إن الضوء يعتبر “مغذياً” ضرورياً نتناوله مجاناً بغير حساب. وعلى أية حال فإن الطاقة المستمدة من ضوء الشمس هي التي تصنع الكربوهيدرات في النباتات التي هي طعامنا الرئيسي؛ والتي تجعلنا نشعر بالدفء وتجعلنا نبصر ما حولنا. ولا عجب أيضاً أن نعتبر الضوء من المغذيات الأساسية لجهاز المناعة.
ففي الجلد توجد خلايا تسمى الخلايا القرنية، تنتج مادة قوية جداً منشطة للمناعة تسمى إنترلوكين-1 IL-1. وهذه المادة تزيد عدد خلايا T سريعاً عن طريق حفزها على التكاثر. ويتم تنبيه إنتاج الإنترلوكين-1 بتأثير ضوء الشمس الطبيعي مما يجعل من الحكمة أن نقضي بعض الوقت كل يوم خارج المنزل معرضين أنفسنا لضوء الشمس.
وهذا الاكتشاف ربما يفسر بحثاً سابقاً أجراه د. فريك في عام 1974 فقد وجد أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية يزيد عدد خلايا الدم البيضاء ويحسن قدرة الجسم على التعامل مع حالات العدوى. وتبعاً لبحث أجري في روسيا، فإن التعرض للأشعة فوق البنفسجية يضاعف -تقريباً- قدرة خلايا الدم البيضاء على مكافحة حالات العدوى. وهذا الاكتشاف قاد إلى إنتاج مصابيح الأشعة فوق البنفسجية وتركيبها في المصانع والمدارس لزيادة تعرض العمال والتلاميذ لتلك الأشعة المفيدة خلال فصل الشتاء الطويل المظلم.
ويعد التعرض للضوء الطبيعي أمراً مهماً أيضاً لأن باستطاعتنا أن نصنع فيتامين د -الضروري لقوة العظام- في الجلد في وجود ضوء الشمس. وإن أصحاب البشرة الداكنة الذين يعيشون في بلاد تقل فيها مستويات الضوء ولا يقضون سوى القليل من الوقت في التعرض للضوء الطبيعي (أو يغطون أجسامهم في أثناء ذلك) يكونون أشد الناس عرضة للإصابة بنقص فيتامين د لو كانت أغذيتهم أيضاً فقيرة في هذا الفيتامين الحيوي. ويوجد فيتامين د فقط في اللحوم ومنتجات الألبان والبيض، لذا فإن النباتيين هم أيضاً أكثر عرضة لهذا النقص من سواهم.
الجانب «المظلم» من الضوء
لقد صرنا اليوم أكثر إدراكاً لأخطار الضوء أكثر من إدراكنا لضرورته، بمعنى أن التعرض الزائد للضوء يزيد قابلية حدوث سرطان الجلد. إلا أن هذا الدليل هو أقل وضوحاً بكثير مما تظن. ففي الواقع، إنك كلما اقتربت أكثر من خط الاستواء، حيث يكون ضوء الشمس أشد ما يمكن، يقل احتمال حدوث السرطان، فدول خط الاستواء لديها تقريباً نصف قابلية حدوث السرطان بصفة إجمالية التي في الدول الشمالية، مثل المملكة المتحدة. وهذا يمكن أن يرجع لعدد من الأسباب، بما فيها اختلاف الأنماط الغذائية وأساليب الحياة. ومع ذلك، فمن الواضح أن ضوء الشمس الطبيعي، بصفة عامة، ينشط المناعة ويحسن الصحة.
