التصنيفات
جهاز المناعة

أسلحة جيش الجهاز المناعي

يمكن أن تحدث حروب ومعارك مناعية طاحنة في أي مكان بالجسم ضد كائنات غازية أو بروتينات غريبة وحتى ضد خلايا الجسم إذا تغير سلوكها بصورة ضارة، مثل الخلايا السرطانية. وحتى يمكن أن يقاتل الجسم أي أعداء، فإن لديه شبكة دفاعية ثابتة تسمى الجهاز الليمفاوي (الذي يظهر في الشكل 1) ويعمل جنباً إلى جنب مع أجزاء أخرى من الجسم مثل نخاع العظام والغدة الثيموسية والطحال. وتلك التجهيزات المعقدة لجهاز المناعة يتم التحكم فيها بدرجة كبيرة من قبل الغدة النخامية والغدد فوق الكلوية.

الجهاز الليمفاوي

هو شبكة من الأوعية التي تتفرع في جميع أنحاء الجسم، وتحتوي على سائل صافٍ يسمى الليمف. وخلافاً للجهاز الدوري، فلا توجد حركة ضخ في الجهاز الليمفاوي لدفع الليمف من خلاله. وإنما يتم نقل الليمف بفعل الانقباضات العضلية؛ ومن ثم جاءت أهمية ممارسة الرياضة والتمارين الرياضية في منع ركود الجهاز الليمفاوي.

وتقع العقد (أو الغدد) الليمفاوية على طول الأوعية الليمفاوية وهي مناطق للنشاط المناعي المرتفع. أي أنها تصير ميادين للقتال الشرس إذا ما نشبت الحرب. وكما يمكنك أن ترى في الشكل 1، فإن الجسم يقسـم -لأغراض الدفاع- إلى ست مناطق. وكل منطقة لها العقد الليمفية الخاصة بها (حيث تدور معظم المعارك)؛ وهذه العقد تتضخم بفعل الالتهاب، وتظهر بوضوح في كثير من حالات العدوى. وكل منطقة تحاول أن تبقي تلك المعارك المناعية داخل حدودها الأصلية؛ ولكن إذا ما كانت الوسائل الدفاعية لأحد الأشخاص ضعيفة، فإن المناطق الأخرى تتأثر أيضاً وتصاب بالعدوى. وتقوم الغدة النخامية في المخ بتنسيق النشاط المناعي في منطقة الرأس والرقبة، بينما يعتبر القلب المركزي للجهاز الليمفي هو مركز القيادة الدفاعي الرئيسي للجسم.

نخاع العظام

تنشأ جميع الخلايا الداخلة ضمن (أو المشاركة في) كل من المناعة غير المتخصصة والمتخصصة في نخاع العظام. ويتميز ما يسمى الخلايا الجذعية (أي الأساسية أو الأصلية) في نخاع العظام إلى أنواع أخرى كثيرة من الخلايا المستخدمة في جهاز المناعة.

الغدة الثيموسية

الثيموس أو الغدة الثيموسية (أو الزعترية) هي الغدة المهيمنة على جهاز المناعة، وتقع خلف عظمة القص الصدرية. وتكون نشطة جداً في الأطفال الصغار قبيل ولادتهم وأثناء وبعد ولادتهم بقليل، ولكن يبدأ حجمها ينكمش ونشاطها يضعف بدءاً من وقت البلوغ فما بعده. وينشطها هرمون النمو، بينما تثبطها الهرمونات الجنسية. وهي ضرورية لكل الأنشطة التي تقوم بها الخلايا T، ومسئولة عن التمييز بين الصديق والعدو.
الطحال

يقع الطحال قرب المعدة، ويتكون من نسيج ليمفي خلق خصيصاً لترشيح الدم. كما أنه يقضي على أنواع معينة من البكتريا علاوة على خلايا الدم الحمراء البالية ويلعب دوراً مهماً في المناعة المتخصصة التي تشمل الخلايا B (التي تنتج الأجسام المضادة).
109491.png

شكل 1 جهاز المناعة

مواقع أخرى للنشاط المناعي

توجد مناطق أخرى من جهاز المناعة مبعثرة في أنحاء الجسم. ففي الكبد تلعب خلايا كوبفر دوراً مناعياً، بينما تقوم بنفس الوظيفة اللوزتان، واللحمية الغدية، والزائدة الدودية، ورقع باير (في الأمعاء) وغيرها.

