يعيش معظمنا حياة مشغولة للغاية. وبين العمل والعائلة أو المتطلبات الاجتماعية، نجد أيامنا تمتلئ عن آخرها. وربما نعتقد أننا لا نستطيع القيام بأكثر من ذلك، ولكننا ربما نتجاهل القيام بأعمال تطوعية في مجتمعنا؛ ففي بعض الأوقات، ربما يؤدي قدر صغير نسبيًّا من الوقت المخصص للأعمال التطوعية إلى ترك الكثير من الآثار الإيجابية على حياتنا؛ حيث يمكن أن تجعلنا الأعمال التطوعية نشعر بأننا نقضي بعضًا من وقتنا وطاقتنا في تحسين العالم من حولنا، وربما تكون طريقة إيجابية للغاية في محاربة الضغوط. ويجب عدم النظر إلى القيام بالأعمال التطوعية كعبء، ولكن يجب النظر إليها كفرصة من أجل إسداء المعروف للآخرين في الوقت الذي نساعد فيه أنفسنا.
التحدي
ربما نعتقد أننا لا نقوم بأي شيء إيجابي في حياتنا بالفعل، رغم أننا قد نكون مشغولين للغاية, فنحن نقوم بوظائفنا، ونحافظ على حياتنا العائلية، وندفع فواتيرنا، ولكننا نشعر بأن هناك شيئًا مفقودًا. وغالبًا ما يتمثل الجزء المفقود في حياتنا في رد الدين لمجتمعنا من خلال القيام بالأعمال التطوعية. ويبدي العديد من الأشخاص استنكارهم عند تقديم مفهوم القيام بالأعمال التطوعية إليهم؛ فهم لا يرون طريقة يستطيعون من خلالها البحث عن وقت من أجل التطوع بشكل فعال، عن طريق تجاهل السهولة النسبية للعملية. إذا ألقينا نظرة فاحصة على جدول أعمالنا والكيفية التي نقضي من خلالها الوقت، فربما نشعر بالدهشة من الوقت المتوافر للقيام ببعض الأعمال التطوعية. وربما تكون العملية ممتعة، وتبث فينا مشاعر إيجابية للغاية، كالإنجاز. ويمكن أن تتخذ الأعمال التطوعية العديد من الأشكال، وربما تتضمن مجموعة من الالتزامات الوقتية, فيمكننا العمل مع الأفراد، أو العمل كمرشدين، أو المساعدة في الأنشطة الدينية، أو تعزيز مرشح سياسي أو قضية سياسية، أو المساعدة في المؤسسات الدينية، أو العمل في مناسبات جمع التبرعات. ويتمثل التحدي في إدراك أهمية القيام بالأعمال التطوعية، والبحث عن الموارد المتاحة من أجل التطوع بشكل فعال، والتعهد نحو العملية والالتزام بها، وتغيير أنشطتنا، إذا كان شكل الأعمال التطوعية الذي اخترناه في البداية لا يحقق ما نبغيه من رضا. إن الأعمال التطوعية ليست رفاهية، بل إنها تعد، بالنسبة لمعظمنا، شكلًا من أشكال الواجب نحو التزاماتنا ونحو أنفسنا. وهناك فرص متعددة، وليس من الضروري أن يكون الوقت اللازم وقتًا كبيرًا. وكل ما يجب علينا القيام به هو بذل الجهد، وجني الجوائز الحقيقية لمساعدة الآخرين دون الحاجة إلى الحصول على فوائد مالية.
الحقائق
هناك تعريف جيد للمتطوع يشير إلى أنه الشخص الذي يقدم الخدمة في مجتمع معين، أو لصالح البيئة؛ لأنه اختار القيام بذلك. ويقوم العديد من الأشخاص بالتطوع من خلال مؤسسات غير ربحية فيما يسمى بالتطوع الرسمي، بينما يعمل أشخاص آخرون بدرجة أقل رسمية كأفراد أو كجزء من جماعات. ومن الصعب تحديد أفراد النوع الثاني. ولا يحصل المتطوع على أجر ولا يتلقى أية تعويضات أخرى. وفي إطار المتطوعين الرسميين وغير الرسميين، توجد عدة فئات، مثل:
– يعمل المتطوع الدولي خارج المجتمع أو الدولة، وعادة ما يرتبط ذلك بدولة نامية.