والاستثناء الوحيد لهذه الحقيقة هم أصحاب البشرة البيضاء الذين تقل في جلودهم مادة الميلانين، والذين تحترق جلودهم بسهولة ونادراً ما تسمر جلودهم حينما يتعرضون لحمام شمس. والأشخاص الذين لديهم هذا النوع من الجلد يجب أن يحذروا من احتراق جلودهم بأشعة الشمس، فهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الجلد إذا فعلوا ذلك. فأشعة الشمس القوية تولد عوامل مؤكسدة تتلف الجلد، لذا فأنت في حاجة إلى تناول ما يكفيك من مضادات الأكسدة من الفواكه والخضراوات لتساعد على حمايتك. وهذه الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة توجد بالتحديد في تلك المناطق من العالم التي تسطع فيها أشعة الشمس بقوة ولفترات طويلة. وهكذا فإن الله عز وجل يكلؤك برعايته إذا ما ذهبت إلى تلك المناطق أو كنت تسكنها أصلاً. ومع ذلك، إذا ما ذهب سائح بريطاني أبيض البشرة إلى شواطئ جنوبي إسبانيا، وبدأ يلتهم الأطعمة المقلية ويشرب الخمر ويدخن السجائر ويعرض بشرته للشمس حتى تحترق، فإن جهازه المناعي تكون لديه فرصة قليلة في مكافحة تلك المؤكسدات أو العوامل المؤكسدة المتكونة طبيعياً.
ومما يثير الاهتمام أن ضوء الشمس الطبيعي ينبه نمو الخلايا بالفعل، ولكن ليس أثناء التعرض الأولي له أو أثناء الساعة الأولى فما بعدها. ففي ذلك الحين تتكون المؤكسدات التي يمكن أن تحدث أكثر الضرر، ثم تتاح لنا ساعة من رحمة الله نستطيع خلالها أن نتخلص من تلك المؤكسدات ونصلح أية مادة من الـ DNA تكون قد تلفت، وذلك استعداداً لتفجر النشاط الخلوي الزائد الذي يتبع التعرض لأشعة الشمس.
الضوء المناسب
يقاس الضوء بطريقتين: نوع الضوء، الذي يعرف بطول الموجة، وكمية الضوء، أي شدته. وطول موجة الضوء يحدد لونها. فضوء الشمس الطبيعي يتكون من طيف كامل من أطوال موجية مختلفة تكوِّن معاً ضوءاً أبيض. ويظهر قوس قزح الأطوال الموجية المختلفة مجزأة على شكل أشرطة من ألوان الطيف التي تصنع معاً ما نراه كضوء “أبيض”. ولكن مصابيح الضوء الصناعية تختلف عن هذا. فطيفها يحتوي على شريط من الأطوال الموجية أكثر ضيقاً، ويكون الضوء أكثر صفرة نتيجة لذلك. وضوء الفلورسنت يكون أكثر تقارباً. وأفضل ضوء صناعي لاستخدامه بالمنزل هو ما يمكن تسميته الإضاءة “كاملة الطيف” التي تهدف إلى محاكاة الأطوال الموجية للضوء الطبيعي (أي ضوء الشمس) وفوائده. فإذا كنت تعمل داخل مبنى ما ولا تتعرض للضوء الطبيعي فإن الأمر يستحق أن تنفق بعض المال لشراء نظام إضاءة كاملة الطيف.
والآن، من الأمانة أن نقول إننا نحتاج حقاً إلى الضوء الطبيعي؛ ضوء الشمس، لتنشيط جهازنا المناعي، ولكن هذا لا يعني أن نتعرض لمدة أسبوعين وبشكل مبالغ فيه لأشعة الشمس اللاسعة القوية في إجازة الصيف، ولكن ليكن تعرضنا لضوء الشمس الطبيعي بجرعة يومية أو أسبوعية، وليكن هذا الضوء غير مباشر، بمعنى أن نقضي معظم أوقات الصيف داخل المنازل (أو المباني بصفة عامة).
• اقضِ ما لا يقل عن ثلاث ساعات أسبوعياً خارج المنزل؛ معرضاً لضوء الشمس الطبيعي. ولا ترتد نظارات شمسية إلا حينما يكون الضوء قوياً. اخلع النظارة أو العدسات اللاصقة لبعض الوقت إذا أمكن؛ فمن المهم أن يسقط الضوء الطبيعي (غير المباشر بالطبع) على عينيك. (فالنظارات تغير شدة الضوء وطيف أطواله الموجية).
• تجنب أن تعرض جلدك للاحتراق وذلك بأن تستخدم مادة مناسبة واقية من الشمس تدهن بها جلدك.
• إذا كنت تعيش أو تعمل في منطقة يقل فيها ضوء الشمس الطبيعي، فضع في اعتبارك أن تستخدم نظاماً للإضاءة كاملة الطيف.