التصنيفات
التوحد

أسباب التوحد

اعتقد كانر عام (1943م) بأن سبب التوحد هو افتقار الطفل للحب والعطف والحنان، والعلاقة السيئة بين الطفل والأم مع الحرمان الحسي، وعدم إشباع حاجات الطفل، والقسوة في التنشئة الأسرية.

واستمر هذا الاعتقاد لسنوات، إلا أن الدراسات العلمية فيما بعد لم تظهر فروقاً ذات دلالة بين أطفال التوحد، والأطفال العاديين من حيث تأثير العوامل النفسية، والحرمان أو التنشئة الأسرية (أسلوب النبذ والرفض والإهمال والتفرقة…)، وبعد ذلك ظهرت عدة دراسات، وعدة نظريات، ووجهات نظر حول أسباب التوحد، وحتى الآن لم يتم اعتماد سبب واضح وعلمي لحدوث التوحد، ولعل السبب في ذلك عدم وضوح هذا الاضطراب، وتداخل هذا الاضطراب مع النمو العضوي والوظيفي للجهاز العصبي، ومع عمليات نمو اللغة والتواصل اللغوي، والتفاعل الاجتماعي، ومهارات اللعب، وغيرها، وهذا ما يجعل هناك صعوبة في التواصل مع هذه الحالات، وكذلك بسبب تداخل هذه الحالات (التوحد) مع أعراض العديد من الأمراض والاضطرابات النمائية الأخرى والتي سيشار إليها في التشخيص الفارقي فيما بعد.

أسباب اضطراب التوحد The etiology

1 – الأسباب الوراثية والجينية Genetic and hereditary causes

لقد أجريت في بريطانيا واسكندنافيا مجموعة من الدراسات حول التوائم (Twins) المتطابقة من نفس الخلية (البويضة) (Monozygotic)، والتوائم المتشابهة (من خليتين منفصلتين، بويضتين) (Dizygotic)، وتبيَّن من هذه الدراسات أن معدل حدوث التوحد في التوائم المتطابقة يتراوح بين (37 – 92%)، لكن معدل حدوث التوحد لدى التوائم المتشابهة تتراوح بين صفر إلى (10%)، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك دراسات أشارت إلى أن معدل حدوث التوحد في التوائم المتطابقة يصل إلى نحو (100%)، وهذا بسبب التطابق الوراثي في الجينات، وكذلك فإن نسبة (2 – 4%) من أطفال آباء كانوا قد أصيبوا بالتوحد يصابون بالتوحد، (Hawlin. R.)، وفي دراسات تالية وجد بأن اضطراب التوحد يوجد بنسبة (96%) لدى التوائم المتطابقة، ونسبة (57%) لدى التوائم المتشابهة، كما وجد بأن أسر أطفال التوحد ينتشر بينهم صعوبات لغوية ومعرفية، وفي عام (1988م) أجريت دراسة في جامعة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، استهدفت مسح (207) أسر في ولاية يوتا وجد بينهم عشرون أسرة لديها طفل يعاني التوحد، أي بنسبة (9.7%)، وقد تبين أن نسبة انتشار التوحد لدى أطفال يولدون إخوة لأطفال يعانون التوحد تصل إلى (5.4%).

وهذه نسبة عالية بالمقارنة بباقي الولايات الأمريكية، حيث ينتشر التوحد في المجتمع الأمريكي عامة بنسبة أقل من ذلك، نحو (10 – 20) حالة توحد في كل عشرة آلاف ولادة، ووجد بأنه إذا كان الطفل الأول المعاق بالتوحد ذكراً فإن نسبة إصابة الأخ المولود الجديد نحو (7%)، وترتفع هذه النسبة إلى (14.5%) إذا كان الطفل السابق أنثى، ولكن ذلك لا يمنع من وجود عوامل بيئية داخلية وخارجية تعمل إلى جانب الوراثة (أشرنا إلى بعضها سابقاً).

ووجد الباحثون أن حالات التوحد تكثر لدى أسر يتميز تاريخها بوجود مثل هذه الحالات، هذا وقد ذكر العديد من الباحثين أمثال (Gillberg) أن العامل الوراثي (Fragile – X syndrome) أعلى لدى أطفال التوحد، وتصل نسبته إلى نحو (16%) من حالات الذكور المصابين بالتوحد، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى وجود علاقة بين المرض الوراثي المتنحي (phenylketonuria) (P. K. U)، الذي ينتج عن استهلاك الجسم لمادة (PA) (Phenylalanine) في البول عن طريق تحويلها إلى مادة (Tyrosine) وهذا ما يؤدي إلى تسمم الجهاز العصبي، وإلى عدم إفراز الأندروفينات (وهي هرمونات يفرزها المخ)، أما إذا تم المحافظة على نسبة (PA) طبيعية في الجسم، فإن ذلك يؤدي إلى توازن إفراز الأندروفينات ومن ثم تحسين الوظائف العقلية. إن زيادة حمض الفينيل (P. K. U) منذ الولادة يؤدي إلى تقيؤ مستمر، وتقرحات جلدية، وتعرق مع رائحة الفم، واحتمال الإصابة بالتخلف العقلي، مع غياب اللون الأصلي ليصبح لون الطفل أشقر، أو احتمال الإصابة بالتوحد.

ويقول الخبراء في مجال التوحد إن الدراسات العلمية أكَّدت أن أبناء المصابين بالتوحد هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بهذا الاضطراب وبنسبة (3 – 8%)، وأن وراثة الجنين لجينة هشَّة أو مشوهة من أحد الوالدين كفيلة بإحداث اضطراب التوحد، مع إمكانية مساهمة عدد من الطفرات الجينية في إحداث الاضطراب، والدراسات البريطانية حول التوائم ما زالت تؤكد أهمية العامل الوراثي إلى جانب العوامل البيئية الداخلية والخارجية، وعوامل الحمل والولادة. هذا وقد لاحظت الباحثة (باتريسيا. م. رودير) خبيرة الحمل والولادة وتشوهات الجنين في كلية الطب، جامعة روشستر وعن طريق أخذ عينات من الأجنّة قبل الولادة، وإجراء تخطيط للجنين بواسطة الإيكو، والاستعانة بمنظار الجنين (Fetoscope)، بالإضافة إلى وسائل التصوير المتقدمة وخاصة للجهاز العصبي والدماغ مثل (MRI)، (PET)، (C. T. Scan)، (Ultra sound)، وغيرها، (وهذا ما يساعد على الكشف المبكر عن أي تشوهات خِلْقية، ووجود اضطرابات عصبية من شأنها أن تؤدي إلى ولادات مضطربة).

يضاف إلى ذلك وجود قصور واضح في نمو منطقة جذع الدماغ (Brain Stem)، وغياب بعض المناطق من الدماغ، بالإضافة إلى تشوهات في البنية الدماغية، وفي الأذن، ولاحظتْ (باتريسيا) الشيء نفسه في فئران التجربة التي لديها قصور في جذع الدماغ (Brain stem) مع تشوهات، ولكن لم يكن السبب عقار (التاليدوميد)، وإنما فقدان وظيفة إحدى الجينات، وتلك الفئران كانت مهندسة وراثياً، وتفتقر إلى جينة تعرف باسم (هوكسا – 1)، ولم يكن من المعروف أن هذه الجينة مسببة للتوحد، وهي جينة لها دور هام في نمو جذع الدماغ، وتشكل الدفعة الأولى من الخلايا العصبية؛ أي في نفس الفترة التي يتطور فيها التوحد الناجم عن عقار (التاليدوميد) كما حدده كل من مللر (Miller) و(Stromland) فالجينة (هوكسا – 1) تنتج نوعاً من البروتين يعمل على تعديل نشاطات جينات أخرى، وهي جينة لا تنشط في أي نسيج بعد المرحلة الأولى من التطور الجيني، فإذا كان نشاط الجينة مستمراً مدى الحياة، فإن أي تغيير في وظيفة هذه الجينة سيقود إلى مشاكل تتفاقم مع تقدم العمر، أما إذا كان نشاط الجينة مرهوناً بفترة نمو محددة فإن ذلك يجعلها عاملاً جيداً لتفسير إعاقة إدراكية مثل التوحد. إن النسخة البشرية من الجينة (هوكسا – 1) تقع على الكروموزوم رقم (7) وهي تحتوي على منطقتين لصياغة رموز (شيفرة) البروتينات وتنظيمها، ويقول خبراء الوراثة إن أي انحراف في تسلسل الحمض النووي في أي جزء من الجينة، يمكن أن يؤثر في أدائها، ومعظم هذه الانحرافات المسببة للمرض تقع في محاور الجينة (هوكسا – 1).