الدم وخلايا الدم

الدم هو جزء مهم من الجهاز الدفاعي للجسم. وهو مكون من سائل أصفر صاف (يسمى البلازما) وخلايا الدم المعلقة في السائل. ويقوم القلب بضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم. وتتفرع الأوعية الدموية الرئيسية إلى أوعية أصغر حجماً وهكذا، حتى تصير في نهاية الأمر شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة، وبهذا يتسنى للدم أن يصل إلى كل أنسجة الجسم. والدم يحمل الأكسجين من الرئتين إلى جميع أجزاء الجسم، وينقل ثاني أكسيد الكربون (باعتباره من النفايات) بعيداً عن تلك الأنسجة. وهو يحمل المواد الغذائية إلى جميع الأنسجة وينقي الأجهزة بعد ذلك من النفايات بأن يحملها إلى الكليتين والكبد للتخلص منها. كما أنه يوزع الحرارة إلى جميع أجزاء الجسم.

وفي النهاية، فإن الدم يزودنا بقوة قتالية متحركة من خلايا الدم البيضاء التي تعتبر بمثابة جنود جهازنا المناعي الرئيسيين. وحينما تكون أجهزة الجسم لدينا في حالة جيدة وتعمل بنظام سليم نكون قادرين على إنتاج حوالي ألفي خلية مناعية جديدة كل ثانية! وهي قوة قتالية لا يستهان بها، وتشكل عائقاً قوياً حيال الجراثيم الغازية. وتوجد خلايا الدم البيضاء في الليمف كما توجد في الدم. بل إن بعضها يمكنها أن تضغط نفسها وتخرج إلى الأنسجة إذا كانت ثمة حاجة إليها لمكافحة حالة من العدوى.

الصفيحات الدموية

الصفيحات الدموية هي فتات صغيرة في الدم، وهي مهمة لأغراض الدفاع؛ إذ يمكنها أن تلتصق معاً لتجعل الدم يتجلط في حالة حدوث إصابة (مثل الجروح) وبهذا تمنع فقدان الدم من الجسم (الذي يبلغ حجمه 5 لترات)! وتحتوي بلازما الدم على مادة تسمى الفيبرين، وهي تشكل شبكة في موضع الجرح حيت تلتصق بها الصفيحات. ويوجد ما يتراوح بين 150 ألف و 400 ألف صفيحة دموية بكل ملليمتر مكعب من الدم.

خلايا الدم الحمراء

يوجد حوالي 25 مليون مليون خلية من خلايا الدم الحمراء في جسم الإنسان البالغ، أو حوالي 5 ملايين بكل ملليمتر مكعب. وهي أشبه بالروبوتات منها بالجنود، لأنها قبل أن تنضج وتترك نخاع العظام (حيث يتم تكوينها) بيومين أو ثلاثة تقوم تلك الخلايا بالتخلص مما بها من نوى؛ وهذا يحرمها من القدرة على الانقسام مرة أخرى لتكوين خلايا جديدة، وهكذا يصير مآلها إلى التحلل والفناء بعد حوالي أربعة أشهر.

وبعد أن تغادر خلايا الدم الحمراء نخاع العظام تدخل مجرى الدم حيث ينحصر دورها في أن تعمل كوسط ناقل للأكسجين إلى أنحاء الجسم. ومع ذلك، توجد وسائد ماصة أو نقاط ارتكاز على أسطحها. فإذا صادف أي من تلك الخلايا الحمراء أي كائن غريب أثناء أدائها لوظيفتها في نقل الأكسجين، فبإمكانها أن تستخدم هذه الوسائد الماصة في إيقاف الكائن الغريب وتسليمه إلى إحدى خلايا الدم البيضاء.

