المصطلحات الواصمة
استخدم الناس على مدار سنوات مصطلحات عديدة لوصف الأطفال والكبار الذين تقل قدراتهم الذهنية عن المستوى المتوسط منها، مثلا وصف هذه القدرات بأنها «بطيئة» أو «متأخرة» أو وصف هؤلاء الأشخاص بأن لديهم «إعاقة معرفية» أو بأنهم «متخلفون عقليا». كل مصطلح من هذه المصطلحات أصبح على مدار العديد من السنوات مصطلحا مشينا للغاية لدرجة أننا نستخدمها في يومنا هذا لتوجيه الإهانة للآخرين. والمصطلح الجديد الذي يستخدم بغرض تقليص الشعور بالخزي لدى الآخرين هو مصطلح «الإعاقة الذهنية Intellectual disability». وكما غيرنا اللغة التي نتحدث بها عن هذه المشكلة يجب أن نغير طريقة تفكيرنا بها. فالإعاقة الذهنية هي حالة طبية، مثلها مثل فقدان السمع أو البصر، تجعل أداء الأشخاص في المدرسة أو المجتمع صعبا من دون تلقي مساعدة متخصصة، وعند تلقيهم لهذا النوع من المساعدة يتمكنون من العيش بصورة جيدة ومرضية ومثمرة، فهؤلاء الأشخاص بإمكانهم أن يحبوا ويجدوا من يحبهم ويسهموا في تقدم مجتمعاتهم.
التأخر في التطور وعلاقته بالإعاقة الذهنية
قد يتأخر العديد من الأطفال الذين تسير رحلة تطورهم بشكل تقليدي في الوصول إلى بعض القدرات الأساسية الدالة على النمو في تلك الرحلة مثل المشي من دون مساعدة أو استخدام جمل كاملة أثناء الحديث. ولكن الطفل الذي يتأخر كثيرا في الوصول إلى تلك القدرات ربما تعرف حالته بوصفه يعاني من «تأخر في التطور»، ولكن هذا الوصف لا يخبرنا الكثير عن سبب هذا التأخر وتأثيره على المستقبل. فغالبا لا يبدو تقدم الأطفال في رحلتهم منتظما والكثير من الأطفال الذين يعانون من تأخر في التطور يلحقون في النهاية بأقرانهم غالبا من دون الحاجة لمساعدة المعالجين أو الأخصائيين الآخرين.
بينما يظل الآخرون متأخرين ومع مرور الوقت يتضح أنهم يتعلمون العديد من المهارات ويطورونها بمعدل أبطأ بكثير من معظم الأطفال الآخرين، وفي النهاية غالبا ما تشخص حالة هؤلاء الأطفال على أنها إعاقة ذهنية. أما سائر الأطفال الذين يعانون من نسب تأخر أكثر حدة أو من حالات طبية من المعروف عنها أنها تؤثر على نمو المخ وتطوره ربما يشخص الأطباء إصابتهم بالإعاقة الذهنية منذ السنة الأولى أو الثانية من أعمارهم، ولكن قد لا يتمكن الأطباء من تشخيص الحالة عند بعض الأطفال الآخرين حتى يلتحقوا بالمدرسة.
كيفية تشخيص الإعاقة الذهنية
يسجل الطفل ذو الإعاقة الذهنية تقديرا منخفضا للغاية في اختبار قياس مستوى الذكاء الذي يجريه أخصائي مدرب بشكل خاص، بالإضافة إلى عامل آخر لا يقل أهمية هو أن الطفل لن يتمكن من القيام بالشكل المطلوب بالأنشطة اليومية مثل العناية الذاتية (تناول الطعام والهندام وارتداء الملابس)، وإيصال احتياجاته وأفكاره إلى الآخرين، والأعمال المدرسية والأنشطة العادية. في الماضي كانت درجة الإعاقة الذهنية تحدد من حيث كونها خفيفة أو متوسطة أو حادة بناء على التقدير الذي يحصل عليه الطفل في اختبار قياس مستوى الذكاء. ولكن الأخصائيين الآن يركزون أكثر على مقدار الدعم الذي يحتاجه الطفل حتى يستطيع أن يسير أمور حياته؛ هل يحتاج الطفل إلى دعم خاص لفترة معينة من الوقت فقط وفي مواقف معينة (على سبيل المثال أثناء تواجده في المدرسة)؟ أم يحتاج لذلك الدعم لمعظم الوقت وفي معظم الأماكن؟ فبعد أن كان مصطلح الإعاقة الذهنية مجرد مسمى يطلق على الطفل أصبح وصفا لنوع ودرجة المساعدة التي يحتاجها الطفل لكي يتقدم في حياته بشكل عملي.
