إذا كان بإمكان القمح التأثير على أجهزة مثل المخ والأمعاء والشرايين والعظام، فهل بإمكانه كذلك التأثير على أكبر عضو في الجسم، أي الجلد؟
بالطبع يمكنه ذلك؛ بل إن تأثيراته الغريبة تظهر بطرق شديدة التنوع والاختلاف.
على الرغم من هدوئه البادي على السطح، فإن الجلد يعتبر عضو نشط، حيث إنه مركز النشاط الفيسيولوجي، ويمثل حاجزا ضد الماء يقوم بصد مليارات من هجمات الكائنات الخارجية، وتنظيم درجة حرارة الجسم من خلال إفراز العرق، وتحمّل الكدمات والخدوش اليومية، كما أنه يجدد نفسه لصدّ الهجوم المستمر. إن الجلد هو الحاجز المادي الذي يفصلك عن بقية العالم. والجلد يوفر عند كل شخص مأوى لعشرة تريليونات من البكتيريا، ومعظمها تقيم لدى مضيفها البشري في نوع من التعايش الهادئ.
ويمكن لأي طبيب للأمراض الجلدية إخبارك بأن الجلد هو عبارة عن الانعكاس الخارجي للعمليات الحيوية الداخلية في الجسم. فحمرة الوجه البسيطة توضّح هذه الحقيقة: توسّع الأوعية الدموية الشديد والحاد في الوجه (تمدد الشعيرات) الذي ينتج عندما ندرك أن الرجل الذي اصطدمت به دون قصد في الزحام هو رئيسك في العمل. ولكن الجلد يعكس أكثر من مجرد حالاتنا العاطفية. فيمكن كذلك أن يكون مؤشرا على العمليات الفيزيائية الداخلية.
يمكن لآثار القمح على الجلد أن تتسبب في شيخوخته المبكرة، كالإصابة بالتجاعيد وفقدان المرونة، من خلال تشكيل المنتجات النهائية من التسكّر المتقدم. ولكن تأثيرات القمح على صحة جلدك تمتد لأبعد من مجرد تقدمك في السن بصورة أسرع.
إن القمح يعبر عن نفسه – أو إحقاقا للحق، ردّة فعل الجسم تجاه القمح تعبر عن نفسها- من خلال الجلد. وكما يؤدي استهلاك منتجات القمح إلى التهاب المفاصل، وزيادة نسبة السكر في الدم، وآثاره الضارة على المخ، فكذلك يمكن أن تؤدي إلى ردّة فعل جلدية، وتتراوح آثاره بين المضايقات البسيطة إلى التقرحات والغرغرينا المهددة للحياة.
لا تحدث تغيرات الجلد عادة بمعزل عن بقية الجسم: إذا تم التعبير عن خلل ما على سطح الجلد بسبب القمح، فإن ذلك يعني عادة أن الجلد ليس الجهاز الوحيد الذي يعاني ردة فعل غير مرغوب فيها. فقد تكون الأجهزة الأخرى مصابة، بدءا من الأمعاء وحتى المخ – رغم أنه من المحتمل عدم علمك بذلك.
بثور الوجه
حَبّ الشباب: هو الابتلاء الشائع لدى المراهقين والبالغين الشباب، والمسئول عن المزيد من الكدر بدرجة تفوق ليلة حفل التخرّج.
وقد أطلق عليه الأطباء في القرن التاسع عشر اسم ” البثرة الحجرية”. وكثيرا ما هوّل الأطباء القدماء من شأن ظهور الطفح الجلدي بدون حكّة. وقد عزوا جميع الأعراض إلى الصراعات العاطفية، وخاصة تلك التي تنطوي على الخجل، أو الشعور بالذنب، أو السلوك المنحرف. وكانت العلاجات شنيعة غالبا، حيث كانت تتضمن أدوية مسهلة قوية، وحقنًا شرجية، وحمامات كبريت كريهة الرائحة، والتعرض للأشعة السينية لفترات طويلة.