خلايا الدم البيضاء

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من خلايا الدم البيضاء.

الخلايا المحببة

تقسم الخلايا المحببة إلى خلايا متعادلة متشكلة النواة وخلايا حمضية (إيوسينية) وخلايا قاعدية. وتشكل الخلايا الإيوسينية والقاعدية ما يصل إلى نسبة 6% من العدد الكلي لخلايا الدم البيضاء، وهي جوهرية في حالات الحساسية وعدوى الطفيليات (لاسيما الديدان). والخلايا المتعادلة خلايا صغيرة الحجم جداً وتشكل ما يصل إلى 50 إلى 70% من العدد الإجمالي لخلايا الدم البيضاء. وهي خلايا بلعمية، بمعنى أنها تبتلع أية بكتريا غريبة تصادفها.

هذا وتقوم الإنزيمات التي تفرزها الخلايا المتعادلة بإذابة الكائن الغريب حتى الموت، إلا أنها تكون قوية لدرجة أن بإمكانها أن تهضم حتى الخلايا المتعادلة الصغيرة أيضاً. لذا فإن الصديد المتكون عند موضع حدوث العدوى يكون خليطاً من البكتريا الميتة والخلايا المتعادلة الميتة التي هي بمثابة جنود قاتلوا بشراسة لقهر العدو حتى استشهدوا!

الخلايا وحيدة النواة

الخلايا وحيدة النواة أكبر حجماً بكثير من خلايا الدم الحمراء والخلايا المتعادلة، وهي تشبه الخلايا البلعمية (الأكولة) الكبيرة. ورغم أن أقل من 10% من العدد الكلي لخلايا الدم البيضاء يتكون من الخلايا البلعمية الكبيرة إلا أنها مهمة للجسم بصفة ضرورية. فهي تلتهم أي شيء غريب أو لا حاجة به، وتنظف الدم والأنسجة والليمف تماماً مثل أجهزة جمع القمامة الكهربائية. وهذا يعني أنها تعمل كحرس يتجول في الجسم؛ والغرض الأساسي منه هو البحث عن أية مادة غريبة والتخلص منها.

هذا وتتغذى الخلايا البلعمية الكبيرة وغيرها من الخلايا البلعمية في الدم والليمف على أية خلايا ميتة أو متحللة وعلى أية نفايات أو كائنات غريبة. وهذا الغذاء يعتبر كوجبات طعام تلتهمها تلك الخلايا لحمايتنا من هجمات الغزاة المعتدين!

كما تعتبر الخلايا البلعمية بمثابة مصانع كيميائية كبرى قادرة على صنع ما لا يقل عن 40 نوعاً من الإنزيمات والبروتينات المناعية اللازمة لتدمير الأعداء. وتشمل مهامها الكيميائية في “زمن السلم” صنع الإنزيمات الضرورية لتجلط الدم ونقل الدهون.

وهذه الخلايا لا تُقتل بالضرورة عند التعرض لغزو من الأعداء، وقد تعيش لبعض الوقت. ولكن حتى عند موتها فإنها تكون مفيدة، إذ تتحلل فتلتهم بقاياها خلايا بلعمية أخرى مستخدمة إياها كغذاء.

الخلايا الليمفية

تشكل الخلايا الليمفية نسبة تتراوح من20 إلى 30% من العدد الإجمالي لخلايا الدم البيضاء (وهذا يتوقف على درجة إصابة الشخص بالعدوى في وقت ما). وهي تعتبر أكثر أنواع الخلايا كفاءة ومرونة من الناحية العملية فيما يتعلق بالتخلص من الغزاة الأعداء. وتصل أعدادها إلى مليون مليون خلية ليمفية في جسم الإنسان البالغ المتوسط. ومراكز إنتاجها الرئيسية هي العقد الليمفية والطحال والغدة الثيموسية ورقع باير والزائدة الدودية وغير ذلك من أنسجة ليمفاوية.