أسباب الإعاقة الذهنية
عندما تكون الإعاقة الذهنية حادة يكون من الممكن في الغالب التوصل إلى سبب هذه الإعاقة. ومن بين هذه الأسباب حالة تعرف بحالة انعدام التلافيف وهي حالة يفشل المخ فيها من أن يتكون بشكل طبيعي أو مرض الحصبة الألمانية، وهو عبارة عن عدوى فيروسية لا تكون خطيرة في مرحلة الطفولة، ولكنها قد تتسبب في تلف المخ لدى الأجنة التي لا تزال في طور التكوين. كما تتسبب العديد من الحالات الوراثية مثل متلازمة داون في الإعاقة الذهنية.
ولكن عندما تكون الإعاقة الذهنية خفيفة يستحيل في الأغلب تحديد الأسباب التي أدت إليها. فنحن نعرف أن هناك العديد من الأسباب يمكن أن تؤثر على المخ في طور النمو مثل التعرض للرصاص أو الزئبق، أو سوء التغذية خلال الفترات الأولى من العمر. ويعد التعرض للمواد الكحولية أثناء فترة الحمل أحد أسباب الإعاقة الذهنية المشهورة، ومن الممكن أن يؤدي التدخين أثناء الحمل إلى نتائج مماثلة وإن كانت أقل حدة. ومن المعروف أن التعرض لهذه المؤثرات من قبل مجموعة كبيرة من الأطفال يمكن أن يؤثر سلبا على حصولهم على مقياس متوسط في اختبار قياس مستوى الذكاء. ولكن بالنسبة لطفل بعينه لا يمكننا غالبا أن نحدد ما إذا كان تعرضه إلى هذا المؤثر أو ذاك هو الذي تسبب في إصابته بالإعاقة الذهنية، فالعديد من حالات الإعاقة الذهنية لا تزال أسبابها مجهولة.
غالبا ما يكون التحفيز الذهني المستخدم من قبل أسر الأطفال الذين يعانون من درجات بسيطة من الإعاقة الذهنية منخفضا نسبيا. ولكن لم يتضح أن نقص التحفيز الذهني هو الذي يسبب الإعاقة، ولكن في الأغلب هناك العديد من العوامل تسبب ذلك.
وعلى الجانب الآخر فقد اتضح أن برامج الرعاية ما قبل المدرسية الجيدة تعزز النمو الذهني لدى الأطفال الذين لا تستخدم أسرهم تحفيزا ذهنيا كافيا. وتشجيع الآباء والأمهات على أن يقرءوا بصوت عال لأطفالهم الرضع ويعطوهم كتبا مصورة في البداية يحفز أيضا التطور اللغوي لدى الأطفال وهو جزء مهم للغاية من اختبار مستوى الذكاء. فالمخ هو عضو قابل للتكيف بصورة كبيرة وعندما يتلقى التحفيز المناسب بإمكانه أن ينمو بشكل مذهل.
ماذا يحتاج الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية؟
الشعور بالحب والتقبل من الآخرين يمكن «كل» الأطفال من تطوير معظم قدراتهم إلى حد كبير. ومثلهم مثل كل الأطفال الآخرين يحتاج الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية إلى التحفيز ومواجهة التحديات التي تتلاءم مع مستوى قدراتهم حتى وإن كانت تلك التحديات أقل من التحديات التي يستطيع أطفال آخرون في مثل عمره الزمني أن يواجهوها. فعلى سبيل المثال ربما يحتاج طفل في السابعة أو الثامنة لفرص حتى يلعب لعبة تخيل الأدوار بينما يكون أقرانه الذين يتطورون بصورة طبيعية قد انتقلوا إلى الألعاب اللوحية. ويحتاج الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية أيضا إلى اللعب مع أقران يشعرون معهم بالمتعة، ويتمكنون من التواصل معهم حتى وإن كانوا أصغر منهم بكثير، وفي المدرسة يحتاجون للالتحاق بالفصول التي يشعرون بالانتماء إليها وبأنهم يستطيعون أن ينجزوا شيئا أثناء وجودهم فيها. ومثلهم مثل كل الأطفال عندما يعطى الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية تحديات تتوافق مع قدراتهم يشعرون بسعادة وهم يتعلمون، فالطفل ذو الإعاقة الذهنية الذي يتعلم يشعر بالسعادة مثله مثل أي طفل آخر.
رأي طبيب
لا يحتاج والدا طفل متوسط الذكاء إلى استشارة طبيب أو قراءة كتاب حتى يتعرفا على اهتماماته، يمكنهما ببساطة أن يشاهداه وهو يلعب بالأشياء الخاصة به وبتلك الأشياء التي تخص الجيران ويستشعرا الأشياء الأخرى التي يمكن أن تجذب انتباهه، ويمكن أن يلاحظ كل منهما الأشياء التي يحاول أن يتعلمها ثم يساعداه بلباقة، وتنطبق تلك الطريقة نفسها على الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية، فعلى الأبوين أن يشاهدا طفلهما حتى يتعرفا على الأشياء التي تسعده. يجب أن يحضرا له الألعاب التي يريان أنها معقولة بالنسبة له ويساعداه على أن يتعرف على الأطفال الذين سيستمتع بوقته معهم، يجب أن يفعلا ذلك كل يوم إن أمكن، وبإمكانهما أيضا أن يعلماه المهارات التي يحتاج إلى مساعدة لكى يتعلمها.
