الخوف
يشعر الكثير من الآباء بالقلق والإرهاق التام؛ فينتابهم القلق عندما يبكي وليدهم، وتبدو عليه أمارات الشكوى، وعندما يعطس كل مرة، وعند رؤية تعرض بشرته لبقع الطفح الجلدي. ويمشون على أطراف أصابعهم إلى غرفة وليدهم للاطمئنان من أنه لا يزال يتنفس. فمن الفطرة أن يكون الآباء شديدي الحرص في هذه الفترة، وتلك هي طريقة التأكد من أن الآباء الجدد يقومون بدورهم على نحو جاد. ومع أن زيادة الحرص إلى حد ما قد يكون شيئا جيدا، فإنه للأسف يتلاشى مع الوقت.
الحزن والإحباط
قد تشعرين بالوهن وفتور الهمة في مرحلة مبكرة، وهذا شعور طبيعي، خاصة إن كنت أمّا لأول مرة. فربما لا تكونين قادرة على وضع يدك على الشيء الخاطئ، فلا يسعك إلا البكاء بسهولة، أو قد تشعرين بالحزن بسبب أشياء بعينها.
إن الشعور بالحزن والاكتئاب ربما ينتابك سريعا بعد الولادة مباشرة، أو لاحقا بعد عدة أسابيع. وأكثر الأوقات شيوعا للتعرض لهذا الشعور عندما تحضر الأم إلى المنزل بعد بقائها في المستشفى للولادة. والجدير بالذكر أن المجهود المطلوب منها لا يكون بمفرده السبب وراء شعورها بالحزن، بل الشعور بأنها مسئولة عن الأسرة، إلى جانب المسئولية الجديدة بالكامل المتعلقة برعاية الطفل، والحرص على توفير الأمن له. فالسيدة التي اعتادت الذهاب إلى العمل كل يوم أضحت مضطرة إلى افتقاد صحبة زملائها في العمل. إلى جانب ذلك، تتعرض السيدة لجميع التغييرات البدنية والهرمونية في وقت الولادة، مما يتسبب في تغيير حالتها المزاجية إلى حدّ ما.
إذا بدأ ينتابك الشعور بالحزن والاكتئاب أو ضعف الهمة، فحاولي الحصول على قدر من الراحة. فلتخرجي من المنزل للتمشية أو التمرين، وابدئي في أيّ من المشاريع الجديدة أو استكملي ما قد تركته من قبل، مثل الكتابة أو الرسم أو الحياكة أو البناء – أي شيء تجدينه إبداعيّا ومرضيا لذاتك. وقد تكون زيارة أحد الأصدقاء المقربين إليك أو دعوتهم لزيارتك من الأفكار الرائعة. ففي البداية، ربما لن تشعري بالرغبة في عمل أي شيء، ولكن ما إن عقدت العزم على البدء، فستتحسنين على الفور.
تحدثي مع شريك حياتك عن شعورك هذا، واستعدي للاستماع إليه أيضا. فمن الشائع جدّا أن يشعر الأب حديث العهد بالأبوة بالحزن والاكتئاب الشديد عندما يظن أنه -من المفترض- أسعد إنسان في العالم. ومن ردود الفعل الطبيعية -على الرغم من أنه غير مفيد- أن ينسحب هذا الأب عاطفيّا، أو يصبح كثير الشكوى والانتقاد في أكثر وقت تحتاج فيه الأم إلى الدعم. والنتيجة أن تصبح الأمّ غاضبة وحزينة ومكتئبة، عندما تستشعر أن زوجها لا يمد لها يد المساعدة، وبالطبع يزيد كلّ هذا الموقف سوءا. فالتحدث معا من الأمور الجوهرية للزوجين إن أرادا تجنّب هذا النوع من المشكلات.
