مرض كرون Crohn’s disease والتهاب القولون التقرحي Ulcerative colitis هما مرضان غامضان من شأنهما أن يسببا الألم والوهن، وينشآن عن الإسهال المزمن. ويتراوح عدد حالات الإسهال بين مرتين في اليوم لدى البعض وست مرات لدى البعض الآخر. أما في الحالات الحادة، فتصبح الحياة اليومية عبارة عن حاجة دائمة للإسراع إلى الحمام مع خوف متواصل من وقوع حادث محرج.
ويعتبر مرضا كرون والتهاب القولون التقرحي أبرز أشكال مرض الأمعاء الالتهابية، وهو تعبير يشمل جميع الحالات الالتهابية التي تتلف القناة الهضمية. وما من علاج ناجع لمرض كرون الذي أخذ اسمه عن بيريل كرون، وهو طبيب اكتشف المرض مع زملائه عام 1932. أما العلاج الوحيد لالتهاب القولون التقرحي فيقوم على إزالة القولون والمستقيم جراحياً.
ولكن، بالرغم من عدم إمكانية شفاء هذين المرضين في أغلب الحالات، إلا أنه من الممكن تخفيف العوارض جذرياً، حتى أنها قد تنجح بتوفير تحسّن طويل الأمد.
مرضان متشابهان ولكنهما مختلفان
قد تتشابه آثار مرض كرون والتهاب القولون التقرحي بحيث يخطئ المرء بينهما أحياناً. فللحالتين كثير من العوارض المشتركة. والحقيقة أنّ كليهما يؤديان إلى التهاب البطانة الداخلية للقناة الهضمية. وقد تستغرق الحالتان في عوارضهما مدة غير محددة، كفترات التهيج الطويلة تتبعها فترات من التحسن. أضف إلى أنّ كلا المرضين قد يستلزم برنامجاً معقداً من العلاج بالعقاقير. والواقع أنّ العقاقير المستعملة في علاجهما غالباً ما تكون متشابهة تقريباً.
ولكن، بالرغم من هذا التشابه، ثمة اختلافات أساسية بين الحالتين. فمرض كرون قد يصيب أي موضع من الجهاز الهضمي، بدءاً من الفم وحتى الشرج. ويمكن للالتهاب أن يطرأ في الوقت نفسه في أماكن مختلفة، وهو يمتد عموماً إلى جميع الطبقات النسيجية في المنطقة المصابة.
أما التهاب القولون التقرحي فينحصر عادةً في القولون والمستقيم. وغالباً ما يبدأ الالتهاب في المستقيم ويمتد ليشمل القولون. كما تختلف هذه الحالة عن مرض كرون بكون الالتهاب يتوقف على البطانة المخاطية الداخلية ولا يشمل عموماً الأنسجة العميقة.
ومع أنّ مرض كرون والتهاب القولون التقرحي قد يطرآن في أي سن، إلا أنّ ظهورهما يغلب بين سن الخامسة عشرة والخامسة والثلاثين. ويتساوى احتمال إصابة الجنسين بهما، بينما يعتبر البِيض أكثر عرضة لمرض الأمعاء الالتهابية، بالرغم من كون المرض يصيب كثيراً من المجموعات العرقية. وتجدر الإشارة إلى أنّ المتحدّرين من أصل أوروبي معرضون خمس مرات أكثر من غيرهم من البِيض لمرض الأمعاء الالتهابية.
البحث عن الأسباب
بالرغم من عدم توصل الباحثين إلى الكشف عن الغموض المحيط بأسباب هاتين الحالتين، ثمة اجماع في الرأي على الأمور غير المسببة لهما. فخلافاً للاعتقاد الذي كان سائداً، لم يعد الباحثون يظنون بأنّ التوتر هو المسؤول الأول، علماً أنّه قد يسبب تفاقم العوارض. وما عادوا يعتقدون أيضاً بأن المرضين ينتقلان من شخص إلى آخر بالعدوى. أما فيما يختص بالأسباب، فلم يتوصلوا سوى إلى نظريات:
الجهاز المناعي
ثمة نظرية تقول بأن المرضين ينجمان عن فيروس أو بكتيريا غير معروفين. وينتج الالتهاب عن الجهاز المناعي في محاولته للتصدي للجسم الدخيل. وفي الواقع برهنت العقاقير التي تثبط الجهاز المناعي عن فاعليتها في السيطرة على العوارض لدى كثير من المصابين. ويحتمل أيضاً أن يكون الالتهاب ناشئاً عن الفيروس أو البكتيريا نفسها.
الوراثة
تفيد الإحصاءات بأن 15 إلى 20 بالمئة من المصابين بمرض كرون أو بالتهاب القولون التقرحي لديهم قريب مباشر يعاني من مرض الأمعاء الالتهابية، أي أحد الوالدين أو شقيق أو شقيقة أو طفل. فكثيرة هي العوامل الجينية التي تجعل المرء عرضة لمرض الأمعاء الالتهابية. أما تفاصيل هذه العوامل فلا تزال موضوع بحث دقيق.
