كانت زميلتي (أم عمر) متضايقة هذا الصباح وبدا ذلك واضحاً على تعابير وجهها
وطريقة كلامها وأسلوب تعاملها مع الآخرين، وعندما سألتها بود وحنان عن سبب كل هذا؟
انطلقت تبوح لي بسرهها الغريب وقالت لي: لقد رأى ابني عمر في منامه رؤيا مخيفة قام
بعدها وهو يصرخ ويبكي وجسده غارق في عرقه ولما ضممت جسده الصغير إلى حضني وجدته
يرتعش بشدة وخوف، فقرأت عليه بعض الآيات حتى هدأ ثم طلبت منه أن يقص عليّ ماذا رأى
في منامه، والحقيقة أن هذه الرؤيا لا تدل إلاّ على أنها نذير شؤم قادم أو مكروه
سيقع!
وعندما وصلت زميلتي إلى هنا لم أستطع أن أتمالك نفسي من الضحك، وسألتها وماذا فعلت
بعد ذلك؟! فقالت: أمسكت بيدي طفلي (عمر) وحذّرته من كل ما تشير هذه الرؤيا إليه من
مكروهات ومصائب،، وأوصيته أن لا يذهب غداً للمدرسة إلاّ برفقة والده، وكذلك أوصيته
أن لا يكلم أي شخص لا يعرفه، وسوف اعتذر عن الحضور للاجتماع العائلي هذا الأسبوع!
وعندما توقفت صاحبتي عن الكلام كنت غارقة في بحر من الدهشة والاستغراب.
هل كل هذه القرارات والاستنفار لأجل حلم مزعج.
ولكن استغرابي لم يكن بذلك الشديد عندما تذكرت مدى تعلق الناس في هذه الأيام
بالمنامات والرؤى.. فما يرى أحدهم في نومه من حلم أو كابوس إلاّ ويهرع مسرعاً إلي
التلفون ليكلم (مفسر الرؤى) فيما رآه، وكم يكون مدى حزنه عندما يعلم من (مفسر
الرؤى) أن ما رآه ما هو إلاّ اضغاث أحلام.
ولكن ما يعنيني هنا هو هذا الطفل المسكين، فما ذنبه حتى ندخله في معمعة لا دخل له
بها، فقد يكون فعلاً أن ما رآه رؤيا حقيقية، ولكن يجب أن نعلم أن رؤيا الأطفال
نادرة جداً، وهذا راجع إلى أسباب نفسية كالقلق العابر أو القلق طويل الأمد أو الخوف
من العقاب العائد من غضب أحد الأبوين وغير ذلك من المشاعر والأحاسيس المكبوتة خلال
ساعات النهار وتنطلق في أثناء النوم للتنفيس خصوصاً إذا كان الابن يشتكي من نقص في
جرعات الحب والأمان الكافي له، كذلك هناك الأسباب الصحية كعسر الهضم أو ارتفاع
الحرارة والحمى وغيرها من الأسباب التي تسبب الكوابيس والأحلام المزعجة.. وأخيراً
أهم الأسباب التي تجعل الأطفال أكثر من غيرهم أحلاماً ومنامات هو مدى نشاط عقل
الطفل القوي والذي يحاول استيعاب ما حوله من أحداث ومرئيات خصوصاً الخيالات
والمبالغات التي يسمع بها في حكايات ما قبل النوم أو يراها في الرسوم المتحركة، كل
هذه الأشياء الخيالية وما فوق الخيالية تجعل العقل الباطني لدى الأطفال في قمة
النشاط خلال الليل فينعكس كل ما يراه طوال النهار على أحلامه الليلية وهنا بطبيعة
الحال يحتاج الطفل إلى تعامل خاص من قبل الأبوين للبقاء لتجنيب الطفل مثل تلك
الكوابيس وسوف يكون هذا هو محور الحديث الأسبوع القادم