يمتاز الصداع العنقودي بكونه أحد أنواع الصداع الأكثر إيلاماً. ولحسن الحظ، يعتبر الصداع العنقودي نادراً. وهو شائع أكثر عند الرجال، رغم أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن معدلات الصداع العنقودي عند النساء أصبحت أعلى مما كان يعتقد قبلاً. وقد يصيب الصداع العنقودي الأشخاص في أي عمر، لكنه شائع جداً في المرحلة العمرية بين المراهقة وخريف العمر.
ورغم أن نوبات الصداع العنقودي مؤلمة جداً، فإنها لا تهدد الحياة. بالفعل، مع توفير الرعاية الملائمة، يستطيع معظم الأشخاص التأقلم جيداً مع المشكلة. وتتوافر حالياً عدة علاجات يمكن أن تجعل النوبات أقصر وأقل وخامة. كما تجدي الأدوية الوقائية نفعاً في تخفيف عدد نوبات الصداع. وتتم حالياً دراسة خيارات جديدة في المعالجة.
فترات الصداع العنقودي وفترات الخمود
يمتاز الصداع العنقودي بأشياء أخرى غير وخامة الألم. والميزة الأبرز للصداع العنقودي هي حدوث النوبات في أنماط دورية أو “عنقودية” – مما يعطي المشكلة اسمها. في الواقع، إن فترات النوبات المتكررة، وهي ما تعرف بالمراحل العنقودية، قد تدوم بين أسابيع وأشهر، تليها فترات خمود حين تتوقف نوبات الصداع تماماً. ورغم أن النمط يختلف بين شخص وآخر، فإن معظم الأشخاص يعانون من مرحلة عنقودية واحدة أو اثنتين خلال السنة. وخلال فترات الخمود، لا يحدث أي صداع طوال أشهر، وربما سنوات في بعض الأحيان.
تدوم المرحلة العنقودية عموماً بين أسبوعين و 12 أسبوعاً. وقد تستمر المراحل العنقودية المزمنة لأكثر من سنة واحدة. واللافت أن تاريخ استهلال كل مرحلة عنقودية ومدتها يبقيان على حالهما بين مرحلة وأخرى. وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص، تحدث المراحل العنقودية بشكل موسمي، في كل ربيع أو خريف مثلاً. ومن الشائع أن تبدأ المراحل العنقودية بعد أطول يوم في السنة وأقصر يوم في السنة. ومع الوقت، قد تصبح المراحل العنقودية أكثر تواتراً، وأقل تنبؤاً وأطول مدة.
خلال المرحلة العنقودية، تحدث نوبات الصداع كل يوم مبدئياً، مرات عدة خلال اليوم أحياناً. وقد تدوم النوبة الواحدة بين 45 و 90 دقيقة في الإجمال. واللافت أن النوبات تحدث غالباً في الوقت نفسه ضمن فترة ال 24 ساعة. والمؤسف أن النوبات الليلية أكثر تواتراً من نوبات النهار، وتحدث بعد مرور 90 دقيقة إلى 3 ساعات من خلودك إلى النوم. والوقت الأكثر شيوعاً لحدوث النوبات هو بين الواحدة والثانية فجراً، وبين الواحدة والثالثة بعد الظهر، وقرابة التاسعة مساء.
أنواع الصداع العنقودي
استناداً إلى مدة المراحل العنقودية وفترات الخمود، قامت الجمعية الدولية للصداع بتصنيف الصداع العنقودي ضمن نوعين: عرضي ومزمن.
الصداع العرضي
في هذا الشكل، يحدث الصداع العنقودي يومياً لمدة أسبوع إلى سنة، تليه فترة خمود تدوم بين أسابيع وسنوات قبل نشوء مرحلة عنقودية أخرى.
الصداع المزمن
في هذا الشكل، يحدث الصداع العنقودي بشكل يومي لأكثر من سنة من دون فترات خمود أو مع فترات خالية من الألم تدوم أقل من أسبوعين.
واللافت أن 10 إلى 15 في المئة من المصابين بالصداع العنقودي يعانون من النوع المزمن. قد ينشأ الصداع العنقودي المزمن بعد فترة من النوبات العرضية أو قد ينشأ فجأة، من دون تاريخ سابق للصداع. ويشهد بعض الأشخاص تناوباً بين المراحل العرضية والمزمنة.
