يشكل الجهاز البولي في جسم الإنسان وحدة متكاملة ومتواصلة، قوامها الكليتان المتواجدتان من كل ناحية في خاصرة الإنسان، إلى الجهة الخلفية والجانبية، ويتفرع من كل منها مجرى بول يدعى الحالب يؤدي كلاهما إلى المثانة، حيث يتجمع البول قبل طرحه خارجاً من خلال المجرى النهائي: الإحليل، ولهذا القسم الأخير وضع خاص عند الأنثى حيث يختتم بفتحة في المهبل، مما يشكل خصائص سريرية لالتهابات المجاري البولية لدى الأنثى، وإمكانية التأثر بما يجري داخل المهبل أو التعرض لالتقاط الجراثيم عن طريق الغائط في حال وجود خلل في قواعد النظافة، وخصوصاً عند التنظيف بعد التبرز لدى الفتاة الصغيرة.
تتركز مهمة الجهاز البولي على تكرير الدم وتنقيته من السموم والشوائب أو المواد الكيماوية (كالأدوية مثلاً) التي تدخل جسم الإنسان، ما يجعل هذا الجهاز بمثابة صمام أمان لبقية أعضاء الجسم مسهلاً لها القيام بوظائفها الفيزيولوجية بشكل طبيعي (كالقلب، الدماغ والكبد)، هذا إلى جانب طرح فضلات العمليات الأيضية «الاستقلابية» في الجسم (البولة الدموية، الملح البولي..) والأملاح المعدنية في حال زيادة نسبتها في الدم (الكالسيوم….).
أما عن البول فإن الجزء الأعظم منه يتكون من الماء، إما من ماء الشرب وإما السوائل (حليب، عصير، مشروبات غازية أو غيرها….) وهو ما يؤلف الماء الخارجي الذي يدخل الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو من خلال حقن المصولات عن طريق الشريان، أما الجزء الآخر من ماء الجسم فهو يصدر عن العمليات الأيضية داخله وهذا ما يسمى بالماء الداخلي.
يحتاج جسم الإنسان إلى كمية من الماء تقدر بين 3 إلى 4 ليترات يومياً وهي تدخل في تركيب السوائل الأخرى التي يفرزها الجسم: اللعاب، عصارة المعدة، خمائر البنكرياس، الأملاح الصفراوية، الدموع، السائل المنوي، السائل المخي النخاعي الذي يجري في الدماغ وفي النخاع الشوكي، هذا إلى جانب كمية الماء التي يخسرها الجسم من خلال التعرق، التنفس والإشعاع.
الإصابات ليست نادرة، علاماتها كامنة ويتوجب التفكير فيها، وتحدث لدى الإناث أكثر من الذكور.
يمثل التهاب المجاري البولية عند الأطفال إمكانية غير نادرة الحدوث، ولكن علاماتها المرضية تختلف عما يجري لدى الإنسان البالغ؛ إذ تبدو هذه العلامات كامنة وغير واضحة في أغلب الأحيان، ما يتطلب الانتباه الدائم وأخذها في الاعتبار، لعدم إهمال افتراضية حدوثها، عندما نعلم اختلاف العلامات السريرية لهذه الإصابات لدى الطفل عما نستنتجه لدى الكبار (كالإحساس بالحرقة أو الحكة عند التبول أو حصول اضطرابات تشير إلى تحديد موضع الإصابة).
تصيب هذه الالتهابات الأطفال والأولاد من جميع الأعمار، الإناث والذكور على السواء، مع إمكانية أعلى لدى الإناث: 5/3 (نظراً للعامل التكويني حيث تتوافر عوامل إفرازية طبيعية في المهبل، تشكل وسطاً مثالياً لنمو وتكاثر الجراثيم التي تصل إليه عن طريق الخطأ، وذلك خلال عملية إجراء التنظيف للفتاة الصغيرة، إذ يتوجب تمرير الفوطة من الأمام باتجاه الخلف وليس العكس منعاً لالتقاط فضلات من البراز، من دون ملاحظة ذلك بالعين المجردة، إلى داخل المهبل، ومنه إلى فتحة مجرى البول القريبة جداً من مدخل عنق الرحم، وهذه الطريقة الوقائية تمنع تعرض الفتاة للالتهابات البولية في كثير من الحالات). وخارج نطاق الحالات الناتجة عن الخطأ في النظافة، يمكن لهذه الإصابات أن تحدث في جميع فصول السنة، مع احتمال الحصول في الصيف أكثر من بقية الفصول ولدى فئات محددة من العمر نظراً لزيادة ارتياد البحور والمسابح وخصوصاً لدى الإناث. من هنا ضرورة الانتباه بأخذ الحيطة والحذر عند ارتياد المسابح البحرية غير المراقبة للوقاية من التقاط الجراثيم الموجودة في مياه هذه الأماكن وبالأخص الملوثة منها (وما أكثرها في بلادنا! والمتأتية من قساطل المجارير والصرف الصحي والمياه الأسنة أو المبتذلة…..)، وكل هذه الاحتياطات تسري كذلك على مياه الأنهار والبرك الراكدة.
ما هي الجراثيم الأكثر شيوعاً والمسببة لهذه الالتهابات أو الإنتان؟
من المعلوم طبياً أن المياه الملوثة تشكل عاملاً أساسياً لنقل الجراثيم، أكانت هذه المياه ملوثة في الأساس أو كانت معقمة (كما هي الحال أو يفترض أن تكون في أماكن السباحة المرخصة والمراقبة صحياً) ثم تعرضت للتلوث من خلال إنسان مصاب أو إنسان آخر يحمل الجرثومة، ولدية مناعة قوية، فلا تصيبه ولكن ينقلها إلى غيره من خلال المياه (وهذا ما نراه في حالات الجراثيم التي تصيب الجهاز الهضمي عن طريق العدوى بالبراز).
