التصنيفات
جهاز التنفس

أضرار ومشاكل أدوية نزلات البرد الشائعة والإنفلونزا

نزلات البرد مزعجة، وقد ترسخ في ذهننا اعتقاد أنه ينبغي لنا تعاطي دواء ما لمساعدتنا على التغلب عليها، كما تعتبر نزلات البرد من أكثر الأمراض البشرية الحادة شيوعًا؛ إذ يمرض بها البالغون مرتين أو ثلاثًا سنويًّا، ولعل الوضع أسوأ بالنسبة إلى الأطفال؛ إذ يمرضون بها عادة من أربع إلى اثنتي عشرة مرة كل سنة. وتزول نزلات البرد في غضون بضعة أيام دون الحاجة إلى دواء معين، إذ تعتبر غير ضارة بوجه عام، لكن بعض الأعراض قد تستمر مدة تصل إلى أسبوعين، وعلى الرغم من ذلك، تمثل تكاليف علاج نزلات البرد عبئًا اقتصاديًّا ضخمًا؛ حيث يتم إنفاق أكثر من 3 مليارات دولار على أدوية علاج السعال ونزلات البرد المتاحة دون وصفة طبية، وأكثر من 7 مليارات دولار على زيارات عيادات الأطباء، وتتم خسارة نحو 20 مليار دولار بسبب التغيب عن العمل والمدارس.

وتعتبر الإنفلونزا مكلفة أيضًا، وهي غير حميدة على الإطلاق، وكثيرًا ما يعتقد العديد من مرضى البرد أنهم مصابون بالإنفلونزا، لكن ما يسبب الإنفلونزا هو فيروس مختلف يهاجم الجهاز التنفسي السفلي، ويرتبط بمضاعفات خطيرة يمكن أن تكون مميتة؛ فبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يصاب من ثلاثة إلى خمسة ملايين حالة سنويًّا بأمراض مرتبطة بالإنفلونزا، بالإضافة إلى 250000 أو 500000 حالة وفاة ذات صلة بها. وفي الولايات المتحدة، تتسبب الإنفلونزا في دخول أكثر من 400000 مريض إلى المستشفى، كما تتسبب في آلاف الوفيات كل عام، معظمهم من كبار السن. ولا تتضمن هذه الإحصائيات أوبئة الإنفلونزا، مثل وباء إنفلونزا الخنازير H1N1 الذي أدى عام 2009 إلى العديد من حالات المرض الشديد، ووقوع الوفيات بين الشباب الأصحاء كذلك.

وتسبب مئات الفيروسات المختلفة نزلة البرد الشائعة، كفيروسات الزكام التي تعد هي مسببات الإزعاج الأولى خاصة في أثناء فصل الشتاء، ويمتد موسم الإنفلونزا من شهر أكتوبر حتى بداية شهر مايو؛ بحيث تكون ذروته في شهري يناير وفبراير، وتتحور فيروسات الإنفلونزا كثيرًا؛ فتفسد قدرة الجهاز المناعي على التعرف عليها، وتصعب عليه إطلاق مصل فعال. وعندما يسعل أو يعطس مرضى البرد أو الإنفلونزا، فإنهم يطلقون دون قصد جزيئات فيروسية في الهواء يمكن للآخرين أن يتنفسوها، أو يمكن أن تستقر على الأسطح العارية. وتتمتع الفيروسات بقدرة على البقاء حية على الجلد البشري والأسطح ساعات، كما يمكنها الانتقال باللمس، وبعدها إذا تم لمس الأنف، أو الفم، أو العينين يمكن للعدوى أن تحدث، ولعل أفضل الأساليب لتقليل احتمالية خطر الإصابة بعدوى البرد أو الإنفلونزا هو تجنب الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض، وغسل اليدين باستمرار كما ينبغي.