إن الصداع العنقودي هو جزء من مجموعة من أشكال الصداع المعروفة بأوجاع الرأس المستقلة المثلثة التوائم (الشفرات). في الواقع، إن وجع الرأس هو ببساطة مصطلح آخر لكلمة “صداع” (ويعود أصل الكلمة إلى اللغة اليونانية وتعني ألم الرأس). تحدث أوجاع الرأس المستقلة المثلثة التوائم بشكل يومي، تماماً مثل الصداع اليومي المزمن، لكنها تشكل فئة منفصلة لأنها تكشف كلها عن استجابة للجهاز العصبي المستقل.
أعراض الصداع العنقودي
الألم
سواء كنت تعاني من الشكل العرضي أو الشكل المزمن للصداع العنقودي، يكون الألم هو نفسه – مريعاً! يأتي الصداع العنقودي بسرعة، من دون إنذار عادة. وخلال دقائق معدودة، ينشأ ألم موجع جداً، يدوم عادة بين 45 و 90 دقيقة، رغم أن بعض أشكال هذا الصداع نادراً ما تدوم لغاية ثلاث ساعات. يصيب الألم جهة واحدة من الرأس، ويتمركز عادة خلف العين أو حولها لكنه قد يمتد من الصدغ إلى العنق.
ينشأ الألم مبدئياً في الجهة نفسها من الرأس خلال المرحلة العنقودية، وعلى الأغلب يبقى الصداع في هذه الجهة طوال حياة الشخص. لكن في حالات أقل تواتراً، قد ينتقل الألم إلى الجانب الآخر من الرأس في المرحلة العنقودية التالية. وفي بعض الحالات النادرة، ينتقل الألم من جانب في الرأس إلى آخر بين نوبة وأخرى.
غالباً ما يوصف ألم الصداع العنقودي بأنه حاد وموجع وحارق. ويقول المصابون بهذه المشكلة إن الألم يكون مثل إدخال قضيب معدني ساخن في العين أو خروج العين من محجرها. وقد أطلق على الصداع العنقودي اسم “صداع الانتحار” لأن بعض الأشخاص فكروا في الانتحار بسببه.
قد يكون الصداع العنقودي مخيفاً بالنسبة إلى الشخص المصاب به وكذلك لعائلته وأصدقائه. وقد يتعذر تحمل النوبات الموهنة. لكن الألم يختفي فجأة عادة تماماً مثلما بدأ، إذ تتضاءل كثافته بسرعة. وبعد النوبات، لا يشعر معظم الأشخاص بأي ألم لكنهم يعانون من الإرهاق. قد تمتد الراحة المؤقتة خلال المرحلة العنقودية على بضعة ساعات فقط أو تدوم لغاية يوم كامل قبل نشوء النوبة التالية.
التململ
يبدو الأشخاص المصابون بالصداع العنقودي متململين، ويفضلون المشي أو الجلوس والتأرجح إلى الخلف والأمام لتخفيف النوبة. وقد يضغطون بيدهم على العين أو فروة الرأس أو يضعون الثلج أو الحرارة على المساحة المؤلمة. وعلى عكس المصابين بصداع الشقيقة، يحاول المصابون بالصداع العنقودي تفادي الاستلقاء خلال النوبة لأن هذه الوضعية تزيد الألم على ما يبدو.
يفضل معظم المصابين بالصداع العنقودي البقاء وحدهم. وقد يبقون خارج المنزل، حتى في الطقس الشديد البرودة، طوال مدة النوبة. قد يصرخون أو يضربون رأسهم بالحائط أو يؤذون أنفسهم بطريقة ما لإلهاء أنفسهم عن الألم الكبير. وقد يجد بعض الأشخاص راحة في ممارسة التمارين، مثل الركض في مكان ثابت أو الجلوس والانتصاب أو الانبطاح والانتصاب.
وإذا كانت نوبات الصداع العنقودي تحدث خلال الليل بشكل منتظم، يحاول بعض الأشخاص البقاء مستيقظين قدر الإمكان لاتخاذ تدابير مسبقة لاستهلال الصداع. لكن القيام بذلك يؤدي لسوء الحظ إلى تسريع دورة النوم. فقد يحدث الصداع بعد دقائق قليلة من النوم لأن مرحلة “حركات العين السريعة” تأتي بسرعة أكبر في دورة النوم المضغوطة. وفي أسوأ الحالات، تنشأ حلقة مفرغة بين ألم الرأس وقلة النوم. وقد يفضي ذلك إلى الاكتئاب.
دمع العين واحتقان الأنف
يولد الصداع العنقودي غالباً استجابة من الجهاز العصبي المستقل. في الواقع، إن هذا الجهاز العصبي يتحكم في العديد من النشاطات الأساسية من دون أن تضطر إلى التفكير فيها. فهو ينظم مثلاً ضغط الدم، وخفقان القلب، والتعرق وحرارة الجسم. وتتمثل الاستجابة الأكثر شيوعاً لهذا الجهاز تجاه الصداع العنقودي في الإفراز المفرط للدمع واحمرار العين في جهة الرأس المصابة بالألم.