وقد حاول بعض العلماء أخذ عينات من دم مرضى التوحد، وأخرى من أشخاص عاديين، وقاموا بعزل الحامض النووي بحثاً عن وجود اختلافات في المركبات الكيميائية (النيكليوتيدات) ولحسن الحظ وجد العلماء نسختين مختلفتين من جينة (هوكسا – 1)، يوجد في الأولى انحراف في محورها، مما يدل على أن البروتين الذي صاغته الجينة المتغايرة يختلف عن البروتين الذي صاغته الجينة العادية، ولوحظ بأن وجود حالات التوحد لدى مرضى (هوكسا – 1) أعلى من وجودها لدى عوائلهم، ومن الناس الآخرين، وثبت فيما بعد بأن وجود الجينة (هوكسا – 1) ليست الوحيدة المؤدية إلى اضطراب التوحد، وأن هناك عوامل جينية أخرى تساهم في حدوث التوحد. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن معظم الاضطرابات الجينية تنجم عن طفرات للجينة (هوكسا – 1). أما التغيرات الجينية الأخرى التي تطرأ في مراحل مبكرة من النمو فإنها تجعل حاملها أكثر عرضة للإصابة بالتوحد. ووجد أيضاً من خلال بعض الدراسات العلمية وجود انحراف إحيائي في الجينة (هوكسا – 1) والموجودة على الكروموزوم رقم (17) وهي تؤدي دوراً هاماً في نمو ما يسمى بجذع الدماغ، وما زالت البحوث مستمرة حول الكروموزوم رقم (15) ورقم (13)، وغير ذلك من الطفرات التي تؤدي إلى التوحد. ويعمل العلماء حالياً لابتكار اختبار جيني يكشف عن مرض التوحد، على غرار اختبار الأنيميا المنجلية، أو اختبار زمرة الدم (RH)، وغيرهما من الاختبارات. والواقع أن هذا أمر صعب؛ نظراً لوجود عدد كبير من الجينات المتورطة في حدوث التوحد، وقد ثبت بأنه لا يمكن التنبؤ بالتوحد من خلال وجود طفرة وراثية أو أكثر لدى الوالدين، وسيعمل الباحثون على تطوير اختبار لأقرباء مرضى التوحد الذين يخافون أن يرث أولادهم هذا الاضطراب، والدراسات ما زالت مستمرة في هذا الاتجاه، بعد أن تبين تأثير عقار التاليدوميد، ومنطقة جذع الدماغ، والجينة (هوكسا – 1) على ولادة طفل توحدي. وتشير الدكتورة (باتريسيا رودير) خبيرة علم الأجنة (في كلية الطب، جامعة روشستر في بريطانيا) إلى أن التوحد يحدث ما بين عمر (20 – 24) يوماً بعد الولادة، وأن الجينات المسؤولة عن ذاك هي من نوع هوكس (Hox Genes)، أما الدكتورة (مارجريت بومان) خبيرة الأعصاب في جامعة هارفارد، فقد أكدت أن اضطراب التوحد يحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، حيث وجدت أنه في اليوم الثامن لعملية الإخصاب تتحول البويضة الملقحة إلى ما يسمى بالبرعم الجيني الذي يتكون من أدمة ظاهرية (Ectoderme)، وطبقة الأدمة الداخلية (Endoderme)، ومن هذه الطبقة الداخلية يتكون ما يسمى بالأسطوانة الجينية، أو ما يسمى بالأنبوبة العصبية، والتي يبلغ طولها (3) سم في عمر الخمسة أسابيع (انظر شكل 5)، وفي هذه المرحلة الحساسة من النمو يحدث اضطراب أو خلل في عملية النمو، حيث لم يكتمل بعد غشاء النخاعين من حيث النمو، كما أن الوصلات العصبية بين دماغ الجنين والجهاز الحركي لدى الجنين لم تكتمل بعد (حتى الشهر الرابع) مما يؤدي إلى إصابات عصبية، وخلل في الوظائف الحسية والحركية فيما بعد، ويرى بعض علماء الأعصاب أن الدماغ البشري يستمر في نموه حتى عمر ست سنوات، والمخ يمر بمراحل بناء معقدة تعتمد على تفاعل الجينات وعوامل البيئة الداخلية والخارجية، والخلل في عملية البناء هذه قد يُرسّب الاستعداد للتوحد.

ومنذ عام (2001م) بدأت دراسات جادة حول نسيج المخ لأطفال التوحد، وحول الجينات المساهمة في التوحد، وهذه الدراسات أشارت إلى أن بدايات الاضطراب قد تكون نتجت عن قصور أو عجز في جين واحد أو أكثر بالإضافة إلى عوامل البيئة التي تتفاعل مع طفل ذي حساسية جينية. كما أشارت هذه الدراسات إلى أن هناك اثنين من الكروموزومات لهما علاقة بالتخلف العقلي، وباضطراب التوحد، وهما الكروموزوم رقم (2) والكروموزوم رقم (17)، كما أن منطقتي الكروموزومات رقم (7) و(16) لهما دور في تحديد ما إذا كان الطفل سيصاب بالتوحد أم لا. وحالياً يقوم الاتحاد الدولي لدعم الدراسات الجينية للتوحد بدراسة الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين (DNA) لأكثر من (150) زوجاً من الإخوة والأقرباء للمصابين بالتوحد، ووجد مؤخراً منطقتان في الكروموزوم رقم (2) ورقم (17) تهيئان لاضطراب التوحد.

متلازمات أو اضطرابات جينية قد تصاحب أعراض التوحد

– المنغولية (Down syndrome) زيادة في عدد الكروموزومات (47) عوضاً عن (46) والزيادة في الكروموزوم رقم (21)

يعاني الطفل قصوراً عضوياً وظيفياً في القلب وفي جهاز الهضم والسمع، ونقصَ المناعة، وضعفاً عقلياً، صعوبة التكيف الاجتماعي، ضعف المحصول اللغوي، صعوبة في التعلم، ضعف الوظائف العقلية بشكل عام.

– تناذر كلاين فلتر (Klinefelter syndrome) زيادة كروموزوم (X) لدى الرجل ليصبح XXY عوضاً عن (XY).

يكون الرجل خنثى، وعقيماً ولا ينتج الحيوانات المنوية، عرضة للإصابة بالأمراض العقلية، والاضطرابات السلوكية، تأخر النمو الجنسي، تأخر في النمو، وضعف في الوظائف العقلية.

– تناذر تيرنر (Turner Syndrome) وجود كرموزوم وحيد من (X) لدى امرأة يفترض أن يكون لديها (XX).

صعوبات في النمو، ضعف القدرات العقلية، مظاهر نفسية غير واضحة، صعوبة في التعلم، تواصل اجتماعي ولغوي محدود، تأخر النضج والبلوغ.

