لقد مر تعريف الورم والسرطان بمراحل متعددة عبر العصور. فمنذ آلاف السنين تمت ملاحظة السرطان ونموه الظاهر وبعد تعريفه الزمني على يد أبوقراط بأنه كتلة تنمو وتكبر مع الزمن في جسم الإنسان. أصبحنا نعرف الأورام حسب أثارها على الجسم ونموها وخصائصها النسيجية. فالورم اما ان يكون ورماً حميداً موضعياً قد يتسبب بالازعاج ولا يتسبب عادة بالضرر، واما ان يكون ورماً خبيثاً يكبر موضعياً في مكانه ويستطيع أن ينتقل إلى العقد الليمفاوية (التي يسميها الناس أيضاً الغدد الليمفاوية) وأن ينتشر في باقي أنحاء الجسم. لقد تطور العلم كثيراً وأصبحنا نعرف أنه ليس هناك نوعاً واحدا من السرطان وانما هناك أنواع عديدة وكثيرة من الأورام والسرطانات التي لها خصائص مختلفة وسرعة نمو مختلفة وبالتالي درجات ضرر متفاوتة.
كيف يعرف الطب الحديث السرطان
السرطان ينتج عن خلل في الحامض النووي للخلية الحية يؤدي اما إلى “إشارات تشجع نمو الخلية” أو يؤدي إلى “وقف إشارات عدم النمو”. تتم ترجمة رموز هذا الخلل عبر بروتينات تكون موجودة على سطح الخلايا وبروتينات وأنزيمات داخلها تكون لها علاقة بإشارات نمو الخلايا وخضوعها للمراقبة السليمة من قبل الجسم وجهاز مناعته. الخلية المتحولة تنمو وتتكاثر بشكل غير منتظم وعشوائي وتكون كتلة ورم تغزو محيطها وتستطيع الانتقال إلى الدم ثم إلى أماكن متعددة في الجسم حيث قد تستقر في بعضها وتسبب ما نسميه إنتقالاً أو انتشار.
نمو وتكاثر الخلايا الطبيعية والغير طبيعية:
الإنسان هو كائن حي يتألف من خلايا حية يزيد عددها على بلايين موجودة في جميع أنحاء الجسم. فبعد أن يتكّون الإنسان بخلية واحدة تألفت من اندماج الحيوان المنوي الذكر والبويضة الأنثوية، تنقسم هذه الخلية وتكون أعضاء مختصة بوظائف مختلفة في جسم الإنسان من أعصاب وعضلات وعظام وقلب وأجهزة دموية وخلايا الرئة والجهاز الهضمي والجهاز البولي والتناسلي وخلايا الدم وغيرها. هكذا يتكون الجنين ويولد طفلاً ينمو ويكبر. تستمر الأعضاء في النمو حتى يصل الجسم إلى مرحلة تتوقف فيه معظم الخلايا عن التكاثر والنمو، الا في حالات الخلايا التي تتجدد بطريقة دائمة مثل خلايا الدم والجلد والشعر وغشاءات الجهاز الهضمي مثلاً، أو في حال الضرورة عند حدوث جرح على الجلد أو عملية جراحية. إذن، فإن الخلايا الطبيعية في الجسم تنمو وتتكاثر بشكل مدروس ونظامي لكي تؤدي وظائفها وتحاول اصلاح أي حادث أو خلل قد يحصل لها لتتغلب عليه.
نمو وتجدد خلايا الدم الطبيعية
أهم خلايا الجسم التي تتجدد بطريقة دائمة هي خلايا الدم. ففي كل يوم، بل كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية هناك خلايا دم جديدة تتكون. الدم يتألف من خلايا دم حمراء (RBC: Red Blood Cells) تعيش كل واحدة منها حوالى مئة وعشرين يوماً، وخلايا دم بيضاء ((WBC: White Blood Cells مسؤولة عن مناعة الجسم بعضها لها وظائف محاربة الميكروبات البكتيرية وتعيش حوالى أربعة وعشرون إلى ثمانية وأربعون ساعة فقط وتكون في حالة تجدد دائم (نيوتروفيل: Neutrophils) وبعضها الآخر له وظائف مناعة ضد الميكروبات الصغيرة والفيروسية ووظائف الذاكرة المناعية وتعيش فترات أطول (ليمفوسايت Lymphocytes). هناك أيضاً خلايا الصفائح الدموية (Platelets, Plaquettes) المسؤولة عن وقف النزيف ومنعه وهي تعيش من سبع إلى عشرة أيام، وهي كذلك بحالة تكاثر وتجدد دائم.