وبعض الخلايا الليمفية لديها نظام للذاكرة، بحيث إذا حدث غزو ثان أو ثالث من قبل نفس النوع من الميكروبات فإن جهاز المناعة يمكنه حينئذ أن يتحرك للقتال مباشرة بدلاً من أن يضيع وقته في إعادة تعلم “دروسه القديمة”. ونظراً لأن حدوث العدوى مرة أخرى يمكن مواجهته فوراً فإنه يكون أخف حدة بكثير من المرة الأولى. وتتميز الخلايا الليمفية بطريقة خاصة للانقسام السريع حينما يتعرض الجسم لهجوم خارجي؛ بمعنى أنها تستطيع صنع وسائل دعم تكاد تكون فورية فلا يكاد يحس الشخص بأنه تعرض للهجوم. وهذا الانقسام السريع يعتمد بشدة على العناصر الغذائية؛ فمثلاً، مستويات فيتامين ج تعتبر مهمة وحاسمة. وتستطيع جميع الخلايا الليمفية أن تتحرك وتتجول فيما بين الأنسجة والليمف ومجرى الدم. مما يضمن التوزيع الشامل لتلك الخلايا بالجسم متضمنة الذاكرة المشار إليها آنفاً. وهناك نوعان رئيسيان من الخلايا الليمفية هما خلايا T (أو الخلايا التائية) وخلايا B (أو الخلايا البائية).

خلايا T الليمفية

ليست كل خلايا T الليمفية تقوم بنفس الوظائف ولكن كلها يمر أولاً على الغدة الثيموسية (التي تعمل كمنظم مهيمن على جهاز المناعة أو كحاسب آلي مناعي؛ إذا صح التعبير) لكي تتم برمجتها قبل أن تنطلق إلى أنحاء الجسم. وبعضها لا يكون مزوداً بأسلحة وتكون مهمته أن يجول ذهاباً وإياباً بهدف المراقبة، بينما يحمل البعض الآخر وسائل قتالية مميتة. وهي تحقق الاستجابة الأولية تجاه الفيروسات والخلايا السرطانية وتحقق طرد الأعضاء المزروعة. ولكن خلايا T تستغرق ثلاثة إلى أربعة أيام بعد التعرف على تلك العوامل الغريبة حتى تتحد سوياً وتبدأ الهجوم.

خلايا T المساعدة (خلايا TH أو T4) تساعد الأفراد الآخرين في جيش جهاز المناعة، ولكنها ليست مسلحة في حد ذاتها. فإذا دخل أحد الغزاة مجهول الهوية الجسم فإن خلايا T المساعدة تقرر أولاً إن كان ذلك الغازي يشكل تهديداً للجسم أم لا. كما أنها مسئولة عن التأكد من حدوث الغزو وتنبيه جهاز المناعة ليقوم بالدفاع. وجدير بالذكر أن فيروس نقص المناعة البشري HIV الذي يسبب الإيدز AIDS يميل إلى غزو هذه الخلايا المساعدة وقتلها، فلا يتبقى لضحيته إلا القليل جداً منها، وهكذا يشل ذلك الفيروس اللعين قدرات جهاز المناعة رغم وجود حالة غزو كبيرة مستمرة.

خلايا T المثبطة (خلايا TS أو T8) وهي توقف نشاط جهاز المناعة (كل من خلايا B و T بالتحديد) حينما تنتهي ظروف العدوى ويتحقق الشفاء التام. وخلايا T المثبطة تشبه الخلايا المساعدة في كونها غير مزودة بأسلحة.