أليست سنوات المراهقة صعبة بما فيه الكفاية بالفعل؟
وكما لو أن المراهقين بحاجة إلى سبب جديد ليشعروا بمزيد من الحرج، فإن حب الشباب يصيبهم ما بين عمر الثانية عشرة والثامنة عشرة بمعدل غير مألوف. ويعتبر ذلك, بالإضافة إلى هجمة التأثيرات الهرمونية المحيرة، ظاهرة شبه عالمية في الثقافات الغربية، حيث تؤثر على أكثر من ٨٠٪ من المراهقين، كما أنه في بعض الأحيان يصل بنسبة قدرها ٩٥٪ ممن تتراوح أعمارهم بين ستة عشر وثمانية عشر عاما إلى درجة التشوه. والبالغون ليسوا بمنأى عن ذلك، فنسبة قدرها ٥٠٪ ممن تزيد أعمارهم على خمسة وعشرين عاما يعانون نوبات متقطعة منه.
قد يكون انتشار حب الشباب ظاهرة عامة بالنسبة إلى المراهقين الأمريكيين، ولكنها ليست ظاهرة عامة في جميع الثقافات. فبعض الثقافات لا يصاب أفرادها بحب الشباب على الإطلاق، وذلك يشمل ثقافات أهالي جزر كيتافا بابوا في غينيا الجديدة، وصيادي الأتشي في الباراجواي، والمواطنين الأصليين في وادي بوروس في البرازيل، وقبائل بانتو وزولو الأفريقية، وسكان أوكيناوا اليابانية، والإسكيمو الكنديين، حيث جُنّبوا جميعا الإزعاج والحرج الغريب الناجم عن حب الشباب.
هل أُعفيت هذه الثقافات من الأسى الناجم عن حب الشباب بسبب تمتعها بمناعة جينية فريدة؟
تشير الدلائل إلى أنها ليست مسألة وراثية، بل تعود إلى النظام الغذائي. فالشعوب التي لا تعتمد سوى على الأطعمة المتاحة بحسب موقعها ومناخها الفريد تسمح لنا بملاحظة آثار الأطعمة التي تضاف أو يتم الاستغناء عنها في نظامها الغذائي. إن الشعوب التي لا تعاني حب الشباب مثل أهالي جزر كيتافا في غينيا الجديدة تعيش على نظام غذائي بدائي مكون من الخضراوات، والفواكه، والدرنات، وجوز الهند، والأسماك. أما صيادو الأتشي في الباراجواي فهم يتبعون نظاما غذائيًّا مماثلا، ولكنهم يزيدون على ذلك تناول لحوم الحيوانات البرية، بالإضافة إلى الكاسافا، والفول السوداني، والأرز، والذرة المزروعين، وهم كذلك بمنأى تام عن الإصابة بحب الشباب. وحتى فترة الثمانينات من القرن الماضي كان سكان أوكيناوا اليابانية، الذين قد يكونوا أكبر المجموعات المعمرة على كوكب الأرض، يتبعون نظاما غذائيا غنيا بمجموعة هائلة من الخضراوات، والبطاطا الحلوة، وفول الصويا، واللحم، والأسماك، وتقريبا لم يكن هناك أحد يعاني فيها حب الشباب. ويتبع شعب الإسكيمو نظاما غذائيًّا تقليديًّا، يعتمد على الفقمات، والأسماك، ولحم الوعل، بالإضافة إلى ما يعثرون عليه من أعشاب بحرية، أو توت، أو جذور، وذلك يجنبهم الإصابة بحب الشباب. أما قبائل بانتو وزولو الأفريقية، فكانت وجباتهم تختلف باختلاف الموسم والتضاريس، ولكنها عموما غنية بالنباتات البرية الأصلية مثل الجوافة والمانجو والطماطم، بالإضافة إلى الأسماك والحيوانات البرية التي يصطادونها. وهم لا يعانون أيضا حب الشباب.
وبعبارة أخرى، إن الشعوب التي لا تعاني حب الشباب لا تستهلك سوى القليل من منتجات القمح، أو السكر، أو الألبان، أو لا تستهلكها مطلقا. وعندما امتد أثر الدول الغربية إليهم وتم إدخال النشويات المصنعة كالقمح والسكر إلى شعوب مثل أوكيناوا، والإسكيمو، والزولو، تلى ذلك إصابتهم بحب الشباب فورا. وبعبارة أخرى، لم تكن هذه الشعوب تعاني حب الشباب انطلاقا من سبب جيني خاص، ولكن السبب وراء ذلك يرجع ببساطة إلى اتباع نظام غذائي خال من الأطعمة التي تثير هذا المرض. وعندما عرفوا القمح والسكر ومنتجات الألبان، ارتفعت عندهم مبيعات أدوية علاج حب الشباب مثل كريم كليراسيل بصورة غير مسبوقة.