البيئة
تغلب الإصابة بالمرضين في البلدان والمدن المتطورة. وهذا ما قاد بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن العوامل البيئية، كالغذاء، قد يكون لها دور في ذلك. فالأشخاص الذين يقطنون المدن، يميلون إلى تناول كمية من الأطعمة الدهنية تفوق ما يحصل عليه سكان المناطق الريفية. وثمة نظرية أخرى تقول بأنّ سكان البلدان التي تتمتع ببيئة أنظف، قد يقعون “ضحية” النظافة وتدبير الوقاية الصحية. وبالنتيجة، يصبحون أكثر عرضة للإصابات لاحقاً في حياتهم، وهذا ما يدفع أجهزتهم المناعية إلى الاستجابة بشكل مفرط.
عوارض مزعجة
لكلٍّ من المرضين عوارضه المتعددة، التي قد تتطور تدريجياً أو تظهر بصورة مفاجئة.
أعراض مرض كرون
يظهر واحد أو أكثر من العلامات والعوارض التالية ويكون خفيف إلى حادّ:
إسهال
تستجيب الأمعاء الدقيقة والغليظة للالتهاب كما تفعل مع الإنتان. إذ تفرز الخلايا المعوية كمية إضافية من الملح والماء. وتغلب هذه العملية على ضعف قدرة الأمعاء الدقيقة والقولون على امتصاص السائل. وقد تتقلص الأمعاء أكثر من العادة مما يؤدي بالنتيجة إلى الإسهال.
تشنج وتقيؤ
من شأن الالتهاب المتواصل أن يؤدي إلى تورّم الجدران المعوية وازدياد سماكتها نتيجة لتكون نسيج ندبي. وقد تضيق الأقنية المعوية وتمنع مرور الطعام. فينتج عن ذلك تشنج وتقيؤ.
نزف
مع مرور بقية الطعام في الجهاز الهضمي، يحتكّ بالنسيج الملتهب ويؤدي به إلى النزف. وفي بعض الأحيان ينزف النسيج من تلقاء نفسه من دون أن يحتك بالطعام. أما الدم، فيطرد مع البراز، ويكون أحمر فاتحاً ويظهر على فوط الحمام، أو يكون داكن اللون وممزوجاً بالبراز.
نقصان الوزن والتعب
إن أصاب الالتهاب الأمعاء الدقيقة الذي يتم فيه امتصاص المغذيات، قد يعجز الجسم عن امتصاص ما يكفي من العناصر الغذائية للحفاظ على الوزن ومستوى الطاقة. فيبدأ الوزن بالنقصان ويشعر المصاب بالتعب بسهولة. ومن شأن فرط فقدان الدم أيضاً أن يسبب التعب.
وقد يكون سوء امتصاص المغذيات هو الذي يعيق نمو الأطفال المصابين بمرض كرون. فاستناداً إلى الإحصاءات، فإن 30 بالمئة من المصابين بمرض الأمعاء الالتهابية هم بين العاشرة والتاسعة عشرة من العمر. واثنان بالمئة من الحالات تشمل أطفالاً دون العاشرة.
قروح
قد تنشأ القروح نتيجة للالتهاب المزمن في أي موضع من الجهاز الهضمي، وحتى في الفم أو المريء أو الشرج. وتظهر لدى البعض سلسلة غير مترابطة من القروح المبعثرة في الجهاز الهضمي بأكمله. وعادةً تتكون القروح الناجمة عن مرض كرون في أسفل الأمعاء الدقيقة (المعى اللفيفي النهائي) أو القولون أو المستقيم أو في جميعها معاً.
نواسير
قد تتوغل القروح العميقة تماماً في الجدار المعوي لتكون ناسوراً. والناسور هو عبارة عن رباط أنبوبي غير طبيعي يصل بين الأعضاء الداخلية أو بين أحد الأعضاء وسطح البشرة. وفي أغلب الحالات تربط النواسير حلقات الأمعاء الدقيقة ببعضها. والملاحظ أنه حين تتكون النواسير بين الأمعاء الدقيقة والقولون، تختصر جزيئات الطعام الطريق وتتجه إلى الفتحة لتدخل القولون قبل أن يتم امتصاص المغذيات في الأمعاء الدقيقة.
وتتكون النواسير أحياناً في جيوب من الإنتانات (خُراجات) مما قد يهدد حياة المريض إن أهمل علاجها. ويتم العلاج بالأدوية أو الجراحة، وفقاً لخطورة الناسور وموضعه.
مضاعفات أخرى
قد يسبب مرض كرون العوارض أو الأمراض التالية:
● التهاب، تورم، تصلب وألم في المفاصل.
● طفح أو قروح جلدية.
● زيادات جلدية شرجية تشبه البواسير.
● التهاب العينين.
● حصى في الكلى.
● حصى في المرارة.
ومن غير الواضح ما الذي يسبب هذه المشاكل. ولكن بعض الباحثين يعتقدون بأنها مرتبطة باستجابة الجهاز المناعي الذي يحدث التهاباً في أجزاء من الجسم تتخطى القناة الهضمية. وعند علاج المرض، يختفي بعض من هذه العوارض.
درجات مرض كرون
حالة طفيفة:
● إسهال يسبب التبرز لأربع مرات أو أقل يومياً.
● ألم بطن طفيف إن وُجد.
● وزن صحي.
● مضاعفات قليلة، إن وجدت.
● نتائج طبيعية في فحص الحرارة والنبض وعدد الكريات الحمراء.
حالة معتدلة:
● إسهال يسبب التبرز من أربع إلى ست مرات يومياً.
