تحدث نوبة الهلع حين يصبح مستوى القلق والضغط النفسي فوق احتمالك، ويتسبب هذا الضغط النفسي الهائل في انهيار دفاعاتك المعتادة، وآليات المسايرة النفسية، وجعلها غير قوية بما يكفي لإبقاء القلق تحت السيطرة، وفي النهاية تستحوذ الضغوط على عقلك الواعي، وتنتج عنها نوبة هلع، أو حالة من القلق الحاد.
وقد حدد آليات الدفاع النفسية للمرة الأولى، عالم النفس والأعصاب الشهير “سيجموند فرويد”، حيث وصف “فرويد” الطريقة التي يبقي العقل الباطن بها على الصراع النفسي تحت السيطرة، حتى يستمر الشخص في أداء دوره الوظيفي في الحياة.
تتضمن آليات الدفاع النفسي أشياء مثل:
القمع – يقمع عقلك ببساطة الصراع والقلق
التبرير – ينشئ عقلك حوارًا منطقيًّا خاصًا به عن السبب في أن الأمور أصبحت سيئة للغاية، وهذه المبررات أكثر قبولًا بالنسبة إليك من حقيقة الموقف ذاتها.
التصعيد – يحوِّل عقلك الصراع والقلق إلى أعراض جسمانية، مثل آلام الرأس، ومتلازمة القولون العصبي، وألم العضلات، والألم، أو مشاكل بدنية أخرى.
هناك آليات دفاع أكثر من ذلك؛ ولكن هذه الآليات الثلاث تكفي لتوضيح كيف يعمل العقل اللاواعي والأنا معًا، ليسمحا للشخص بأداء دوره الوظيفي في الحياة، بينما لا تزال الصراعات النفسية المتأصلة تعيش داخله.
وبمجرد خروج القلق عن السيطرة، سوف تحدث حالة من القلق الحاد، أو نوبة هلع، وخلال نوبة الهلع يُغْمر الجسم سريعًا بهرموني الأدرينالين والنورأدرينالين.
تأثير زيادة الأدرينالين:
- يحفز المخ ويُعِدُّه لاستجابة الكر أو الفر
- يُسرع من معدل نبضات القلب جاعلًا القلب والنبض يتسارعان
- يسرع من معدل التنفس
- يرفع من ضغط الدم
- تشتمل الأعراض الأخرى المحتملة خلال نوبة الهلع على:
- الإحساس بخفقان داخل الصدر (ولكن ليس ألمًا في الصدر)
- وهنٍ شديدٍ في الأطراف
- ارتعاش الأطراف
- ضيق التنفس أو نقص الهواء
- إحساس بالوخز، والوجع، والتنميل
- تشنج لا إرادي في اليدين والقدمين –
- وهذا يسمى بالتشنج الرسغي القدمي
- دوخة ودوار
- غثيان
- خوف شديد من المجهول
- شعور بفقدان السيطرة الوشيك والعجز
- شعور بالموت القريب
- الشعور بأن حالة طبية خطيرة ستصيبك
وإذا لم يَقْدر المصاب بنوبة الهلع على الحصول على المساعدة، فقد يحدث اهتياج شديد وانهيار، وتحدث نوبة الهلع نتيجة تفاعل أعضاء مختلفة في الجسم مع الأدرينالين؛ ولن تسبب نوبة الهلع حدوث أي مشاكل صحية خطيرة أو جسيمة، ولا تحدث نتيجة أزمة قلبية، أو مرض رئوي، ومن المهم أن يفهم الشخص المُعرَّض لنوبات الهلع ما يجري داخل جسده خلال النوبة، وإلا غالبًا ما تجعل الأعراض المخيفة وغير السارة للأدرينالين الزائد نوبة الهلع أكثر سوءًا، وربما حينها قد يصبح لدى المصاب بنوبة الهلع تصور وهمي بأنه يواجه أزمة قلبية، أو موتًا وشيكًا؛ ولن يحدث أي من هذه الأمور خلال نوبة الهلع.