– يقدم المتطوع الإلكتروني الوقت والجهد من خلال العمل الإلكتروني، في ترجمة الوثائق، والمراجعة اللغوية للمواد، وإعداد الطلبات، وإجراء الأبحاث، وإنشاء صفحات إلكترونية، وإدارة مجموعات النقاش والمنتديات الإلكترونية، وإدارة المتطوعين الآخرين.
– يساعد المتطوع الرياضي في أنشطة الرياضات الشبابية، عن طريق تدريب الفرق، أو التحكيم في الألعاب، أو تنظيم الدورات.
– ويستطيع المتطوع في مجال الآثار والمتاحف المساعدة على بيع التذاكر، والعمل مع محل التحف، أو تقديم المعلومات. ويعمل بعضهم مرشدًا خاصًّا لاصطحاب الزائرين في جولات أو الإجابة عن الأسئلة، ويسمى هؤلاء المرشدين.
– وهناك المتطوع الشاب، الذي يتراوح عمره ما بين 12-21 عامًا، والذي يقوم بعمل تطوعي في المجتمع من أجل إضافته سيرته الذاتية عند التقدم للجامعة أو لاعتبارات عملية.
– ويقدم المتطوع في برنامج التثقيف الصحي للأقران المساعدة في البرامج الطبية، عن طريق قيادة مجموعات الدعم، وتوفير المعلومات اللازمة للمرضى ذوي الاحتياجات الخاصة.
في ظل الظروف الأقل من مرغوبة، ربما يبدو القيام بالأعمال التطوعية مثل العمل. بينما يجب ألا يكون كذلك. فيمكن أن يعني التطوع، إذا تم القيام به بطريقة مناسبة، تخصيص بعض الوقت والاضطرار إلى القيام بأشياء تلتزم تجاه مثيلاتها في العمل، لكن مع الحصول على مكافآت مختلفة تمامًا. ورغم أنك تأمل في أن تحصل على بعض المكافآت الروحية في القيام بوظيفة ما بشكل مناسب وفي اتباع مسيرة مهنية مرضية، فإن السبب الأساسي الذي يعمل معظمنا من أجله هو كسب العيش. وفي العمل التطوعي، ليست هناك مكافآت مالية، ولكن يصعب سرد فوائد القيام به, فربما يكون العمل التطوعي أكثر إثمارًا من العمل، ويجعلك تشعر بأنك تقدم بعض الخير الحقيقي.
وفي بعض الجوانب، ربما يكون العمل التطوعي أكثر ميلًا من العمل أو الحياة الاجتماعية نحو الجانب السياسي. والحقيقة أن الناس، في بعض الأوقات، يتطوعون من أجل تعزيز النفس الناتج عن القيام بذلك، وربما يعاملون أنشطتهم التطوعية بالغيرة نفسها التي يعاملون بها أعمالهم؛ فهم ينشئون لأنفسهم تسلسلًا هرميًّا، وربما يبقون المتطوعين الآخرين بعيدًا عن العملية. وربما تكون هناك بعض الألعاب العقلية المتضمنة في التطوع، ويجب عليك أن تفهم السياسات المتضمنة في المؤسسة التطوعية أو القضية التي تتطوع لأجلها؛ لكي تستطيع الحصول على أفضل ما في هذه التجربة، ولا تحولها إلى أحد الجوانب السلبية في حياتك.
ولا تقتصر فوائد العمل التطوعي على بث الإحساس بشعور أفضل والتخفيف من حدة الضغوط، بل تمتد إلى زيادة مهاراتك العملية أيضًا, فيمكنك تحسين مهاراتك في التواصل والمهارات الاجتماعية أيضًا. ويمكن أن يؤدي العمل التطوعي إلى زيادة قدرتك على العثور على وظيفة. وحسبما أظهرت دراسة كندية، فلقد أشارت نسبة 28% من المتطوعين العاطلين إلى أن التطوع ساعدهم على الحصول على وظيفة، وأشارت نسبة 62% من المتطوعين العاطلين إلى اعتقادهم بأنه سيساعدهم على العثور على وظيفة في المستقبل.