العلامات والأعراض الأخرى التي قد ترافق الصداع العنقودي
● احتقان أو جريان مجرى الأنف في المنخر في الجهة المتأثرة من الوجه
● احمرار الوجه وتوهجه
● ورم حول العين في الجهة المتأثرة من الوجه
● تضاؤل حجم بؤبؤ العين
● انخفاض جفن العين.
وفي معظم الأحوال، تدوم هذه العلامات والأعراض خلال فترة الصداع فقط. لكن انسدال الجفن وتضاؤل حجم البؤبؤ يستمران عند بعض الأشخاص بعد مراحل طويلة من النوبات. كما أن بعض الأعراض الشبيهة بصداع الشقيقة، بما في ذلك الغثيان والحساسية للضوء والصوت والحس الشخصي المسبق، قد تحدث مع الصداع العنقودي.
أسباب الصداع العنقودي
على عكس صداع الشقيقة وصداع التوتر، لا يرتبط الصداع العنقودي عموماً بمسببات مثل الأطعمة أو التغيرات الهرمونية أو الإجهاد. لكن العديد من الأشخاص المصابين بالصداع العنقودي يشربون الكحول ويدخنون السجائر بإفراط. وعند استهلال مرحلة عنقودية، يمكن لاستهلاك الكحول أن يحفز نشوء الصداع خلال دقائق. لهذا السبب، يجب على المصابين بالصداع العنقودي أن يبقوا بعيدين تماماً عن الكحول طوال المرحلة العنقودية.
أما المسببات الأخرى المحتملة فتشمل استعمال أدوية مثل النيتروجليسرين – وهو عقار مستعمل لمعالجة مرض القلب.
تأتي بداية المرحلة العنقودية غالباً بعد مناسبات تتقطع فيها أنماط النوم العادي، كما في العطلة أو عند استهلال وظيفة جديدة أو تبديل دوام العمل. كما يعاني بعض المصابين بالصداع العنقودي من انقطاع النفس أثناء النوم، وهي مشكلة تنهار فيها جدران حنجرة الشخص مؤقتاً، مما يسدّ تنفس النائم على نحو متكرر خلال الليل.
يشير الباحثون إلى آليات مختلفة لشرح الخصائص الأساسية للصداع العنقودي – القوي، والأعراض المصاحبة مثل إفراز العين للدمع واحتقان الأنف، والنمط الدوري للنوبات. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات الحديثة إلى وجود تاريخ عائلي للصداع العنقودي عند 7 في المئة من الأشخاص المصابين بهذه المشكلة، ما يعني وجود سبب وراثي. ويوحي ذلك بوجود عدة عوامل قد تعمل معاً لتوليد صداع عنقودي (وربما الأشكال الأخرى من أوجاع الرأس المستقلة المثلثة التوائم).
حساسية مفرطة لمسارات الألم العصبية
يتمركز الألم الكثيف للصداع العنقودي وراء العين أو حولها، وهي مساحة يغذيها العصب المثلث التوائم، الذي يشكل مساراً أساسياً للألم. يؤدي تحفيز هذا العصب إلى تفاعلات شاذة للشرايين التي تزود الدم إلى الرأس. بالفعل، تتوسع هذه الأوعية الدموية وتصبح مؤلمة.
تفاعلات الجهاز العصبي المستقل
تؤثر بعض أعراض الصداع العنقودي، مثل دمع العين، واحتقان الأنف أو جريانه وانسدال جفن العين، في الجهاز العصبي المستقل. فالأعصاب التي تشكل جزءًا من هذا الجهاز تؤلف مساراً في قاعدة الدماغ. وحين ينشط العصب المثلث التوائم، ما يسبب ألم العين، تتنشط أيضاً الأعصاب المستقلة فيما يعرف بردة الفعل المستقلة المثلثة التوائم. يعتقد الباحثون أن عملية لا تزال غير معروفة تنطوي على التهاب أو شذوذ في نشاط الأوعية الدموية في هذه المساحة تكون مسؤولة أيضاً عن الصداع.
