تحدث معظم التهابات الحلق بسبب الفيروسات نفسها المسببة لنزلات البرد. عادة ما تكون هذه العدوى طفيفة وتتحسن من تلقاء نفسها. أما التهابات الحلق التي تحدث بسبب البكتيريا العقدية –أي التهاب اللوزتين– فإنها تكون أكثر خطورة. كذلك، عادة ما تتحسن حالات التهاب اللوزتين أيضا من تلقاء نفسها، ولكن نادرا ما تنتشر العدوى في أنسجة العنق لتحدث بذلك إحدى المضاعفات الخطيرة جدا. وعلى الرغم من ذلك، يتمثل مصدر القلق الأساسي بشأن التهاب اللوزتين في إمكانية أن تؤدي هذه الحالة إلى الإصابة بالحمى الروماتيزمية التي تعد حالة مزمنة صعبة العلاج؛ حيث تشتمل أعراضها على آلام بالمفاصل، والإصابة بأحد أمراض القلب الخطيرة، وغيرها من الأمراض؛ لذا يجب عدم الاستهانة بها. ولكن الخبر الجيد هنا هو أن علاج التهاب اللوزتين بالمضادات الحيوية يمكن أن يزيل خطر الإصابة بالحمى الروماتيزمية تماما، أما الخبر السيئ فيكمن في ضرورة تشخيص حالة التهاب اللوزتين بشكل صحيح قبل علاجها.
هل الحالة التهاب لوزتين أم مجرد التهاب بالحلق؟
من السهل معرفة الحالة المعتادة والمعروفة بالتهاب اللوزتين؛ حيث عادة ما يصاب الطفل بحمى شديدة تمتد لعدة أيام مصحوبة بألم حاد جدا بالحلق لدرجة لا يستطيع معها البلع، وتكون الحالة العامة للطفل مزرية، وتصبح اللوزتان ملتهبتين ومتورمتين، وبعد مرور يوم أو يومين تظهر عليهما بقع بيضاء، كما تتورم الغدد الموجودة بالعنق (الغدد الليمفاوية) أيضا وتصبح مؤلمة، ويكون لدى الطفل صداع وألم بالمعدة، وحالة عامة من الوهن وفقدان الطاقة، وتصبح رائحة نفسه كريهة وعفنة. الجدير بالذكر أن سيلان الأنف (الرشح) والسعال غالبا ما يحدثان بسبب فيروسات أخرى تختلف عن بكتيريا التهاب اللوزتين؛ حيث إذا وجدت هذه الفيروسات، يقل معها احتمال وجود بكتيريا التهاب اللوزتين.
تكمن مشكلة هذا التوصيف في أنه لا يكون دوما هكذا، فقد يغيب أي من الأعراض المعتادة للحالة، فالطفل الذي لا تكون حرارته عالية، ويكون لديه احتقان طفيف بالحلق، ولون اللوزتين وردي، يمكن أن تكون لديه حالة التهاب باللوزتين (على الرغم من احتمال إصابته فقط بفيروس بالحلق). وعلى الرغم من انزعاج الأطفال الصغار قليلا من التهاب الحلق؛ فإن التهاب اللوزتين نادرا ما يحدث قبل بلوغ الطفل عامه الثاني. الغريب أن الطفل الذي تم استئصال لوزتيه يمكن أن يصاب بالبكتيريا العقدية المسببة لالتهاب الحلق أيضا؛ ونظرا لأنه ليس من اليسير التأكد من أن التهاب الحلق ليس بسبب البكتيريا العقدية، فربما يكون من الحكمة استشارة الطبيب لتقييم أي التهاب بالحلق يكون مصحوبا بارتفاع في درجة حرارة الطفل يبلغ 39 درجة مئوية أو أكثر.
وبدلا من الاعتماد على التخمينات، يتم أخذ مسحة من اللوزتين وإرسالها للاختبار المعملي. إذا كانت إمكانية الاختبار السريع متاحة، فستأتي النتيجة عادة خلال ساعة أو ساعتين؛ أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فيتم انتظار النتيجة يومين. لن يؤثر تأجيل العلاج يومين فيما يتعلق بمنع الإصابة بالحمى الروماتيزمية؛ حيث ستكون المضادات الحيوية ذات فاعلية جيدة جدا لعلاج الحالة. ويتمثل العلاج الشائع في تناول المضادات الحيوية ذات نكهة العلكة لمدة عشرة أيام ليتم تقسيم الجرعات على مدار اليوم في الصباح وبعد الظهيرة والمساء، أما العلاج الأكثر نجاحا ولكنه الأقل استحسانا؛ فهو عبارة عن أخذ حقنتين، على أن يتم أخذ حقنة واحدة في كل ردف.
