لسنوات طوال كان صعبًا على المرضى الذين يعانون “متلازمة التعب المزمن” أن يحصلوا على تشخيص لمرضهم، ناهيك عن أن يحصلوا على علاج ناجح.
وقد تحمل بعضهم تكاليف اختبارات وتحاليل باهظة الثمن، وبغيضة إلى حدٍّ كبير، ليقال لهم في النهاية إنهم يعانون مرضًا نفسيًّا جسميًّا، مثل: الاكتئاب، أو العصاب، أو الض غط العصبي، أو التوهم المرضي. لحسن الحظ، تم تعريف متلازمة التعب المزمن Chronic fatigue syndrome (CFS) حديثًا من قِبل مركز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة، الذي جاء بمثابة الخلاص للكثير من المرضى الذين ظنوا أنهم في اتجاههم إلى الجنون ببطء.
التعريف المقبول لمتلازمة التعب المزمن أنه ذلك التعب الذي يمتد لأكثر من ستة أشهر، وما يصاحبه من أعراض شائعة كالألم العضلي، وتورم الغدة الليمفاوية، والعدوى الفيروسية المتكررة.
التعب عند هؤلاء المرضى هو في الواقع رسالة إلى الجسم بأن المريض يجب أن يرتاح، وأن يتوقف عن إحداث المزيد من الأضرار، فعند هؤلاء المرضى يكون جهاز المناعة منهكًا، وفي حالة من الاهتياج المستمر مع إفراز مواد كيميائية التهابية مفرطة.
حيث يتم إفراز الجذور الحرة السامة؛ ما يضر بمصانع الطاقة (الميتوكوندريا Mitochondrion) داخل خلايانا. وتهاجم الجذور الحرة Radical والمواد الكيميائية الالتهابية والجسيمات الفيروسية، الأنسجة العضلية الهيكلية والعقد الليمفاوية، مسببة أوجاعًا وآلامًا وانتفاخًا في الغدد.
وكثيرًا ما يصاب هؤلاء المرضى بحساسية الصدر والحساسية من المواد الكيميائية؛ لأن جهاز المناعة لديهم منهك للغاية و”مشحون”. ونتيجة لذلك، يصاب الجسم بالخمول، ويتحول إلى حالة سبات الأيض بهدف الوقاية الذاتية.
في مؤتمر عقدته الكلية الأمريكية لتقدم الطب (ACAM)، أجمع المتحدثون على أن متلازمة التعب المزمن غالبًا ليست نتيجة لعامل واحد، بل نتيجة مجموعة من الفيروسات المعدية. وكثيرًا ما لا تُظهر تحاليل الدم عند هؤلاء المرضى قصورًا محددًا في الجهاز المناعي. ومن أكثر الفيروسات الشائعة التي تسبب متلازمة التعب المزمن عائلة الفيروسات الهربسية، مثل فيروس إبشتاين بار (فيروس حمى الغدد)، وفيروس هيربسي ٦ (Human herpesvirus 6). ويمكن أيضًا توجيه التهمة نفسها للفيروس المسبب للجديري، والحكة، والفيروس المضخم للخلايا. إن هذه الفيروسات شائعة للغاية، وقد تعرض ٩٠ ٪ من السكان لفيروس إبشتاين بار بشكل مباشر وقت البلوغ. وإذا كان جهازك المناعي صحيًّا وقويًّا، فعندها يمكن هزيمة هذه الفيروسات بسهولة. يحمل أغلب الناس هذه الفيروسات في حالة ساكنة، أو هادئة في أثناء حياتهم، ولولا ذلك لعانى الناس جميعهم متلازمة التعب المزمن.
المشكلة عند ضحايا متلازمة التعب المزمن الذين يحملون هذه الفيروسات، ليست في الفيروس ذاته، بل في حقيقة أن جهاز المناعة أصبح ضعيفًا ومنهكًا، ولا يستطيع المحافظة على الفيروس في حالة غير نشطة. وأصبح العديد من المصابين بمتلازمة التعب المزمن يشعرون بالتخبط، ويحمِّلون فيروسًا بعينه مسئولية مرضهم؛ على الرغم من أن المشكلة تكمن في جهاز المناعة، وجهاز المناعة وحده هو الذي يجب أن نركز عليه وليس الفيروس. لا توجد طريقة آمنة لقتل كل الجسيمات الفيروسية والأحماض النووية الفيروسية في جسدك، بل نحتاج إلى تقوية جهاز المناعة؛ الذي سيحافظ بدوره على إبقاء الفيروسات في حالة غير نشطة وبشكل غير مؤذٍ.