وكثيرًا ما تتداخل أعراض البرد والإنفلونزا؛ لكن هناك فروقًا بارزة؛ فأعراض البرد تتطور ببطء؛ إذ تبدأ تدريجيًّا بالتهاب في الحلق، والعطس، والسعال، واحتقان الأنف، والرشح، وأحيانًا ما يصاحبها شعور عام بالتوعك، أما الإنفلونزا فلديها فترة حضانة قصيرة، وتتطور أعراضها سريعًا، وقد تتضمن الحمى، والارتجاف، والإعياء، وآلامًا جسدية عامة، والصداع، والسعال، والتهاب الحلق، واحتقان الأنف. وغالبًا ما تنتج أعراض كل من نزلات البرد الشائعة والإنفلونزا عن ردة فعل الجهاز المناعي على العدوى؛ إذ إنه يطلق مركبات تحفز الالتهاب، وتمدد الأوعية الدموية، وتزيد من إفراز المخاط؛ (معظم المتوفين الذين يقدر عددهم بأكثر من 20 مليون شخص عام 1918 لإصابتهم بوباء الإنفلونزا كان السبب في وفاتهم هو الموت غرقًا؛ حيث امتلأت رئاتهم بالسوائل نتيجة ردة فعل الجهاز المناعي المبالغ فيها على الفيروس).

مصل الإنفلونزا

وتتشابه استراتيجيات الوقاية، والعلاج كذلك، في كل من البرد والإنفلونزا، مع وجود استثناءين بارزين، هما أخذ مصل الإنفلونزا السنوي، واستخدام مضادات الفيروسات (التي سنناقشها في الجزء التالي). لكن الخبراء يعارضون حقن مصل الإنفلونزا؛ لأنه يتعين على العلماء توقع الفيروسات التي ستسبب الإنفلونزا قبل بداية الموسم الفعلي لها بأشهر كي ينتجوا المصل المناسب، وأحيانًا ما يخطئون في النتائج، كما تختلف درجة الكفاءة من عام إلى آخر؛ حيث تتراوح درجة الكفاءة في العام الذي يصيبون فيه الهدف من 60 إلى 70 % ، ذلك عندما يوجد توافق قوي بين المصل والفيروسات المنتشرة، ولعل عوامل الحماية تكون أقل ضمانًا لدى كبار السن، الذين قد يحتاجون إلى جرعات أكبر من المصل. ويعتبر المصل مهمًّا تحديدًا لمن يواجهون خطر الإصابة بمضاعفات الإنفلونزا بنسبة كبيرة، خاصة كبار السن، والرُّضع، والأطفال، وأصحاب أمراض القلب والرئة المزمنة، ومرضى السمنة.

وعندما يتم حقنك بمصل الإنفلونزا، يتفاعل جسمك بإنتاج أجسام مضادة لسلالات الفيروس الموجود في المصل، ويؤمن معظم الخبراء بأن أخذ المصل يمثل أحد إجراءات الحماية، وتشير الدراسات إلى أنه بإمكان المصل تقليل خطر الإصابة بالأزمات القلبية بالإضافة إلى الالتهاب الرئوي. وعلى الجانب الآخر، تشير مراجعات بيانات أشخاص أصحاء تم حقنهم بالمصل إلى استفادة متواضعة في أفضل الحالات، وتشكك في جدوى تعاطي مصل الإنفلونزا على نطاق واسع سنويًّا.

وهناك مجموعة متنوعة متاحة من أمصال الإنفلونزا؛ فإن اخترت أخذ إبر الإنفلونزا، فاطلب مصلًا لا يحتوي على الثيميروسال، وهو مادة حافظة أساسها الزئبق، يتم الاستغناء عنها تدريجيًّا؛ حيث يعرف الزئبق بأنه سم عصبي. وهناك قائمة بالأمصال التي يتضمن محتواها الثيميروسال متوافرة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

مشكلات عقاقير نزلات البرد والإنفلونزا

فرط استخدام المضادات الحيوية

لا بد من أن أكرر أن نزلات البرد والإنفلونزا تنتج عن الفيروسات، ويكون للمضادات الحيوية فاعلية ضد البكتيريا لا الفيروسات؛ ومن ثم لا يكون هناك دور للعلاج بالمضادات الحيوية في علاج نزلات البرد والإنفلونزا غير المعقدة.