إذا ظهرت نتائج الاختبار سلبية بصدد البكتيريا العقدية، فمن المحتمل أن يكون طفلك مصابا بفيروس؛ ومن ثم سيساعده الحصول على قدر من الراحة مع تناول جرعات الأسيتامينوفين أو الإيبوبروفين وشرب كميات وفيرة من السوائل في التغلب على المرض، كذلك تعد الغرغرة بماء دافئ مملح، وتناول أقراص المص المخصصة لعلاج التهابات الحلق بالنسبة للأطفال الأكبر سنا؛ تجنبا لخطر الاختناق (شريطة تناولها بعد إتمام الطفل أربع أو خمس سنوات) من الخطوات الجيدة والمريحة المساعدة على الشفاء.
ربما لا يشجع الطبيب أحيانا على إجراء الاختبار المعملي للبكتيريا العقدية المسببة لالتهاب اللوزتين إذا وجدت أي سمات فيروسية للمرض مثل سيلان الأنف (الرشح)؛ فبعض الأشخاص يحملون في الحلق هذه البكتيريا فعليا؛ ولذا ستكون نتائج الاختبار المعملي لها إيجابية وخاطئة؛ حيث توجد هذه البكتيريا بالحلق من قبل، وليست هي سبب المشكلة، وإذا تم العلاج على أية حال فلن يكون مجديا؛ لأنه سيزيد من خطر مقاومة الجسم للعقاقير. فحتى الأطباء أصحاب الخبرة الكبيرة في مجالهم يواجهون صعوبة في تحديد تلك البكتيريا العقدية بدقة.
الحمى القرمزية
على الرغم من فزع الأشخاص -في أغلب الأحوال- عند رؤية الحمى القرمزية؛ فإن أعراضها لا تتجاوز مجرد التهاب باللوزتين مصحوب بطفح جلدي، ويظهر الطفح الجلدي بعد إصابة الطفل بيوم أو يومين، لينتشر على الأجزاء الدافئة والرطبة من الجسم؛ مثل جانبي الصدر والفخذ والظهر. إذا نظرت من مسافة بعيدة فسيبدو الطفح الجلدي مثل الاحمرار الذي يغمر الجسم بأكمله، ولكنك إذا نظرت من قريب فستجده عبارة عن بقع حمراء صغيرة توجد على خلفية مائلة إلى الاحمرار. إذا مررت يدك على هذا الطفح الجلدي فستشعر وكأنه مثل ورقة صنفرة ناعمة. قد ينتشر الطفح على الجسم بأكمله وجانبي الوجه، ولكن تظل المنطقة حول الفم شاحبة، وقد يكون اللسان محمرا وبه نقاط بيضاء مثل الفراولة. عندما تكون الحمى القرمزية مصحوبة بالتهاب اللوزتين فإن علاجها يكون مثل علاج أي حالة معتادة لالتهاب اللوزتين. أحيانا ما تتسبب الجراثيم المختلفة في الإصابة بالحمى القرمزية، وتستلزم علاجا مختلفا. بمجرد أن يتعافى الطفل من الحمى القرمزية أو حتى من التهاب بسيط للوزتين، فقد تلاحظين بعض التقشير في الجلد، ولكن سرعان ما تزول هذه المشكلة دون استخدام أي علاج معين.
عملية استئصال اللوزتين
كانت عملية استئصال اللوزتين حتى وقت قريب يشيع إجراؤها للأطفال الذين تتكرر لديهم الإصابة بالتهاب اللوزتين؛ فقد كانت هذه العملية شائعة لدرجة أنها أصبحت إجراء أساسيا في مرحلة الطفولة، ولكن بدأ الأمر يتغير بعد أن أوضحت الأبحاث أن الأطفال الذين تتكرر لديهم الإصابة بالتهاب اللوزتين بشكل كبير –بحيث يكون معيار اتخاذ قرار الاستئصال الجراحي هو تكرار الإصابة سبع مرات أو أكثر في السنة السابقة للعملية– هم فقط من يستفيدون من إجراء العملية. وحتى في مثل هذه الحالات غير المعتادة، يجب أن تتم الموازنة بين الألم والمخاطر الناجمين عن إجراء العملية الجراحية وبين المنافع التي ستعود على الطفل من قلة مرات الإصابة والتي ستقل بمعدل مرتين أو ثلاث مرات. لقد أصبحت عملية استئصال اللوزتين أقل شيوعا عن ذي قبل، ولكنها لا تزال حلا، خاصة للأطفال الذين يعانون من انقطاع النفس أثناء النوم.