● ألم بطن معتدل.
● مضاعفات أخرى.
حالة حادة:
● إسهال أكثر من ست مرات في اليوم.
● ألم بطن حاد.
● نقصان في الوزن.
● مضاعفات إضافية.
● حرارة مرتفعة، نبض سريع، أو انخفاض في عدد الكريات الحمراء.
أعراض التهاب القولون التقرحي
على غرار مرض كرون، يسبب التهاب القولون التقرحي إسهالاً ونزفاً هذا بالإضافة إلى التشنج وألم البطن ومضاعفات أخرى مشابهة. ولكن غالباً ما يقترن التهاب القولون التقرحي باعتلال الكبد عوضاً عن حصى الكلى أو المرارة أو الزوائد الجلدية. وفي أكثر الأحيان، يكون البراز ممزوجاً بالدم إضافةً إلى المادة المخاطية الآتية من بطانة القولون أو القيح الناجم عن القروح.
وتضخم القولون السام هو من المضاعفات الخطيرة لالتهاب القولون التقرحي، ويطرأ لدى 2 إلى 6 بالمئة من الحالات. فتنشلّ حركة القولون الملتهب الذي يعجز عن طرد البراز والغازات، فينتفخ ويتضخّم. ومن عوارض هذه الحالة ألم بطن وتورم مصحوبين بارتفاع في الحرارة وضعف عام. وقد يشعر المصاب أيضاً بالارتباك أو عدم القدرة على التركيز. وفي حال تأخر العلاج، من شأن، القولون أن ينفجر مؤدياً إلى انتقال البكتيريا من القولون إلى التجويف البطني. وتستلزم هذه الحالة جراحة طارئة.
درجات مرض التهاب القولون التقرحي
التهاب تقرحي طفيف:
● إسهال يسبب التبرز لأربع مرات أو أقل يومياً.
● ظهور عرضي للدم في البراز.
● نتائج طبيعية لفحوص الحرارة والنبض وعدد الكريات الحمراء.
● مضاعفات أخرى قليلة، إن وجدت.
التهاب تقرحي معتدل:
● إسهال يسبب التبرز من أربع إلى ست مرات يومياً.
● ظهور دم في البراز بانتظام.
● مضاعفات أخرى.
التهاب تقرحي حاد:
● حالات إسهال لست مرات وما فوق في اليوم.
● تكرر ظهور الدم في البراز.
● ألم في البطن.
● مضاعفات أخرى.
● حرارة مرتفعة، نبض سريع أو بطيء.
تشخيص مرض الأمعاء الالتهابية (مرض كرون والتهاب القولون التقرحي)
ما من اختبار بسيط لتشخيص مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي. بل غالباً ما يتم تشخيص المرضين بعد استبعاد جميع الأسباب الأخرى المحتملة، شأنهما في ذلك شأن كثير من الحالات الهضمية.
ومن الاختبارات التي تساعد على تأكيد الإصابة بمرض كرون أو بالتهاب القولون التقرحي:
اختبارات الدم
قد يشير الخلل في سرعة الترسب أو في مستوى البروتين التفاعلي C-reactive protein إلى وجود التهاب. وثمة اختبارين حديثين هما الجسم الهيولي المضاد لكثرة الكريات أليفة الأصباغ المتعددة لما حول النواة (pANCA)، والجسم المضاد للفطريات السكرية (ASCA) يمكنهما تشخيص مرض الأمعاء الالتهابية. إلا أنّ نسبة دقتهما تتراوح بين 80 و 90 بالمئة.
صور أشعة إكس
قد تكشف صور الأمعاء الدقيقة والغليظ وجود تقرح أو تورم أو مضاعفات أخرى كتضيّق أو ناسور.
تنظير القولون
هو الاختبار الحاسم لتشخيص مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي. إذ يدخل الطبيب أنبوباً دقيقاً مرناً مجهزاً بكاميرا في القولون. وفي حال وجود التهاب، تنزف الجدران المعوية بسهولة بمجرد احتكاكها بالجهاز. ويشير وجود التهاب واحد متواصل إلى احتمال الإصابة بالتهاب القولون التقرحي. أما الأنسجة التي تشتمل على أقسام طبيعية بين مناطق الالتهاب فتشير إلى مرض كرون.
وقد يعمد الطبيب أثناء الاختبار إلى اختزاع عينات نسيجية يتم فحصها لاحقاً تحت المجهر. وقد يؤكد وجود ورم حُبيبي في العينات الإصابة بمرض كرون، غير أنّ هذه الأورام نادراً ما تتواجد. والأورام الحبيبية هي عبارة عن مجموعات صغيرة من الخلايا الالتهابية التي تحيط عادة بالبكتيريا وغيرها من الأجسام الغريبة وتحاول تدميرها. ولا تصاحب هذه الأورام التهاب القولون التقرحي.
العلاج الطبي
العقاقير، تساعد ولكنها لا تشفي
من غير الممكن شفاء مرض الأمعاء الالتهابية بالعقاقير، غير أنها تنجح في تخفيف العوارض لدى معظم المصابين. ويتمثل الهدف الأول للعلاج في تخفيف التهاب الأمعاء بطرق مختلفة. فبعض العقاقير تعمل بصورة فعالة لدى البعض بينما تخفق لدى آخرين. لذا، فإن اكتشاف الدواء أو مجموعة الأدوية الأنسب للحالة قد يستغرق وقتاً.