أيضًا ليس للمضادات الحيوية دور في منع المضاعفات، كالتهاب الجيوب الأنفية، الذي يمكن أن يتطور نتيجة نزلة البرد أو الإنفلونزا، وعلى الرغم من ذلك، فإن عشرات الآلاف من مرضى هذه الحالات يطلبون كل عام مضادات حيوية موصوفة من أطبائهم. وفي الحقيقة، إن 41 % من كل المضادات الحيوية الموصوفة يتم وصفها لعلاج عدوى الجهاز التنفسي، ويكون معظمها غير ضروري أو غير مناسب، وهي مشكلة كبيرة كما رأينا؛ لأن المضادات الحيوية مسئولة عن العدد الأكبر من ردود الفعل الخطيرة الناتجة عن تناول العقاقير، وأيضًا لأن سوء استخدامها والإفراط فيه يعجلان بتطور المقاومة البكتيرية؛ وهو خطر كبير على الصحة العامة. فإن أصبت بنزلة برد أو إنفلونزا، فلا تطلب من طبيبك أن يصف لك مضادًّا حيويًّا.

العقاقير المضادة للفيروسات

لا يوجد حتى الآن عقار موصوف فعال في الوقاية من الإصابة بنزلات البرد أو علاجها، لكن هناك مضادات للفيروسات موصوفة ومتاحة لعلاج الإنفلونزا، ومثلها الأمصال، فهي ذات نفع كبير لأولئك الذين يواجهون خطر المضاعفات، وقد يشعر معظم الأصحاء عند إصابتهم بالإنفلونزا بالانزعاج – وأحيانًا بالانزعاج الشديد – بضعة أيام، لكنهم يتحسنون من تلقاء أنفسهم، ما لم يكونوا مصابين بسلالة خبيثة من الفيروسات؛ أي من النوع الذي يسود عندما تكون الإنفلونزا متفشية في جميع أنحاء العالم، وهناك مضادات فيروسية أحدث، تعرف بمثبطات نورامينيداز، من بينها زانامافير (ريلينزا) وأوسيلتاميفير (تاميفلو)، وهذه العقاقير تمنع إطلاق الجزيئات الفيروسية حديثة التكون من الخلايا المصابة، وعندما ظهرت مثبطات نورامينيداز في بادئ الأمر، أعلن عنها بوصفها الخيار الأمثل لعلاج الإنفلونزا، غير أن التجارب أثبتت أن في هذا مبالغة كبيرة، وأوضحت الدراسات أن كل ما تفعله مثبطات نورامينيداز هو أنها تقلل مدة الإصابة بالإنفلونزا بمقدار يوم فحسب.

وباقتران مثبطات نورامينيداز بالأمصال، فإنها تساعد على الوقاية من المضاعفات بالنسبة إلى أولئك الذين يواجهون خطرها؛ لكن هناك أيضًا بعض الجوانب السلبية لذلك، حيث يرتبط عقار زانامافير بالتشنج القصبي (الذي ينتج عنه الأزيز) لدى الأفراد الذين يعانون مشكلات مزمنة في الرئتين، بينما يشتهر عقار أوسلتاميفير بأنه يسبب الدوار، والغثيان، والقيء. ومثلما أصبحت البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، بدأ فيروس الإنفلونزا تطوير مقاومة ضد مثبطات نورامينيداز، خاصة أوسلتاميفير.

أود أن أطلب منك أن تضع في اعتبارك أن معظم من يصابون بنزلات الإنفلونزا لا يحتاجون إلى اهتمام طبي أو مضادات فيروسات، وأنهم يتحسنون من تلقاء أنفسهم.

علاجات البرد والإنفلونزا المتاحة دون وصفة طبية

يقدر أن 70 % من مرضى البرد والإنفلونزا يلجأون إلى العلاجات المتاحة دون وصفة طبية، ويكون معظمها غير فعال، ولا تقلل من مدة الإصابة بالمرض، ويحتمل أن تكون خطيرة، خاصة للأطفال؛ وفي عام 2008 ، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية نصيحة بشأن الصحة العامة، تقول فيها إنه لا يجوز إعطاء الرضع والأطفال تحت سن عامين عقاقير السعال والبرد المتاحة دون وصفة طبية. وتظل الاستشارة الطبية فيما يتعلق بالأطفال تحت سن إحدى عشرة سنة قيد النظر.