الأنواع الأخرى لالتهاب الحلق
توجد عدوى التهاب الحلق بمختلف الأنواع والدرجات بسبب الإصابة بعدد متنوع من الجراثيم، والإصابة بالفيروسات بشكل أساسي؛ فالكثير من الأفراد يشعرون بالتهاب خفيف في الحلق عند بداية الإصابة بنزلات البرد، وغالبا ما يجد الطبيب الذي يفحص الطفل المصاب بحمى أو ارتفاع في درجة الحرارة أن حلقه به بعض الاحمرار كعلامة وحيدة على المرض، وقد يلاحظ الطفل -أو لا يلاحظ- أي ألم بالحلق، كما يستيقظ بعض الأطفال كل صباح في الشتاء ولديهم احتقان بالحلق، ولكنهم سرعان ما يشعرون بتحسن ويذهب الاحتقان لديهم سريعا؛ يرجع السبب في هذه المشكلة إلى جفاف الهواء في الشتاء، وليس بسبب الإصابة بمرض. يمكن أيضا للطفل الذي يعاني من سيلان الأنف أو امتلائه بالمخاط أن يشعر باحتقان في الحلق، خاصة في الصباح الباكر؛ لأن المخاط ينزل خلف الحلق أثناء الليل مسببا تهيج الحلق.
داء الحمى الغدية
وهو عبارة عن التهاب شديد بالحلق مصحوب غالبا بحمى والشعور بالوهن والضعف وتورم الغدد، وعادة ما ينجم عن الإصابة بفيروس «أبشتاين بار». قد يكون هذا المرض عبارة عن عدوى طفيفة أو شديدة للغاية؛ حيث عادة ما تدوم الإصابة به لمدة أسبوع أو أسبوعين؛ بل ويمكن أن تدوم لأكثر من ذلك. تشيع الإصابة بهذا المرض بين المراهقين، وينتشر الفيروس عبر اللعاب؛ ولذا أطلق عليه أيضا اسم «داء التقبيل». الجدير بالذكر أن هذا المرض ليس له علاج محدد، إلا أنه يتعين على الطبيب فحص الحالة للتأكد من عدم تشخيص المرض على أنه التهاب باللوزتين، والاهتمام بالفحص الدقيق بالبحث عن تضخم بالكبد أو الطحال؛ وهو الأمر الذي يتطلب رعاية خاصة.
الدفتيريا
لقد تسببت العدوى بهذه البكتيريا – أثناء فترات ذروة الإصابة بها- في حصد أرواح آلاف الأشخاص سنويا، أما الآن، فقد أصبحت الإصابة بها نادرة جدا بفضل التحصين (التطعيم بلقاح الدفتيريا). وبالرغم من ذلك، لا تزال البكتيريا موجودة لتهدد بالعودة مرة أخرى إذا انخفضت مستويات التحصين. تتمثل السمة الأساسية للعدوى في وجود غشاء مائل إلى اللون الرمادي يغطي اللوزتين، مع الكثير من التورم بهما، ولكن مع عدم وجود حمى شديدة؛ لتحدث الوفاة نتيجة الاختناق.
تورم الغدد
يمكن أن تصبح العقد أو الغدد الليمفاوية المنتشرة أعلى وأسفل جانبي العنق متورمة ومؤلمة نتيجة أي عدوى في الحلق أو الفم أو الأذنين، ويعد التورم أمرا طبيعيا، وجزءا من الاستجابة المناعية الصحية للجسم. يمكن أن يظل حجم الغدد الليمفاوية كبيرا لأسابيع أو أشهر، وفي بعض الأحيان تصاب الغدد الليمفاوية نفسها بالعدوى، وفي هذه الحالات غالبا ما تتورم الغدد الليمفاوية جدا وتصبح دافئة أو باعثة على الشعور بالألم. يحتاج الطبيب عندئذ لتقييم كل هذه التورمات الكبيرة بالرقبة، ويكون علاجها بالمضادات الحيوية. من الطبيعي أن يقلق الوالدان بصدد أي تورم بالجسم ويظنا أنه سرطان، وبالرغم من ندرة إصابة الأطفال بأمراض السرطان المصحوبة بتورم الرقبة، يتعين عليك بالطبع التحدث مع الطبيب إذا ساورتك المخاوف تجاه الأمر