أولاً: العقاقير المضادة للالتهاب
غالباً ما تشكل هذه العقاقير خطوة أولى في العلاج الطبي لمرض الأمعاء الالتهابية:
سُلفاسالازين Sulfasalazine
شاع وصف هذا العقار للحالات الخفيفة إلى المعتدلة من مرض كرون والتهاب القولون التقرحي منذ الأربعينيات. وغالباً ما يكون السلفاسالازين (Azulfidine) فعالاً في تخفيف عوارض كلا المرضين، كما أنه يساعد في منع عودة التهاب القولون التقرحي. غير أنّ للدواء آثاراً جانبية منها فقدان للشهية وغثيان وتقيؤ إضافة إلى الطفح الجلدي والصداع.
ميسالامين Mesalamine وأولسالازين
يتحوّل الأطباء مؤخراً إلى وصف هذه الأدوية. فالميسالامين (Asacol، Pentasa، Rowasa) والأولسالازين (Dipentum) يعملان بشكل مشابه للسلفاسالازين، ولكن مع آثار جانبية أقل. وعلى غرار السلفاسالازين، يمكن أخذ الدواءين عبر الفم على شكل أقراص، أو عبر الشرج على شكل حقن طبية أو تحاميل.
وتنجح حقن الميسالامين في تخفيف العوارض لدى أكثر من 80 بالمئة من المصابين بالتهاب القولون التقرحي في أسفل القولون (القولون السيني) والمستقيم. وتوضع الحقنة ليلاً أثناء التمدد على الجانب الأيسر، بحيث يغسل الدواء جدران القولون السيني والمستقيم. ويتواصل العلاج كل ليلة من 4 إلى 8 أسابيع، أو حتى يتم شفاء البطانة المعوية. ولكن ما يعيق هذا العلاج هو صعوبة الاحتفاظ بالدواء إن كان القولون نشِطاً جداً ويتقلص بسرعة.
الستيروييدات القشرية Corticosteroids
تعتبر الستيروييدات فعالة في تخفيف الالتهاب بغض النظر عن موضع المرض، غير أنها قد تسبب كثيراً من الآثار الجانبية، بما في ذلك انتفاخ الوجه وحب الشباب وفرط نمو الشعر في الوجه إضافة إلى التعرق الليلي والأرق والتهيج وفرط الحركة. ومن آثارها الجانبية الأكثر خطورة ارتفاع ضغط الدم والسكري وترقق العظم، هذا بالإضافة إلى الماء الأزرق والماء الأسود وازدياد خطر الإنتانات. أما لدى الأطفال، فمن شأن الاستعمال الطويل للستيروييدات أن يعيق النمو.
وتوصف الستيروييدات أساساً للحالات المعتدلة إلى الحادة من مرض الأمعاء الالتهابية التي لا تتجاوب مع العلاجات الأخرى. ومن أكثر هذه الأدوية استعمالاً، بريدنيزون، ميثيلبريدنيزولون، وهايدروكورتيزون. وثمة ستيروييدات أحدث ذات مفعول أبطأ، مثل باديسونيد، تبيّن بأنها أكثر أمناً وفعاليةً للحالات المعتدلة من مرض كرون في الأمعاء.
ويمكن أخذ الستيروييدات القشرية عبر الفم أو المستقيم على شكل تحاميل أو حقن شرجية أو رغوة. وأكثر أشكالها استعمالاً هي الأقراص. بينما توصف التركيبات المستقيمية عموماً للحالات الطفيفة إلى المعتدلة من التهاب القولون التقرحي في القولون السيني أو المستقيم. ويمكن إعطاء الستيروييدات عبر الأوردة في الحالات الخطيرة التي تستدعي الترقيد بالمستشفى.
ثانياً: مثبطات الجهاز المناعي Immune system suppressors
تعمل هذه الأدوية أيضاً على تخفيف الالتهاب، ولكن بطريقة مختلفة. ذلك أنها تستهدف الجهاز المناعي، الذي قد يكون السبب وراء الالتهاب أو واحداً من العوامل المساعدة. إذ تفيد إحدى النظريات بأن سبب مرض الأمعاء الالتهابية قد يتمثل في فرط استجابة الجهاز المناعي تجاه فيروس أو بكتيريا غير معروفة. فبهدف تدمير هذا الجسم الغريب أو طرده، يحرر الجهاز المناعي كيميائيات مزعجة من شأنها إتلاف الأنسجة الهضمية مع الوقت مسببة الالتهاب.
وتعمل العقاقير المثبطة للجهاز المناعي على إزالة مرض الأمعاء الالتهابية عبر كبح قدرة الجهاز المناعي على تحرير الكيميائيات المقاومة للأجسام الغريبة:
أزاثيوبرين Azathioprine وميركابتوبورين -6
هي من المثبطات الأكثر استعمالاً لعلاج مرض الأمعاء الالتهابية. غير أنّ مفعولها قد يستغرق ثلاثة أشهر قبل أن يبدأ بالظهور. ولا تزال كيفية عملها غير واضحة تماماً، إلا أنّ الدراسات برهنت فاعلية الأزاثيوبرين (Imuran) وميركابتوبورين -6 (6-MP) في تخفيف عوارض مرض الأمعاء الالتهابية وشفاء نواسير مرض كرون.