ومن المفارقات، أنه في أوائل القرن العشرين كان أمرا “معروفا للجميع” أن حب الشباب ينجم عن أو يتفاقم بسبب تناول الأطعمة النشوية مثل الفطائر والبسكويت. وتراجعت هذه الفكرة في الثمانينيات بعد انتشار دراسة خطأ واحدة أجرت مقارنة بين الآثار الناتجة عن قطعتين من الشيكولاتة واحدة حقيقية وأخرى “وهمية”. وخلصت الدراسة إلى أنه لم يلاحظ وجود اختلاف في حب الشباب لدى خمسة وستين مشاركا بغض النظر عن نوع الحلوى التي تناولوها – باستثناء أن قطعة الشيكولاتة الوهمية كانت تحتوي تقريبا على السعرات الحرارية نفسها، والسكر، والدهون الموجودة في الشيكولاتة الحقيقية،
والفارق فقط هو عدم احتوائها على الكاكاو. (عشاق الكاكاو لديهم سبب للابتهاج: الكاكاو لا يسبب حب الشباب. استمتعوا بنسبتكم اليومية التي تقدر ب ٨٥٪ من الكاكاو عند تناولكم الشيكولاتة الداكنة). ولكن هذا لم يوقف أطباء الأمراض الجلدية عن معارضة وجود علاقة بين حب الشباب والنظام الغذائي لسنوات عديدة، مستندين إلى هذه الدراسة بدرجة كبيرة، حيث كانوا يستشهدون بها مرارا وتكرارا.
في الواقع، فإن علم الأمراض الجلدية الحديث كثيرا ما يدعي جهله بالسبب الكامن وراء معاناة هذا العدد الكبير من المراهقين والبالغين من هذا المرض المزمن، والمشوه أحيانا. وعلى الرغم من تركز المناقشات حول عدوى حب الشباب البروبيوني، والالتهاب، وإنتاج الزهم الجلدي الزائد، فإن العلاجات تهدف إلى القضاء على حب الشباب، لا على تحديد أسباب الإصابة به. وحتى عند الإصابة بالأمراض الجلدية والتناسلية، نجدهم يسارعون إلى وصف الكريمات الموضعية المضادة للبكتيريا، والمراهم، والمضادات الحيوية التي تؤخذ عن طريق الفم، والعقاقير المضادة للالتهابات.
وفي الآونة الأخيرة، وجهت الدراسات اللوم مجددا إلى الكربوهيدرات على أساس أنها تثير تكوّن حب الشباب، حيث تقوم بعمل ذلك عن طريق زيادة مستويات الأنسولين.
وقد بدأت الطرق التي يؤدي بها الأنسولين إلى تشكيل حب الشباب في الرضوخ للمعلومات الجديدة. ويحفز الأنسولين إفراز هرمون يسمى عامل النمو الذي يشبه الأنسولين١ (IGF-1) داخل الجلد. وعامل النمو (IGF-1), وبدوره يحفز نمو الأنسجة في بصيلات الشعر وفي طبقة الأدمة، وهي طبقة من الجلد تقع مباشرة تحت البشرة. إن الأنسولين وعامل النمو (IGF-1) يقومان كذلك بتحفيز إنتاج الزهم الجلدي، وهي طبقة زيتية واقية تفرزها الغدد الدهنية. والإفراط في إنتاج الزهم الجلدي، بالإضافة إلى نمو أنسجة الجلد، يؤدي إلى تزايد تصاعدي للبثرات الحمراء.