خفف العبء عن جهاز المناعة
الكبد أكثر الوسائل فاعلية للقيام بذلك؛ لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجهاز المناعة. فالكبد تعتبر بمثابة مصفاة تنظيف لمجرى الدم، وإذا أدت وظيفتها بكفاءة، فسيكون مجرى دمك أكثر صحة، وستكون خلايا الدم في حالة أفضل، وستقل المواد الكيميائية السامة والفضلات والمواد الكيميائية الالتهابية والدهون غير المرغوب فيها والميكروبات الموجودة في بلازما (سائل) الدم. وبالتالي لن يضطر جهازك المناعي إلى التعامل مع هذه الملوثات غير المرغوب فيها للدم، وعندها سيكون عبء العمل أقل.
لقد رأيت مرارًا وتكرارًا، أنه إذا استطاع أحدهم تحسين وظائف الكبد، قلَّت أعباء العمل عن عاتق جهاز المناعة، وأصبح بإمكانه، أي جهاز المناعة، أن يستريح، ويستعيد شبابه من جديد؛ وذلك لأن جهاز المناعة الذي كان لا يكف عن العمل في السابق بكل ما أوتي من قوة لا يلبث أن يهدأ؛ لأنه لم يعد في حالة حرب مستمرة، وتوقف تدريجيًّا عن إفراز كميات مفرطة من المواد الكيميائية الالتهابية التي تفاقم متلازمة التعب المزمن.
ولتحسين وظائف الكبد، يجب اتباع نظام غذائي لتنظيف الكبد، فإذا كنت تعاني متلازمة التعب المزمن، فإنني أنصحك بتجربة هذا النظام الغذائي على الأقل لثلاثة شهور.
مبادئ النظام الغذائي لتنظيف الكبد
1 – تناول المزيد من الأطعمة النيئة (الفاكهة والخضراوات النيئة مع كل وجبة). يجب أن يحتوي ٣٠ ٪: ٤٠ ٪ من نظامك الغذائي على فواكه وخضراوات نيئة.
2 – قلل استخدام منتجات الألبان عالية الدهون (مثل: الزبد، والجبن الصلبة، ومعجون الجبن، وجبن الكامامبيرcamembert، والقشدة، والشيكولاتة، والمثلجات).
3 – تجنب الدهون الضارة (مثل الأطعمة المقلية في زيت غزير، والسمن، والدهون المعدلة، والوجبات الخفيفة، والوجبات السريعة، والزيوت النباتية المهدرجة، والزيوت غير الطازجة).
4 – تجنب المواد الكيميائية الصناعية (مثل: بدائل السكر الصناعية، مثل الأسبرتام، والألوان، والنكهات، والمواد الحافظة).
5 – تناول بوفرة الدهون الجيدة، والأحماض الدهنية الأساسية (مثل: البذور المعصورة على البارد، والزيوت النباتية، والأفوكادو، والسمك، وبذور الكتان، والبذور النيئة، والمكسرات النيئة الطازجة، والبقول).
6 – استخدم مصادر متعددة للبروتين (مثل: الحبوب، والمكسرات، والبذور، والبقول، دجاج المراعي الطبيعية، والمأكولات البحرية، والسمك، والبيض الطبيعي، واللحم الأحمر الطازج قليل الدهن بين الحين والآخر، إذا رغبت).
7 – تناول العديد من الفواكه، والخضراوات، وهناك بعض الخضراوات التي يمكنك أكلها مطهوة.
8 – استخدم السكريات الطبيعية، (مثل: عسل النحل، والعسل الأسود، والفواكه المجففة، والفاكهة الطازجة، ومثلجات فيتاري، ومخفوقات الفاكهة الطازجة المصنوعة من حليب الصويا، أو حليب الشوفان، أو حليب الأرز).
9 – تناول السوائل بوفرة (مثل: الماء، والعصائر الخام، والمشروبات العشبية، والشاي العادي الخفيف إذا رغبت). حاول شرب لترين من السوائل يوميًّا – هذا أمر مهم جدًّا.
