التعامل بألفة مع الطفل دون تدليل: من المجدي أن يكون الطفل في خلال أوقات اللعب في مكان قريب من والديه (وإخوته وأخواته، إن وجدوا)، حتى يمكنه رؤيتهم، وإصدار أصوات وتوجيهها إليهم، وسماعهم يتحدثون إليه، ومن الوقت للآخر يجب أن يقدموا له شيئا يراه. ولكن ليس من الضروري أو المعقول أن يكون على رجلي والديه أو على ذراعيهما معظم الوقت، أو يخصص أحدهما وقته لتسليته. فيمكن للوليد الاستمتاع بصحبة الآخرين من حوله، وفي الوقت نفسه تعلم شغل نفسه بنفسه. بيد أنه عندما يكون الوالدان الجدد في غاية السعادة بوليدهما لدرجة أنهما يحملانه كثيرا ويلعبان معه طوال اليوم، فإنه يصبح شديد الاعتماد على هذه المنبهات بل ويطلب دوما المزيد.
أشياء للمشاهدة وأشياء للعب
بدءا من الشهر الثالث أو الرابع، يستمتع الأطفال بالنظر إلى الأشياء ذات الألوان البراقة، والأشياء المتحركة، إلا أنهم يستمتعون أكثر بالنظر نحو الأشخاص وفي وجوههم. وفي خارج المنزل، يستمتعون أيضا بمشاهدة أوراق الشجر والظلال. أما في الداخل، فيتفحصون أيديهم وظلالهم والصور المعلقة على الحائط. وهناك ألعاب براقة اللون مناسبة للتعليق على أسرة الأطفال، حيث يمكنك تعليقها بين السور العلوي للسرير والسرير نفسه. وحاولي وضعها في متناول يد وليدك -وليس أعلى أنفه مباشرة- حتى تكون جاهزة عندما يستطيع الوصول إليها. كما يمكنك صنع ألعاب تتحرك بالهواء بنفسك، عن طريق أشكال من الورق المقوى، مع تغطيتها بأوراق ملونة، ثم تعليقها من السقف أو من وحدة الإضاءة، بحيث تدور قليلا بفعل تيارات الهواء الهادئة، أو يمكنك تعليق مستلزمات منزلية مناسبة للعب في متناول يديه، مثل الملاعق أو الأكواب البلاستيكية. (ولكن خذي حذرك من خيوط التعليق، فاجعليها قصيرة؛ حتى تتجنبي مخاطر تعرض طفلك للخنق إن جذبها لأسفل) كل هذه الألعاب لطيفة، ولكن لا تنسي أبدا أن التعامل بلطف مع وليدك هو الشيء المفضل لديه، أكثر من أي شيء آخر، وهو الذي يعزز نموه بصفة خاصة.
كلمة عن التليفزيون
إذا كان التليفزيون مشغلا، فلسوف يحدق فيه الطفل، وهذه ليست علامة على التنمية المتقدمة. فتشغيل هذا الجهاز والاستمتاع به له أضراره؛ إذ يعتمد عليه صغار الأطفال بسهولة للتنبيه، ومن ثم يفقدون بعضا من دافعهم الطبيعي نحو الاستكشاف. ويكفي قول: إن الطفل الذي يتاح له اللعب بكوب بلاستيكي وملعقة وبعض المكعبات الخشبية، بالإضافة إلى كتاب مصور من الورق المقوى، يستطيع التفكير في خمسين طريقة إبداعية لاستخدام هذه الأشياء؛ بيد أن الطفل الجالس أمام التليفزيون لا يسعه سوى فعل شيء واحد فحسب؛ المشاهدة.
تذكري أيضا أن كل شيء في متناول يدي طفلك سوف يؤول في النهاية إلى فمه. فبقرابة نصف عامه الأول، تكمن سعادة طفلك البالغة في الإمساك بالأشياء ووضعها في فمه: ولذا وفري له مجموعة من الأدوات البلاستيكية (المخصصة لعمره)، وشخليلة، وحلقات التسنين (عضاضات)، وحيوانات ودمى من القماش، وأدوات منزلية آمنة عند وضعها في الفم. ولا تسمحي لطفلك بأدوات أو أي قطع أثاث مدهونة بطلاءات محتوية على الرصاص، وكذلك حبات الخرز الصغيرة وغيرها من الأشياء التي يمكن أن تسبب له اختناقا، أو أية ألعاب بلاستيكية رفيعة يمكن مضغها وتفتيتها إلى أجزاء صغيرة حادة.