خلايا T السامة للخلايا: ويتم إنتاجها تامة التكوين ومتمتعة بقدرات تدميرية. ومهمتها الخاصة هي البحث عن الفيروسات وغيرها من العوامل التي تختبئ داخل خلايانا. ومما يذكر أن معظم أفراد جيش المناعة إذا صادفت خلية من خلايا الجسم فإنها تتعرف عليها وتتركها وشأنها، ولكن خلايا T السامة لديها القدرة على البحث عن خلايا الجسم التي يختفي في داخلها أي من العوامل الضارة وتدميرها. وهي مزودة “بقذائف”إنزيمية قوية جداً تقوم بتفتيت الخلية المصابة بالعدوى وتدميرها. ورغم أن هدفها متخصص ومحدد إلا أن الخلايا المحيطة بها لا تسلم من بعض الضرر نتيجة لتأثير أسلحة تلك الخلايا القوية الفتاكة.

خلايا T المنتجة لليمفوكينات لديها أيضاً قذائف قتالية، ولكنها تكون موجهة للغزاة الذين يتحركون فيما بين خلايا الجسم نفسه. وكل من هذه الخلايا والخلايا السامة تحفز على حدوث زيادة في نشاط الخلايا البلعمية، إذ إن الليمفوكينات وغيرها من الأسلحة الكيميائية تسبب قدراً كبيراً من الدمار الذي يترك وراءه الكثير من الخلايا الميتة وبقايا الخلايا التي تحتاج إلى إزالة وتطهير.

خلايا B الليمفية

تتعامل خلايا B الليمفية أساساً مع البكتريا والفيروسات التي اقتحمت الجسم من قبل. لذا فإن هجوم تلك الخلايا على الأعداء يكون متخصصاً ومحدداً؛ وعلاوة على هذا، فإنها غالباً ما تحتاج إلى عون من غيرها من الخلايا المناعية. ومهمة خلية B الليمفية هي أن تأخذ أحد العوامل (أو الميكروبات) الغازية إلى داخل الأنسجة حيث تتثبت من حجمه وشكله بالضبط. ثم تقوم بتصنيع جسيم يعمل كقيد متخصص ويسمى “الجسم المضاد”؛ الذي يتلاءم تماماً مع الميكروب المحدد وليس غيره. وفي النهاية تحصل خلية B الليمفية على خط إنتاج آلاف من تلك الأجسام المضادة التي تنطلق إلى أنحاء الجسم.

وهذه الأجسام المضادة تبحث بدورها عن أهدافها، تماماً مثل القذائف الصاروخية الموجهة، وتلصق نفسها بالبكتريا. ويصير الكائن الغازي بذلك غير ضار ويبقى مقيداً إلى أن تأتي الخلايا البلعمية أو الخلايا المتعادلة متشكلة النواة لتبتلعها.

الأجسام المضادة

كل جسم من الأجسام المضادة Antibodies هو عبارة عن جسيم بروتيني على شكل حرف Y له كلابة أو قيد على كل من ذراعيه المفتوحين. ورغم أنها يتم تصنيعها بالجملة في واحد من خمسة أنماط أساسية، إلا أن المنتج النهائي للأجسام المضادة يتم تركيبه بحيث يكون شديد التخصص تجاه نوع واحد محدد من الميكروبات. وتحفظ الأنماط الخمسة لهذه الأجسام المضادة في “بنوك” للذاكرة بالجسم بحيث يمكن تصنيعها جاهزة للعمل بشكل فوري إذا حدثت العدوى مرة أخرى.

وهذا هو المبدأ الذي تقوم عليه عملية التحصين أو التلقيح (أو ما يسميه العامة بالتطعيم) وذلك باستخدام اللقاحات (الفاكسينات)، حيث يتم حقن كميات ضئيلة من ميكروب (بعد قتله أو تعديله) في مجرى الدم بحيث يمكن أن ينتج الجسم الأجسام المضادة اللازمة للتعادل معه. فإذا حدثت عدوى بعد ذلك من قبل ميكروب من نفس النوع فإن الجسم يمكنه أن يعمل فوراً على قتل الميكروب قبل أن يجد الفرصة للسيطرة والتكاثر.