وتحتوي معظم علاجات البرد والإنفلونزا المتاحة دون وصفة طبية على الأسيتامينوفين (تايلينول) أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل أيبوبروفين (أدفيل، وموترين). ويمكن لهذه المنتجات أن تفيد في خفض حدة أعراض الحمى، وتخفيف آلام الجسد، عندما يتم تعاطيها بالجرعات المناسبة، لكن الحمى تعد استجابة مفيدة تجاه العدوى؛ فمع ارتفاع درجة حرارة الجسم تعمل دفاعات الجهاز المناعي بكفاءة أكبر. وما لم تصل الحمى إلى درجة خطيرة (ما فوق 40.5 درجة مئوية/ 105 درجات على مقياس فهرنهايت)، قد يكون في إراحة نفسك عن طريق الاستحمام بالإسفنجة والكمادات الباردة حكمة أكبر من خفض درجة الحرارة عن طريق الأدوية (يستثنى من هذه العبارة الأطفال، والمراهقون ، خاصة الرضع؛ إذ ينبغي أن يتم الكشف على أي طفل مصاب بالحمى من قبل الطبيب للوقوف على السبب وتحديد العلاج المناسب)، ويعتبر الأسيتامينوفين ومثبطات نورامينيداز فعالين بصورة طفيفة في أفضل الحالات في علاج أعراض البرد والإنفلونزا الأخرى، ويمكنهما أن يتسببا في آثار خطيرة؛ حيث تشير بعض البيانات إلى أن الأسيتامينوفين قد يكبح استجابة الجهاز المناعي ويفاقم من الاحتقان لدى البالغين، بالإضافة إلى أن الجرعات المفرطة غير المقصودة منه يمكن أن تؤدي إلى فشل الكبد.

وغالبًا ما تستخدم مضادات الهستامين في علاج الأنواع المختلفة من الحساسية؛ لكن كثيرًا ما يتناولها المرضى لعلاج أعراض البرد والإنفلونزا، لكنها تأتي بأثر طفيف، ويمكن للأنواع الأقدم من مضادات الهستامين، مثل الديفينهيدرامين (بينادريل)، أن تتسبب فعليًّا في تفاقم الحالة؛ لأنها تجعل المخاط أكثر سماكة ما يجعل عملية التخلص منه أكثر صعوبة، هذا بالإضافة إلى كون عقاقير الجيل الأول من مضادات الهستامين هذه ذات أثر مسبب للنعاس؛ ما قد يجعل القيادة واستخدام المعدات الثقيلة مع تناولها أمرًا خطرًا. أما عقاقير الجيل الثاني الأحدث من مضادات الهستامين, مثل فيكسوفينادين (أليجرا)، ولوراتادين (كلاريتين)، وسيتيريزين (زيرتك)، فيفترض أن تكون غير مسببة للنعاس؛ لكنها هي الأخرى قد تصيبك بالدوار أو الخمول.

وتأتي عقاقير السعال في شكلين – مضادات السعال التي تحتوي على مادة ديكستروميثورفان، وهي مركب يرتبط بمشتقات الأفيون التي توقف السعال غير الإرادي بشكل مؤقت، والنوع الثاني هو طاردات البلغم – وكثيرًا ما تحتوي على الجايفينسين، الذي يزعم أنه يجعل المخاط أقل سماكة، ويسهل من تنظيف القنوات الهوائية؛ لكنها في الحقيقة ذات درجة محدودة من الفاعلية. ويعتبر السعال هو أسلوب الجسد في التخلص من المخاط الذي قد يسد قنوات التنفس، وفيما يتعلق بالسعال الجاف الذي يتسم بكونه مؤلمًا ومنهكًا، ويبقيك مستيقظًا طوال الليل، أو يعوقك عن أداء أنشطتك اليومية، يكمن إيقافه بفاعلية بمادة ديكستروميثورفان، حيث لا يجوز إيقاف السعال المنتج للبلغم، وأحيانًا يمكن للسعال أن يستمر أسابيع بعد الإصابة بعدوى حادة في الجهاز التنفسي، وتعرف هذه الحالة باسم متلازمة السعال التالي للعدوى الفيروسية ، وإن فشل عقار ديكستروميثورفان في السيطرة على السعال، فربما يكون من الضروري استعمال أحد مشتقات الأفيون الموصوفة.

