الزائدة الدودية اسم على مسمى، إذ إنها فعلاً عضو زائد ذو شكل دودي ملتصق بالأمعاء الغليظة. يتراوح طول الزائدة بين عشرة سنتيمترات وخمسة عشر سنتيمتراً، وتحتوي على انسجة لمفاوية تبدأ بالظهور في الأسابيع الأولى من حياة الجنين، ثم تتكاثر مع النمو لتتجاوز المئتين في سن المراهقة، بعدئذ ينخفض عددها الى النصف في سن الكهولة، ليندثر تماماً بعد هذه السن. وهذا يفسر لنا كثرة الحالات الالتهابية في سن المراهقة، وقلتها في الكهولة والشيخوخة.
تلتهب الزائدة الدودية لدى الإنسان في كل مراحل العمر. فالطفل والمسنُّ والمرأة الحامل كلهم معرضون لهذه الحالة، لكن بنسب مختلفة، ومؤخراً انخفضت نسبة الإصابة بهذه الحالة أخيراً من 100على 100.000 إلى 50 على 100.000، وإلتهاب الزائدة الدودية لدى الذكور تزيد على إلتهابها لدى الإناث، بنسبة ثلاثة إلى واحد.
نظرة تاريخية
عرف الطب إلتهاب الزائدة وحدّد عوارضها منذ خمسمئة سنة، وكانت أول جراحة لها قد أجريت لطفل عمره اثنتا عشرة سنة على يد جراح إنكليزي يُدعى كلوديوس أمياند، استأصلها عرضياً حينما كان يُجري عملية فتق، فوجد داخل جيب الفتق زائدة دودية ملتهبة فاستأصلها. وكم كانت دهشته كبيرة حينما وجد دبوساً في داخلها. ومنذ ذلك الحين زاد الاهتمام بإلتهاب الزائدة، وتطورت جراحتها، ووصلت إلى ما وصلت إليه في عصرنا الحاضر.
أسباب إلتهاب الزائدة
إن تسعين في المئة من حالات إلتهاب الزائدة مردّه إلى انسدادٍ في لمعتها (تجويفها lumen)، وهذا الانسداد يكون غالباً من تضخم الأنسجة اللمفاوية الموجودة في الزائدة، الذي يسبب بدوره احتقاناً في التروية الدموية وتكاثراً في الجراثيم، يؤدي إلى اهتراء في جدار الزائدة وانثقابها إذا لم تعالَج في الوقت المناسب.
أما الأمراض الأخرى التي يمكن أن تحدث للزائدة، فهي علل جراحية أخرى، كمرض الـ السرطاوي carcinoid، أو تجمع سائل مخاطي في لمعتها mucocele، وغير ذلك من أورام حميدة أو خبيثة لا تتجاوز نسبتها مجتمعة أكثر من (0.58) بالمئة.
العوارض
إن اعراض التهاب الزائدة الدودية تشتمل على:
أ. فقدان الشهية.
ب. الألم في البطن: ويبدأ من حول السُّرة وينتقل إلى موقع الزائدة الدودية في الجزء الأيمن الأسفل من البطن، وذلك نتيجة تحسّس الصِّفاق للالتهاب الحاصل التهاب صفاقي موضعي localized peritonitis
ج. التقيؤ: ويحصل دائماً بعد حدوث الألم. وكل تقيؤ يحصل قبل أن يشعر المريض بألم في البطن، يجب أن يدعو إلى الشك في أن يكون إلتهاب الزائدة الدودية هوالسبب.
د. ارتفاع في الحرارة: هو ارتفاع بسيط من 38 إلى 38.5 درجة مئوية، إلا في حالات الغرغرينة والتسمم الناتج من الالتهاب أو الانثقاب؛ فعندئذ ترتفع الحرارة إلى 39 درجة أو أكثر.
هـ. أما في الحالات المتأخرة حينما يحدث الانثقاب، فيكون الأمر أشد خطورة، وتتحول الإشارات البطنية السريرية إلى حالة تخشب بطني board like abdomen يستدعي مداخلة جراحية سريعة.
تشكل هذه العوارض لوحة نموذجية لالتهاب الزائدة الدودية، لكن لسوء الحظ لا تظهر مجموعة العوارض كاملة ونموذجية إلا في بعض الحالات، ما يجعل التشخيص أحياناً صعباً للغاية، إذ إن بعض هذه العوارض تشترك مع حالات مرضية أخرى، كالتهاب قناة فالوب أو التفاف المبيضtorsion of the ovary عند الأنثى. فضلاً عن أن التهاب الحالب أوالتهاب المرارة أو انثقاب القرحة الهضمية، يمكن أن يعطي علامات وعوارض كعلامات التهاب الزائدة الدودية، لذلك يجب أن يكون الفاحص على درجة كبيرة من اليقظة ليستطيع التفريق بينها، كي يتمكن من الوصول إلى التشخيص الصحيح.