عمل شاذ لغدة تحت المهاد
تحدث النوبات العنقودية مبدئياً في أوقات منتظمة خلال فترة ال 24 ساعة. وفي أغلب الأحيان، تلي دورة المراحل العنقودية فصول السنة. وتوحي هذه الأنماط بأن الساعة البيولوجية للجسم مسؤولة عن هذا الصداع. وعند البشر، تقع الساعة البيولوجية في غدة تحت المهاد الموجودة في نقطة عميقة في وسط الدماغ. وبين الوظائف العديدة التي تؤديها غدة تحت المهاد هناك ضبط دورة النوم والاستيقاظ وإيقاعات داخلية أخرى.
في الواقع، إن الشذوذات في غدة تحت المهاد يمكن أن تفسر توقيت الصداع العنقودي وطبيعته الدورية. فقد كشفت الدراسات ازدياد النشاط في غدة تحت المهاد أثناء دورة الصداع العنقودي. ولم يُكشف عن هذا النشاط لدى المصابين بصداع مثل صداع الشقيقة.
تشير الدراسات أيضاً إلى أن الأشخاص يكشفون عن مستويات شاذة لبعض الهرمونات، بما في ذلك الميلاتونين والتستوستيرون، خلال المراحل العنقودية. ويعتقد أن هذه التغيرات الهرمونية تعزى إلى مشكلة في غدة تحت المهاد. وتكشف دراسات أخرى أن المصابين بالصداع العنقودي يملكون غدة تحت مهاد أكبر حجماً مقارنة مع الأشخاص غير المصابين بهذا الصداع.
أنواع أخرى من الصداع المستقل المثلث التوائم
ثمة أنواع أخرى قصيرة الأمد من الصداع تمتاز بألم حاد وقوي وأعراض مثل دمع العين وجريان الأنف، تماماً مثلما يحصل أثناء الصداع العنقودي. وكما هي الحال في الصداع العنقودي، تؤثر هذه الصداعات في العصب المثلث التوائم والجهاز العصبي المستقل، ولذلك يتم اعتبارها بمثابة أنواع من الصداع المستقل المثلث التوائم.
بالإضافة إلى الصداع العنقودي، تشمل أنواع الصداع المستقل المثلث التوائم كلاً من الصداع النصفي الاشتدادي والصداع الشبيه بالألم العصبي الأحادي الجهة والقصير الأمد مع احتقان الملتحمة وإفراز للدمع. في الواقع، إن اسم هذا النوع من الصداع غريب وصعب جداً بحيث يعرف عموماً بالكلمة اللاتينية SUNCT.
ثمة نوع آخر من الصداع، هو الصداع النصفي المستمر، يكشف عن خصائص الصداع المستقل المثلث التوائم لكن يجري تصنيفه على أنه صداع يومي مزمن.
تكون نوبات الصداع النصفي الاشتدادي وصداع SUNCT أقصر وأكثر تواتراً من نوبات الصداع العنقودي. وكما هي حال الصداع العنقودي، تحدث هذه الأنواع من الصداع أثناء النوم غالباً وقد يحفزها شرب الكحول. وعلى رغم هذه المزايا المماثلة، لم يعرف بعد ما إذا كانت كل أشكال الصداع المستقل المثلث التوائم لها سبب كامن مشترك.
الصداع النصفي الاشتدادي
تشير كلمة اشتدادي إلى الحدوث المفاجئ للأعراض أو اشتدادها. ومثلما يشير الاسم، يحدث الصداع النصفي الاشتدادي في نوبات متواترة وكثيفة وإنما قصيرة الأمد. يكون الألم الوخيم في جهة واحدة من الرأس، قرب العين عادة أو عند الصدغ، وتم وصف ألمه بالموجع والقوي والحاد. أما العلامات والأعراض التلقائية فتشمل احمرار العين، وإفراز الدمع، واحتقان الأنف أو جريانه، وتورم الجفن أو انسداله.
يدوم الألم مبدئياً بين دقيقتين و 45 دقيقة. ويعاني معظم الأشخاص من خمس نوبات أو أكثر خلال اليوم، لا بل إن بعض الأشخاص يتحدثون عن حصول 40 نوبة في اليوم. وعلى عكس المصابين بالصداع العنقودي، يستطيع المصابون بالصداع النصفي الاشتدادي الجلوس بهدوء عادة أو الاستلقاء في أسرّتهم.
يشيع هذا النوع من الصداع عند النساء أكثر مما هو عند الرجال. قد يكون مزمناً من دون فترات خمود أو قد يكون عرضياً مع فترات من النوبات المتواترة تفصل بينها فترات خمود.
تختفي نوبات الصداع النصفي الاشتدادي عادة استجابة لعقار الإندوميثاسين غير الستيرودي المضاد للالتهاب (Indocin) عند استعماله بمثابة عامل وقائي. كما أن أنواعاً أخرى من العقاقير غير الستيرودية المضادة للالتهاب وقامعات قنوات الكلسيوم فعالة ربما.