ونظرًا إلى كون الاحتقان عرضًا شائعًا في كلٍّ من نزلات البرد والإنفلونزا، تعتبر مضادات الاحتقان التي تؤخذ عن طريق الفم صنفًا شائعًا آخر من العلاجات المتاحة دون وصفة طبية، وينتج الاحتقان عن تمدد الأوعية الدموية للأنسجة المبطنة للمسارات الهوائية، وتتعلق مضادات الاحتقان بالإبينيفرين (أدرينالين)، وهو منشط؛ حيث تقوم هذه العقاقير بتنشيط المستقبلات التي تقلص الأوعية الدموية لتعود إلى حجمها الطبيعي؛ ومن ثم تقليل التورم والاحتقان، وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض المشكلات في هذه الأدوية؛ فقد تم سحب أحدها، فينيلبروبانولامين، من السوق بعد اكتشاف تسببه في زيادة خطر الوفاة لدى المسنين. كما تم تقييد تسويق مركب آخر من المركبات المضادة للاحتقان، وهو سودوإفيدرين؛ نظرًا إلى استخدامه غير المشروع في تصنيع الميثامفيتامين، أما في الوقت الحالي، فتحتوي معظم مضادات الاحتقان المتاحة دون وصفة طبية على منشطات ذات صلة، وهو فينيليفرين، ومن بين آثارها الجانبية التوتر، والدوار، والأرق، وخفقان القلب، وكذلك ارتفاع ضغط الدم في بعض الحالات النادرة.

ويمكنك رش مضاد احتقان موضعي، مثل أوكسيميتازولين (أفرين)، في فتحتي الأنف مباشرة؛ حيث يوفر راحة أسرع من التي توفرها المستحضرات التي تؤخذ عن طريق الفم؛ لكن لا يجوز استخدامه إلا فترة زمنية قصيرة، قد تتراوح بين يوم وثلاثة أيام، ومع الاستخدام الأطول تتضاءل كفاءته، وتجد نفسك ترش مضاد الاحتقان داخل أنفك عددًا أكبر من المرات لعلاج الاحتقان المتكرر (الذي يعرف بالتهاب الأنف دوائي المنشأ)، وتمثل هذه الحالة ردة فعل الجسم الاستتبابية للدواء: إذ يتفاقم احتقان الأنف ويدوم فترة أطول؛ حيث يتسبب الاستخدام المتواصل لمضادات الاحتقان الموضعية في دخول المريض حلقة مفرغة من الاعتماد على الدواء.

ونظرًا إلى أن كل مضادات الاحتقان تحتوي على المنشطات، فيُوصى الأشخاص ذوو ضغط الدم المرتفع الذي تصعب السيطرة عليه بالحذر، أو الذين يعانون عدم انتظام ضربات القلب، أو أمراض القلب، أو مرضى المياه الزرقاء، كما يمكن لهذه العقاقير تعطيل حركة عضلات المثانة؛ ما يؤدي إلى احتباس البول؛ لذلك ينبغي لمرضى المثانة البولية، بالإضافة إلى من يعانون تضخم غدة البروستاتا من الرجال، تجنب هذه العقاقير.

تجمع الكثير من علاجات البرد والسعال المتاحة دون وصفة طبية بين مسكنات الآلام، ومضادات السعال، ومضادات الاحتقان، ومضادات الهستامين، وإن خططت لاستخدامها، فتأكد من قراءة التعليمات بعناية؛ فالجمع بين مركبات معينة يجعلك تواجه خطورة التعرض لآثار جانبية سامة بدرجة أكبر، وتشير بعض الأدلة إلى أن هذه المنتجات قد تطيل فترة المرض فعليًّا؛ لأنها تجعل المريض يشعر بأنها تعالج المشكلة؛ ومن ثم يمكنه مباشرة عمله بدلًا من أخذ قسط من الراحة للحفاظ على ما لديه من طاقة.

