نخلد للنوم، فننام طوال الليل، ثم نستيقظ في الصباح. هل هذا الكلام صحيح؟ كلا إنه خطأ! إننا نمر خلال الليل بما يعرف بدورة النوم، نمتطيها صعوداً وهبوطاً كالموجة. نتنقل من نوم خفيف إلى نوم ثقيل إلى الأحلام، كل ذلك خلال الليل. وبين هذه المراحل نصل لفترة وجيزة إلى السطح دون أن نستيقظ تماماً. قد نقلب وسادة أو نبسط بطانية، أو نتقلب، لكن تدريجياً نعود للنوم دون أن نتذكر أي شيء من تلك الأحداث.
تنظم نومنا ساعة داخل الجسم يطلق عليها العلماء الساعة البيولوجية أو التكرر النظامي خلال اليوم. مما يثير الاستغراب اكتشف العلماء أن هذه الساعة تعمل 25 ساعة في اليوم مما يعني أنه علينا إعادة ضبطها بشكل مستمر. في الحقيقة إننا نضبطها من خلال روتين الاستيقاظ – النوم وتعرضنا للضوء والظلمة.
ولهذه الساعة أيضاً أوقات خاصة من اليوم معدّة للنوم أو اليقظة. هذا هو سبب حصول التلكؤ الزمني الناجم عن السفر بالطائرة من قارة إلى أخرى وكذلك مشاكل النوم التي تزعج العمال الذين يبدلون مكان عملهم إلى أماكن نائية. ويعزى لهذا السبب أيضاً صعوبة الاستيقاظ غالباً صباح يوم السبت – فالإيواء المتأخر إلى الفراش خلال نهاية الأسبوع يعطل روتين التكرر النظامي الراسخ، وعلينا إعادة ضبط ساعاتنا الداخلية بدءاً بلحظة رن جرس المنبه صباح يوم السبت.
يؤثر التكرر النظامي خلال اليوم على شعورنا بدرجة حالة الوعي خلال أجزاء مختلفة من اليوم. هناك أوقات طبيعية للنوم وأخرى لليقظة. يسعى الدماغ إلى حالة توازن بيوكيميائي للنوم واليقظة، وعندما تميل كفة الميزان لصالح النوم، نشعر بالتعب. يفسّر هذا التكرر لماذا يحصل لدى أناس كثيرون حالة من الاسترخاء عند منتصف بعد الظهر، ولماذا يدخل النوم بعد الظهر في تقاليد بعض الناس بشكل روتيني. فلدى الساعة البيولوجية البشرية انخفاض طبيعي في اليقظة بعد الظهر، تتبعها فترة من الطاقة مليئة باليقظة تستمر إلى وقت متأخر في المساء حيث تبدأ حالة من الخمول والنعاس. تتغيّر هذه الأنماط كما تتغير مراحل الحياة. إذ ليس نمط طفل صغير كنمط طفل كبير، ونمط الطفل يختلف عن نمط البالغ، ونمط البالغ يختلف عن نمط شخص مُسن.
كيف ينام الأطفال؟
لا يولد الطفل مع التكرار النظامي خلال اليوم الموجود لدى البالغين. إن دورات النوم واليقظة لدى الطفل موزعة خلال النهار والليل، وهي تستقر تدريجياً في نمط سِنات محدّدة ونوم ليلي.
تبدأ الساعة البيولوجية بالعمل بعد حوالي ستة إلى تسعة أسابيع من الولادة، ولا تعمل هذه الساعة بشكل سلس حتى بلوغ الطفل شهره الرابع أو الخامس حيث تنضج هذه الساعة البيولوجية. تصل الطفلة إلى نقطة تظل معظم الأحيان يقظة خلال النهار ونائمة غالباً في الليل. وفي سن التسع إلى عشر أشهر تتعزز فترات نوم الطفلة بحيث تستيقظ وتذهب للنوم في ذات الأوقات كل يوم وتصبح مدة نومها أطول. ولأن الساعة البيولوجية هي المنظّم الرئيسي للنوم اليومي وأنماط اليقظة من السهل أن ندرك لماذا لا تنام الطفلة في الليل ولماذا يؤثر هذا النمط سلباً على الوالدين!
ينتقل الأطفال عبر دورات النوم ذاتها كما يفعل الكبار لكن دوراتهم أقصر وأكثر عدداً. كما يمضي الأطفال وقتاً أكثر في النوم ليلاً من البالغين، ولديهم الكثير ما بين المراحل لليقظات القصيرة. هناك سببان لنوم الطفل بهذا الشكل.
السبب الأول يتعلق بالنمو: إن نمط نوم الطفل يسهّل نمو الدماغ والتطور الجسدي. ينمو الأطفال بنسبة فلكية خلال أول سنتين من عمرهم، وتعكس نماذج نومهم حاجاتهم البيولوجية التي تختلف بشكل كبير عما هي عند الكبار.