– (X) Trisomy أي وجود زيادة (X) لدى المرأة (XXX).

الإصابة بالاضطرابات العقلية، والتشنجات، مع قصور في النمو وضعف في القدرات والتعلم بشكل عام.

– (X) Fragile Syndrome متلازمة الكروموزوم (X) الهش (انثناء، أو كسر، أو صغر، أو تشوه الشكل).

تخلف عقلي، وطول الوجه، وأقدام مسطحة، ارتفاع حاد في سقف الحلق، الأذن كبيرة، وصفن كبير في الخصية، حركات نمطية بالأيدي، قصور في الإدراك، نشاط حركي زائد، وتجنب النظر بالعين، وقصور في الاستجابة للمثيرات الحسية، وضعف التآزر الحركي، وضعف القدرة على التعبير برغم سلامة النمو اللغوي.

– تناذر (Sandberg) حيث يوجد لدى الرجل (XYY)

اضطرابات عصبية – نفسية، تخلف عقلي، ميول عدائية سيكوباتية. (تناذر الإجرام).

– Cornelia de Lange Syndrome داء كورنيليا

تخلف عقلي شديد، ملامح وجه مميزة، إعاقة في التعلم، حركات نمطية، مشكلات سلوكية، إعاقات في التواصل.

– Fetal alcohol syndrome ينتج عن إدمان الأم للكحوليات أثناء الحمل.

صعوبات تعلم، وقصور حركي، اضطراب في السلوك، وضعف في التواصل، لغة غير مفهومة، وفاة مفاجئة.

– تناذر صرخة القط خلل في الصبغي رقم (5) Cri du chat syndrome

تأخر عقلي، وتأخر حركي، بكاء يشبه مواء القطة، قصبة هوائية ضيقة، لا توجد استجابات كافية للمثيرات الحسية، ضعيف التواصل، ضعف عقلي، خلل في النمو.

– Hypomelanosis Syndrome داء نقص الميلانين

خلل كروموزومي متفرق، من أعراضه عيوب في الجلد والهيكل العظمي، الصرع، حركات نمطية، عزلة اجتماعية، إعاقات في التعلم، تصلب درني.

– Joubert syndrome – داء جوبرت

تخلف عقلي، وخلل في النمو الحركي، ضعف القدرات العقلية.

– Lujan-Frins syndrome – داء لوجان

إعاقة تعلم مرتبطة بكروموزوم (X)، مع اضطراب في النطق والكلام، وتشوهات بدنية، وحركة زائدة.

– Ellis Syndrome – داء أو تناذر إليس

عدم اكتمال النمو، فكٌّ غير مكتمل وأسنان مشوهة، نمو عقلي عادي، مع صعوبات في التعلم أحياناً، وسلوك عدواني. ونسبة (50%) من هذه الحالات يولدون مع إصابة في القلب.

– Nyhan Syndrome – تناذر نيهام

عند الولادة يكون الطفل طبيعياً حتى (6 – 8) أشهر، وبعدها يبدأ الحامض البولي في الظهور في البول على شكل حبات رمل، ومنذ ظهور المرض لا يستطيع الطفل الجلوس وحده، مع تخلف عقلي، وخطورة على الذات فهو يعض شفتيه وأصابعه لدرجة التشويه، وقد يعتدي على الآخرين، مع قصور في التواصل وفي الاستجابات الحسية.

– Williams Syndrome – تناذر وليامز

شذوذ، واضطراب في السلوك، وضعف عقلي، وضعف في التواصل الاجتماعي، واللغوي.

– Edward Syndrome وجود ثلاثة كروموزومات من الزوج رقم (18) Trisomy (18)

اضطراب في النمو الجسمي والنفسي، وصعوبة التكيف الاجتماعي والتعلم، تشوهات خلقية، ضعف الحواس والمناعة.

– تناذر باتو Patau Syndrome وجود ثلاثة كروموزومات في الزوج رقم (13).

اضطراب في النمو الجسمي والنفسي، ضعف التكيف الاجتماعي، وفي القدرات العقلية.. موت مبكر.

2 – أسباب ولادية وقبل ولادية Pre – natal and delivery causes

أشرنا سابقاً إلى العديد من العوامل التي تؤثر في الجنين والمولود الجديد، وفي الأم قبل الحمل، وأثناء الحمل ثم الولادة وما بعدها، وأشرنا إلى عامل الاستعداد، وبالإضافة إلى ذلك فقد أشارت العديد من الدراسات (Eisenberg, L)، (Howlin, P.) إلى أن معظم أمهات الأطفال التوحديين كنَّ قد تعرضن إلى مشاكل أثناء الحمل أكثر من أمهات الأطفال العاديين، بالإضافة إلى وجود نزوف رحمية أثناء الحمل، وخاصة بعد الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وكذلك تعرض الأم إلى الحصبة الألمانية، وحالات التسمم أثناء الحمل (Toxoplasmosis). وزيادة نسبة حدوث التوحد لدى الأمهات اللاتي يتم حقنهنَّ بطعم الحصبة الألمانية أثناء الحمل، وتزيد النسبة أيضاً في حالة الولادات القيصرية، والولادة المبكرة للأطفال الخدج، (Premature babies) والتي لا يزيد وزن الطفل في مثل هذه الحالات على (1500) غرام، كما أن إصابة الأم أثناء الحمل بحادث تطلب علاجاً طبياً لأكثر من ثلاثة أسابيع، ومعاناة الأم للإرهاق والهبوط مصحوباً بنزيف، وتكرار القيء والدوخة بعد الشهر الثالث من الحمل، والإصابة ببعض الأمراض الفيروسية، وتناول بعض العقاقير دون إذن الطبيب، وحدوث رشح شامل في الرحم (General edema) تهيئ للإصابة بالتوحد.

وقد أكد الباحثون خطورة بعض الأدوية التي تتناولها الأمهات الحوامل والتي يعتقد بأنها عامل مسبب للتشوهات الخلقية مثل دواء التاليدوميد، ودواء (chlordiazepoxide) المستخدم في حالات الإسهال، ودواء (Benedictin) المستخدم أيضاً في حالات الإسهال، والبنسلين المستخدم في علاج حالات الأنفلونزا والأدوية المهدئة والمنومة وأدوية الرجيم، كما أن العالم سكوبلر (Schopler, E) (1992م) أشار إلى تأثير الإدمان على الكحول والمخدرات لدى الأم الحامل، وكذلك الأمراض النفسية والعقلية لدى أسر أطفال التوحد، وتعرض الأم بإفراط لأشعة (X)، والعدوى الفيروسية، والفطريات المهبلية التي تفرز بعض الخمائر أو الإنزيمات في مهبل المرأة أو في جهازها التناسلي مثل داء المبيضات (Candidiasis and vaginal yeast infection) (Mittler, P. et al)، وهي فطريات منتشرة لدى معظم النساء في المنطقة التناسلية، وعادة تصاب النساء بهذه الفطريات في فترة الحمل والإنجاب، وبعض النساء لا يعرفن بأنهن مصابات بهذه الفطريات ولذا لا يبحثن عن علاج لمدة سنوات طويلة (كما يلاحظ من خلال السيرة المرضية للمرأة)، وقد لوحظ انتشار مثل هذه الفطريات لدى أمهات أطفال التوحد، وفرط الحركة، والتخلف العقلي… ولكن ذلك لا يعني أن كل أم مصابة بهذه الفطريات سيعاني طفلها من اضطراب في نموه، أو من اضطراب التوحد.