إذا كانت وظائف الكبد لديك خاملة، وإذا كانت كبدك تحمل فوق طاقتها من السموم، فستشعر بالتعب والانتفاخ وتقلب الحالة المزاجية، وربما تعاني الصداع والحساسية. وربما تصاب “بحساسية القرن العشرين”، ولا تستطيع احتمال العديد من المواد الكيميائية والأطعمة؛ لأن كبدك توقفت عن إفراز الإنزيمات التي تزيل سمية المواد الكيميائية والعقاقير. وإذا تعرضت لهذه الأشياء، فقد تكون ردة فعلك عنيفة؛ لأن كبدك المنهكة غير ذات كفاءة، ولم يعد باستطاعتها حمايتك. لم يعد بمقدورك هذه الأيام أن تعيش في بيئة “نظيفة كليًّا”، وعلى أية حال نحن نحتاج إلى كمية صغيرة من المواد الكيميائية لتحث الكبد على الاستمرار في إفراز الإنزيمات المنقية للسموم. وهذا هو السبب في أن الأشخاص غير القادرين عن احتمال السليسيلات يحققون تحسنًا عند اتباع نظام غذائي قليل السلسيلات، مقارنة بالأنظمة الغذائية الخالية من السليسيلات تمامًا.
تصاب الكبد بالإنهاك وتختل وظائفها، وتأتي الإصابة بالكبد الدهنية نتيجة النظام الغذائي الغربي الحديث، الذي يثقل الكبد بالدهون غير الصحية المفرطة، والبروتين الحيواني والكربوهيدرات المكررة والمواد الكيميائية السامة. فإذا اتبعنا نظامًا غذائيًّا غير متوازن بشكل كبير، زادت المنتجات الثانوية النيتروجينية التي ينبغي للكبد تكسيرها، وشعرنا بالتعب أكثر وأكثر.
منشطات الكبد
لهؤلاء الذين يعانون إنهاك الكبد، أوصي باستخدام منشط الكبد الذي يحتوي على مزيج من أعشاب الكبد، وحمض التورين الأميني.
يؤدي التورين Taurine الكثير من الأدوار المهمة في الجسم؛ فهو عنصر ضروري لأغشية الخلية، حيث يثبت الحركة عبر غشاء الخلية، ويعطيها حماية مضادة للأكسدة، كما يلعب التورين دورًا رئيسيًّا في الكبد عبر تشكيل أحماض الصفراء، والتخلص من السموم. ويشيع نقص مستويات التورين بشكل غير طبيعي عند العديد من المرضى المصابين بالحساسية الكيميائية وحساسية الصدر. يعد التورين الحمض الأميني الأساسي الذي تحتاج إليه الكبد؛ للتخلص من المواد الكيميائية السامة، ونواتج عملية الأيض من الجسم. وهو ضروري كذلك لتصريف العقاقير، وإجراء عمليات الأيض في الكبد عبر الطريق الأسيلي. بمجرد تصريفها، يتخلص الجسم من السموم الكيميائية في شكل أحد مكونات مادة الصفراء، وكذلك من خلال تحلله في المياه في البول.
ويعتبر التورين مفتاح الأحماض الصفراء التي يتم إفرازها في الكبد، كما يعتبر مضاد الأكسدة الأساسي الواقي أمام الإفراز المفرط للهيبوكلوريت، الذي يمكن أن يؤدي إلى حساسية كيميائية حادة إذا لم يتم التغلب عليها. ومن شأن فساد تركيب التورين في الجسم أن يقلل قدرة الكبد على التخلص من سموم الكيمياويات البيئية، مثل: الكلورين، والكلورايت (مادة مبيضة)، والألدهيد (الناتج عن الإفراط في تناول الكحول)، والكحول، والمشتقات النفطية، والنشادر. يعد التورين واحدًا من العناصر الغذائية الأساسية المشتركة في تخليص الكبد من سموم المواد الضارة والعقاقير، ويمكن أن يساعد كيميائيًّا المرضى المصابين بالحساسية. ويوجد التورين في البروتين الحيواني واللحوم العضوية والمأكولات البحرية، ولذلك يعاني النباتيون ومرضى التهاب الأمعاء نقص التورين في العادة. ويجب أن تحتوي كل منشطات الكبد على التورين، سواء كانت مساحيق أو كبسولات.