إنفليكسيماب Infliximab
صادقت إدارة الأغذية والعقاقير مؤخراً على هذا العقار المثبط للجهاز المناعي خصيصاً للمصابين بدرجة معتدلة إلى حادة من مرض كرون. وإنفليكسيماب (REMICADE) هو دواء تمت هندسته حيوياً لإبطال بروتين طبيعي يدعى عامل النخر الورمي يسبب الالتهاب.
وقد أثبتت التجارب السريرية بأنّ أكثر من 60 بالمئة من الأشخاص الذين عولجوا بجرعة واحدة عبر الأوردة من إنفليكسيماب خفّت عوارضهم بعد 4 أسابيع. كما قلل العقار عدد النواسير. ولكن لوحظ بأنّ مفعول الدواء تراجع مع الوقت، أضف إلى أنّ سلامة استعماله غير مضمونة نظراً لحداثته.
ميثوتريكسايت Methotrexate
طالما استعمل هذا الدواء لعلاج الصداف والتهاب المفاصل الروماتزمي، بالإضافة إلى السرطان. وهو يوصف أحياناً للمصابين بمرض كرون وبالتهاب القولون التقرحي وللذين يحتملون الأدوية الأخرى أو لا يستجيبون لها كما يجب. وتشتمل آثاره الجانبية القصيرة الأمد أحياناً على الغثيان. أما استعمال الدواء على الأمد البعيد فقد يؤدي إلى تندّب الكبد.
سيكلوسبورين Cyclosporine
أغلب ما يوصف هذا الدواء القوي المفعول للأشخاص الذين لا يستجيبون للأدوية الأخرى. وهو مفيد للمصابين بمرض كرون المصحوب بنواسير. كما من شأنه تخفيف عوارض التهاب القولون التقرحي الحادة.
ولكن من مساوئ السيكلوسبورين هو أنه يسبب آثاراً جانبية ملحوظة، خاصةً عند أخذه لفترات طويلة. ومنها فرط نمو الشعر وخدر في اليدين والقدمين ونوبات صرع وارتفاع ضغط الدم وتلف الكبد والكلى.
والجدير بالذكر أنّ العلاج المثبط للجهاز المناعي يستلزم مراقبة دقيقة من الطبيب تفادياً للتسمم. فيجري هذا الأخير تحاليل دم وقد يعمد إلى تعديل جرعات الدواء اعتماداً على نتيجة الاختبارات.
ثالثاً: المضادات الحيوية
لا تعتبر المضادات الحيوية فعالة عموماً لالتهاب القولون التقرحي، ولكن بمقدورها شفاء النواسير والخراجات وتسكين عوارض مرض كرون لدى البعض.
ميترونيدازول Metronidazole
هو واحد من المضادات الحيوية الأكثر استعمالاً لمرض كرون. ونظراً لآثاره الجانبية الخطيرة، يحدد الطبيب الجرعة ومدة استعمال الدواء بعناية.
وتشتمل عوارض الميترونيدازول (Flagyl) على درجة خفيفة من الخدر ووخز في اليدين والقدمين، هذا بالإضافة إلى الألم وضعف العضلات أحياناً. والواقع أنّ حوالى شخص من بين كل ثلاثة أشخاص يتناولون هذا المضاد الحيوي، يصابون بالعوارض التي تزول بشكل بطيء، وقد لا تزول أبداً. ومن عوارضه الجانبية الأخرى الأقل خطورة، الغثيان والصداع والإصابات الفطرية وفقدان الشهية. كما أنّ للدواء طعماً معدنياً، يمكن للسكاكر أو العلكة أن تغطي عليه.
سيبروفلوكساسين Ciprofloxacin
يشكل السيبروفلوكساسين (Cipro) بديلاً للميترونيدازول ويفضله الأطباء. إذ ينجح الدواء في تخفيف العوارض لدى 50 إلى 60 بالمئة من المصابين بمرض كرون. وتتضمن آثاره الجانبية فرط التحسس تجاه الضوء واحتمال إعاقة النمو لدى الأطفال.
رابعاً: عقاقير أخرى
يمكن استعمال التيتراسيكلين أو مزيجاً من التريميثوبريم (Proloprim، Trimpex) وسلفاميثوكسازول (Bactrim، Cotrim، Septra) لمرض كرون. وقد تشتمل آثاره الجانبية على خدر ووخز في اليدين والقدمين. غير أنّ إيقاف هذه الأدوية باكراً جداً قد يسبب عودة المرض، لذا يعتبر العلاج الطويل الأمد ضرورياً عموماً.
خامساً: لصقات النيكوتين
ظهر في التجارب السريرية بأن لصقات النيكوتين الجلدية (وهي نفسها التي يستعملها المدخنون) توقف مؤقتاً تهيج التهاب القولون التقرحي. وقد تم هذا الاكتشاف حين أفاد بعض المصابون بهذا المرض بأنهم لاحظوا بدء العوارض للمرة الأول بعدما أقلعوا عن التدخين.
واستناداً إلى الدراسات، فإن النيكوتين يزيل العوارض لدى 4 من كل 10 مصابين بالتهاب القولون التقرحي يستعملون لصقات النيكوتين لأربعة أسابيع. غير أن فعاليتها تقتصر على المدى القصير، إذ تعود العوارض بعد فترة لدى معظم المرضى.