(SUNCT)
ويسمى الصداع الشبيه بالألم العصبي الوحيد الجانب القصير الأمد المصحوب باحتقان الملتحمة وتمزقها، هذا الصداع القصير الأمد هو أحد الأشكال الأكثر ندرة لألم الرأس. واللافت أن معظم المصابين بصداع SUNCT هم من الرجال. يحدث الألم في نوبات قصيرة تدوم من خمس ثوانٍ إلى أربع دقائق تقريباً. ويعاني معظم الأشخاص من خمس إلى ست نوبات في الساعة، رغم أن بعض الأشخاص قد يعانون من 30 نوبة خلال الساعة.
يكون ألم صداع SUNCT في جهة واحدة من الرأس عادة، خلف العين أو حولها. يكون الألم معتدل الوخامة وقد يكون موجعاً وقوياً. ولعل الميزة التلقائية الأكثر بروزاً لهذا الصداع هي احمرار العين وإفرازها للدمع ربما.
تصعب معالجة صداع SUNCT. فمعظم العقاقير التي تجدي نفعاً مع بقية أنواع الصداع القصير الأمد غير مفيدة البتة لهذا النوع من الصداع، رغم أن الأدوية المضادة للتشنج مثل اللاموتريجين (Lamictal) والتوبيرامات (Topamax) قد تكون فعالة بالنسبة إلى بعض الأشخاص.
أنواع أخرى من الصداع القصير الأمد
إن أنواع الصداع الأخرى القصيرة الأمد غير الصداع العنقودي والصداع النصفي الاشتدادي وصداع SUNCT لا تدخل في التصنيف ضمن فئة الصداع المستقل المثلث التوائم. والسبب في ذلك أن هذه الأنواع من الصداع لا تنطوي على استجابة بارزة من الجهاز العصبي التلقائي، مثل دمع العين أو احتقان الأنف.
وتشمل هذه الأنواع من الصداع كلاً من الصداع المنوّم، وألم العصب المثلث التوائم والصداع الوخزي.
والصداع المنوم هو مشكلة نادرة تصيب مبدئياً الكبار في السن، بعد ساعات قليلة عادة من خلودهم إلى النوم في الليل. أما ألم العصب المثلث التوائم فيمتاز بنوبات وجيزة من ألم الوجه تدوم عادة لبضع ثوانٍ.
أما الصداع الوخزي الذي يقال عنه أحياناً إنه صداع وخز الثلج بسبب وخزات الألم الوجيزة وإنما القوية جداً. ويصف الأشخاص الألم بأن رأسهم يُطعن أو يوخز أو كأن رأس قضيب مستدق يغرز في الجمجمة. تحدث نوبات الألم من دون إنذار وقد تصيب أي جزء من الرأس. قد ينشأ الصداع الوخزي فجأة أو قد يرافق نوعاً آخر من الصداع، مثل صداع الشقيقة أو الصداع العنقودي. ويمكن للتغيير المفاجئ في الوضعية أو ممارسة جهد جسدي أو الانتقال من الظلام إلى الضوء أن يسبب الصداع الوخزي.
وبما أن ألم الصداع الوخزي وجيز ويحدث بين الحين والآخر، لا تبرز الحاجة غالباً إلى المعالجة. لكن إذا حدث الألم بشكل متواتر أو مستمر، يمكن معالجة الصداع بفاعلية بواسطة الإندوميثاسين (Indocin).
علاج الصداع العنقودي
بما أن ألم الصداع العنقودي يأتي فجأة وقد يختفي خلال وقت قصير، لا تجدي نفعاً مسكنات الألم الشائعة مثل الأسبيرين أو الإيبوبروفين. فالصداع يختفي عادة قبل أن يبدأ مفعول العقار. إلا أنه توجد لحسن الحظ أنواع أخرى من الأدوية الحادة القادرة على توفير بعض الراحة من الألم. ويتم التركيز في معالجة الصداع المستقل المثلث التوائم على الوقاية نظراً لتوافر الكثير من خيارات الأدوية الممكن الانتقاء بينها. وبالإضافة إلى الأدوية، قد تساعدك استراتيجيات الرعاية الذاتية في تفادي الأوضاع المسببة للصداع.