السبب الثاني لنوم الطفل على هذا النحو هو البقاء: يمضي الأطفال معظم وقتهم في نوم خفيف ليكون بوسعهم الاستيقاظ بسهولة في حالات مزعجة وتهديدية، كالجوع والبلل.
إن جميع مراحل النوم هامة لنمو وتطور طفلك. فكلما نضج تنضج دورة نومه، إن الوصول إلى نضج النوم هي طريقة بيولوجية.
دائرة نوم الطفل
إن استيعاب حقيقة أن الطفل يتبع بشكل طبيعي وضروري دورة نوم معينة هو شيء أساسي لفهم مشاكله المتعلقة بالاستسلام للنوم والبقاء على تلك الحالة. تبدو الدورة النموذجية لنوم الطفل كالتالي:
– يشعر بالنعاس فيخلد للنوم.
– نوم خفيف.
– نوم عميق لحوالي الساعة.
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– ينام نوماً عميقاً لحوالي الساعة أو الساعتين.
– نوم خفيف.
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– حركة عين سريعة.
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– نوم خفيف.
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– حركة عين سريعة (الأحلام).
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– قرابة الصباح: مدة أخرى من النوم العميق.
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– حركة عين سريعة (الأحلام).
– يستيقظ لفترة قصيرة.
– نوم خفيف.
– يستيقظ طوال النهار.
المتهم المحتمل لمشاكل نومك؟ تلك اليقظات القصيرة!
تعلمين الآن أن اليقظات القصيرة (الاستيقاظات الليلية) هي جزء طبيعي من نوم الإنسان بصرف النظر عن العمر يمرّ بها جميع الأطفال. الفرق في حالة طفل يتطلب عناية في الليل كل ساعة أو ساعتين هو أن الطفل يستعين بوالدته في كل مراحل يقظته.
في العادة لا يكون الطفل الذي يعاني من استيقاظات ليلية متكررة جائعاً أو عطشاً أو مبللاً إنما يعزى بكاؤه للتعب والتوق للنوم، كوالديه تماماً لكنه على عكسهما لا يعرف طريقة العودة إلى النوم مجدداً.
تخيلي هذا: تخلدين للنوم في سريرك الجميل، الدافئ المريح مع وسادتك المفضلة وبطانيتك الناعمة. عندما يحصل لك أول استيقاظ ليلي، قد تبدلين وضعك، تغطين نفسك، ثم تعودين للنوم حالاً دون أن تتذكري ذلك إطلاقاً.
ماذا لو استيقظت لتجدي نفسك نائمة على بلاط المطبخ دون بطانيات أو وسادة؟
هل تنقلبي ببساطة وتعودي للنوم؟ أنا لا أستطيع ذلك! ربما تستيقظين جافلة – وتقلقين كيف جئت إلى هناك، تتوتر أعصابك قليلاً، تنهضين وتعودين للسرير، تشعرين بالراحة وأخيراً تنامين – لكن ليس بعمق شديد، لأنك قلقة من أن تجدي نفسك على الأرض ثانية. تلك هي الحالة لدى طفلة أُرضعت أو هُزَّت، أو أُرضعت من القنينة، أو اصطحبتها أمها لتنام. تنام وهي ترضع أو تُهَزُّ أو تمص المصاصة، وهكذا دواليك، ثم تستيقظ مستغربة وتسأل، “ماذا جرى؟ أين أنا؟ أين أمي وأبي؟ أريد الأمور كما كانت عندما نمت! واه!”.
تربط طفلتك النوم بالمرافقة. بحيث أنها تربط بعض الأشياء بذهابها للنوم وتعتقد أنها بحاجة لتلك الأشياء لتنام.
ومن الحلول التي أعطيت لحل هذه الرابطة ترك الطفل يبكي حتى يغلبه النوم.
إن ربط النوم بأشياء كالرضاعة أو الحمل والهزّ أثناء تناول زجاجة الرضاعة هي طرق فظة وتعوزها الأحاسيس لتعليم الطفل رابطة نوم جديدة.
ما هي مشكلة النوم؟
كثيراً ما يستيقظ الطفل في الليل أثناء عامه الأول، وكما تعلمين الآن ليس في الأمر مشكلة. إنها حقيقة بيولوجية إنما المشكلة تكمن في نقص معلوماتنا حول الطريقة التي ينبغي للطفل أن ينام من خلالها بالإضافة إلى تلبية حاجاتنا الذاتية للنوم طوال الليل دون انقطاع. نحن الوالدان نريد ونحتاج لنومنا الممتد الطويل لنعمل قدر استطاعتنا في حياتنا العملية. إليك الفكرة فلنغير ببطء واحترام وعناية تصرفات طفلنا لتطابق حاجاتنا الذاتية بشكل أكثر دقة.