وهناك أدلة غير مباشرة مستمدة من تجارب أخرى على دور الأنسولين في التسبب في حب الشباب. فالنساء اللائي يعانين متلازمة تكيس المبايض (PCOS)، ممن يظهرن ردود أفعال مبالغًا فيها بسبب الأنسولين, ويعانين ارتفاع نسبة السكر في الدم، هن عرضة لظهور حب الشباب بشكل مذهل. فالأدوية التي تقلل من نسب الأنسولين والجلوكوز لدى النساء المريضات بمتلازمة تكيس المبايض، مثل عقار الميتفورمين، تقلل من نسبة ظهور حب الشباب. وعلى الرغم من أن أدوية السكري التي تؤخذ عن طريق الفم لا توصف للأطفال عادة، فإنه لوحظ أن الشباب الذين يتناولون أدوية السكري عن طريق الفم التي تقلل من نسبة السكر والأنسولين في الدم، يعانون حب الشباب بدرجة أقل.
يصل الأنسولين إلى أعلى مستوياته بعد استهلاك الكربوهيدرات. فكلما ارتفع المؤشر الجلايسيمي للكربوهيدرات المستهلكة، تم إفراز المزيد من الأنسولين من البنكرياس. وبطبيعة الحال، فإن القمح، صاحب المؤشر الجلايسيمي المرتفع بشكل استثنائي، يحفز على ارتفاع نسبة السكر في الدم بصورة تفوق جميع الأطعمة الأخرى تقريبا، ما يحفز على إفراز مزيد من الأنسولين بصورة تفوق بقية الأطعمة تقريبا. فلا ينبغي أن نتفاجأ بأن القمح يسبب حب الشباب، وخاصة إذا كان على هيئة الكعك والبسكويت المحلى بالسكّر – أي القمح ذي المؤشر الجلايسيمي المرتفع مع السكروز ذي المؤشر الجلايسيمي المرتفع. ولكن ذلك يحدث أيضا عند تناولك خبز الحبوب المتنوعة المتنكر بذكاء في صورة طعام صحي.
كما أن الألبان تتشابه مع الأنسولين في قدرتها على تحفيز تكوين حب الشباب. وفي حين تحذر معظم الهيئات الصحية من محتوى الدهون في منتجات الألبان وتوصي بالمنتجات قليلة الدسم أو المقشودة، فإن الدهون لا علاقة لها بتكوين حب الشباب. والسبب يرجع إلى البروتينات الفريدة في منتجات الأبقار التي تثير الأنسولين بدرجة لا تتناسب مع محتوى السكر، وهي خاصية تحفيز إفراز الأنسولين أو الإينسولينوتروبيك الفريدة التي تفسر ارتفاع نسبة حب الشباب الحاد إلى ٢٠٪ بين المراهقين مستهلكي الحليب.
وعموما لا يصير المراهقون الذين يعانون زيادة الوزن أو البدانة على هذا النحو من خلال الإفراط في تناول السبانخ أو الفلفل الأخضر، ولا بسبب سمك السلمون أو البلطي، ولكن بسبب الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات كحبوب الإفطار. وطبقا لذلك تزيد نسبة الإصابة بحب الشباب لدى المراهقين الذين يعانون زيادة الوزن أو البدانة بالمقارنة بالمراهقين النحفاء، وهذه هي الحال في الواقع: كلما ازداد وزن الطفل، صار الأرجح هو إصابته بحب الشباب (وهذا لا يعني عدم إصابة الأطفال النحفاء بحب الشباب، ولكن الإحصائيات ترجّح ارتفاع نسبة الإصابة بحب الشباب لدى أصحاب الوزن الزائد).
كما كنا نتوقع من هذا المنطق، ينبغي أن تقوم الجهود الغذائية التي تقلل من الأنسولين والسكر في الدم بالتقليل من حب الشباب كذلك. قامت دراسة حديثة بمقارنة نظام غذائي ذي مؤشر جلايسيمي مرتفع بنظام غذائي ذي مؤشر جلايسيمي منخفض، واستهلك كليهما طلابُ الجامعات لأكثر من اثني عشر أسبوعا. في النظام الغذائي ذي المؤشر الجلايسيمي المنخفض كانت إصابات حب الشباب لدى مستهلكيه أقل بنسبة ٢٣.٥٪، مقارنة بمجموعة التحكم التي لم تنخفض نسبة الإصابة لديهم سوى بمقدار ١٢٪. وتمتع المشاركون الذين قاموا بالحد من استهلاكهم للكربوهيدرات بانخفاض قدره ٥٠٪ في إصابات حب الشباب.