خيارات الطب التكاملي لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا

العلاجات والمكملات العشبية

يمكن استخدام مجموعة متنوعة من الأعشاب والمكملات لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا؛ فقد ثبتت مثلًا فاعلية ملك المر، وهو عشب يشيع استخدامه في الطب الشعبي في الهند (منظومة الأيورفيدا)، في تقليل الأعراض بمفرده، وأيضًا عند اقترانه بعشب آخر، وهو الجنسينج السيبيري. أيضًا نبات القتاد، الذي يتم الحصول عليه من جذر أحد النباتات من جنس البقوليات، ظل يستخدم خلال قرون في الصين لعلاج عدوى الجهاز التنفسي، وأوصي به كإجراء وقائي خلال موسم البرد والإنفلونزا، خاصة من قبل من يميلون إلى التقاط “أية عدوى يمرون بها”، وأتناول شخصيًّا هذه العشبة عند السفر، أو عند التعامل مع أشخاص مصابين بالسعال والعطس؛ فليس القتاد سامًّا، ويمكن تناوله إلى أجل غير مسمى، أيضًا يمكن لنبات القنفذية (بأنواعها متزوية الأوراق ، أو الأرجوانية ، أو الشاحبة ) معاونة الجهاز المناعي على مقاومة العدوى؛ لكن نتائج الدراسات التي أجريت على آثاره في نزلات البرد الشائعة كانت متفاوتة؛ فالمستخلصات القياسية التي تحتوي على كل من القنفذية الأرجوانية و القنفذية متزوية الأوراق تبدو هي الأكثر فاعلية، خاصة لدى البالغين، ولنبات الخمان ( الخمان الأسود ) خصائص مضادة للالتهاب ومضادة للفيروسات معًا، وتشير الدراسات إلى قدرته على تقليل مدة أعراض الإنفلونزا بشكل ملحوظ، وهو متوافر في شكل شراب وأقراص استحلاب، وهناك أيضًا الثوم، فبالإضافة إلى استخدامه في الطبخ، فهو عشب علاجي فعال ذو خصائص محفزة للمناعة إلى جانب آثاره المضادة للفيروسات والمضادة للبكتيريا؛ لذلك أتناول شخصيًّا كمية صغيرة من الثوم النيء متى ما ظهرت عليَّ العلامات الأولى لنزلة البرد، حيث أفرم بضعة فصوص منه، وأضيفه إلى طعامي، ويمكن أيضًا للمنتجات المصنوعة من نبات اللقلقي السيداوي تقليل حدة نزلة البرد وتقليص مدتها. كذلك بإمكان العلاج التجانسي أوسيلوكوسينوم، المصنوع من كبد البط وقلبه، أن يعالج الإنفلونزا؛ لكن الأدلة الداعمة لذلك ضعيفة، وقد تقي المعينات الحيوية من الحمى، والسعال، والرشح لدى الأطفال؛ لكن المعلومات المتاحة عن مدى فاعليتها لدى البالغين أقل إقناعًا.

وتقول معظم الدراسات إن جرعة وقائية من فيتامين C (من 200 إلى 500 مليجرام يوميًّا، كما توصي بعض الدراسات الأخرى بجرعات أكبر) يمكن أن تساعد على الوقاية من نزلات البرد الشائعة، أو على الأقل تقلل من حدة الأعراض ومدتها، ويبدو أن ذلك يحقق الفاعلية القصوى لدى أولئك الذين يعانون نقص فيتامين C ، وتشير البيانات الوبائية إلى وجود رابط بين مستويات فيتامين D ومعدل إصابة الجهاز التنفسي العلوي بالعدوى، من بينها عدوى الإنفلونزا (حيث تتدنى نسبة فيتامين D في الدم إلى أدنى مستوياتها خلال شهور الشتاء، عندما يبلغ معدل الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا ذروته). ولعل نتائج الأبحاث تتسم بالتفاوت، لكن مكملات فيتامين D قد تساعد على الوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا لدى أولئك الذين يعانون تدني مستوياته. أيضًا يعطل نقص الزنك وظيفة الجهاز المناعي، وتشير الدراسات التي تستخدم كبريتات الزنك، والأسيتات، والجلوكونات ضد نزلات البرد إلى فائدتها إن تم تناولها خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى من الإصابة، ذلك على الرغم من أن الدليل على هذا الاستنتاج يعد ضعيفًا بوجه عام. وتشيع آثار حادة، مثل الغثيان، مع تناول المعينات أكثر منها مع الشراب والحبوب، وقد يؤدي استخدام الزنك عبر الأنف مباشرة إلى تلف دائم في حاسة الشم لدى المريض.