كم من النوم يحتاج الأطفال؟
جميع الأطفال يختلفون عن بعضهم البعض، فبعضهم يحتاج إلى النوم أكثر أو أقل من غيرهم، لكن أغلبية الأطفال حاجتهم للنوم هي عينها. إذا كان طفلك لا يحصل على كمية من النوم، فلعله مرهق بشكل مزمن، وهذا سيؤثر على نوعية ومدة كل من سِنته ونومه ليلاً. قد لا يبدو طفلك متعباً، لأن الأطفال الصغار (والأطفال الكبار) المرهقين لا يبدو عليهم التعب دائماً، على الأقل ليس بالطرق التي نتوقعها. عوضاً عن ذلك قد تصبح لديهم الرغبة بالالتصاق بالأم أو تزداد حركاتهم أو يئنوا أو يصبحوا نزقين. قد يقاومون النوم أيضاً، دون أن يدركوا أن النوم هو ما يحتاجون إليه حقاً.
ماذا عن الرضاعة ليلاً؟
سمعنا جميعاً عن هؤلاء الأطفال ذوي الثلاثة أشهر من العمر الذين ينامون من عشرة إلى اثنتي عشرة ساعة كل ليلة دون أن يستيقظوا ليأكلوا. إن سبب نومهم الطويل غير المتقطع لا يزال أمراً يكتنفه الغموض. عندما نسمع عن هؤلاء الأطفال المثيرين للدهشة، نفترض أن كل الأطفال بوسعهم ويجب عليهم فعل ذلك، عندها نفقد الثقة بأنفسنا عندما نرى أن طفلنا البالغ من العمر خمسة أشهر أو ثمانية أشهر أو حتى سنة لا يزال يستيقظ مرتين في الليلة طلباً للرضاعة.
يوافق الخبراء أن الطفل يحتاج إلى رضعة أو رضعتين في الليلة لكي ينمو حتى عمر التسعة أشهر تقريباً.
عندما ينضج نظام الطفلة، سيصبح بوسعها أن تمضي فترات أطول في الليل دون أكل. هذه عملية بيولوجية. حتى ذلك الوقت، أظهر البحث أن إطعام الطفل طعاماً صلباً في الليل لا يساعده على النوم لمدة أطول. بالرغم من أن بعض الأمهات يؤكدن تأثير ذلك على أطفالهن. إذا سمح لك طبيبك بإطعام طفلتك طعاماً صلباً فبإمكانك تجربة هذا. بالرغم من ذلك لا تستعجلي. الأطفال الذين يبدأون بتناول الطعام الصلب باكراً جداً تنشأ لديهم حساسيات أكثر للطعام، وبالتالي ليس من الحكمة أن نبدأ باكراً جداً.
من المنطقي أن يستيقظ الطفل بعد أربع ساعات جائعاً، يجب أن تفكري في إطعامه. (يعتبر هذا هاماً بشكل خاص إذا كان عمر طفلك أصغر من أربعة أشهر). ربما سينام بعد ذلك لأربع ساعات أخرى بدل الاستيقاظ بتكرار بسبب الجوع! بالإضافة إلى ذلك، يمرّ بعض الأطفال بنمو فجائي متعاظم عندما يأكلون أكثر أثناء النهار، وقد يأكلوا أكثر في الليل أيضاً.
ما هي التوقعات الواقعية؟
يستيقظ معظم الأطفال لمرتين إلى ثلاث مرات في الليل حتى سن الستة أشهر، ومرة أو مرتين في الليل حتى عمر السنة.
يستيقظ البعض مرة في عمر السنة أو سنتين.
تعتبر الطفلة بأنها تنام خلال الليل عندما تمضي خمس ساعات متواصلة من النوم، عادة من منتصف الليل حتى الساعة 5.00 صباحاً.
قد لا يكون هذا تعريفك للنوم خلال الليل، لكنه المقياس المنطقي الذي نقيس به نوم الطفل – تلك الساعات الخمس – لا الثماني أو العشر أو الاثنتي عشرة ساعة التي قد نرغب بها! تكمن صعوبة الأمر أنه في حال وضعت طفلك لينام عند السابعة مساءً فإنه سيعيقك في إنجاز أعمالك اليومية. أكثر مما لو وضعته في سريره وقت خلودك أنت للنوم لأنه عندها قد يكون نام أربع إلى خمس ساعات وقد يكون جاهزاً للاستيقاظ.
والأخبار الجيدة هي أنه، إذا كان طفلك جاهزاً بيولوجياً، بوسعك تشجيعه ليتطور ويتجه نحو قاعدة الخمس ساعات تلك وعندما يصل إليها طفلك، يمكنك اتخاذ خطوات لإطالة مدة النوم الليلي هذا.