وفي الأعوام (1980 – 1985م) أجريت دراسات حول فائدة مادة النستاتين (Nystatin) بوصفها مادةً مضادةً للفطريات المهبلية لدى الأمهات الحوامل، إلا أن بعض الباحثين وجد بأن لهذه المادة (النستاتين) تأثيراً سلبياً في الناقل العصبي السيروتونين (Serotonin)، إلا أن دراسات أخرى لم تؤكد ذلك، وبشكل عام إن الوقاية من هذه الفطريات مفيدة لضمان نمو سليم للجنين في فترة الحمل ولسلامة الأم الحامل.

3 – الأسباب العصبية Neurological Causes

الدراسات العصبية حول التوحد متعددة جداً، ومتطورة كثيراً وذلك بفضل توافر التقنيات الحديثة مثل وسائل تصوير الدماغ المتقدمة (Magnetic Resonance imaging)، وجهاز (Positron Emission Tomography)، وغيرها من أجهزة التصوير الطبقي المحوري للدماغ (Brain C. T. Scan)، وقد توصل الباحثون في مجال الأعصاب إلى وجود فروق غير عادية، وواضحة في تشكيل كل من الدماغ والمخيخ (Cerebellum)، فقد وجد (Bauman, M)، وآخرون وجود ضمور في حجم المخيخ لدى أطفال التوحد، وخاصة في الفصيصات الدودية (Vermis) أرقام (6 – 7)، وقد يصل هذا الضمور إلى نسبة (13%) من حجم المخيخ لدى أطفال التوحد، مع وجود حالة تخلف عقلي مصاحبة لحالة التوحد أو عدم وجودها. وفي دراسات أخرى وجد أن الرسم الكهربائي للدماغ (EEG) لدى أطفال التوحد فيه بعض التغيرات الكهربائية وذلك لدى نحو (25 – 65%) من الحالات مع زيادة التشنجات والحالات الصرعية، وخاصة عندما يتقدم الطفل التوحدي في عمره نحو المراهقة، ونسبة (30%) من هذه الحالات لديهم ضعف عقلي، أو تصلب درني (Tuberous Sclerosis)، أو أنهم أصيبوا بالحصبة الألمانية الولادية (Congenital German Measles)، كما لوحظ وجود شذوذات مورفولوجية في الفص الدماغي الأمامي (Frontal Lobe) الذي يشرف على وظيفة اتخاذ القرار، وعمليات التخطيط، ووجود تشابه بين الأعراض النفسية والسلوكية الناجمة عن تلف في الجزء الأيسر من المخ، وبين تصرفات الأطفال الذين يعانون التوحد وسلوكياتهم الاجتماعية، واللغوية، والمعرفية، والسلوكية، وأن الخلايا العصبية في الجهاز العصبي الطرفي (Limbic System) والذي يشرف على وظيفة العواطف والانفعالات لدى أطفال التوحد أصغر بمقدار الثلث من الطبيعي، كما أن خلايا هذا الجهاز غير مكتملة النمو، مع توقف نمو الوصلات العصبية (Synapses)، وكذلك الخلايا الموجودة في المخيخ الذي يساعد على التنبؤ بما سيحدث من لغة الحركات، والتأمل، والعواطف، وضبط حركات الجسم في الوضعية وفي الحركة، وحيث يحدث خلل في كل ذلك، بالإضافة إلى حركات الأطراف غير العادية، وعدم القدرة على ضبط حركة المفاصل. ومن المعلوم علمياً أن المخيخ يتصل مباشرة بجذع الدماغ، وقد وجد بأن خلايا المخيخ أقل بنسبة (30 – 50%) لدى أطفال التوحد، ومنذ عام (1983م) قامت دراسات عصبية لنسيج مخ أطفال التوحد، وتبيّن من خلالها وجود شذوذ في المناطق التي تشرف على وظيفة التفاعل الاجتماعي، وكذلك أجزاء من نسيج الفصوص الأمامية التي تشرف على وظائف الانتباه، والقرار، والتخطيط، والفهم… فقد كانت هذه الأجزاء أثخن من العادي. ويرى بعض العلماء في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتياغو أن عصبونات الدماغ (الخلايا العصبية) تتشكل خلال الأسبوع الرابع من الحمل ومعظمها خلايا حركية (Motor Cells)، خاصة خلايا الأعصاب الدماغية القحفية (Cranial Nerves) والتي تتحكم بعضلات العينين، والأذن، والأنف، والحنجرة، واللسان، وتصل هذه الخلايا إلى منطقة جذع الدماغ، وأن أي عامل يؤثر في نمو الجنين في هذه الفترة مثل المخدرات، والأدوية، والأمراض… إلخ، يمكن أن يترك أثراً سلبياً في الوظائف القحفية، ولكن هل تكون أعراض التوحد هي بسبب هذه التغيرات الوظيفية في الأعصاب القحفية، أم ثمة عوامل تؤثر في مراحل النمو الدماغي السوي؟ لقد وجد الباحثون أمثال Wing, L  بأن اضطراب الوظائف العصبية القحفية يساهم في بعض أعراض التوحد، وخاصة وظائف الأعصاب الدماغية التي تنطلق من بطن الدماغ، ومعظمها يعمل في الوظائف الحسية الحركية، وهذه الأعصاب الدماغية هي:

– العصب الشمي (olfactory) وهو عصب حسي، والخلل الوظيفي يؤدي إلى فقدان حاسة الشم (Anosmia).

– العصب البصري (Optic, N) وهو عصب حسي، والخلل الوظيفي يؤدي إلى فقدان البصر (anopsia).

– العصب محرك العين (oculomotor) وهو عصب حركي، والخلل يؤدي إلى تدلي الجفن، ورؤية مزدوجة (diplopia).

– العصب الاشتياقي (Trochlear) وهو عصب حركي، يشرف على حركة العين للأعلى والأسفل.

– العصب مثلث التوائم (trigeminal)، وهو عصب حركي، يشرف على حركات البلع والمضغ والإحساس بالحرارة والبرودة والشعور بالألم.

– العصب المبعد (Abducens)، وهو عصب حركي، يشرف على الحركات الجانبية للعين.

– العصب الوجهي (Facial)، وهو عصب حركي، يشرف على حركة الوجه وتعبيراته.

– العصب الدهليزي (السمعي) (Vestibular)، وهو عصب حسي، يشرف على التوازن، والتوجه، والسمع..

– العصب البلعومي – اللساني (glossopharyngeal)، وهو عصب حسي – حركي، يشرف على التذوق.

– العصب الحائر (Vagus)، وهو عصب حسي – حركي، يشرف على الأحشاء والبلعوم، وإخراج الكلام والحنجرة.

– العصب الشوكي الإضافي (spinal accessory)، وهو عصب حركي، يشرف على قوة عضلات الكتف والرقبة.

– العصب تحت اللسان (Hypoglossal)، وهو عصب حركي، يشرف على حركات اللسان ولوي اللسان..