والهدف من استراتيجيات المعالجة هذه هو تخفيف وخامة نوبات الصداع العنقودي وتواترها. ورغم أنك قد تجد راحة كبيرة وتتمكن من الحؤول دون العديد من النوبات، فإن المراحل العنقودية لا تختفي تماماً. وفي بعض الحالات النادرة، قد يوصى بالجراحة حين لا تكشف الأدوية والاستراتيجيات الخالية من الأدوية عن أي مفعول.
المداواة الحادة
تحاول المعالجة الحادة وقف الألم أو تخفيفه بعد بدء الصداع العنقودي. وبما أن قوة الصداع تزداد بسرعة، يجب أن تكون الأدوية الحادة سريعة المفعول ولا بد من إعطائها بسرعة، باستعمال حقنة أو جهاز استنشاق بدل الأقراص. ولا بد أن تكون مستعداً لتناول الدواء فور بداية النوبة. قد ترغب أيضاً في إطلاع أفراد العائلة على أدويتك بحيث يتمكنون من مساعدتك عند تعرضك لنوبة.
الأوكسيجين:
إن استنشاق 100 في المئة من الأوكسيجين لفترة وجيزة بواسطة قناع – بمعدل 7 ليترات في الدقيقة – يوفر راحة كبيرة لنحو 70 في المئة من الأشخاص الذين يعتمدون هذه الطريقة. وفي بعض الأحيان، قد يكون المعدل الأكبر من الأوكسيجين ضرورياً ليصبح فعالاً. ويمكن الشعور بتأثيرات هذه الطريقة الآمنة والزهيدة خلال 15 دقيقة. لكن العقبة الوحيدة في الأوكسيجين هي الحاجة إلى نقل أسطوانة الأوكسيجين وأداة التنظيم معك، مما يجعل المعالجة غير ملائمة وغير ممكنة في بعض الأوقات. وعلى رغم توافر وحدات صغيرة وقابلة للحمل، لا يزال بعض الأشخاص يعتبرون هذه الطريقة غير عملية. وفي بعض الأحيان، يمكن للأوكسيجين أن يؤخر النوبة فقط بدل إيقافها، وقد يعود الألم.
السوماتريبتان Sumatriptan:
إن الشكل القابل للحقن من السوماتريبتان (Imitrex)، والمستعمل عموماً لمعالجة صداع الشقيقة، هو علاج حاد وفعال أيضاً للصداع العنقودي. وقد يستفيد بعض الأشخاص من استعمال السوماتريبتان في شكل رذاذ عبر الأنف، لكن تبرز الحاجة إلى المزيد من الدراسات لتحديد فاعلية هذه الطريقة. ولا يوصى السوماتريبتان للأشخاص الذين يعانون من ضغط دم مرتفع غير مضبوط أو من مرض قلب ذاوٍ.
ثمة دواء تريبتان آخر، هو الزولميتريبتان (Zomig)، يمكن تناوله عبر الفم لتوفير الراحة من الصداع العنقودي. ورغم أن أقراص الزولميتريبتان ليست فعالة بقدر الحقنة، فإنها قد تكون خياراً بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل الأشكال الأخرى من المعالجة الحادة.
الديهيدروإرغوتامين Dihydroergotamine:
يتوافر هذا المشتق من الأرغوت في شكل حقنة ورذاذ للاستنشاق. وقد يكون الديهيدروإرغوتامين (DHE 45، Migranal) مسكناً فعالاً للألم عند بعض الأشخاص المصابين بالصداع العنقودي. وعند حقن هذا العقار عبر الوريد، يتوجب عليك الذهاب إلى المستشفى أو عيادة الطبيب لوضع مسار عبر الوريد (IV). أما رذاذ الاستنشاق فيعمل ببطء أكبر. ويجب الحدّ من الجرعة لتفادي التأثيرات الجانبية، ولاسيما الغثيان.
المخدرات الموضعية:
إن التأثير المخدر للمخدرات الموضعية، مثل الليدوكاين (Xylocaine) قد يكون فعالاً في محاربة ألم الصداع العنقودي عند استعماله في شكل قطرات عبر الأنف.
الأدوية الوقائية
تعتبر الاستراتيجية الوقائية ضرورية لضبط الصداع العنقودي لأن محاولة معالجته بالعقاقير الحادة فقط قد تبدو غير مجدية. وتستطيع الوقاية المساعدة في تخفيف تواتر النوبات ووخامتها وكذلك خطر التعرض للصداع الارتدادي. كما أن الأدوية الوقائية قد تزيد من فاعلية الأدوية الحادة.
