لماذا يتلعثم الطفل؟
فيما بين العامين الثاني والثالث يمر كل الأطفال تقريبا بفترة زمنية يشكل الكلام خلالها مجهودا عظيما، وأحيانا ما تخرج الكلمات منهم بصورة خاطئة، فربما يكرر الطفل الكلمات أو يتردد في الحديث ثم يتحدث بسرعة كبيرة جدا، وكل ذلك يعد جزءا طبيعيا من تطور مهارة الكلام لدى الأطفال، ولكن هناك طفلا من بين كل عشرين طفلا يواجه صعوبات أكثر في الكلام، فقد يكرر الكثير من الكلمات أو أجزاء منها، ويطيل في نطق بعض الكلمات، ويعجز تماما عن نطق البعض الآخر، وتظهر على وجوه بعض الأطفال أيضا علامات التوتر أثناء التحدث. ولحسن الحظ أن هذا النوع من التلعثم أو التأتأة stuttering الذي تتراوح شدته ما بين البسيطة والمتوسطة يختفي من تلقاء نفسه، ولكن ينتهي الحال بطفل واحد فقط من بين كل مئة طفل بتلعثم طويل الأجل.
نحن لا نعرف بالضبط ما الذي يتسبب في استمرار مشكلة التلعثم. تشيع هذه المشكلة بين الذكور أكثر من الإناث (مثلها مثل كثير من مشكلات الكلام واللغة الأخرى)، وغالبا ما تنتشر بين أفراد العائلات المختلفة؛ مما يوحي بوجود عامل وراثي وراء هذه المشكلة. وقد أظهرت بعض الدراسات التي اعتمدت على تصوير المخ وجود بعض الاختلافات في حجم مناطق معينة بالمخ لدى البالغين الذين يعانون من التلعثم. لقد اعتقد البعض فيما سبق أن التلعثم هو أحد المؤشرات التي تدل على التوتر، ويبدو ذلك منطقيا؛ لأن الأطفال الذين يعانون من التلعثم يتلعثمون أكثر عندما يتعرضون للتوتر، ولكن على الجانب الآخر هناك أطفال كثيرون يتعرضون لكم هائل من التوتر ولم يتلعثموا مطلقا، بالإضافة إلى أن الكثير من الأطفال الذين يعانون من التلعثم متكيفون بشكل جيد مع بيئتهم.
ملاحظة: التصاق اللسان (عندما يكون النسيج الجلدي الذي يربط بين أسفل الفم وبين منتصف أسفل اللسان قصيرا للغاية بما لا يسمح بحركة اللسان الحرة) ليس له أي علاقة بالتلعثم.
قصة مرضية:
بدأت مشكلة التلعثم (التأتأة) مع أحد الأطفال الصغار عندما عادت أمه بأخته الرضيعة الجديدة إلى المنزل، لم تظهر على هذا الولد أي مظاهر للغيرة، ولم يحاول مطلقا أن يضرب أخته أو يقرصها، ولكن كل ما فعله هو أنه بدأ يشعر بالانزعاج. وثمة طفلة تبلغ عامين ونصفا بدأت تتلعثم في الكلام عندما رحل أحد أقارب الأسرة بعد قضاء فترة طويلة معهم بالمنزل، وكانت الطفلة تحبه للغاية، وبعد أسبوعين توقفت مشكلة التلعثم لفترة، ثم ظهرت مرة أخرى لفترة عندما انتقلت أسرتها إلى منزل جديد وشعرت الطفلة بالحنين إلى المنزل القديم، وبعد شهرين استدعي والدها إلى الجيش وشعرت أسرتها بالانزعاج فبدأت الطفلة تتلعثم مرة أخرى.