وعند حدوث العدوى لأول مرة قد يستغرق الجسم خمسة أيام قبل أن يظهر استجابة بإنتاج الأجسام المضادة. ثم تتزايد مستويات الأجسام المضادة حتى تصل إلى ذروتها بعد حوالي 14 يوماً. ولكن إذا حدثت العدوى مرة أخرى فإن الأجسام المضادة تتزايد مستوياتها سريعاً، إذ يمكن الكشف عن وجودها في غضون 48 ساعة فقط، وتبقى في الجسم لمدة أطول بكثير.

والأجسام المضادة غالباً ما تسمى بالجلوبيولينات المناعية Ig. وأما العوامل المعدية التي تسمى مولدات المضاد أو الأنتيجينات فتقوم خلايا T الليمفية بتقديمها إلى خلايا B الليمفية، مما يحفز خلايا B على أن تنضج وتنتج أحد الأنماط الخمسة للأجسام المضادة وهي: IgG، IgA، IgM، IgD، IgE.

IgG

وهو النوع الأكثر وفرة من الأجسام المضادة، إذ يشكل ما يصل إلى 75% من الأجسام المضادة التي في بلازما الدم. وهو يكون أنشط ما يمكن حينما يوجد في الدم والليمف والأمعاء. وتتميز الخلايا المتعادلة متشكلة النواة والخلايا البلعمية (الأكولة) بوجود مواقع مستقبلة للأجسام المضادة من نوع IgG وهكذا يمكن أن تجعل تلك الخلايا الأجسام المضادة تلتصق بها، بل وتلتهمها، مع ما أسرته (أو قيدت حركته) من ميكروبات حينما تكون تلك الأجسام المضادة جاهزة للعمل.

والأجسام المضادة من نوع IgG تحتاجها الخلايا التي تنشط للقضاء على الخلايا السرطانية، ولكن لسوء الحظ، فإن نفس تلك الخلايا يمكن أن تتورط في إحداث طرد للأعضاء المزروعة وفي حدوث أمراض المناعة الذاتية. ويتم نقل الـ IgG إيجابياً عبر المشيمة، وهو يمنح الجنين وأيضاً الطفل حديث الولادة مناعة لمدة تصل إلى ستة شهور. ويبدأ الطفل بعد ولادته في إنتاج الـ IgG الخاص به بعد حوالي ثلاثة شهور عادة، وهو الوقت الذي غالباً ما تبدأ فيه برامج التطعيم.

IgA

يوجد هذا النوع من الأجسام المضادة في مصل الدم وفي الإفرازات المخاطية للمسالك التنفسية والبولية التناسلية والمعوية، حيث يكثر التعرض للمواد الغريبة. والجلوبيولينات المناعية نظراً لكونها مواداً بروتينية فإنها عرضة لأن تهضمها الإنزيمات المعوية، ولكن الـ IgA يمكنه أن ينتج إفرازاً يمنحه بعض الحماية من تلك الإنزيمات. وفي العصارة المعدية (أي التي تفرزها المعدة) نجد أن 80% من الجلوبيولينات المناعية هي من نوع IgA. والـ IgA غالباً ما يقل لدى أولئك الذين يعانون حالات عدوى تنفسية أو معدية – معوية.

وتتصف الذاكرة المناعية والتخصص المناعي للـ IgA بالضعف إذا قورنا بالأجسام المضادة الأخرى، ولكن هذا الأمر يعتبر ضرورياً، لاسيما في القناة الهضمية، وإلا فإننا قد نصاب بحساسية دائمة تجاه أي شيء نأكله تقريباً؛ كالبيض المسلوق مثلاً. والأشخاص الذين يعانون مشكلات من الحساسية للطعام من المرجح أن يكون لديهم خلل وظيفي في الـ IgA مما يجعلهم مفرطي الحساسية لأنواع معينة من الأطعمة، والتي لا تسبب ضرراً لأي شخص آخر. ومن يعانون مرض حمى القش يعتبرون حالات مماثلة؛ فحبوب اللقاح لا تكون ضارة بالفعل في حد ذاتها، ولكن بعض الناس يحدث لهم تفاعل عنيف تجاهها.