أما كيفية عمل النيكوتين فليست واضحة. ويظن الباحثون بأنه يحمي القولون عبر زيادة سماكة وكمية إفراز المادة المخاطية التي تغطي البطانة المعرضة عادة للالتهاب. ومن شأن النيكوتين أيضاً أن يخفف الالتهاب نفسه.
سادساً: أدوية تخفيف الأعراض
إضافة إلى مداواة الالتهاب، تساعد الأدوية على تخفيف العوارض. ووفقاً لهذه العوارض وحدتها، يصف الطبيب واحداً أو أكثر من العقاقير التالية:
مضادات الإسهال Anti-diarrheals
بالنسبة إلى حالات الإسهال الطفيفة إلى المعتدلة، يمكن استعمال ملعقة صغيرة من ملحق ليفي (Metamucil، Citrucel) ممزوجة بالماء مرتين يومياً لتخفيف الإسهال. فالألياف تجمد البراز لأنها تمتص ما يحتويه من الماء. أما في الحالات الأكثر حدة، فمن شأن اللوبيراميد (Imodium) أو المخدرات الموصوفة أن تساعد على استرخاء العضلات المعوية وإبطاء حركتها. ولكن يتوجب استعمال المخدرات بحذر نظراً لآثارها الجانبية المحتملة، بما في ذلك خطر تضخم القولون السام.
المسهّلات Laxatives
قد يؤدي تضيّق المجاري المعوية الناجم عن التورم إلى الإمساك. وتساعد المسهلات على منع الإصابة به. ولكن يجدر استشارة الطبيب قبل أخذها، فحتى الأنواع الشائعة غير الموصوفة من شأنها أن تكون خشنة على الجهاز الهضمي.
مسكنات الألم Pain relievers
قد يصف الطبيب أسيتامينوفين (Tylenol) لآلام البطن الطفيفة. أما مضادات الالتهاب الخالية من الستيروييد فيجدر تجنبها، وهي تشتمل على الأسبيرين (Bayer، Bufferin) والإبوبروفين (Advil, Motrin, Nuprin) والنابروكسين (Aleve) والكيتوبروفين (Orudis). فعوضاً عن تخفيف عوارض مرض الأمعاء الالتهابية، قد تؤدي هذه الأدوية مفعولاً عكسياً. فاستناداً إلى إحدى الدراسات، تضاعف خطر العلاج الطارئ للمشاكل الهضمية لدى المصابين بالتهاب القولون التقرحي الذين يتعاطون هذه العقاقير.
وتعتبر الأدوية الموصوفة أكثر فاعلية بالنسبة إلى الآلام المعتدلة إلى الحادة.
ملحقات الحديد Iron supplements
يؤدي فقدان الدم الناجم عن النزف المعوي إلى فقر الدم الناتج عن النقص في الحديد أحياناً. وتعمل ملحقات الحديد على إعادة الدم إلى المستوى الطبيعي وعلاج هذا النوع من الأنيميا. ويتم فحص الهرمون (erythropoietin) لحالات فقر الدم القصوى التي لا تتجاوب مع الحديد فقط. ويعمل هذا الهرمون في نقي العظم لزيادة إنتاج الكريات الحمراء.
حقن فيتامين B-12 shots
يتم إمتصاص فيتامين B-12 في الجزء اللفائفي الأخير من الامعاء الدقيقة الذي يصاب عادة بمرض كرون. وإذا كان مرض كرون يمنع امتصاص هذا الفيتامين الضروري، عليك تناوله شهرياً عبر الحقن طوال حياتك. وعلى الأشخاص الذين أُزيل الجزء اللفائفي الأخير من امعائهم الدقيقة جراحياً أن يتناولوا حقن فيتامين B-12 طوال حياتهم.
التعايش مع المرض
من الممكن التوصل إلى فترات شفاء طويلة مع كلّ من مرض كرون والتهاب القولون التقرحي، ولكن غالباً ما تعود العوارض إلى الظهور. إضافة إلى الأدوية، تساعد التدابير التالية على مداواة العوارض وإطالة الوقت الفاصل بين فترات التهيج:
أولاً: نظّم غذاءك
ما من دليل مؤكد على أنّ الطعام يسبب المرض أو يساهم في ظهوره. بيد أنّ بعض الأطعمة والمشروبات قد تؤدي إلى تفاقم العوارض، خاصة أثناء تهيج الحالة.
ولكن من الأهمية بمكان أن نعرف أنّ ما يناسب مريضاً قد لا يناسب الآخر. فبعض المصابين بمرض كرون أو بالتهاب القولون التقرحي يحتاجون إلى تقييد غذائهم طيلة الوقت، بينما يستبعد آخرون بعض الأطعمة أحياناً، ويبقى ثمة من لا يضطر لذلك على الإطلاق.