إن لم تتحسن حالتك المزاجية في بضعة أيام، أو إن كانت تزداد سوءا، فربما يكون قد انتابك اكتئاب ما بعد الولادة. إنّ الاضطراب النفسي العابر غالبا ما ينتهي بعد شهرين، إلا أن اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن يستمر فترات طويلة. ويحدث الاكتئاب الفعليّ بعد الحمل من مرة إلى خمس مرات، ونادرا ما يكون شديدا جدّا لدرجة تتصاعد فيها احتمالية تعرض المرأة لخطر الانتحار. فإن كنت، أنت أو شريك حياتك، تعانين من تغيرات مزاجية حادة في أي وقت، ولكن خاصة بعد الحمل، فعليك الحصول على المساعدة الطبية على الفور. فلا يعرف أحد ما يتسبب في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة على وجه الدقة، ولكن السيدات اللاتي واجهنه من قبل كن أكثر عرضة له من غيرهن.
هذا النوع من المشكلات لا يمكنك مناقشته مع نفسك فحسب؛ فأنت بحاجة إلى المساعدة المهنية. ويمكنك البدء بالتحدث مع طبيبك، وبدوره سوف يحيلك إلى مختصّ بالصحة النفسية. ومن الأخبار السارة بخصوص هذا الاضطراب هو أنه من الممكن معالجته، فالعلاج النفسي والأدوية المضادة للاكتئاب تفيد المرأة المصابة به كثيرا؛ واعلمي أن أي أم حديثة العهد بالأمومة لا ينبغي لها التعرض لهذه المعاناة بمفردها.
مشاعر الأب في الأسابيع الأولى في المنزل
لا ينبغي أن يفاجأ الأب عندما تنتابه مشاعر مختلطة في بعض الأحيان تجاه زوجته ووليده. فهذه المشاعر يمكن أن تنتابه أيضا خلال فترة الحمل، أو أثناء حالة الاضطراب المصاحبة للمخاض والولادة، أو بعدما تعود الأسرة إلى المنزل من جديد. ولكن باستطاعته تذكير نفسه بأن مشاعره ليست مضطربة للغاية كزوجته في الغالب، خاصة بعد العودة إلى المنزل. فقد مرت هي بتغيرات بدنية جسيمة، وإذا كانت أمّا لأول مرة فلن تكفّ عن القلق، فضلا عن أن أي طفل جديد له متطلبات كثيرة يأخذ من قوتها، ويؤثر على روحها المعنوية في المقام الأول ينتج عن كل ذلك حاجة معظم السيدات إلى قدر كبير من الدعم من أزواجهن في هذه المرحلة. فيحتجن إلى المساعدة في رعاية الوليد، والأطفال الأخرى إن وجدت، إلى جانب المساعدة في الأعمال المنزلية. والأكثر من ذلك أنهن يحتجن صبرا في التعامل معهن، وتفاهما، وتقديرا، وعاطفة. وربما يكون دور الأب معقدا بالنظر إلى أنه لا يلقى أيّ شكر من زوجته لمجهوداته إذا كانت متعبة أو في حالة ضيق. ففي الواقع، ربما تنتقده أو تشكو منه. وحتى لو كان الوضع كذلك، عندما يتفهم الأب قدر احتياج الزوجة إليه، يمكنه وضع ردود أفعاله السلبية جانبا، واختيار القيام بدوره الداعم شديد الأهمية بدلا من ذلك.
التعامل بألفة ومودة مع الطفل
تعاملي مع طفلك بودّ ولطف وهدوء متى جلست معه. ففي جميع أوقات إطعامه أو مساعدته على التجشؤ أو «تحميمه» أو إلباسه أو تغيير حفاضته أو حمله أو حتى الجلوس معه في الغرفة، سوف ينتابه الشعور بقدر حبّكما لبعضكما بعضا. وعندما تحتضنينه أو تعبّرين عن مشاعرك تجاهه، أو تظهرين له أنك تظنين أنه أروع طفل في العالم، فإن ذلك يسهم في نمو روحه بالطريقة نفسها التي يسهم بها اللبن في نمو عظامه. ويجب أن يكون هذا هو السبب وراء حديثنا -نحن البالغين- بلغة الأطفال بالفطرة، وهز رؤوسنا عند تحية الطفل، وينطبق ذلك حتى على الكبار المبجلين أو غير الاجتماعيين.