ومن العوامل التي تزيد من احتياج الجسم للتورين: اتباع نظام نباتي صارم، والصرع، والأنظمة الغذائية غير المفيدة صحيًّا، والكحول، ووسائل منع الحمل التي تؤخذ بالفم، والعلاج بالكورتيزون، والضغط العصبي العالي، والاستهلاك العالي لمادة جلوتامات أحادي الصوديوم.
أعشابي المفضلة للكبد هي: الهندباء، وشوكة مريم، والخرشوف السكوليمي. وقد حصلت على نتائج ممتازة باستخدام هذه الأعشاب مع المصابين بالكبد الدهنية، والسمنة، وخلل وظائف الكبد؛ وبالتالي يجب أن تحتوي جميع منشطات الكبد الجيدة، سواء مساحيق أو كبسولات، على هذه الأعشاب الثلاثة مع التورين.
الهندباء Radicchio تُستخدم منذ قرون لعلاج الكبد ومتاعب المرارة، واليوم لا يزال استخدامها منتشرًا كمنشط للكبد في أمريكا الشمالية وأستراليا وأوربا والشرق. ويرجع جزء من الخصائص العلاجية للهندباء إلى المركبات اللاذعة مثل التاراكاسين وإنولين (جليكوسيد لاذع). ومن المواد النشطة الأخرى في الهندباء: سسكويتربين sesquiterpene، والفلافونويد Flavonoid، والليفولين، والأحماض الدهنية، والمعادن، والفيتامينات. وتعمل اللواذع كتلك الموجودة في الهندباء على تحفيز الغدد الهضمية والكبد، بالإضافة إلى تنشيط إفراز الصفراء. هذا وتشير مطبوعة ذا أستراليان جورنال أوف ميديكال هيربالزم إلى دراستين تظهران خصائص علاج الكبد الموجودة في الهندباء. وتوصلت الدراستان إلى قدرة الهندباء على علاج الالتهاب الكبدي، وتورم الكبد، واليرقان، وعسر الهضم عند هؤلاء الذين يعانون اختلال إفراز أحماض الصفراء. هذا ويمكن استخدام الهندباء منشطًا للكبد، أو عشبًا أخضر طازجًا في السلاطة.
شوكة مريم (تعرف كذلك باسم الخرفيش أو الشوكة اللبنية، أو سيليبوم ماريانوم silybum marianum) اشتهرت شوكة مريم كمنشط تقليدي للكبد لقرون، وتناولت أكثر من ١٠٠ ورقة بحثية خصائصها العلاجية للكبد.
تقوم شوكة مريم بمهام متعددة؛ فهي تحمي الكبد وتجدد خلاياها، كما أنها مضادة للأكسدة. ويمكن استخدامها في علاج متاعب الكبد التالية: الالتهاب الكبدي المزمن، وتليف الكبد، وأعطاب الكبد، وخمول الصفراء، والكحول، والكيماويات الباعثة على الإصابة بالكبد الدهنية. كما وُجد أن عشبة مريم تحد من فرص إصابة للكبد بالسموم الدهنية. فيما توصلت الدراسات السريرية والمعملية وفحوصات الأنسجة على كل من البشر والحيوانات، إلى أن عشبة مريم لها فوائد في علاج كل ما سبق. تسمى إنزيمات تنقية سموم الكبد، التي تحلل العقاقير والمواد الكيميائية السامة: سيتوكروم بي ٤٥٠. ويمكن تحسين أداء هذه الإنزيمات من خلال أحد مركبات عشبة مريم واسمه سيليبينين Silibinin. ولذلك يجب أن تحتوي جميع المنشطات الجيدة للكبد على عشبة مريم.
الخرشوف السكوليمي (سينارا سكوليموس Cynara scolymus): لدى الخرشوف السكوليمي خواص وقائية فعالة ومجددة للكبد. ويمكن استخدامه من جانب أصحاب الأوزان الزائدة لخفض الكوليسترول المرتفع، وثلاثي الجلسريد. كما أنه جيد “لتنقية الدم” لدى المصابين بأمراض جلدية، أو من يعانون رائحة كريهة في الفم، أو رائحة غير طيبة للجسد. ولذلك يجب أن تحتوي جميع منشطات الكبد، سواء المساحيق أو الكبسولات، على خرشوف سكوليمي.
الكبد والتخلص من السموم
تعد الكبد بوابة الجسم، وفي عصرنا الحالي تواجه أعباء هائلة يمكن أن تنهك أجهزتها للتخلص من السموم. يجب أن تكون الكبد على مستوى كل مادة كيميائية سامة في سلسلة طعامنا وبيئتنا، إلى جانب الكميات المفرطة من الدهون الضارة الموجودة في الوجبات السريعة.