كيف تتعامل مع نوبة الهلع؟
خلال نوبة الهلع، من المهم أن تخبر نفسك بأن الأدرينالين الزائد هو فقط ما يجعلك قَلِقًا، وفيما يلي بعض تقنيات المساعدة الذاتية للتقليل من مدة الأعراض، والتخفيف من حدتها
1 – ابحث عن مكان هادئ، وتمدد وتنفس بعمق وببطء – أوقف كل الأفكار، وركز على تنفسك – وبينما تأخذ شهيقًا، استشعر بأن طاقتك وقوتك تعودان بداخلك؛ وحين تخرج زفيرًا، استشعر بأن الضغط النفسي الذي تعانيه يترك جسدك
2 – إذا كان قلبك ينبض بسرعة شديدة، فهناك تقنية يمكنك القيام بها لتبطئ من نبض القلب، وهذه التقنية تسمى مناورة فالسالفا، ولا ينبغي أن تحاول القيام بمناورة فالسالفا هذه دون مراجعة طبيبك في البداية، فقد تكون هذه المناورة غير آمنة بالنسبة إلى هؤلاء الذين قد أصيبوا مؤخرًا بأزمة قلبية، أو مرض في الشريان التاجي، وللقيام بمناورة فالسالفا يجب أن تتمدد أولًا، وبمجرد التمدد خذ نفسًا عميقًا واكتمه؛ ثم اعمل على زيادة الضغط داخل صدرك عن طريق إخراج الزفير، ولكن لا تدع أي هواء يخرج، ولتحقيق ذلك أبقِ على فمك وأنفك مغلقين، وحاول إطلاق الزفير، أو دفع الهواء إلى خارج صدرك، ثم احفظ الضغط داخل صدرك، حتى يعود نبض القلب إلى المعدل الطبيعي والمرغوب، ومناورة فالسالفا هي تقنية معروفة تُستخدم لإبطاء معدل نبضات القلب، وتعتمد على علم وظائف الأعضاء، وحين تقوم بها، تزيد من الضغط داخل التجويف الصدري، وذلك يقلل من تدفق الدم الوريدي العائد إلى القلب، وهذا بدوره يقلل من معدل نبضات القلب، ويجب أن تتمدد قبل القيام بمناورة فالسالفا، وإلا ستفقد الوعي.
3 – استلقِ، أو اجلس، وأبطئ من معدل تنفسك عن طريق العد إلى ٣ بين كل تنفس، وإذا كنت تتنفس بسرعة خلال نوبة الهلع، فأنت تقلل من مستويات ثاني أكسيد الكربون في مجرى الدم، وهذا يتسبب في انخفاض سريع للكالسيوم المتاح في الدم، ويمكن أن تنتج عن هذا الانخفاض في مستوى الكالسيوم تشنجات لا إرادية وغير مريحة، بل مؤلمة في اليدين والقدمين، إضافة إلى وخز وتنميل في أصابع اليد، وأصابع القدم، والمنطقة حول الفم، ولكن ليس هناك أي شيء سيئ أو خطير يحدث لجسمك، كل ما في الأمر أن تنفسك سريع للغاية.
أعتقد أن التشبيه الجيد لنوبة الهلع هو الطيران خلال عاصفة رعدية، فقد كنتُ قائدة طيا رة لسنوات عديدة، وقدت الطائرة في ظل أحوال جوية سيئة إلى حد كبير، والطيارون مدربون على تجنب العواصف الرعدية؛ ومع ذلك أحيانًا يصبح من الضروري أن تطير على مسافة قريبة منها، خاصةً إذا كانت على شكل خط مستقيم، (يسمى ذلك بالجبهة الهوائية)، وحين يرى الطيار الطقس السيئ في مواجهته، يستعد لاجتيازه عن طريق إبطاء الطائرة، وتأمين الأشياء المفككة في المقصورة، وشد أحزمة المقاعد، وبمجرد اختراق السحاب المظلم العاصف، تبدأ المرحلة الوعرة من الرحلة، وإذا كانت العاصفة شديدة، فسيرتفع مستوى الأدرينالين عند الطيار قليلًا، وفي النهاية، عادةً بعد ٥ أو ١٥ دقيقة، تخرج الطائرة من الجانب الآخر للسحاب العاصف إلى الهواء السلس الأكثر وضوحًا؛ ومن ثم تصبح الأمور أكثر راحةً بكثير، ويسترخي الطيار.
ومثل السحاب العاصف تمامًا، لا تستمر نوبة الهلع إلى الأبد، وعاجلًا سوف تخرج من الجانب الآخر إلى حالة نفسية أفضل وأكثر استقرارًا، كما ستصبح أنت أكثر إشراقًا وتألقاً، وبينما تمر داخل “العاصفة الرعدية” لنوبة الهلع كن على وعي بوجودها، أجل، إنها تحدث، فواجهها، ولا تحاول أن تحاربها، ولكن اعرف أنها مجرد حالة مؤقتة، وحاول الاسترخاء داخلها، وسوف تخرج من الجانب الآخر سالمًا – جرب فقط التقنيات السابقة حتى تسترخي بينما تمر العاصفة، وحاول أن تمر برفق، أو أن تطفو خلالها، وسوف تصبح أقوى، مثل الطيار الذي عليه أن يتعلم اجتياز الطقس السيئ بأمان، حتى يكتسب خبرته. وسوف تصبح أقوى وأكثر سيطرة عن طريق تعلم كيفية عبور نوبات الهلع هذه.