IgM

يعتبر نوع الـ IgM هو أكبر الجلوبيولينات المناعية في حجم دقائقه وأكثرها بدائية. وحجم دقائقه الكبيرة يجعله مفيداً في التقاط الكثير من الأنتيجينات الصغيرة، بل يمكنه أن يسيطر على عشرة من تلك الأنتيجينات دفعة واحدة. وهو يكون مهماً بصفة خاصة في وقت مبكر من أية استجابة مناعية.

IgD

لا يعرف الكثير عن الـ IgD، ولكن مستوياته ترتفع في حالات الكواشيوركور (وهو أحد أمراض نقص التغذية).

IgE

ينجذب الـ IgE إلى الخلايا المشاركة في الاستجابة المناعية وإلى الخلايا القاعدية كذلك (وهي نوع من الخلايا المحببة). ويكون مصاحباً لجميع صور الحساسية، بما فيها حمى القش والربو والأرتيكاريا والحكة والالتهاب الأنفي… إلخ. والأشخاص الذين يعانون حالات الحساسية عادة ما ينتجون الكثير من الـ IgE، و يمكن أن ينتقل ميلهم التحسسي هذا إلى أطفالهم، رغم أن الحساسية ربما لا تتخذ نفس الهيئة أو لا تكون لها نفس الأعراض.

ملخص لأسلحة الجهاز المناعي

تقوم خلايا الدم الحمراء ببساطة بإيقاف الغزاة وتسليم أولئك “المساجين” أو “الأسرى” إلى خلايا الدم البيضاء لكي تتعامل معها.

وتوجد أنواع متعددة من خلايا الدم البيضاء:

فالخلايا البلعمية (أو الأكولة) والخلايا المتعادلة متشكلة النواة تلتهم العدو.
والخلايا الإيوسينية والقاعدية تسبب الالتهاب وتحذر من العدوى.
وخلايا B الليمفية تهاجم فقط أهدافاً محددة. وهي تحتاج إلى أسبوع أو أسبوعين لتنتج كمية كافية من الأجسام المضادة، ولكي تتذكر أهدافها المحددة بحيث يمكنها بعد ذلك أن تنتج الأجسام المضادة بمعدل أسرع إذا ما حدثت العدوى مرة أخرى.
وتقوم خلايا T الليمفية بتنظيم جهاز المناعة وتقرر إن كان يجب أن يقاتل أم ينسحب. وبعض خلايا T الليمفية تهاجم الغزاة بالفعل.

وفي النهاية، دعنا نلق نظرة على مصطلحات غالباً ما تسبب اختلاطاً للقارئ:

•    الأنتيجينات (أو مولدات المضاد) Antigens: وهي أي شيء يحفز على إحداث استجابة بإنتاج أجسام مضادة. وتعتبر الميكروبات التي يمكن أن تسبب الأمراض أنتيجينية (أي مولدة للمضاد) على أساس أن وجودها في الجسم يجعل خلايا B تصنع أجساماً مضادة، وهذه بدورها تغطي الميكروبات الغازية وتساعد على تدميرها. والطعام الذي يحفز على الحساسية يعتبر مولداً للمضاد كذلك.

•    المضادات الحيوية Antibiotics: هي نوع من القوة الكيميائية الاصطناعية التي يصفها الأطباء عادة للمساعدة على مكافحة إحدى حالات العدوى. والمضادات الحيوية لا ينتجها الجسم، ويجب ألا يخلط بينها وبين الأجسام المضادة؛ فهما ليسا شيئاً واحداً على الإطلاق.