مصفاة الكبد
إذا اختبرنا مصفاة الكبد تحت الميكروسكوب، فسنرى صفوفًا من خلايا الكبد المنفصلة بمسافات تسمى الخلايا شبه الجيبية. وتركيب الخلايا شبه الجيبية أشبه بتركيب مصفاة أو منخل يجري الدم عبرها. وخلال هذه العملية تعمل مصفاة الخلايا شبه الجيبية على التخلص من المواد السامة (مثل: الجسيمات، والميكروبات، والخلايا الميتة، والفضلات) من مجرى الدم. وبمجرد الإمساك بها داخل مصفاة الخلايا شبه الجيبية، يتم ابتلاع هذه الأشياء الضارة من قبل خلايا متخصصة تعرف بخلايا كوبفر Kupffer cell. تبدو خلية كوبفر مثل الأخطبوط الضئيل، وهي تتمتع بكفاءة عالية في تغليف وابتلاع الأجسام الغريبة. وبمجرد أن تحصل خلية كوبفر على ضحيتها الخطرة داخلها، تُكسرها إلى مواد غير ضارة. تعتبر الخلايا شبيه الجيبية وخلايا كوبفر بمثابة “حوض لتصريف القمامة” داخل الكبد. وهكذا يمكنك أن ترى أن الكبد لها أهمية حيوية كمصفاة ومطهر لمجرى الدم.
مسار التخلص من السموم في الكبد
تجري داخل خلايا الكبد (الخلايا الكبدية) مسارات كيميائية معقدة تطورت على مدار ملايين السنين لتكسير المواد السامة؛ حيث يتم تكسير أو حرق كل عقار، ومادة كيميائية اصطناعية، ومبيد حشري، وهرمون من خلال هذه المسارات داخل خلايا الكبد. ويوجد مساران أساسيان للتخلص من السموم داخل خلايا الكبد يعرفان باسم المرحلة الأولى والمرحلة الثانية لمسارات التخلص من السموم.
المرحلة الأولى لمسار التخلص من السموم
تسمى هذه المرحلة جهاز الإنزيم سيتوكروم بي ٤٥٠ Cytochrome P450 enzyme الذي بواسطته تتغير المادة الكيميائية السامة إلى مادة أقل ضررًا. ويتم إنجاز تلك العملية من خلال تفاعلات كيميائية مختلفة، مثل: الأكسدة، أو الاختزال، أو التحلل المائي، أو الهدرجة. وخلال هذه العملية، تتولد جذور الأكسجين الحرة التي يمكن أن تضر خلايا الكبد. ويعتبر فيتامين ج أكثر السبل فاعلية لمنع هذه الجذور الحرة من التسبب في الضرر الخلوي. وإذا حدث نقص في فيتامين ج، فستكون المواد الكيميائية السامة أشد خطرًا.
المرحلة الثانية لمسار التخلص من السموم
تسمى هذه المرحلة مسار التصريف، الذي بواسطته تضيف خلايا الكبد إما جزيئات الجليسين أو الكبريتات إلى العقار أو المادة الكيميائية السامة، وهو ما يجعل السموم أو العقاقير قابلة للذوبان، وعندها يستطيع الجسم التخلص منها عبر السوائل، مثل البول أو عصارة المرارة. وخلال عملية التصريف تكون الكبد قادرة على تحويل العقاقير والهرمونات والسموم إلى مواد متحللة. ومن أجل زيادة فاعلية المرحلة الثانية من التخلص من السموم تحتاج خلايا الكبد إلى الكبريت المحتوي على أحماض أمينية، مثل: التورين Taurine، والميثونين Methionine، والسيستين Cysteine. كما يجب توافر مواد غذائية، كالجليسين Glycine، والجلوتامين Glutamine، والكولين Choline، والإنوزيتول Inositol، لرفع كفاءة المرحلة الثانية في التخلص من السموم. وتعتبر الخضراوات من الفصيلة الصليبية (مثل: الكرنب، والبروكلي، والقرنبيط، وكرنب بروكسل) مصدرًا جيدًا لمركبات الكبريت الطبيعي لرفع كفاءة المرحلة الثانية في التخلص من السموم. وهكذا تعتبر هذه الخضراوات أطعمة منقية.