نمو وتجدد خلايا الأعضاء
تتجدد خلايا غشاء الجهاز الهضمي مثلاً من الفم إلى المخرج بشكل دائم. وكذلك خلايا الجلد التي لديها وظائف حماية الجسد من العوامل الخارجية وهي قادرة على أن تنمو وتتكاثر حسب حاجة الجسم وبناء على إشارات ومعلومات واضحة للتجدد. مثل على ذلك هو عندما يتعرض الإنسان إلى جرح ما فتبدأ عملية ذاتية بالتكاثر لإغلاق الجرح، وتتوقف عن النمو بعد الانتهاء من عملية التصليح، وذلك بعكس ما يحصل في حال النمو السرطاني حيث الخلايا تستمر بالتكاثر وتصبح مستقلة ولا تخضع لإشارات بدء وتوقف النمو الطبيعية.
معلوماتية النمو والتكاثر
هناك معلومات موجودة في الجينوم البشري في الكروموزومات والحامض النووي DNA عن كل اشكال النمو. ففي حال حصول جرح ما، يبدأ الجسم باصلاحه فتنشط الخلايا المختصة وتتكاثر وتفرز البروتينات الضرورية وعندما تتم وصل جرح الجلد مثلاً من الجهتين، تصل رسالة إلى الخلايا أنه لا داعي بعد لكي تنمو وتتكاثر أكثر من ذلك فتتوقف عندئذٍ العملية التصحيحية. في بعض الأحيان تنمو خلايا معينة وتكّون ورماً حميداً يتوقف عند حد واضح.
أما إذا حصل نمو واستمر بشكل مستقل عن خلايا المناعة والمراقبة ولم يستطع الجسم السيطرة عليه، فيغدو ضاراً لحامله ويكون ورماً ومرضاً خبيثاً.
أمثال عن أورام حميدة
نعطى مثالاً حبة فوق الجلد أو حبة من الدهن تحت الجلد. هذه الحبوب قد تكون موجودة لفترة طويلة تحت الجلد أو في أنحاء أخرى من الجسم. مثال آخر هو ورم ينمو في الرحم (تليف) يكبر أو يبقى على حجمه. الورم الحميد ينمو بشكل بطيء ولا ينتشر في أي مكان آخر من الجسم.
نحن عادة لا ننصح بإستئصال الأورام الحميدة إلا إذا كانت تتسبب بالمشاكل مثل النزيف أو الازعاج، أو في حال علمنا بأن بعضها قد يتحول في المستقبل إلى سرطان كما نفعل في حال وجود لحميات في الجهاز الهضمي (بوليب) فيشفى الإنسان منها بإزالتها بواسطة المنظار ويتوقى من احتمال تطورها إلى سرطان في المستقبل.
نمو الأورام الخبيثة واشكالها
أما الأورام الخبيثة فهي عادة تكبر في مكانها ويزيد حجمها أو تتسبب بجرح لا يطيب وقد تنتشر في الجسم. أن الأورام الخبيثة قادرة على التكاثر دون أن يسيطر الجسم عليها، وقادرة على جلب الغذاء من الجسم وإنشاء أوعية دموية خاصة بها. وهي تستطيع أيضاً ان تنتقل من مكانها إلى سائل الدم والليمف وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم واتتمركز في بعضها وتتسبب بعوارض مرضية إضافية.
كيف وإلى أين ينتشر الورم الخبيث
يمر الانتشار بمراحل عدة أهمها مرحلة الانتشار إلى العقد الليمفاوية التي تكون قريبة من الورم، وإلى أعضاء الجسم الأخرى مثل الرئة أو العظم أو الكبد أو الرأس. إن الانتشار إلى العقد والأماكن الأخرى من الجسم قد يتم بنفس الوقت أو في أوقات متلاحقة.
انتشار السرطان إلى العقد الليمفاوية
في أولى مراحل الانتشار تستطيع الخلايا السرطانية أن تنتقل إلى العقد اللمفاوية وأن تغزو الأوعية الدموية العادية للتمركز في أي عضو آخر من أعضاء الجسم. عندما يتم غزو العقد اللمفاوية، فهذه قد تكون مثل المصفاة والفيلتر توقف السرطان عند هذا الحد أو قد تكون بمثابة المحطة الأولى لانتشاره إلى أماكن أخرى في الجسم. هذا الانتشار قد يكون أصبح واضحاً أو ما زال ميكروسكوبيا لا يرى لا بالفحص السريري ولا بالفحوصات المخبرية أو الشعاعية ويتبين فقط بعد الفحص النسيجي (الزرع). إن اكتشاف السرطان في العقد قبل أن ينتشر في أنحاء الجسم الأخرى، ولو بكميات قليلة، قد ينقذ حياة المريض أو المريضة لأننا نكون إما قد استأصلناه هو، أو إما استعملنا هذه المعلومة لإعطاء العلاج الكيميائي أو المهدف أو الهرموني الوقائي، أو حتى الشعاعي لمنع عودة المرض.