اكتشافات العام الأول
تتعلق الأشهر الثلاثة الأولى في حياة الطفل بسلاسة عمل الأنظمة الأساسية داخل جسمه. أما بداية من الشهر الرابع وحتى الشهر الثاني عشر، فتتعلق جميعها بالاكتشاف. فيكتشف الأطفال أجسامهم، ويكتسبون القدرة على التحكم في عضلاتهم الكبيرة والصغيرة، كما يكتشفون عالم الأشياء من حولهم، ويبدءون في فهم أساسيات السبب والتأثير، كما أنهم يتعلمون فهم مشاعر الآخرين. ومن هذه الاكتشافات العظيمة، ينتقل الأطفال إلى الدرجة الأولى في سلم تعلمهم للغة. وهناك من الأطفال من يتخطون هذه الدرجة الأولى قبل الاحتفال بعيد ميلادهم الأول؛ بينما يتخطاها آخرون في وقت لاحق.
معنى القدرات الأساسية
يفضل الأطباء التركيز على الأساسيات التي يسهل ملاحظتها، وهي: القدرة على التدحرج وانتصاب القامة والوقوف والمشي. وبالفعل، إن الطفل الذي يتأخر كثيرا في امتلاك هذه القدرات ربما يعاني من مشكلات في النمو، ولكن الكثير من الأطفال الأصحاء يتقنونها في مرحلة مبكرة، وكثير منهم أيضا يتقنونها في مرحلة متأخرة؛ فتوقيت إتقانها ليس بالشيء المهم. والأهم منها هي القدرات التي تشير إلى تواصل الطفل مع الآخرين، مثل الابتسام ردا على الابتسام إليه، والاستماع عند التحدث إليه، والانتباه إلى وجه الوالدين لتحديد مدى الأمان في فعل جديد، وملاحظة ما إذا كانا راضيين أم لا. فعادة ما يلاحظ الآباء هذه القدرات الاجتماعية، حتى وإن كانوا لا يتابعونها بالطريقة التي يتابعون بها قدرات الجلوس والوقوف والمشي.
وإلى جانب التوقيت، ينبغي الانتباه أيضا إلى نوعية سلوكيات الطفل، فبعض الأطفال يفضلون الجلوس والمشاهدة واستيعاب كل شيء، ولا يكادون يفعلون شيئا، والبعض الآخر ينشط باستمرار، ولا يكف عن الحركة، وسرعان ما يفقد الانتباه. ومن الأطفال من ينتبه لأي تغير طفيف يطرأ، ومنهم من يجلس سعيدا غير ملم بما يجري. ومنهم من يكون جادا، وغيره يحب المرح والثرثرة. وكل هذه الصفات رائعة جدا في أي طفل، إلا أنها تتطلب طريقة تعامل مختلفة من الآباء.
وهناك جداول زمنية متعلقة بتنمية الطفل يمكنك الرجوع إليها لمعرفة إن كانت تصرفات وليدك متوافقة تماما مع «المفترض» صدوره عنه في كل مرحلة عمرية. ففي المقام الأول، يتفرد كل طفل بأنماط التنمية الخاصة به. فربما يحرز أحدهم تقدما كبيرا في القوة والتناسق -فيضحى أشبه برياضي صغير- إلا أنه يكون بطيئا في إنجاز الأشياء التي تتطلب مهارة بأصابعه أو في الحديث. وربما يكون الأطفال، الذين يتبين لاحقا أنهم أذكياء في المدرسة، شديدو البطء في التحدث منذ نعومة أظافرهم. وبالمثل، فإن الأطفال ذوي المواهب المتوسطة ربما كانوا سريعي التقدم مبكرا من الناحية التنموية.
إنه لمن الخطأ أن تقومي بمقارنة سلوكيات وليدك بمتوسط قيم وردت في الجداول الزمنية. فالتنمية أشبه بالطريق الواعر المليئ بالمنحدرات الصغيرة عكسية الاتجاه التي تظهر قبل المضي قدما إلى الأمام. وفي الواقع، ليست هناك حاجة إلى دفع الطفل نحو التقدم إلى الأمام، أو حتى القلق والانشغال كثيرا بالانتكاسات الطفيفة التي يشهدها. ولا يوجد دليل على أن بذل المجهود الشديد مع الطفل لتعليمه المشي أو الحديث أو القراءة مبكرا له أية منافع حقيقية طويلة المدى. فما يحتاج الأطفال شيئا سوى توافر بيئة تسمح لهم بالإنجاز التنموي التالي وفقا للمرحلة التي اجتازوها، دون دفعهم إليه.