الحلول
ينخرط العديد من الأشخاص في العمل التطوعي لكي يضعوا شيئًا في سيرتهم الذاتية أو إرضاء أنفسهم. ولا بأس من ذلك، إذا كان التطوع جديرًا بالاهتمام، ولكن ربما يؤدي هذا إلى وقوع المشكلات؛ حيث يجب أن يتمحور العمل التطوعي حول شيئين: فعل الخير للآخرين، وفعل الخير لنفسك عن طريق القيام بأنشطة تجعلك تشعر بإحساس جيد وتساعدك على التعامل مع الضغوط في بقية جوانب حياتك. أما إذا أفرطت في بذل الكثير من نفسك ومن المتطلبات النفسية الأخرى في العمل التطوعي، فربما تفسد الغرض منه.
ولا يقتصر العمل التطوعي على فعل الخير فحسب، بل يمتد إلى تعريفنا بأشخاص آخرين أيضًا, فربما يكون البحث عن أصدقاء جدد، أو حتى إقامة علاقات حميمة، أمرًا مثيرًا للتحدي. وعادة ما يؤدي البحث عنهم في العمل إلى إثارة المشكلات؛ حيث يمكن أن يتغير الوضع في العمل وتعاني العلاقات أو تختفي. ويعني البحث عن معارف جدد خلال العمل التطوعي أنك سوف تقضي الوقت مع الأشخاص الذين يشاركونك اهتماماتك، والذين من المحتمل جدًّا أن يتواجدوا حولك على المدى الطويل. وهذا يشبه مقابلة الناس خلال ممارسة الهوايات، ولكن العمل التطوعي عادة ما يكون أكثر رسمية وتوجهًا نحو الأهداف.
ويجب عليك أن تدرك دوافعك، عندما تقرر القيام بأعمال تطوعية, فسوف يساعدك هذا على العثور على ما يناسبك من الأنشطة بشكل جيد، وعلى الحفاظ على تركيزك, وتتضمن هذه الدوافع:
– الإيثار أو العمل التطوعي من أجل تحقيق الفائدة للآخرين فحسب، رغم أن بعض الأشخاص يعتقد أنه دائمًا ما تكون هناك بعض المكاسب الشخصية في العمل التطوعي؛
– تحسين جودة الحياة في المجتمع من خلال المؤسسات أو الاحتكاكات الفردية؛
– رد الجميل للمجتمع على الأشياء التي نستمتع بها؛
– الإحساس بالواجب، الذي يعني أننا نعتقد أن العمل التطوعي ضرورة من أجل الإحساس بشعور طيب؛
– الاعتقادات الدينية، التي تقود الناس إلى التطوع؛ لأنه يخدم التعاليم الدينية؛
– دعم العلاقات، الذي يعني أنك تستطيع مقابلة أناس ربما يكونون قادرين على مساعدتك في مجالات أخرى من حياتك، من خلال العمل التطوعي؛
– الجوانب الاجتماعية، التي تساعدك على مقابلة أصدقاء جدد وإقامة العلاقات مع الناس.
عندما تقرر التطوع من أجل مؤسسة ما، ربما تُطرح عليك بعض الأسئلة من أجل التأكد من أنك تتوافق بشكل جيد مع أهداف المؤسسة وطريقة عملها، بما في ذلك:
– لماذا تريد التطوع من أجل المؤسسة؟
– ما الذي تعرفه، أو تعتقد أنك تعرفه، حول المؤسسة؟
– كم عدد الساعات الأسبوعية التي يمكنك التطوع بها؟
– ما اهتماماتك؟
– ما الذي تقوم به من أجل كسب العيش؟
– ما المهارات الخاصة التي تتمتع بها؟
– هل تملك وسيلة للتنقل؟
ومن المنطلق نفسه، يجب أن تلقي بعض الأسئلة البسيطة، عندما تقرر التطوع لمؤسسة ما، مثل:
– ما المتوقع مني كمتطوع؟
– ما نوعية التدريب التي سأحصل عليها؟
– كم عدد المتطوعين الموجودين؟
– ما قدر الوقت الذي يتوقع مني الالتزام به؟
– ما نوعية الأشخاص الذين يعملون معكم بالفعل كمتطوعين؟