التعامل مع مشكلة التلعثم
عندما يتحدث طفلك إليك فأعِره انتباهك التام حتى لا يشعر بالتوتر والانزعاج، ولا تطلب منه أن يتكلم بإيقاع أبطأ أو يعيد ما قاله؛ لأن ذلك يزيد من إدراكه للطريقة التي يتحدث بها؛ مما يجعل مشكلة التلعثم أكثر سوءا، ولكن حاول أن تتجاوب مع ما قاله الطفل وليس مع الطريقة التي تحدث بها. فلتمرن نفسك على أن تتكلم بأسلوب هادئ ولا يظهر به أي نوع من الضغوط، وساعد أفراد الأسرة الآخرين على ذلك (ولكن التحدث ببطء لن يجدي أيضا، فأفضل شيء أن تتحدث بطريقة طبيعية). تزداد مشكلة التلعثم عندما يشعر الأطفال أن عليهم أن يوصلوا ما لديهم للآخرين في لحظات قليلة، ويمكنك بدلا من هذا أن تضع قاعدة يتبعها كل أفراد الأسرة؛ وهي أن يأخذ كل فرد دوره في الحوار، ويعطي الآخرين وقتهم حتى يعبروا عن أنفسهم.
أي شيء بوسعك أن تقوم به من أجل أن تقلل من مستوى التوتر الذي يشعر به طفلك سيساعده على الأرجح، ينبغي أن تسأل نفسك: هل هو يحظى بفرص كثيرة للعب مع أطفال آخرين؟ وهل لديه ما يكفيه من ألعاب وأدوات بداخل المنزل وخارجه؟ عندما تلعب معه اجعله هو من يدير اللعبة، والعب معه أحيانا في صمت من خلال القيام ببعض الأنشطة من دون التحدث في نفس الوقت؛ فاتباع جدول يومي منتظم، والتقليل من الضغوط، والتقليل من التوتر، والإيقاع السريع بشكل عام؛ كل ذلك يساعد الطفل. إذا كان طفلك يشعر بالانزعاج لأنه ابتعد عنك لبعض الأيام فحاول أن تتجنب أن تنفصل عنه مجددا لشهرين أو ثلاثة، وإذا كنت تعتقد أنك تتحدث معه كثيرا أو تستحثه حتى يتكلم كثيرا فمرن نفسك على ألا تفعل.
متى تطلب المساعدة؟
بما أن معظم الأطفال الذين يعانون من التلعثم يتحسنون من تلقاء أنفسهم فقد يكون من الصعب أن تعرف متى يجب أن تعرض الطفل على أخصائي لطلب المساعدة. ولكن هناك قاعدة عامة يمكنك أن تتبعها وهي أن تطلب المساعدة فورا عند معاناة الطفل من التلعثم الشديد أو معاناته من أي شكل من أشكال التلعثم يظل دون تحسن لفترة تتراوح بين أربعة وستة أشهر.
متى يمكننا أن نقول عن التلعثم إنه حاد؟
في حالات التلعثم الحاد يكون الطفل قلقا للغاية، ومدركا بشكل كبير للمشكلة التي تواجهه، لدرجة قد تجعله يتفادى الكلام تماما، وغالبا ما تتوتر عضلات وجهه بصورة كبيرة، وربما تزداد حدة صوته (وهي علامة أخرى من علامات التوتر). ويتلعثم الطفل عند الكلام طوال الوقت تقريبا، حتى عندما يكون هادئا. وعندما تكون بصحبة طفل يعاني من التلعثم الشديد غالبا ما ستشعر أنت نفسك بالتوتر؛ وهنا -مثلما هو الحال مع الكثير من جوانب التربية- عليك أن تتبع إحساسك الداخلي، فإذا كانت الصعوبات التي يواجهها طفلك في الكلام تشعرك بعدم الارتياح فهذا مؤشر على أنك يجب أن تطلب المساعدة.
يمكن أن يستفيد الطفل في حالات التلعثم الشديد إذا عرض على أخصائي في علاج اضطرابات اللغة والكلام (أخصائي تخاطب) مدرب جيدا، وكلما أسرعت في اللجوء إلى أخصائي كانت النتيجة أفضل. فثمة تقنيات خاصة لتمرين الطفل على التحدث بصورة أكثر طلاقة، وحتى إن لم يفلح العلاج لدى أخصائي علاج اضطرابات اللغة والكلام في حل مشكلة التلعثم لدى الطفل فربما يساعد على منع تدهورها؛ فالمعالج الجيد بإمكانه أن يساعد الطفل وأسرته على فهم المشكلة والتكيف معها بطرق سليمة.