يتم استعمال الأدوية الوقائية للصداع العنقودي عموماً ضمن استراتيجية قصيرة الأمد (انتقالية) أو طويلة الأمد (صيانة). تجدر الإشارة إلى أن الأدوية القصيرة الأمد تعمل بسرعة لكنها قد تكشف عن تأثيرات جانبية غير مرغوبة. أما الأدوية الطويلة الأمد فتعطي مفعولها ببطء أكبر إنما يمكن استعمالها بأمان خلال المرحلة العنقودية.
حين تبدأ المرحلة العنقودية، تبدأ بتناول الأدوية الطويلة الأمد، مصحوبة في أغلب الأحيان بالأدوية القصيرة الأمد. وبعد أسبوعين، تتوقف عن استعمال الأدوية القصيرة الأمد وإنما تستمر في العقار الطويل الأمد.
الوقاية القصيرة الأمد
تستعمل الأدوية القصيرة الأمد للوقاية من نوبات الصداع خلال الوقت الذي يحتاج إليه أحد العقاقير الطويلة الأمد حتى يعطي مفعوله. في الواقع، إن أبرز الأدوية الوقائية القصيرة الأمد هي الستيرويدات القشرية والإرغوتامين. قد يكون قامع الأعصاب فعلاً أيضاً، خصوصاً لبعض الأشخاص الذين لا يتحملون الأدوية الأخرى.
الستيرويدات القشرية
إن العقاقير القامعة للالتهاب والمعروفة بالستيرويدات القشرية، مثل البريدنيزون (Deltasone، Sterapred وماركات أخرى) والديكساميثازون (Decadron) هي أدوية وقائية سريعة المفعول. يمكن وصفها إذا كان صداعك العنقودي قد بدأ للتو أو إذا كنت تعاني من نمط وجيز من المراحل العنقودية وفترات خمود طويلة. وفيما تعتبر الستيرويدات القشرية معالجة ممتازة لبضعة أيام، فإن تأثيراتها الجانبية الخطيرة تجعلها غير ملائمة للاستعمال الطويل الأمد.
الأرغوتامين (Ergomar)
المتوافر في شكل قرص يوضع تحت اللسان أو في شكل تحميلة توضع في المستقيم، يمكن تناوله قبل النوم للوقاية من النوبات الليلية. في الواقع، إن أدوية الأرغوت فعالة لفترات قصيرة ولكن يجب ألا تستعمل لأكثر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
قامع العصب
إن حقن مخدر (عامل مخدر) في الألياف المحيطة بالعصب القفوي، الموجود في الجهة الخلفية للرأس، يمكن أن يمنع رسائل الألم من الانتقال عبر ذلك المسار العصبي. يلتقي العصب القفوي مع العصب المثلث التوائم، الذي يتصل بكل البنى الحساسة للألم في الجمجمة. ويمكن لقامع العصب القفوي أن يكون مفيداً في توفير راحة مؤقتة إلى أن تعطي الأدوية الوقائية الطويلة الأمد مفعولها.
الوقاية الطويلة الأمد
يتم تناول الأدوية الطويلة الأمد خلال كل المرحلة العنقودية. لكن 10 في المئة تقريباً من المصابين بالصداع العنقودي المزمن لا يستجيبون جيداً لاستعمال أحد الأدوية الطويلة الأمد. في هذه الحالة، قد يوصيك الطبيب بتناول اثنين أو أكثر من الأدوية الطويلة الأمد في الوقت نفسه.
قامعات قناة الكلسيوم
إن عامل الفيراباميل القامع لقناة الكلسيوم (Calan، Covera، Isoptin) هو في الغالب الخيار الأول للوقاية من الصداع العنقودي، رغم أنه لم تُفهم تماماً بعد طريقة عمل الفيراباميل في الوقاية من الصداع العنقودي. يمكن استعمال الدواء منذ بداية المرحلة العنقودية لغاية ثلاثة إلى أربعة أسابيع بعد آخر صداع. يتم بعدها تخفيف استعماله تدريجياً ووقفه بناء على إرشادات الطبيب. وفي بعض الأحيان، تبرز الحاجة إلى استعمال طويل الأمد للسيطرة على الصداع المزمن. في الواقع، إن الإمساك هو تأثير جانبي شائع لهذا الدواء، إضافة إلى الدوار، والغثيان، والتعب، وتورم الكاحلين وانخفاض ضغط الدم.
كربونات الليثيوم
الليثيوم (Lithobid) المستخدم لمعالجة الاضطراب الثنائي القطبين فعال أيضاً في الوقاية من الصداع العنقودي المزمن. وتشمل التأثيرات الجانبية كلاً من الرعاش، وازدياد العطش، والإسهال والدوار. قد يعمد الطبيب إلى تعديل الجرعة للتخفيف من التأثيرات الجانبية. وخلال تناولك لهذا الدواء، يتم سحب عينات من دمك بشكل منتظم للتحقق من تطور المزيد من التأثيرات الجانبية، مثل ضرر في الكبد أو الكلية.