باختصار، الأطعمة التي تزيد من نسبة السكر والأنسولين في الدم تؤدي إلى تكوّن حب الشباب. ويرفع القمح من نسبة السكر في الدم، وبالتالي من نسبة الأنسولين، بصورة تفوق الأطعمة الأخرى تقريبا. خبز الحبوب الكاملة الذي تغذي به ابنك المراهق باعتباره صحيًّا يزيد المشكلة سوءا في الواقع. فحب الشباب، وإن لم يكن مهددا للحياة في حد ذاته، يمكنه مع ذلك أن يدفع المصاب إلى اللجوء إلى جميع أنواع العلاجات، التي يحتمل أن يكون بعضها سامًّا كالأيسوتريتينوين، الذي يعوق الرؤية الليلية، ويمكنه تعديل الأفكار والسلوك، والتسبب في تشوهات خلقية غريبة لدى الأجنة في طور النمو.
وعلى الجانب الآخر، فإن التخلص من القمح يقلل من الإصابة بحب الشباب. وإذا تمكنت كذلك من التخلص من منتجات الألبان وغيرها من الكربوهيدرات المعالجة مثل رقائق التاكو، والتورتيا، فإنك ستقوم بتعطيل آلية الأنسولين الذي يؤدي إلى تكوين حب الشباب بدرجة كبيرة. قد يصل بك الأمر لتجد مراهقا ممتنًّا لك إذا كان يمكن أن يحدث شيء من هذا القبيل في هذا العالم.
الطفح الجلدي
يعتبر التهاب الجلد الحلئي (DH)، والذي يوصف بأنه التهاب في الجلد على صورة قوباء، طريقة أخرى من الطرق التي تظهر بها أعراض رد فعل جهاز المناعة بسبب جلوتين القمح خارج الأمعاء. وهو طفح جلدي يتميز بالحكة ويشبه القوباء (أي يتشابه في شكل البثور؛ فلا علاقة له بفيروس القوباء) الذي يستمر ويمكنه أن يترك في نهاية المطاف بقعًا وندوبًا عديمة اللون. وأكثر المناطق المتضررة عادة تكون المرفقين، والركبتين، والأرداف، وفروة الرأس، والظهر، وعادة ما يصاب جانبا الجسم بشكل متماثل. ومع ذلك، يمكن أن يظهر التهاب الجلد الحلئي أيضا على شكل تقرحات داخل الفم، أو على القضيب، أو المهبل، أو كدمات غريبة على الراحتين، ولكن بصورة أقل شيوعا. وغالبا ما يتطلب أخذ خزعة من الجلد لتحديد الاستجابة الالتهابية الخاصة به.
الغريب أن معظم مرضى التهاب الجلد الحلئي لا يعانون أعراض الأمعاء الخاصة بمرض الداء الزلاقي، ولكن معظمهم لا يزال يعاني التهابًا وتلفًا الأمعاء؛ وهي من خصائص الداء الزلاقي. وبالتالي، فإن مرضى التهاب الجلد الحلئي يعانون كذلك جميع المضاعفات المحتملة التي يعانيها مرضى الداء الزلاقي العاديين إذا استمروا في تناول جلوتين القمح، بما في ذلك سرطان الغدد الليمفاوية المعوية، وأمراض التهابات المناعة الذاتية، ومرض السكري.
ومن الواضح أن علاج التهاب الجلد الحلئي هو التخلص التام من القمح ومصادر الجلوتين أخرى. قد يتحسن الطفح الجلدي في غضون أيام لدى البعض، في حين أنه يتلاشى تدريجيًّا في خلال أشهر لدى البعض الآخر. أما الحالات المزعجة بشكل خاص، أو التهاب الجلد الحلئي الذي يتكرر بسبب استمرار استهلاك جلوتين القمح (وهو أمر شائع جدًّا، للأسف)، فيمكن علاجها عن طريق دابسون، وهو العقار الذي يؤخذ عن طريق الفم. كما أنه يستخدم في علاج الجذام، وهو دواء سُمّي معروف بآثاره الجانبية مثل الصداع، والضعف، وتلف الكبد، وأحيانا النوبات والغيبوبة.