تغيير نمط الحياة

يواجه المدخنون نسبة كبيرة من خطر الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي، وبإمكانهم تقليل هذا الخطر عن طريق الامتناع عن التدخين. ويمكن للتوتر المزمن، وغياب الدعم الاجتماعي، والاكتئاب، أن يتعارض كل منها مع الوظيفة المناعية؛ ما يرفع من خطر الإصابة بالعدوى؛ ومن ثم يمكن لممارسات علاج التوتر والمشاركة الاجتماعية أن يكونا إجراءين وقائيين وممتعين في الوقت نفسه، وقد ثبت أن قدرة تأمل الوعي التام على تقليل معدل الإصابة بأعراض نزلات البرد، وحدتها، ومدتها، تعادل قدرة التريض بدرجة معتدلة على فعل الشيء نفسه 14 ، وعلى الرغم من ذلك، قد يزيد فرط التريض، كالركض بقوة، بشكل مؤقت من خطر الإصابة بالعدوى. أيضًا يعتبر النوم فترات كافية أمرًا بالغ الأهمية في دعم أداء الجهاز المناعي على نحو مثالي؛ فإن نمت فترة تقل عن ست ساعات في الليلة، تكون أكثر احتمالية للإصابة بالبرد؛ لأن الجسم الذي لا يحصل على القسط الكافي من النوم يفرز عددًا أقل من الخلايا الطبيعية التي تدمر الخلايا المصابة بالفيروس؛ فحاول أن تنام سبع ساعات على الأقل كل ليلة.

الخلاصة

تعتبر نزلات البرد والإنفلونزا شائعة، ويتطلب علاجها منطقًا سليمًا؛ فنظرًا إلى كونهما مرضين فيروسيين؛ لا يجوز علاجهما بالمضادات الحيوية. ولعل أعراض الإنفلونزا تكون أشرس من أعراض البرد، وقد ينتج عنها في بعض الحالات مضاعفات؛ لكن معظم الأشخاص الذين يتمتعون بالصحة يتعافون من كل من البرد والإنفلونزا بأنفسهم دون حاجة إلى العقاقير، سواء أكانت موصوفة أم متاحة دون وصفة طبية. وتعتبر الوقاية هي الاستراتيجية الفضلى؛ لذلك ينبغي لمن يواجهون خطر مضاعفات الإنفلونزا بشكل أكبر أن يأخذوا مصل الإنفلونزا السنوي، وأيضًا استشارة الطبيب بشأن الحاجة إلى علاج وقائي مضاد للفيروسات. واغسل يديك مرارًا، واحصل على قسط وافر من النوم، واجعل احتكاكك بالمرضى محدودًا، وتناول طعامًا غنيًّا بالفيتامينات المضادة للأكسدة والأملاح المعدنية، كالفواكه زاهية اللون، والخضراوات بوجه عام، وبخاصة الورقية الداكنة منها، وأضف الفطريات المعززة للمناعة، كفطر دجاجة الغابة وفطر شيتاكي، إلى أطعمتك المفضلة، ومن بينها مرق الدجاج الذي ثبتت قدرته على التقليل من حدة أعراض نزلات البرد. وجرب أخذ جرعات إضافية من فيتامين C وفيتامين D خلال موسم البرد والإنفلونزا، وربما تجرب نبات القتاد وعشبة ملك المر، وإذا كنت مريضًا بالفعل، فاسعل واعطس في مناديل ورقية، ولا تذهب إلى العمل أو المدرسة حتى تشعر بتحسن كبير؛ لتقليل فرصة إصابة الآخرين بالعدوى، واستخدم محلولًا ملحيًّا خفيفًا للغرغرة للتخفيف من التهاب الحلق، وجرب العلاج بالخمان الأسود، أو مستحضر أوسيلوكوسينوم، أو نبات القنفذية، أو نبات اللقلقي، واطلب من طبيبك أن يصف لك أحد العقاقير المضادة للفيروسات إن كانت نزلات الإنفلونزا التي تصيبك حادة، واجعل استخدامك الأدوية المتاحة دون وصفة طبية محدودًا، وتجنب مزج العديد من منتجات البرد والسعال لتقليل احتمالية خطر الإصابة بحالات مرضية أكثر خطورة. وإن ساءت الأعراض أو استمرت أكثر من عشرة أيام إلى أربعة عشر يومًا، فتواصل مع طبيبك بهذا الشأن.