وفي عام (1992م) أجريت دراسة في جامعة سياتل على عينة من (192) طفلاً توحدياً، تبين من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وجود تلف في الفص الصدغي (Temporal Lobe) في (29) حالة، وهذا الفص يشرف على وظائف التفاعل الاجتماعي، وهذا يفسر لنا سبب قصور أطفال التوحد من حيث التفاعل الاجتماعي، كما وجد البعض أن هناك خللاً في سريان الدم في المخ (نقص تروية دماغية) في (72%) من حالات التوحد، كما أن نسبة (25%) من أطفال التوحد يعانون ثخانة طبقة اللحاء (القشرة المخية) (The Cortex)، وكذلك وجود خلل في ثنيات المخيخ أرقام (6 – 7). أما (Gillbert) وآخرون فوجدوا أنه في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل تم تسجيل نقص في خلايا بيركنجي (Purkinje cells) في المخيخ، مع زيادة إفراز نتائج الأيض (Metabolic) لمنطقة لحاء المخ، ووجود إصابة في جذع الدماغ (Brain Stem) وهو الذي يشرف على عمليات الاستثارة، والانتباه، والنوم، ومركز المعرفة بدءاً من استقبال المدركات الحسية، وترميزها (تشفيرها) (Coding) وتخزينها في الذاكرة، بالإضافة إلى أهمية جذع الدماغ في التعلم، والتعبير، والتخيل، والتنظيم… وهذا الجهاز يعمل بتناسق مع الجهاز اللمبي أو الطرفي الذي يقع في مركز المخ ويقوم بترجمة الانفعالات والعواطف. وتعرُّض جذع الدماغ: إلى الإصابة ربما يؤدي إلى إعاقة النمو في مناطق دماغية أخرى، بما في ذلك المناطق المسؤولة عن الوظائف العقلية العليا مثل اللغة، والتعلم، والذاكرة، والانتباه، والفهم… الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى القصور في الوظائف العصبية وظهور أعراض التوحد، ومن المعروف علمياً أن خبراء البيولوجيا العصبية يربطون بين جذع الدماغ ومعظم الوظائف الحيوية الأساسية مثل التنفس، الطعام، التوازن، تناسق الحركات،.. وهم يرون أن العديد من السلوكيات المضطربة المصاحبة للتوحد تقع تحت سيطرة القشرة الدماغية وقرن آمون في مقدم المخ، ولكن مشكلة أطفال التوحد لا تتمثل في مقدمة المخ بل في انخفاض عدد الخلايا العصبية في المخيخ الذي يهتم بمعالجة المعلومات وخاصة التي لها علاقة بالحركات العضلية.

هذا، ولقد اكتشف العالم (إيريك كورتشسن) وفريقه في جامعة كاليفورنيا بمدينة سانتياغوا أن أجزاء من المخيخ تنشط خلال أداء بعض المهام التي تتطلب معالجة إدراكية رفيعة المستوى. ومن الدراسات الحديثة التي أجريت في مركز أبحاث الأعصاب في كندا (مونتريال) (2002م) استخدم فيها التصوير بالرنين المغناطيسي لدماغ (22) طفلاً توحدياً شخصت حالتهم على أساس معايير (D. S. M – IV)، ولوحظ تشوه في خلايا القشرة الدماغية لدى (54%) من الحالات، (انظر شكل (9». وفي دراسة مشابهة أجريت باستخدام (MRI) على عينة من (13) طفلاً توحدياً في إحدى الولايات الأميركية تبين أن هناك تشوهات في نمو قشرة المخ في نحو (53%) من الحالات (developmental malformation of the cerebral cortex).

4 – العوامل البيوكيميائية Biochemical Factors

في مؤتمر جامعة إلينوي في أمريكا أشارت الدكتورة (باتريسيا. م. رودير)، استشارية الجنين والولادة وأمراض النساء، ومن خلال أبحاثها حول التشوهات الخلقية التي تصيب دماغ الأطفال، إلى عدم نمو أجزاء معينة من الدماغ لدى أطفال التوحد، وخاصة المخيخ (كما أشرنا سابقاً)، مع خلل في النواقل العصبية (Neurotransmitters). وحضر المؤتمر (مارلين ميللر)، من جامعة إلينوي، (وكرستين ستروملاند) من جامعة جوتنبرج في السويد، وهما اختصاصيتان في أمراض العيون، وكان بحثهما حول أعراض عقار (التاليدوميد) المسؤول عن عوامل التشوهات الولادية في أعوام الستينات، وشمل البحث راشدين وأطفالاً سبق لهم أن تعرضوا لهذا الدواء، وبعد اختبار أفراد العينة تبين لهم أن نسبة لا تقل عن (5%) من ضحايا عقار التاليدوميد (Thalidomide) (الذي كانت تستعمله الأمهات مضاداً للإقياء أثناء الحمل، والغثيان، ومن أجل تثبيت الحمل في الرحم…) كانوا يعانون أعراض التوحد، واستفاد الباحثون من هذه الملاحظة في معرفة أن التوحد ينشأ في الأسابيع الأولى للحمل، وهي فترة حدوث الاضطراب أو المرض، وهذا يكون عندما يبدأ دماغ الجنين وجهازه العصبي بالنمو والتطور، وقبل أن تعرف المرأة أنها حامل. ومن المعروف أن عدداً من الخلايا العصبية تبدأ بالتشكل في الأسبوع الرابع من الحمل، ومعظمها عصبونات حركية خاصة بالأعصاب القحفية التي تتحكم (وكما أشرنا في السابق) بعضلات العينين، والأذنين، والوجه، والفك، والحنجرة، واللسان، وتوجد قواعد هذه العصبونات في جذع الدماغ، لذلك يتوقع أن يكون لدى ضحايا التاليدوميد قصور في وظائف الأعصاب القحفية، وقد لوحظ من خلال دراسة (باتريسيا)، (وكرستين)، (ومارلين) أن هذا العقار يؤدي إلى تشوهات واضحة في الأجزاء الخارجية من أذن الطفل المتوحد.

وبالإضافة إلى عقار التاليدوميد هناك عقار (Aminopterin) الذي يؤدي إلى إنهاء الحمل، وكذلك الأدوية المهدئة والمنومة، وأدوية الحمية (الريجيم) الشديدة وفقدان الشهية للطعام مثل دواء (Dextroamphetamine).

والسؤال الذي طرحه الباحثون حول أعراض التوحد الناجمة عن التاليدوميد والمشابهة لأعراض التوحد (الذي لم يعرف له سبب)، هل يختلف بعضها عن بعض، بغض النظر عن الأعراض السلوكية؟ مع ملاحظة أنه غالباً ما يشار إلى أطفال التوحد على أنهم طبيعيون من حيث المظهر.

حاول الباحثون الإجابة عن ذلك، ووجدوا أن كثيراً من حالات التوحد لديهما تشوهات جسدية أو بيولوجية – عصبية طفيفة؛ مثل تشوه بسيط في شكل الأذن، وخاصة في التدوير الخارجي للأذن، ويكون أعلى الأذن مائلاً إلى الخلف في حدود (15) درجة، وهذا شائع لدى مرضى التوحد، كما أن القصور في حركة العينين، والافتقار إلى تعابير الوجه هي بعض أعراض دواء التاليدوميد، وفي عام (1995م) تابعت الدكتورة (رودير) دراستها، وأجرت مجموعة اختبارات على جذع الدماغ لامرأة توفيت وكانت تعاني التوحدَ ولم تكن أسبابه معروفة، وقد اكتشفت وجود غياب كلي تقريباً للنوى العصبية الوجهية التي تتحكم بعضلات الوجه، وجزء آخر له علاقة بتحويل المعلومات السمعية، وكلا الجزأين ينشأ من الأنبوب العصبي الجنيني الذي ينمو ليشكل الجهاز العصبي المركزي، وانتهت (رودير) إلى أن عدد الخلايا العصبية الوجهية في دماغ هذه المرأة لا يتجاوز (400) عصبون، في حين أنها لدى الشخص العادي نحو (9000) عصبون أو خلية عصبية.

وفي دراسات أخرى حول النواقل العصبية ركزت (رودير) على ناقل السيروتونين الذي يتحكم بالعديد من الوظائف الحيوية والسلوكية، بما فيها النوم، والطعام، وحرارة الجسم، والشهية للطعام… ودور السيروتونين في حدوث الأمراض النفسية والعصبية والسلوكية… (وعادة ينشأ السيروتونين في القناة الهضمية والأمعاء، وممرات الأحشاء… ويخزن على شكل صفيحات أثناء عملية الدوران والأيض، حيث يتم هدم السيروتونين ليتحول إلى (الهيدرو كندر ستيل (5) بواسطة إنزيمات خاصة بعد امتصاصها في الكبد والرئة)، وقد وجد نسبة عالية من السيروتونين عند (45%) من الأطفال التوحديين، ونسبة عالية في صفيحات (الهيدرو كستير بتامين)، وبشكل زائد على الحد لدى الأطفال التوحديين.