حسنا، إذن نحن نستهلك القمح، ونتيجة لذلك نصاب بالطفح الجلدي المثير للحكة، المزعج، والمشوه. بعدها نعالج أنفسنا باستخدام دواء محتمل السمية كي نواصل استهلاك القمح، معرضين أنفسنا لسرطان الأمعاء وأمراض المناعة الذاتية بالغة الخطورة. هل هذا أمر منطقي؟
ويعدّ التهاب الجلد الحلئي – بعد حب الشباب – هو المظهر الجلدي الأكثر شيوعا لحساسية جلوتين القمح. لكن هناك مجموعة هائلة من الحالات غير التهاب الجلد الحلئي والتي تنجم أيضا عن جلوتين القمح، بعضها مرتبط بزيادة مستويات الأجسام المضادة للداء الزلاقي، والبعض الآخر ليس كذلك. معظم هذه الحالات يمكن كذلك أن يعود إلى عوامل أخرى، مثل المخدرات، أو الفيروسات، أو السرطان. وبالتالي فإن جلوتين القمح، مثله مثل المخدرات، والفيروسات، والسرطان، لديه القدرة نفسها على التسبب في أي من هذه الأنواع من الطفح الجلدي.
والطفح الجلدي الناجم عن جلوتين القمح وغيره من المظاهر الجلدية يتضمن ما يلي:
• تقرحات الفم: تضم الأشكال الشائعة للطفح الجلدي الفموي الناجم عن جلوتين القمح التهاب اللسان واحمراره، التهاب الشفة الورمي الزاوي (قروح مؤلمة على زاوية الفم)، والتهاب الفم.
• التهاب الأوعية الدموية الجلدية: وهو عبارة عن عُقَيدات متورمة في الجلد تشبه الكدمات المهيجة للأوعية الدموية التي حددتها الخزعة.
• الشواك الأسود: وهو عبارة عن جلد أسود مخملي ينمو عادة على الجزء الخلفي من الرقبة، وأيضا على الإبطين، والمرفقين، والركبتين. ويعتبر الشواك الأسود مرضا شائعا بشكل مخيف بين الأطفال والبالغين ممن يكونون عرضة لمرض السكري.
• الحمامى العقدية: وهي عبارة عن عقيدات لامعة حمراء ساخنة ومؤلمة يتراوح طولها بين ٢.٥سم إلى ٥سم، وتظهر عادة على قصبتي الساق، ولكنها يمكن أن تصيب أي مكان آخر. يمثل مرض الحمامى العقدية التهاب الطبقة الدهنية تحت الجلد، تاركا ندبات بنية ذابلة في طريقها إلى الشفاء.
• الصدفية: وهي عبارة عن طفح جلدي قشري أحمر اللون ينتشر عادة فوق المرفقين، والركبتين، وفروة الرأس، وأحيانا على كامل الجسم. وقد يتطلب تحسنه عدة أشهر عند اتباع نظام غذائي خال من جلوتين القمح.
• البهاق: وهو عبارة عن بقع منتشرة غير مؤلمة وغير مصطبغة (بيضاء) على الجلد. وبمجرد الإصابة به، يستجيب البهاق للتخلص من جلوتين القمح بشكل غير متسق.
• مرض بهجت: هذه التقرحات في الفم والأعضاء التناسلية عادة ما تصيب المراهقين وصغار البالغين. وتظهر أعراض هذا المرض بطرق أخرى لا تعد ولا تحصى، مثل الاختلال العقلي الناجم عن إصابة المخ، والإعياء المسبب للعجز، والتهاب المفاصل.
وقد ارتبطت جميع هذه الحالات مع التعرض لجلوتين القمح، ولوحظ تحسنها أو علاجها عند التخلص منه. وبالنسبة لغالبية هذه الحالات، فإن نسبة حدوثها بسبب جلوتين القمح مقابل أسباب أخرى غير معروفة، حيث لا يعتبر جلوتين القمح في كثير من الأحيان سببا محتملا. في الواقع، الأمر الشائع هو عدم البحث عن السبب، ووصف العلاج على نحو أعمى في هيئة كريمات الستيرويد وغيرها من العقاقير.
صدق أو لا تصدق، إن القائمة السابقة بقدر ما تبدو مخيفة، إلا أنها قائمة مختصرة. فهناك عدد غير قليل من الأمراض الجلدية الناجمة عن جلوتين القمح لم يتم سردها هنا.