أدوية أخرى
ثمة أدوية وقائية واعدة للصداع العنقودي تشمل هرمون الميلاتونين، والكابساسين (Zostrix) – كريم يؤثر في الأعصاب القريبة من الجلد – وأدوية مضادة للتشنج مثل الديفالبرويكس (Depakote)، والغابابنتين (Neurontin) والتوبيرامات (Topamax). كما أن حقناً من سم البوتولينوم من النوع أ (Botox)، وهو عقار مملس للتجاعيد، قد توفر الراحة لبعض الأشخاص المصابين بالصداع العنقودي والذين لا يستجيبون للأدوية التقليدية. لكن تبرز الحاجة إلى المزيد من الدراسات لتقييم فاعلية كل هذه العلاجات للصداع العنقودي.
الرعاية الذاتية للصداع العنقودي
يمكن للإجراءات التالية أن تساعدك في تفادي نوبة صداع عنقودي:
الالتزام بجدول منتظم للنوم: فالمراحل العنقودية تبدأ غالباً عند حصول تغيرات في نمط نومك الاعتيادي. وخلال المرحلة العنقودية، عليك
الالتزام بروتينك الاعتيادي: تجنب القيلولة بعد الظهر. بعد بدء المرحلة العنقودية، تبيّن أن أخذ قيلولة بعد الظهر يسبب الصداع للعديد من الأشخاص.
تجنب الكحول: تؤدي الكحول إلى التسبب بالصداع خلال المرحلة العنقودية.
الحدّ من التعرض للمواد المتطايرة: إن التعرض الطويل الأمد لمواد مثل المذيبات والغازولين والدهانات المرتكزة على الزيت يمكن أن تسبب نوبة صداع.
كن حذراً في المرتفعات العالية: خلال المرحلة العنقودية، يمكن لتضاؤل الأوكسيجين في المرتفعات التي تتعدى 5 آلاف قدم أن تسبب صداعاً. وقد تحدث تفاعلات بين الأدوية الخاصة بالصداع العنقودي والأدوية المستخدمة لدوار الجبل مثل الأسيتازولاميد (Dazamide، DiaMox العالمي وماركات أخرى).
تجنب منتجات التبغ: يمكن للنيكوتين أن يسبب الصداع خلال المرحلة العنقودية. فإذا كنت عرضة للصداع العنقودي، من الأفضل الإقلاع عن التدخين وتجنب منتجات التبغ الأخرى.
تجنب الوهج والأضواء البراقة: يمكن للوهج المفرط والأضواء البراقة أن تسبب الصداع لبعض الأشخاص
الجراحة
في بعض الأحيان النادرة، يوصى بالجراحة للأشخاص المصابين بالصداع العنقودي المزمن الذين لا يستجيبون جيداً للعلاج التدخلي أو للذين لا يتحملون الأدوية أو تأثيراتها الجانبية. ويفترض بالمرشحين للجراحة أن يعانوا من الصداع في جهة واحدة فقط من الرأس – لأنه يمكن إنجاز الجراحة مرة واحدة فقط. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من صداع يتناوب بين جهتيّ الرأس، يحتمل ألا تنجح الجراحة معهم.
تم استعمال عدة أنواع من الجراحة لمعالجة الصداع العنقودي. وتحاول هذه الإجراءات إلحاق الضرر بالمسارات العصبية التي يعتقد أنها مسؤولة عن الألم. لكن قد ينجم عن ذلك ضعف العضلات في فكك أو فقدان الإحساس في بعض مساحات وجهك ورأسك. وتكون العمليات الجراحية الأكثر شيوعاً مخصصة للعصب المثلث التوائم.
في العملية الجراحية التقليدية، يقطع الجراح جزءًا من العصب المثلث التوائم بواسطة مبضع أو يستعمل حروقاً صغيرة لتدمير جزء من العصب. يوفر هذا النوع من الجراحة راحة لنحو 75 في المئة من الأشخاص المصابين بالصداع العنقودي المزمن.
وفي العملية الجراحة الإشعاعية، يتم استعمال حزام مركز من الإشعاع لتدمير جزء من العصب المثلث التوائم. والجراحة الإشعاعية هي عملية غير عدوانية لها تأثيرات جانبية أقل من الجراحة التقليدية، لكن فاعليتها وسلامتها واستمرارية نتائجها غير محددة تماماً بعد.