجيا. وإذا تساءلت: «كيف أكون تلقائيّا؟»، سأجيب عنك بالاستنتاجات التالية:

• يجب أن تتاح الولادة الطبيعية وإبقاء الوليد مع الأم في المستشفى لكل من تريد ذلك.

• ينبغي أن يسمح للآباء والأمهات بحمل وليدهما ومداعبته لمدة ساعة بعد ولادته مباشرة، خاصة إن لم يكن إبقاؤه مع الأم ممكنا.

• يجب التشجيع على الرضاعة الطبيعية، وأن يدعو إليها بصفة خاصة الممرضات والأطباء والعائلات.

• يجب الحرص على إمساك الأم زجاجة الرضعة بنفسها أثناء إطعام وليدها، وتجنب إسنادها على دعامة؛ إلا في حالة عدم وجود خيار آخر، مثلا إن أضحت المرأة أمّا لتوأم، ولم يقم أحد بتقديم المساعدة لها، فحينها تضطر إلى إسناد الزجاجة بدعامة لأحد طفليها -على الأقل- في كل رضعة.

• ينبغي للأمهات والآباء تجربة استخدام الحمالة القماش أكثر من مقعد الرضيع عند تواجدهم داخل المنزل أو خارجه. فالحمالات الصدرية التي تحمل الأطفال على صدر الأب أو الأم هي الأفضل على أية حال.

الارتباط العاطفي والعودة إلى العمل في مرحلة مبكرة

في أيامنا هذه، تعود معظم الأمهات إلى وظائفهن -التي يتقاضين منها أجورا- سريعا جدا بعد الولادة. فالمتطلبات المالية، والمهن التي تستنفد كثيرا من الوقت والمجهود، تمارس ضغطا مهولا على السيدات. ولهذا يصيبهن الحزن، ويأسفن لشعورهن بفقدان معايشة الشهور الأولى -الرائعة- في حياة أولادهن. كما يقلقن بشأن ما يترتب على ابتعادهن مبكرا من آثار على أولادهن.

على الرغم من ذلك، يرتبط الرضع ارتباطا عاطفيّا وثيقا بأمهاتهم وآبائهم، حتى لو اعتنى بهم آخرون أثناء اليوم. فالرعاية التي يقدمونها بحب في فترات الصباح والمساء وإجازات نهاية الأسبوع، وبالطبع في منتصف الليل، كافية لتقوية العلاقة من جانب الطفل.

إلا أن كثيرا من الأمهات الجدد ينسحبن عاطفيّا؛ لأنهن مستعدات بالفعل لما هو آت، منذ مرحلة مبكرة جدّا، عندما يضطررن إلى تركهن لغيرهن. وهذا رد فعل طبيعي لحماية أنفسهن بأنفسهن، بيد أنه يمكن أن يمثل ضغطا شديدا على الأم، وعلى علاقتها بطفلها.

عندما تقررين وقت العودة إلى عملك، حاولي الإنصات إلى ما يمليه عليك قلبك. فإذا كان باستطاعتك مد إجازة الوضع بأية طريقة ممكنة، حتى لو كان ذلك يعني فقدان الدخل، ربما ينتهي بك الحال وأنت سعيدة باتخاذك هذا القرار. وبقرابة إكمال الرضع الشهر الرابع، تشعر معظم السيدات براحة أكبر لدى التفكير في العودة إلى العمل؛ لأنهن قد حصلن بالفعل على فرصة التواصل الحقيقي مع أبنائهن.