يمكنك أن ترى الآن أن الأمراض الجلدية الناجمة عن جلوتين القمح تتنوع بين الإزعاج البسيط وحتى الإصابة بالمرض المشوه. وبعيدا عن تقرحات الفم والشواك الأسود الشائعة نسبيًّا، فإن معظم هذه المظاهر الجلدية الناجمة عن التعرض لجلوتين القمح تعتبر غير شائعة. ولكنها في المجمل تضاف إلى قائمة طويلة من الأمراض المدمرة اجتماعيًّا، والصعبة على النفس، والمشوهة للجسد.
هل تكوّن لديك انطباع بأن البشر وجلوتين القمح يتعارضان؟
من الذي يحتاج إلى كريم نير لإزالة الشعر؟
اعتاد أبي أن يحثني على أكل الفلفل الحار؛ لأنه “سوف يجعل شعر صدرك ينمو”. ماذا لو كان والدي قد نصحني بتجنب القمح بدلا من ذلك لأنه يجعلني أصاب بالصلع؟ فما كان سيستولى على انتباهي بدرجة أكبر من نمو شعر كثيف على “صدري” هو فقدان شعر رأسي. لا يؤدي الفلفل الحار حقًّا إلى نمو الشعر على الصدر أو في مكان آخر، ولكن القمح يمكن أن يؤدي في الواقع إلى فقدان الشعر.
يعتبر الشَعر جزءا حميميا وخاصًّا لدى كثير من الناس، وهو بمثابة علامة مميزة على المظهر والشخصية. بالنسبة لبعض الناس، قد يعتبر فقدان الشعر أمرا مدمرا بقدر فقدان العين أو القدم.
أضف استهلاك القمح إلى قائمة أسباب تساقط الشعر. إن مرض “داء الثعلبة” هو عبارة عن تساقط للشعر يحدث في شكل رقع، عادة من فروة الرأس، ولكن أحيانا يصيب أجزاء أخرى من الجسم. فالصلع يمكن أن يصيب الجسم كله، تاركا المتألم دون شعر على الإطلاق من الرأس حتى القدمين.
إن استهلاك القمح يسبب داء الثعلبة بسبب التهاب في الجلد يشبه الالتهاب المصاحب للداء الزلاقي. وبصيلات الشعر الملتهبة تؤدي إلى تراخي سيطرتها على كل شعرة، ما يسبب تساقط الشعر. وبداخل الرقع الطرية الناتجة عن تساقط الشعر تزداد مستويات الوسائط الالتهابية، مثل عامل نخر الورم، والإنترلوكن، والإنترفيرون.
عندما تحدث الثعلبة نتيجة للقمح، فإنها تستمر باستمرار استهلاك القمح. إن القضاء على القمح وجميع مصادر الجلوتين – مثله مثل الانتهاء من دورة علاج كيماوي للسرطان – عادة ما يؤدي إلى استئناف سريع لنمو الشعر، دون الحاجة إلى زراعة الشعر الجراحية أو الكريمات الموضعية.
قل وداعا للالتهاب
من واقع خبرتي، فإن حب الشباب، أو تقرحات الفم، أو الطفح الجلدي على الوجه أو المؤخرة، أو فقدان الشعر، أو أي خلل آخر في الجلد يجب أن يجعلنا نأخذ رد الفعل على جلوتين القمح في اعتبارنا. ويمكن أن تكون أسباب كالعناية الصحية، أو جينات والديك، أو تبادل المناشف مع الأصدقاء أقل تسببا في هذه الأمراض من شطيرة الديك الرومي من القمح الكامل التي كانت غداءك بالأمس.
كم عدد الأطعمة الأخرى المرتبطة بهذا الكم المتنوع من الأمراض الجلدية؟ بالتأكيد، يمكن أن يتسبب الفول السوداني أو المحار في الطفح الجلدي. ولكن ما المواد الغذائية الأخرى التي يمكن أن تُعزَى إليها مثل هذه المجموعة الهائلة من الأمراض الجلدية، بدءا بالطفح الجلدي الشائع وحتى الغرغرينا والتشويه والموت؟ أنا بكل تأكيد لا أعرف طعاما آخر يتسبب في ذلك غير القمح