كما أجريت دراسات على الناقل العصبي (الدوبامين) (Dopamine) الذي يؤثر في حالة اليقظة ومظاهرها الحركية… وقد ثبت أن الأعراض الأساسية في التوحد مثل النمطية في السلوك والنشاط الزائد هي بسبب زيادة الناقل العصبي الدوبامين (وكذلك الفصام)، مما أثبت أن العصبونات الدوبامينية المركزية تكون مرتفعة لدى التوحديين.

كما أجريت دراسات على الناقل (النور إبنفرين) (Norepinephrine) الذي تفرزه الغدة الكظرية وله دور فعال في اليقظة وحالة القلق والتوتر والذاكرة، وتدفق الدم إلى الرأس، وتبين زيادة هذا الناقل العصبي لدى أطفال التوحد.

وينتج هذا الناقل من موضع (locus coeruleus)، وله ممرات إلى الدماغ الأمامي والمخيخ والحبل الشوكي، والضغوط النفسية تؤدي إلى زيادة هذا الناقل. وما زالت الدراسات مستمرة حول الناقل العصبي الأستيل كولين (Acetylcholine)، وحمض جاما أمينوبوتريك (gamma-Aminobutyric acid) (GABA)، الذي يعمل مثبطاً قوياً، وينتشر في الدماغ والنخاع الشوكي. ويعتقد الباحثون أن أحد أسباب الصرع هو خلل بيوكيميائي في إفرازات هذا الناقل ومستقبلاته، وعندما تمَّ خفض بعض هذه النواقل العصبية تحسنت أعراض التوحد والأداء اللغوي لدى أطفال التوحُّد. وفي دراسات أخرى (Piven, I) في السويد وجد أن تركيز حامض (Homovanillic) أكثر ارتفاعاً في السائل الدماغي (Cerebral Fluid) المنتشر بين أنسجة المخ والنخاع الشوكي لدى أطفال التوحد.

وبعض البحوث العلمية أثبتت وجود علاقة بين التوحد وعوامل التلوث البيئي والكيماويات، والتلوث الشعاعي، والمبيدات الحشرية. وقد أجريت دراسة في قرية أمريكية في ولاية ماساشوستس، قرية (Leo mister) عدد سكانها (36000) نسمة، ظهر بين أطفالها انتشار غير عادي لاضطراب التوحد، حيث بلغت نسبة الإصابة 1/100 من الأطفال، وهي نسبة عالية جداً إذا ما قورنت بالمجتمع الأمريكي (20 – 30/10000)، وقامت جامعة ستانفورد بإجراء بحث شامل في تلك القرية قام به اختصاصيون في التلوث البيئي والوراثة والتشوُّه لدى الجنين (Teratology)، وظهر من النتائج انتشار النفايات السائلة والغازية السامة والتي تلقى بأحجام خمسة أطنان في نهر القرية، وهذه النفايات مصدرها مصنع للنظارات الواقية من أشعة الشمس، وتحتوي النفايات على مواد سامة مثل الرصاص والزئبق اللتين ثبتت علاقتهما بالتخلف العقلي، هذا فضلاً عن تأثير أكسيد النتروجين والكبريت ومركباتهما التي تنتج عن احتراق وقود المازوت في المصنع.

وهناك عدة نظريات وآراء تشير إلى أن (التلوث البيئي) هو السبب في التوحد، وهذا مثل قصور فيتامين (أ)، وبروتين الأورفانين… وكلها فرضيات غير دقيقة حتى الآن.

5 – عامل التغذية (النظام الغذائي)

لقد حاول العديد من العلماء إيجاد علاقة بين الغذاء والسلوك، وكلنا يعلم أن هناك أغذية يتم امتصاصها في الجسم مثل القهوة، والكحول، والبيرة، والنبيذ… وهذه من شأنها أن تغير من إحساس الفرد ومشاعره ومدركاته ومن ثم تغير سلوكه. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن أطفال التوحد يستهلكون وبشكل مفرط مادة السكر، (خاصة السكر الصناعي)، حيث إن أيض السكر وعملية توليد الطاقة تتم بشكل سريع، إلا أن دراسات متقدمة لم تجد علاقة بين امتصاص السكر وأعراض التوحد.

ووجد أن بعض حالات التوحد قد تكون ذات حساسية تجاه المواد السكرية بحيث نجد ازدياد هذه الطاقة في مرحلة مبكرة من العمر. والواقع أن معظم المناصرين لفرضية الحساسية لبعض الأطعمة مثل اللبن والشوكولا والبيض، والذرة، والفول، وبروتين حليب البقر… أو فرضية نقص المواد الغذائية الضرورية في عملية الغذاء، وخاصة في مرحلة النمو الحرجة للجنين؛ يعتقدون بصحة ذلك، كما أن هناك عوامل غذائية تؤدي إلى ردود فعل حساسية (Allergic Reaction) والتي يكون من أعراضها التوحد، أو اضطرابات النمو الأخرى، علاوة على ردود الفعل مثل العطاس والسعال والطفح الجلدي… وغيرها. وهناك عدة تقارير تؤكد أن تعديل الغذاء يؤثر وبشكل واضح في أعراض التوحد، وخاصة الامتناع عن المواد السكرية، وخاصة الصناعية منها، ويبدو أن بعض السكريات مثل الجلوكوز يمكن أن يؤثر ذلك في الوصلات العصبية في المخ. ومن ثم يؤثر ذلك في نشاط الأفراد. وبعض الباحثين يرون ضرورة الامتناع عن الحبوب، والمواد الملونة الصناعية. ولا يوجد حتى الآن دليل واضح على أن هناك أطعمة معينة أو نظاماً غذائياً يؤدي إلى اضطرابات في النمو. (وسنشير في فقرة علاج التوحد إلى أهمية سحب منتجات الحليب الغلوتين، والكازيين بالنسبة إلى أطفال التوحد). هذا، وقد أشار بعض الباحثين إلى دور الأطعمة الناقلة لمادة الكبريت والفينول، والتي قد تسبب ظهور سلوكيات مضطربة لدى الأطفال مثل أعراض التوحد، وهذه الأطعمة مثل عصير التفاح والحمضيات، والشوكولا، والباراسيتامول (وهي من الأطعمة التي تحدث نوبة الشقيقة). ولاحظ الباحثون أيضاً ارتفاع حالات الشقيقة (الصداع النصفي) لدى أسر الأطفال المصابين بالتوحد، وبدا للباحثة روزماي (Ross. M. W.) أن الأنظمة الناقلة لمادة الكبريت في الجسم تعمل بشكل ضعيف لدى أطفال التوحد، مما يؤثر في انخفاض عملية الأيض، وانخفاض عصارة الصفراء، وعملية الامتصاص المعوي، وانخفاض امتصاص الفيتامينات الأخرى.، والعصارات الهضمية مثل الببسين (Pepsin) في المعدة.