لا أقصد أنه يجب عليك تسلية طفلك في جميع أوقات استيقاظه، أو أرجحته ودغدغته باستمرار. فمن شأن ذلك أن يرهقه، وعلى المدى الطويل سوف يشعره بالتوتر. فيمكنك التعامل معه بهدوء معظم أوقات تواجدك معه؛ فالتعامل معه بلطف وهدوء بال من الأشياء الجيدة لك وله. فكم هو مريح أن تحمليه بين ذراعيك، وكم هي رائعة أمارات المحبة والاطمئنان التي ترتسم على وجهك عندما تنظرين إليه، وكم هو عذب صوتك الحنون عندما تتحدثين إليه!
حواس وليدك
تعمل جميع حواس وليدك عند الولادة (وفي الواقع، كانت تعمل قبل الميلاد)، على الرغم من اختلاف الدرجات. فاللمس والحركة حاستان موجودتان لديه بالفعل، وهو ما يفسر التأثير المهدئ لكل من حمل الوليد وتقميطه وأرجحته. أما حاسة الشم، فهي موجودة أيضا؛ إذ يستطيع الأطفال تمييز الروائح الموجودة في السائل السّلوي قبل الميلاد، وفي مرحلة عمرية مبكرة جدّا يفضلون رائحة أجساد أمهاتهم.
كما يستطيع حديثو الولادة السمع، رغم أن أمخاخهم تعالج الصوت ببطء. فإن همست في أذن أحد الأطفال، فقد يستغرق الأمر بضع ثوان حتى يستجيب بالنظر نحو مصدر الصوت. وبسبب الطريقة التي تتطور بها الأذن الداخلية عند الأطفال، فإنهم يسمعون الأصوات العالية أفضل من الأصوات المنخفضة، ويفضلون الحديث البطيء الموسيقيّ عن غيره؛ وهو الأسلوب الذي يتحدث به الآباء -تلقائيا فيما يبدو- مع أبنائهم.
يستطيع الأطفال أيضا الرؤية، وإن كان بقصر نظر؛ إذ تركز أعينهم على نحو أفضل من على بعد يتراوح ما بين 23 و 30 سم، وهي تقريبا المسافة الفاصلة بين المولود وبين وجه الأم حين إرضاعه من ثديها. ويمكنك معرفة إن كان وليدك ينظر إليك بعينيه: إذا قمت بتحريك وجهك ببطء من جانب لآخر، فلسوف تتبعك عيناه. ويحب الأطفال النظر في الوجوه. واعلمي أن أعينهم حساسة؛ ولذا فهم يغمضونها في الضوء الطبيعي ويفتحونها عند إخفات الضوء.
وليدك له شخصية مميّزة
للأطفال حديثي الولادة شخصياتهم المميزة؛ فبعضهم شديد الهدوء، وبعضهم سريع الانفعال. يتّسم بعضهم بانتظام مواعيد الطعام والنوم والتغوط، وبعضهم بعدم الانتظام. ويمكن لبعضهم الاستجابة لكثير من المنبهات، بينما يحتاج آخرون إلى التواجد في بيئة هادئة. فعندما يفتح الأطفال أعينهم وينظرون بتركيز في الوجوه، فإنهم يحصلون على المعلومات المتعلقة بالعالم من حولهم. وعلى الرغم من أن أحدهم ربما يظل في حالة من الانتباه والاستقبال للمعلومات لمدة دقائق، فإن آخر قد يتنقل بين مختلف المنبهات، مع الاستغراق في فترات من النعاس أو إحداث الجلبة أحيانا. فبينما ترعين وليدك، سوف تبدئين في معرفة كيفية إبقائه مستيقظا منتبها عن طريق الحديث معه ولمسه واللعب معه، دون الإثقال عليه؛ حتى لا يصاب بالإجهاد. سوف يصبح وليدك أيضا أمهر في إخبارك متى يريد المزيد من أي شيء تقدمينه، ومتى يكون قد اكتفى. وبمرور الأسابيع والشهور، تبدآن معا في العمل كفريق متعاون.