الفحوصات المخبرية
في عارض التهاب الزائدة الدودية، تتكاثَر كريَات الدم البيضاء عادة، فتصل إلى اثني عشر ألفاً في ملم3 الواحد، وقد تصل أحياناً إلى ثمانية عشر ألفاً، وخصوصاً عند الأطفال، في ردّ فعل من الجسم على الالتهاب الحادث.
ثم يأتي دور الفحوصات المكمّلة لتأكيد التشخيص.
وهذه الفحوصات تشمل:
أولاً: الصورة ما فوق الصوتية Ultra sound للبطن، تظهر الحالة التي توجد فيها الزائدة الدودية، ملتهبة أو عادية. كذلك تعطي إيضاحات جيدة عن حالة بعض الأعضاء المجاورة، كالمبيض عند النساء ووجود كتل غير طبيعية أو انصباب صفاقي peritoneal effusion.
ثانياً: التصوير الطبقي المحوري Ct Scan. إذا لم يتوصل الجراح إلى تشخيص أكيد، فإنه قد يستعين بصورة شعاعية طبقية محورية مع حقنة للأمعاء الغليظة بمادة (الغاستروغرافين) Gastrographin، التي غالباً ما توفر المعلومات التي تؤكد التشخيص أو تستبعده.
ثالثاً: أما في الحالات المعقدة، فقد يلجأ الجراح إلى التشخيص الاستقصائي بالمنظار laparoscopy diagnostic، وهنا يدخل المنظار إلى عالم التشخيص، ومنه إلى العلاج إذا وجدت المبررات اللازمة؛ فإدخال المنظار إلى البطن يعطي الجراح مشاهدة عينية لكل أعضاء البطن، ويستطيع بالتأكيد أن يحدد التشخيص. وفي حال الالتهاب، يجب استئصال الزائدة. وفي هذه الحالة يكون المنظار تشخيصياً وعلاجياً.
إن توافر كل هذه الوسائل والتقنيات الحديثة أدى إلى تحسن كبير في صوابية التشخيص، وأصبح مجال الخطأ في هذا الأمر لا يتعدى الـ(5 إلى 7) في المئة، بينما كان الخطأ 25 % في أحسن الحالات. وفي بعض الإحصاءات، إن 16 % من الزوائد المستأصلة سليمة وغير ملتهبة.
الاختلاطات والأخطار
يتطور التهاب الزائدة الدودية دراماتيكياً إذا لم تعالج الحالة في بدايتها؛ إذ إن الالتهاب الحاصل، وانسداد لمعة الزائدة الدودية، يسببان انتفاخاً في جدارها وعرقلة للتروية الدموية، ما يسبب موت الخلايا والغرغرينة التي يليها الانثقاب، وبالتالي تسرب القيح والبراز إلى التجويف البطني، وتتحول الحالة من التهاب عضو قابل للعلاج باستئصاله إلى حالة تسمم صفاقي peritonitis. وقد تحدث صدمة انتانية septic shock، ويبقى الخوف من الاختلاطات المتأخرة late complication التي تشمل التصاقات جوفية داخل البطن، ما يسبب انسداداً معوياً. وقد تظهر هذه الاختلاطات بعد سنوات طويلة من استئصال الزائدة الدودية. أما إذا أجريت الجراحة واستؤصلت الزائدة الدودية في بدايات التهابها، فإن ذلك يوفر للمريض شفاءً كاملاً، ويمكنه أن يغادر المستشفى خلال 24 ساعة ويستأنف حياته العادية خلال أيام.
العلاج بالمنظار
إن علاج التهاب الزائدة الدودية هو في استئصالها. وهذه العملية هي أكثر العمليات الطارئة التي يجريها الجرّاح العام. وكانت عملية استئصال الزائدة تُجرى بالطريقة التقليدية من خلال إحداث شِقٍّ في الجهة اليمنى السفلى من البطن McBurney incision تستأصل من خلاله الزائدة الدودية.
ومع تطور الجراحة التنظيرية، خطر للجراح الألماني Kurt Semm من Kwel في ألمانيا أن يحاول استئصال الزائدة الدودية بالمنظار، ونجح في مُحاولته عام 1983. ولم يرد في وسائل الإعلام الطبية أي خبر عن هذا الإنجاز العظيم إلا سنة 1987، بعدما أُجريت العديد من العمليات بالمنظار، وأصبحت إحصائياً قابلة للنشر.
واليوم أصبح استئصال الزائدة بالمنظار رائجاً ومعتمداً في صفوف الجراحين المتدربين على جراحة المنظار، وقلة من الجراحين لا يزالون يستأصلون الزائدة بالطريقة التقليدية.
تقنية الاستئصال بالمنظار