إذا أصبحت المرحلتان الأولى والثانية في مسار التخلص من السموم محملتين بإفراط، فسوف تتكون مجموعة مختلفة من السموم في الجسم. أغلب هذه السموم ستكون عبارة عن دهون قابلة للذوبان وتتفاعل مع أعضاء الجسم الدهنية؛ حيث تبقى لسنوات، إن لم تبقَ طوال الحياة. وبما أن المخ والغدد الصماء تعد أعضاء دهنية، فهي مواقع شائعة لتراكم الدهون السامة القابلة للذوبان؛ ما قد يؤدي إلى أعراض خلل المخ، والخلل الهرموني. وكثير من هذه المواد الكيميائية (مثل: المبيدات الحشرية، والبتروكيمياويات، والأسبرتام، إلخ) مسرطنة، وترتبط بارتفاع معدلات الإصابة بالعديد من أمراض السرطان. وإذا تعرضت أجهزة التصفية والتخلص من السموم داخل الكبد للإنهاك أو كانت تعوزها الكفاءة، فسيؤدي ذلك إلى تراكم السموم والخلايا الميتة والميكروبات في مجرى الدم؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الأعباء الواقعة على جهاز المناعة الذي يمكن أن يصاب بالإنهاك وفرط النشاط؛ وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى الإصابة بأعراض خلل جهاز المناعة، مثل: الحساسية، والالتهابات، و تورم الغدد، والعدوى المتكررة، وأمراض جهاز المناعة الذاتية، ومتلازمة التعب المزمن.
تشيع هذه الاضطرابات في البيئات المشحونة بالمواد الكيميائية التي نعيش فيها اليوم، وعادة ما يتم معالجتها بالعقاقير لكبح الأعراض الناجمة عنها. وللأسف، نادرًا ما يفكر أحد في الكبد؛ لأن أسهل وسيلة وأكثرها فاعلية لتخفيف العبء الواقع عن جهاز المناعة أن تساعد الكبد على العمل بكفاءة أكثر. ولتحسين وظائف الكبد أقترح أن تتبع نظامي الغذائي لتنظيف الكبد وتناول منشطات الكبد. واحرص أيضًا على الحصول على القدر الكافي من فيتامين ج من خلال تناول الأطعمة الغنية بهذا الفيتامين.
يعتقد الكثيرون أنه من المهم تطهير الأمعاء وتخليصها من السموم بتناول الأعشاب الملينة للأمعاء والحقن الشرجية. قد يكون هذا مفيدًا، ولكن يجب أن نفهم أن الأمعاء لا تستطيع تنقية مجرى الدم، أو تخليص الخلايا من الفضلات، فالحفاظ على صحة وسلامة كبدك أكثر أهمية؛ لأنه يعتبر بمثابة خط الدفاع الأول في مواجهة السموم والميكروبات الموجودة في الأطعمة والمياه. وتمثل هذه الأشياء الضارة وغيرها من السموم البيئية تهديدًا كبيرًا لجهازك المناعي.
إذا لم يتم التعامل مع هذه السموم بكفاءة من خلال الكبد، فسوف تتراكم في أجسامنا لتتسبب في إفساد صحة الناس مع التقدم في العمر. ويعد تأثير المبيدات الحشرية عاملًا مهمًّا في استشراء سرطان الثدي بهذا الشكل الوبائي في العالم. لابد أن ندعم وظائف الكبد بالأدوية الغذائية إذا كنا نريد حماية أنفسنا من تلك الملوثات السامة. وفي هذا المضمار أنصح بشدة باستخدام فلاتر المياه المنزلية للحد من السموم والميكروبات الموجودة في المياه. وأفضل أنواع الفلاتر تلك التي تحتوي على قضبان كربونية دقيقة صلبة تمكنها من التخلص من الطفيليات؛ فالعدوى الطفيلية، مثل: الجيارديا Giardia، وخفية الأبواغ Cryptosporidiosis، والأميبا Amoeba، وغيرها من طفيليات الأمعاء، يمكن أن تتسبب في اعتلال وضرر الكبد. وثمة إستراتيجية أخرى مهمة تتمثل في تشجيع الزراعة العضوية، وإنتاج أطعمة خالية من الكيماويات. وتبيع العديد من متاجر الأطعمة الغذائية الآن بروتينات حيوانية خالية من الهرمونات والعقاقير.