بالتالي، إن لاحظت بأنّ نظامك الغذائي يسبب تفاقم المرض، جرّب مختلف الأطعمة والمشروبات لمعرفة ما إذا كان استبعاد بعضها وإضافة البعض الآخر يساعد على تخفيف العوارض. إليك بعض الخطوات المفيدة:
حدّ من مشتقات الألبان. يخفّ الإسهال والألم والغازات لدى بعض المصابين بمرض كرون وبالتهاب القولون التقرحي إن قللوا من استهلاك مشتقات الألبان. وربما كان هؤلاء لا يحتملون اللاكتوز. فيعجزون عن هضم سكر اللبن (اللاكتوز) الموجود في مشتقات الألبان لأنهم يفتقرون إلى أنزيم اللاكتاز الذي يحلل اللاكتوز إلى سكر بسيط يمكن للجسد أن يمتصه. فإن شعرت بأن مشتقات الألبان تؤدي إلى تفاقم العوارض، استشر خبير تغذية ليصف لك نظاماً غذائياً صحياً ينخفض فيه معدل اللاكتوز. لمزيد من المعلومات حول عدم تحمل اللاكتوز.
خفف استهلاك الألياف
تعتبر المأكولات الغنية بالألياف، كالفاكهة والخضروات والحبوب، ركيزة الغذاء الصحي. ولكن لدى بعض المصابين بمرض الأمعاء الالتهابية، قد تؤدي الألياف مفعول المسهّل وتزيد الإسهال سوءاً. كما أنها قد تضاعف الغازات. لذا، جرب تناول الأطعمة الغنية بالألياف لتعرف ما إذا كنت تحتمل أنواعاً أكثر من الأخرى. فإن استمرت المشاكل بالظهور، قد تضطر إلى الحدّ من الفاكهة والخضروات والحبوب في غذائك. ومن شأن خبير التغذية أن يساعدك على تعويض المغذيات التي توفرها هذه الأطعمة.
خفف من الدهون
في الحالات الحادة من مرض كرون في الأمعاء الدقيقة، يحتاج المريض إلى التخفيف من استهلاك الدهون نظراً لعجز الأمعاء الدقيقة عن امتصاص هذه المادة. فتمر الدهون عوضاً عن ذلك عبر المعى مسببة الإسهال أو تفاقمه.
والواقع أنّ تقليص معدل استهلاك الدهون ليس بمشكلة، إلا إن كنت عاجزاً عن الحفاظ على وزن صحي. وفي حال احتجت لزيادة وزنك، استشر الطبيب أو خبير التغذية حول الطريقة الفضلى لزيادة عدد السعرات الحرارية من دون استهلاك مزيد من الدهون.
اسأل عن متعدد الفيتامينات
بما أنّ مرض الأمعاء الالتهابية قد يعيق امتصاص الفيتامينات بشكل طبيعي، قد يقترح الطبيب استعمال متعدد فيتامينات يؤمن 100 بالمئة من الفيتامينات والمعادن الأساسية. أما الفيتامينات أو المعادن أو ملحقات الأعشاب الإفرادية، فيجب ألا تؤخذ إلا بإشراف الطبيب. فمن الممكن أن تتداخل مع الدواء أو مع قدرة الجسد على امتصاص المغذيات.
أكثِر من السوائل
تعوّض السوائل عن الماء المفقود نتيجةً للإسهال. لذا تناول 8 أكواب سعة 8 أونصات يومياً على الأقل من السوائل، ويستحسن الماء. ولكن تجنب السوائل المحتوية على الكافيين أو الكحول لأنها تدر البول وتساهم في فقدان السوائل.
ثانياً: خفف من التوتر
لا يسبب التوتر مرض الأمعاء الالتهابية ولكنه قد يؤدي إلى تفاقم العوارض وقد يهيج الحالة. ويفيد كثير من المصابين بمرض كرون أو بالتهاب القولون التقرحي بأنّ مشاكلهم الهضمية تضاعفت تحت الضغط النفسي المعتدل إلى الحاد، أي عند مواجهة مشاكل في العمل مثلاً أو البيت أو عند وفاة شخص عزيز.
ففي حالات التوتر، يطرأ تغيير على الوظيفة الطبيعية للجهاز الهضمي. فتتباطأ المعدة في تفريغ الطعام ويتزايد إفراز العصارات الهضمية. وقد يؤدي التوتر أيضاً إلى تسريع مرور بقية الطعام عبر الأمعاء أو إبطائها، علماً أنّ كيفية تأثير التوتر على الأمعاء الدقيقة والغليظ لا تزال محاطة بكثير من الغموض.
والواقع أنه من الصعب تجنب بعض حالات التوتر. غير أنه من الممكن تعلّم كيفية التخلص من التوتر اليومي بالرياضة والراحة الكافية وتقنيات الاسترخاء، كالتنفس العميق أو الاستماع للموسيقى الهادئة أو التأمل.
ثالثاً: اطلب المشورة والمساعدة
إضافةً إلى العوارض الجسدية لمرض كرون ولالتهاب القولون التقرحي، ثمة مشاكل نفسية قد تنجم عن هذين المرضين. فمن شأن الإسهال المزمن أن يسبب حوادث محرجة. حتى أنّ الحرج يدفع البعض لأن يعتزلوا المجتمع ويمتنعوا عن مغادرة المنزل إلا نادراً. وعند خروجهم من عزلتهم، غالباً ما يؤدي القلق إلى زيادة عوارضهم سوءاً. وفي حال إهمال هذه العوامل، أي العزلة والحرج والقلق، قد تخلف آثاراً سلبية خطيرة في حياة المريض وتؤدي به إلى الشعور بالاكتئاب.
