إن الغضب من الغرائز الفطرية المادية التي تولد مع الإنسان وهو يختلف تماماً عن التوتر.
فالغضب مفيد لأجل الحفاظ على النفس والدفاع عنها، وبه يستطيع المرء رَدِّ الاعتداء والانتصار لمظلوميته، وهو بهذا المقدار صحيح ومطلوب.
لكن زيادة الغضب بالاعتداء على المتعدي بأكثر مما سببه له مرفوض في المنظور الإسلامي، كالتمثيل بجثة القاتل، أو تعذيب السارق. والقاعدة الفطرية الصحيحة في الإنسان هي الغضب الذي يَدفَعُ لِرَدِّ الاعتداء مقابل أي عدوان يَتَعَرَّضُ له.
ويجد الأبوان – عادة – بوادرَ الغضب عند أبنائهم وبشكل ملحوظ في السنوات ما بين الثلاث إلى الخمس، فلا يكتفي الطفل حينها بِرَدِّ الأذى عنه، بل يعمد إلى إيذاء نفسه بالتمرغ في الأرض وكذلك ضرب الأرض بيده ورجليه وحتى رأسه، كما أنه قد يبادر إلى كسر ما يجده أمامه.
وإن وجدنا الطفل يقوم بهذه الحالة في الأسبوع مرة أو مرتين فهو أمر طبيعي، لأنه يجهل الطريقة التي يَرُدُّ بها الاعتداء عن نفسه، أو لشعوره بالعجز أمام المتعدي عليه.
أما إن تكررت هذه الحالة أكثر من ذلك فهو أمر غير طبيعي ويحتاج إلى علاج.
وقبل أن نبدأ بعلاج الحالات المرضية، لا بُدّ أن نشير إلى أمور مهمة نُذَكِّرُ بها الآباء باعتبارهم المسئول الأول في زيادة الغضب عند أبنائهم، فلا الوراثة لها أثر على غضب الطفل وزيادته، ولا هو خُلق يتعلمه من الآخرين، بل زيادته تعود إلى تعرضه لسوء التربية، ومن أمثلة ذلك:
1 ـ تنفيذ ما يريده بعد غضبه:
إن بعض الأمهات حين يأتي الطفل إليها طالباً قطعة من الحلوى أو جَلبِ لعبةٍ معينة، فترفض طلبه أولاً لانشغالها بحديث أو أمور المنـزل، يغضب الطفل ويعلو صراخه وضجيجه، فتحاول الأم إسكاته بالغضب عليه أو بأساليب متعددة، وهو لا يكف عن الصراخ والضجيج إلى أن تعجز الأم فتستجيب له وتعطيه ما أراد.
وهذه الطريقة تدفع الطفل إلى زيادة غضبه، والأولى بالأم أن تستجيب له في أول الأمر أو لا تستجيب له مطلقاً، وإن زادت المدة التي يصرخ فيها.
2 ـ معاملته بلطف عند غضبِه:
إن الطفل حين يغضب ويجد الوالدين يتعاملان معه بلطف في ظروف معينة ويستجيبان له في وجود الضيوف مثلاً أو في زيارة أحد الأصدقاء يتشجع على زيادة الغضب في مثل هذه الأوقات.
والأولى أن يكون التعامل بالاستجابة أو الرفض لطلباته في كل الأوقات بأسلوب واحد حتى لا يستخدم غضبه كورقة ضغط على والديه.
3 ـ إصابته بتوتر النفس:
إن الطفل حين تُصابُ نفسيَّتُهُ بالتوتر – الذي تعود أسبابه إلى ما ذكرناه سابقاً – يتعرَّضُ إلى ازدياد نوبات الغضب وتكررها في أوقات مختلفة.
4 ـ توجيه الأوامر إليه بصرامة:
إن الطفل في مرحلته الأولى تأبى شخصيته النامية أن توجه إليه الأوامر بِحِدَّةٍ وتَهَكُّم، لأن عدم احترام شخصيته يعتبر أحد أنواع الاعتداء التي تثير غضب الطفل، بل كل إنسان.
العلاج:
إن من الخطأ الاستهانة بالتصرفات التي تثير غضب الطفل وعدم الاكتراث بمعالجتها وبشكل سريع، لأن زيادة الغضب تجعله متوتراً وبعد مرور الوقت يصبح عدوانياً مشاكساً يفتقد إلى المحب والصديق، بل حتى إلى الحياة الحلوة الهانئة.
والطفل حين تأتيه نوبة الغضب يجدر بالوالدين التعامل معه بشكل يختلف عن التعامل معه في الأوقات الطبيعية وهو كالتالي:
1 ـ عدم مناقشته:
إن الطفل في السبع سنوات الأولى من حياته حين يغضب يصبح بشكل لا يفهم ولا يسمع ما يُقالُ له، فالغضب يَسُدُّ منافذَ وعيِهِ تماماً، فلا فائدة إذن أن يتكلم الوالدان أو يعترضا عليه بكلمة أو فعل.
2 ـ قبول غضبه:
حين ترفض الأم طلب طفلها في مرحلته الأولى، يَهيج ويصرخ ويضرب رأسه بالأرض أو يحاول تكسير كل حاجة أمامه، وينبغي أن تمسك الأم طفلها بحنان وتمنعه من حركته المؤذية لنفسه أو أحد أفراد أسرته.
والحذر في مثل هذه الحالة أن تمسكه بقبول ورضا، لأن الغضب في هذه المرحلة – ولعدم استجابة والديه له – تُعتَبر طبيعية لا يُحاسَب عليها أولاً، وتُقابَل بِلُطفٍ ثانياً.