6 – تأثير الخمائر والطفيليات المعوية والمواد الكبريتية، والأحماض الدهنية والأمينية

لوحظ ولسنين طويلة وجود علاقة بين اضطراب التوحد والخمائر الطفيلية، ولكن ما زالت طبيعة هذه العلاقة غير مؤكدة حتى الآن، كما لوحظ اختفاء ما يسمى (بالالتهاب الخميري) (Yeast infections) وذلك عند إزالة مادتي الغلوتين والكازينين من الغذاء، وكذلك لوحظ أن الخمائر مثل الكانديدا (Candida) تكونت من نظام المناعة الذي يتأثر بأنشطة البيبتيدات الأفيونية (Opioid peptides) الناتجة عن الطعام. إن الكثير من الأطفال الذين يعانون التوحد يعانون التهاب الأذن، ويحتمل أن تكون هذه الاضطرابات في بدايتها بسبب الحليب، ومع ذلك فهذه الالتهابات تعالج بالمضادات الحيوية، ولسوء الحظ فهي (أي المضادات الحيوية) تقتل البكتريا في الأمعاء مع أن دورها في التسبب بمشكلات التهابية في الأذن قد يكون ضعيفاً جداً، وهذا ما يؤدي إلى تكوين خمائر وعضويات أخرى. وهكذا فإن استخدام المضادات الحيوية القوية لدى نوع معين من الأطفال يشجّع على نمو الفطريات من هذا النوع. وإذا تكونت الخمائر فإن هذا يزيد من نفاذية الجدار المعوي، وخاصة عندما يكون مستوى مادة الكبريتات منخفضاً. وأخيراً، يمكن القول إن الخمائر قد تكون مسؤولة عن إنتاج مركبات تعمل على تضخيم الإنزيمات مثل مركبات (Dipeptidyl peptidase-4) التي تعمل على تحليل المركبات البيبتيدية الأفيونية (Opioid peptides) والمشتقة من بعض الأغذية وفي ظروف معينة. ولذلك فإن كثيراً من الآباء يعتقدون أن معالجة آثار هذه الخمائر مفيدة لطفل التوحد. وملاحظات الآباء مستمدة من التحسن السلوكي الذي يطرأ من جراء استعمال مادة النستاتين (Nystatin) المضاد للفطريات، والتي تجعل جدران الأمعاء أقل نفاذية، أو استعمال مادة (Diflucan) المضادة للفطريات أيضاً، ومن المعروف أن الخمائر تنمو مع المواد السكرية، وقد حاول الكثير من آباء أطفال التوحد السيطرة على التلوث بسبب الخمائر عن طريق الحد من السكريات في الغذاء، أو إبعادها نهائياً، كما حاول بعض الآباء إبعاد المواد الغذائية التي تحتوي على هذه الخمائر، أو التحكم بالتلوث الناتج عن الخميرة بتكملة الغذاء بحبوب أو أدوية تحتوي على مستويات عالية من البكتريا التي توجد عادة في جهاز الهضم، وتستخدم عادة المنتجات المحتوية على مادة (Acidophilus)، ومادة (Bifidi) لهذا الغرض مع مواد طبيعية مثل الثوم، وزيت بذر العنب، للقضاء على الخمائر.

ويتم عادة تحليل البراز، والبول، والدم لمعرفة الالتهابات الناجمة عن الخمائر، ويمكن للأهل أن يفترضوا التلوث ويستمروا في العلاج. يضاف إلى ذلك تأثير الطفيليات المعوية التي تضعف الجهاز المناعي للجسم والتي توفر لها (البيبتيدات الأفيونية) مناخاً مناسباً. إن معظم الأطفال الذين يعانون التوحد لديهم أمعاء أكثر نفاذية، وتتراكم لديهم الديدان، والبروزيات (أحاديات الخلية)، والتي تُنْتج مثل هذه المركبات، وليس معنى ذلك أن الديدان والبروزيات تسبب التوحد، ولكن يمكنها أن تفاقم الوضع وخاصة لدى الأطفال الذين لديهم جهاز مناعة ضعيف، مما يعرضهم إلى كميات كبيرة من هذه الديدان. لذلك كلما تمَّ تخفيض مستويات البيبتيدات الضارة في الأمعاء، والتقليل من نفاذية جدار الأمعاء، فإنه يمكن التقليل من مخاطر الأذى ومن بعض أعراض التوحد.

من ناحية أخرى إن نفاذية الأمعاء لها أهمية كبرى في عملية الأيض، والنمو. والأمعاء كما نعلم مبطنة من الداخل بعدة طبقات من بينها طبقة خفيفة تسمى (Mucoproteins)، وهذه الطبقة تؤمن عملية الانزلاق والحماية للجدار المعوي عندما يمر به الطعام، وهي طبقة خفيفة يجب أن يضاف إليها مادة الكبريت حتى تستمر في وظيفتها من حيث الوقاية والاستمرار والفعالية، وإذا لم تتوافر مادة الكبريت فإن البروتين يتجمع ويترك الجدار المعوي مكشوفاً، مما يشجع على انتقال البيبتيدات إلى داخل الأنسجة، والعلماء يؤكدون أهمية مادة الكبريت في فعالية الهرمونات وفي جهاز المناعة، ووظائف المعي والكلية وفي إزالة السموم، وهذه كلها لها دور هام في نمو وظائف الجسم بالإضافة إلى نمو الدماغ. وفي رأي الباحثين أن أي التهابات في الجسم سينتج عنها استنفاد كبير لمادة الكبريتات، لهذا ينصح البعض بإضافة أملاح كبريتات المغانزيوم في ماء حمام الأطفال التوحديين، والهدف هو امتصاص كميات من هذه الأملاح عبر الجلد، كما يمكن إعطاء مادة (Sulfonyl Methane) عن طريق الفم لرفع مستوى الكبريت في الدم.

وبعض الباحثين في مجال التوحد والحمية الغذائية يرون أن معظم أطفال التوحد لا يوجد لديهم حامض كافٍ في معدتهم (أي فقدان حموضة الكلوريد (Achlorhydria) وبسبب ذلك تعمل إنزيمات المعدة بشكل غير كافٍ لتكسير البروتينات، ومن المعروف علمياً أن الإفرازات التي تتم في الأمعاء هي نتيجة لحامض المعدة، ففي حالة عدم كفاية حامض المعدة ينخفض مستوى الإفرازات. وقد تمَّ تجريب مادة هيدروكلوريد البيتايين (TMG) – (Trimethylglycine) Hydrochloride Betaine لعلاج حالات التوحد (وفرط الحركة وبعض اضطرابات النمو الأخرى)، وهذه المادة تزيد من حموضة محتويات المعدة بإفراز حامض (الهيدروكلوريك).

أما بشأن الأحماض الدهنية (الدهون والزيوت)، فقد كان هناك اعتقاد خاطئ أن هذه المواد ليس لها من وظيفة إلا تخزين الطاقة، وهي مادة مساندة، أما الآن وبعد تقدم الدراسات العلمية الكيميائية الحيوية تبيَّن أن لهذه المواد دوراً هاماً في عملية الأيض وفي نمو الجسم بشكل عام (دراسة الباحثة كان Kane,s). ولقد تبين أهمية زيت الكتان، وزيت كبد السمك، وزيت ورق الزيتون، وغيرها من الزيوت، وخاصة الأغذية المتوازنة التي تحتوي على أحماض أوميغا (3 – 6) Omega(3) Omega(6)، كما في زيت بذرة الكتان التي تحتوي على مادة Omega 3، وهناك مصادر أخرى مثل زهرة الربيع المسائية، وزيت لسان الثور، وزيت زهرة النجمة، وزيت كبد السمك الذي يحتوي على فيتامين (أ) ويفيد أطفال التوحد بسبب نقص هذا الفيتامين لديهم.

من ناحية أخرى ثبتت فائدة الأحماض الأمينية (Amino – Acids) للمصابين باضطراب التوحد، وأن عدم انتظام الأحماض الأمينية في الجسم يؤدي إلى حدوث اضطرابات.