والحقيقة أنّ كثيراً من المصابين بمرض الأمعاء الالتهابية يجدون دعماً نفسياً بمجرد التعلم أكثر عن مرضهم والتحدث إلى أطبائهم أو ممرضيهم. لذا، على المريض أن يحدد وقتاً يسمح فيه لنفسه بالتحدث عن مخاوفه ومكبوتاته، ويطرح أسئلة متعلقة بحالته. ويمكنه أيضاً أن يلتحق بمجموعة دعم نفسي. فثمة منظمات تقوم بدورات في سائر أنحاء البلاد، كالمؤسسة الأميركية لمرض كرون ولالتهاب القولون. وباستطاعة الطبيب أو الممرض أن يُطلع المريض على المركز الأقرب كما يمكن الاتصال بالمنظمة نفسها لمزيد من المعلومات.
ويَستحسن البعض استشارة عالم أو طبيب نفسي للحديث عن قلقهم. ويوصى هنا بإيجاد اختصاصي مطّلع على مشاكل مرض الأمعاء الالتهابية، يتفهم بعض المصاعب الناجمة عنه.
الجراحة هي الخيار الأفضل أحياناً
استناداً إلى الإحصاءات، فإنّ 25 إلى 40 بالمئة من المصابين بمرض كرون أو التهاب القولون التقرحي تخفق معهم الأدوية أو التغييرات الحياتية أو يسجلون تحسناً محدوداً. فتتمثل الخطوة التالية غالباً بالجراحة.
في حالة مرض كرون، من شأن إزالة جزء من الأمعاء الدقيقة أو الغليظ أن تؤمن سنوات من الشفاء أو تحسناً في العوارض. ويتم أثناء الجراحة إعادة ربط أجزاء من الأمعاء بعد إزالة الأجزاء التالفة. وقد يعمد الجراح أيضاً إلى إغلاق النواسير وإزالة النسيج الندبي الذي يسد المجاري المعوية أو يضيّقها. غير أنّ الجراحة ليست العلاج الشافي في أغلب الحالات. ذلك أنّ المرض قد يعود إلى الظهور في أماكن أخرى من القناة الهضمية.
أما التهاب القولون التقرحي فيشكل حالة مختلفة. فالجراحة غالباً ما تشفي المرض. غير أنها تستلزم في أكثر الأحيان إزالة كامل القولون والمستقيم. والواقع أنّ حوالي 25 إلى 40 بالمئة من المصابين يخضعون لاحقاً للجراحة نتيجةً لتواصل النزف أو المرض الشديد أو خطر الإصابة بالسرطان.
جراحتان
تدعى الجراحة المعتمدة لإزالة القولون والمستقيم، استئصال القولون والمستقيم. وفي الجراحة التقليدية، تُصنع فتحة صغيرة (فوهة) في الزاوية السفلى اليمنى للبطن، قرب مستوى الخصر. وبعد استئصال القولون والمستقيم، يتم ربط الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة (المعى اللفيفي) بالفوهة. ويستعمل المريض كيساً صغيراً يثبته فوق الفوهة لاحتواء البراز ويفرغه عند الحاجة.
غير أنه ثمة جراحة بديلة تزيل الحاجة إلى استعمال الكيس. تدعى هذه الجراحة المفاغرة الحرقفية الشرجية، وهي تستغلّ واقع أنّ الالتهاب المقترن بالتهاب القولون التقرحي لا يمتد عموماً إلى الأنسجة العميقة. فيعمد الجراح إلى استئصال القولون والبطانة الداخلية للمستقيم، ثمّ يصنع جيباً صغيراً على شكل J من نهاية الأمعاء الدقيقة (اللفيفي) ويربطه مباشرة بالشرج ويدعّمه بالطبقات المتبقية من أنسجة المستقيم. وهكذا يتم تخزين بقية الطعام في الجيب، وتطرد بشكل طبيعي، مع أنّ التبرز يصبح أكثر تكراراً وليونة. فيتبرز المريض من 5 إلى 7 مرات في اليوم.
مرض كرون والتهاب وسرطان القولون
من شأن مرض كرون والتهاب القولون التقرحي على السواء أن يضاعفا خطر الإصابة بسرطان القولون. فبالنسبة إلى التهاب القولون التقرحي يعتمد خطر تكون سرطان القولون على مدة المرض ومدى تضرر القولون. فيصبح المريض عرضة لسرطان القولون إن طال التهاب القولون التقرحي من 8 إلى 10 سنوات وشمل القولون بأكمله. وكلما ضاقت مساحة المرض انخفض عموماً خطر الإصابة بالسرطان.
وعند إصابة القولون بمرض كرون، تعتبر مدة المرض وامتداد التلف عاملين أساسيين أيضاً. فكلما طالت مدة المرض، ازداد امتداده في القولون، وتعاظم خطر الإصابة بسرطان القولون. غير أنّ هذه الحالة تعتبر أقل شيوعاً لدى المصابين بمرض كرون، الذي لا يمتد إلى كامل القولون، خلافاً لالتهاب القولون التقرحي. أضف إلى أنّ مرض كرون يتيح إجراء جراحة لإزالة الجزء التالف من القولون وتجنب تسرطنه.
بالتالي، عندما تتعدى مدة الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابية 8 سنوات وما فوق، يتوجب الخضوع لاختبار سرطان القولون كل سنة إلى سنتين. ويعتبر تنظير القولون الاختبار الأكثر فاعلية.