الالتحاق بالمدرسة
من المهم جدا أن يلتحق الطفل بالمدرسة المناسبة، ومن الحكمة أن يستشير الأبوان أخصائيا نفسيا أو طبيب أطفال نفسيا، سواء كان ذلك بشكل خاص أو من خلال عيادة متخصصة في تقديم الاستشارات في مجال الطفولة أو من خلال النظام المدرسي. فلا يجوز أن يلحق الطفل بفصل تفوق قدرات الطلاب فيه قدراته بكثير، ففي كل يوم يفشل الطفل عن اللحاق بهم سوف تضعف ثقته بنفسه قليلا. وليس من المفيد أيضا أن نؤخر التحاق الطفل بالمدرسة بسبب الإعاقة الذهنية، فقد يستفيد بشكل كبير إذا التحق ببرنامج مناسب للرعاية قبل المدرسية.
الأطفال الذين يعانون من أشكال أكثر حدة من الإعاقة الذهنية: الطفل الذي لايزال غير قادر على الجلوس باعتدال عند الشهر الثامن عشر أو العام الثاني أو الذي لا يظهر الكثير من الاهتمام بالأشخاص أو الأشياء من حوله تدور حوله مشكلات أكثر تعقيدا. فهذا الطفل يحتاج لمن يعتني به كطفل رضيع لفترة طويلة. وسواء كان ذلك سيتم في المنزل أو في إحدى دور الرعاية المخصصة لهذه الحالات فذلك يكون على حسب درجة الإعاقة التي يعاني منها الطفل وحالته المزاجية وقدرة الأسرة على تلبية احتياجاته والتعامل مع الضغوط المرتبطة بعملية رعايته. ففي الماضي كان الافتراض السائد هو أن الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية يجب أن يلحقوا كلهم بمدارس خاصة، ولكن الاعتقاد السائد الآن هو أن يعيش هؤلاء الأطفال في منازلهم ويحضروا مدارس عادية تزودهم بالدعم الذي يحتاجون إليه.
المراهقة والانتقال إلى فترة البلوغ
يكبر الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية، وخلال فترة المراهقة تواجههم نفس الرغبات والمخاوف التي تؤرق المراهقين الآخرين وتسيطر عليهم، ولكن التحديات التي تواجههم تكون أكبر. فقدرتهم على الاستقلال عن الآخرين تكون محدودة كما يواجهون صعوبات في اندماجهم اجتماعيا مع الآخرين، فليس من السهل بالنسبة لهم أن يذهبوا لمشاهدة أحد الأفلام السينمائية أو يخرجوا مع الأصدقاء. وربما يصعب عليهم أيضا استيعاب القواعد التي تنظم العلاقات بين الجنسين. وما يزيد الأمر صعوبة هو أن معظم الأشخاص يعتقدون أن أصحاب الإعاقة الذهنية لا يمكن، أو يجب ألا يكون لديهم مشاعر. وإذا كان التعليم المبكر والمستمر عن العلاقات الإنسانية مهما للأطفال الذين ينمون بشكل طبيعي، فهو أكثر أهمية بكثير بالنسبة للأطفال ذوي الإعاقات الإدراكية.
وتسيطر على الكثير من الآباء المخاوف بشأن كيفية حصول طفلهم ذي الإعاقة الذهنية على مكان لنفسه وسط العالم الخارجي عندما يصبح شخصا بالغا. يفرض القانون على المدارس أن تقدم تعليما خاصا للأطفال حتى سن الحادية والعشرين أو بعدها يكون مزودا ببرامج خاصة لمساعدة الشباب الصغار على أن ينتقلوا إلى المرحلة التي يمكنهم فيها تلقي المزيد من التدريب والحصول على فرص عمل مناسبة وظروف معيشة ملائمة. وخلال سنوات المراهقة يستفيد الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية من عملية تحديد الأهداف التعليمية والحياتية وتقييمها مرتين مرة، لأنها تضمن لهم الحصول على المساعدة التي يحتاجونها ومرة لأنها تشجعهم على التحكم في مصائرهم بقدر ما يستطيعون.
رأي طبيب
إن العديد من الوظائف المفيدة والمرموقة يمكن أن يقوم بها أشخاص يقل مستوى ذكائهم عن المستوى المتوسط. ومن حق كل فرد أن يكبر وهو قادر على التكيف وبحوزته التدريب الكافي ليستطيع أن يقوم بأفضل وظيفة يتناسب مستوى ذكائه معها.