وفي مجال الطب إشارات كثيرة إلى أن الأحماض الأمينية تعمل على نمو الزغابات الشعرية في الأمعاء، وتحسين عملية الامتصاص في الأمعاء، وأن مستويات حمض الغلوتامين (Glutamine acid) في دم أطفال التوحد يكون منخفضاً، ومن المعروف علمياً أن مادة – هيدروكسي تريبتوفان (5 – Hydroxy tryptophan) وهي أيض للحامض الأميني التريبتوفان وتستخدم في تشكيل غشاء المادة الناقلة للتنبيه الحسي – الحركي، تكون مستوياتها منخفضة لدى أطفال التوحد، لذلك فإن إضافة هذه المادة (HTP 5) مفيدة لأطفال التوحد، مع أنه ما من دليل قاطع على ذلك. وحالياً يوجد في الأسواق العالمية منتج (SerenAid) المخصص لأطفال التوحد، وهو يحتوي على إنزيمات البيبتيداز (peptidase) من مصادر مختلفة، وهو مخصص للعمل في الوسط الحامضي للمعدة (حيث يتم تكسير البيبتيدات)، ومن هذه المصادر النباتية (الأناناس)، وكذلك السكرتين (Secretin) الذي يحفز البنكرياس على إنتاج إنزيمات البيبتيداز، يضاف إلى ذلك أن الأغذية عالية مادة السليسيلات (Salicylate) تسبب بعض المشاكل لدى أطفال التوحد، كما في الأسبرين الذي يستخدم لعلاج الحميات والالتهابات وخافضاً للحرارة ومسكناً للألم.. وهي تؤدي إلى إيقاف مفعول إنزيم (cox – 2) (cox – 1) وهذه الإنزيمات ضرورية لإنتاج أحماض دهنية سداسية معينة للحفاظ على التكامل الوظيفي المعوي، لذلك فإن الأدوية مثل الأسبرين تزيل آثار إنزيم كوكس. وبعض الآباء يرون تفادي بعض الأطعمة التي تحتوي على مادة السليسيلات مثل اللوز وغيرها. من ناحية أخرى ينصح أطفال التوحد بتناول العرقسوس، والزنجبيل، والمنتجات العشبية الأخرى التي تزيد من تدفق الدم وإيصال الأكسجين إلى الدماغ، والتأثير الإيجابي في القناة المعدية – المعوية (وحدة أبحاث التوحد، جامعة سندرلاند في بريطانيا).

7 – نقص امتصاص فيتامين B6

يعتقد بعض الباحثين (الصينيين) بأن التوحد يرجع إلى خلل في الجهاز الهضمي والمناعي، وقد افترض هؤلاء العلماء أن مسببات التوحد تكون في الغالب بعد الولادة، أو أثناء فترة الحمل، والأطباء الصينيون يرون أن الكلية (The Kidney) عضو ينشأ منذ الولادة وبشكل خِلْقي (Congenital)، لكن الطحال (The spleen) هو عضو وظيفي ينشأ بعد الولادة (postnatal)، واستناداً لهذا الافتراض فإن أعراض التوحد تنشأ بعد الولادة، وغالباً ما يكون ذلك بسبب إصابة أو تلف في الجهاز الهضمي وبالذات في الطحال أو المعدة، مما يمنع أو يعوق امتصاص فيتامين (ب 6) (B6) وغيره من العناصر التي تساعد على النمو السليم للمخ ووظائفه، كما أن إصابة الكليتين والطحال تسبب ضعف الجهاز المناعي، ونقص فيتامين (B6) وبعض العناصر الحيوية يؤدي إلى ولادة طفل ذي اضطراب وظيفي في المخ.

وقام باحثون آخرون بدراسة حالات التوحد وتبين لهم تحسن أعراض التوحد بتحسين الجهاز الهضمي والمناعي لدى المصابين بالتوحد، كما أن بعض السلوكات المضطربة لديهم تحسنت بنسبة (90%).

فرضية التحصين ضد الأمراض Immunization

يعتقد البعض أن التحصين (للأمهات والأطفال) من شلل الأطفال، والسعال الديكي، (الشاهوق)، والدفتريا (الخانوق)، والكزاز، والسل، والحصبة (الحميراء) يضاف إليها التهاب السحايا، والنكاف والتهاب الكبد الوبائي (وقد دعيت هذه الأمراض بالقتلة الستة (Six Killers) يؤدي إلى الوقاية من التوحد. ولقد أشارت الدراسات إلى أن نسبة (0.5%) من أطفال العالم يموتون بسبب شلل الأطفال، ونسبة (1%) بسبب الكزاز، و(2%) يموتون بالسعال الديكي، و(3%) يموتون من الحصبة، وهذه التحصينات هامة من أجل مناعة الطفل ونموه. إن الطفل تنخفض مناعته تدريجياً حتى عمر ستة أشهر، وأعراض هذه اللقاحات بسيطة، وعدم التحصين يضعف من المناعة ويؤدي إلى اعتلال الدماغ، أو التهاب الدماغ، والاختلاجات، والتهاب العصب البصري، والأعصاب المحيطية والتي تتظاهر بالشلل، ويتم عادة لقاح الدرن عند الولادة (BCG)، والتهاب الكبد المصلي (HB VAX)، ولقاح شلل الأطفال عن طريق الفم، واللقاح الثلاثي (DPT) (الكزاز والدفتريا والسعال الديكي) ولقاح الحصبة والنكاف تحت الجلد، ويعطى الطفل لقاحاً ضد التهاب السحايا قبل عمر السنة)، وقد ثبت أن مثل هذه العوامل والالتهابات المصاحبة تؤثر في نمو الجنين والطفل وفي مناعته، وفي دراسة مسحية قامت بها جامعة ألباما في الولايات المتحدة الأميركية (قسم الرعاية الصحية للأمومة والطفولة) تبين من خلالها أن نسبة تقدر بنحو (3%) من أطفال التوحد، كانوا قد أهملوا من حيث توفير التحصينات اللازمة سواء للأم أو للطفل بعد ولادته.

التفسير النفسي Psychological Factors

الدراسات النفسية حول أطفال التوحد ترى أن معظم حالات التوحد تكون فيها الأم باردة عاطفياً، وبليدة الانفعال، ومن النوع القاسي المسيطر، والأب يكون من النمط الضعيف الغائب عن منزله والمنسحب، والعلاقة الزوجية تتصف بالبرودة، والخلو من العطف، والحب، والاهتمام، والدفء… مع سلبية الأم تجاه أطفالها. وهذه السلبية والبرود من الآباء لا يسمحان للطفل بالتواصل العاطفي والنفسي والاجتماعي، مع عدم القدرة على اكتساب المواقف والحالات الوجدانية والعاطفية والانفعالات أو تعلمها، أو التعبير عن المشاعر والأفكار.

وذلك بسبب اللامبالاة، والإهمال والقسوة والبرود، مع إخفاق المعززات اللازمة لاستجابات الطفل الانفعالية، والاجتماعية والسلوكية واللغوية، مما يضعف من نمو الأطفال، وسلوكياتهم بسبب عدم وجود تدريب وتعليم على (الكلام والإخراج والمشي والحركة واللعب…)، وغالباً ما ينتشر ذلك لدى الأسر المحرومة عاطفياً ونفسياً.

وفي ضوء ذلك يمكن أن يكون سلوك التوحد سلوكاً دفاعياً نفسياً أو رد فعل لعدم تقبل الطفل عاطفياً من قِبَل الوالدين، كما في حالات الحرمان الحسي والعاطفي للطفل داخل أسرته وما يترتب على ذلك من أعراض خوف وعزلة وضعف عقلي وتأخر في النمو اللغوي والاجتماعي (كما في بعض حالات الأطفال في مراكز الأيتام، والأطفال اللقطاء وغيرهم).