أما عن الجراثيم المسببة لهذه الإنتانات فهي عموماً من نوعية البكتيريا ومن فصيلة العصّيات (Escherichia coli) أو البروتييس (Proteus) وهي تمثل 90 % من الإصابات ويكثر انتشارها في بلادنا. تبقى فصائل أخرى من البكتيريا الأقل إصابة للمجاري البولية ونذكر منها، العصية المكورة (Staphylococcus) أو السبحية (Streptococcus) والتي يمكن أن ترافق التهابات من الفصيلة نفسها في أماكن أخرى من الجسم (التهاب الرئة، السحايا، الأذن الوسطى)؛ هذا إلى جراثيم أخرى من نوعية الفيروسات والطفيليات والفطريات يمكن أن تصيب المجاري البولية.
العلامات المرضية والأشكال السريرية التي تعبر عن إصابة المجاري البولية بالالتهاب عند الأطفال
• هذه العلامات تبدو قليلة عموماً وبخاصة كلما كان الطفل صغيراً كالأنماط السريرية لدى: الطفل الرضيع والتي تعبر عن ذاتها على شكل ارتفاع في الحرارة الداخلية مع قلة شهية للطعام (رفض ثدي الأم أو قنينة الحليب)، مع طبعها الأثر السلبي على نمو الطفل (الوزن بخاصة) إذا ما تأخر التشخيص ومن ثم العلاج، وربما رافقت هذه العلامات المرضية إصابات بعيدة كل البعد عن المجاري البولية؛ لذا يتوجب دائما التفكير بإجراء تحاليل مخبرية للدم والبول (فحص عام مع زرع للبول)، ما يسمح بتأكيد التشخيص وتحديد فصيلة الجرثومة والعلاج بالمضاد الحيوي الفعال في آن. ومن العلامات المنفردة الأخرى: الارتفاع في الحرارة وهي شائعة الحدوث ولكنها غير ثابتة، وهي غالباً على شكل هبات حادة ومتكررة ويمكن أن تمر بشكل غير ملحوظ أو تبعث على التفكير بالإصابة بحميات فيروسية. أما العلامات الأخرى فيمكن أن تظهر على شكل اضطرابات هضمية (إسهال، استفراغ)، هذا مع الإشارة إلى وجود علامات بولية في بعض الحالات المشيرة للمرض: تلوث أو تغير لون البول الذي يصبح ذا رائحة كريهة. ومن علامات الإصابة في حالات أخرى: وجود دم في البول يظهر للعين المجردة (في حفاظ الطفل)، أو تكرار التبول بكمية زائدة من السوائل والأملاح لدى الطفل، ما يبعث على حصول حالة تجفاف (Dehydration).
• ومن العلامات المرضية اللافتة للانتباه عند الأطفال حديثي الولادة تسجل حالات لفترة ما أو معاودة ظهور اليرقان الفيزيولوجي (Physiologic jaundice) عند الرضيع. وهذا ما يفسر العلاقة الوثيقة بين الإصابة بجرثومة في المجاري البولية وإصابة المجاري الصفراوية في آن، وتحدث هذه الإصابات بنسبة أعلى عند الذكور
• عند الأطفال الأكبر سناً والأولاد يصبح التركيز على تشخيص المرض أكثر تناولاً وسهولة، نظراً لتوافر علامات سريرية أكثر تعبيراً كالأوجاع في البطن مع بعض التحديد لأماكن الوجع، ارتفاع معتدل للحرارة، قلة النشاط والحركة وهبوط الشهية للطعام.
• في حالات أخرى، يضاف إلى هذه العلامات ملاحظات تثير الانتباه: الشحوب البادي على وجه الطفل مع ظهور علامات فقر دم نتيجة الفحص السريري الكامل الذي يؤكد الشحوب (تسرع في دقات القلب، لهاث في حالة الراحة ويزداد عند الجهد: الرضاعة خاصة، فحص القلب بدقة يشير إلى وجود نفخة صوتية في القلب (Heart murmur). يرافق هذا النمط من فقر الدم، الالتهابات المزمنة للمجاري البولية عموماً.
• ومن الأشكال السريرية التي يمكن أن تحصل عند الأولاد: آلام في أسفل البطن مع ارتفاع في الحرارة وعلامات تشير إلى التهاب المثانة وتكون سبباً خاطئاً لعدم احتقان البول في المثانة أو تبول لاإرادي ثانوي. وتبقى نادرة إصابة الكلية بالالتهاب مع ارتفاع حاد في الحرارة 39 إلى 40 درجة مئوية والشعور بالبرد أو القشعريرة وهبوط الوضع الصحي العام.
• من المهم الإشارة إلى إشكال سريرية حادة تتمثل في الحالات الحادة لتسمم الدم التي تترافق مع التهابات حادة في المجاري البولية، وتكون علاماتها مستترة لوجود علامات سريرية مرافقة ولكنها أكثر حدة وخطورة على صحة الطفل في هكذا حالات.
وهناك أشكال من التهابات البول عند الأطفال لا تظهر بشكل واضح سريرياً ولكن يتم تشخيصها في حالات استقصاء عام وخصوصاً عند إجراء فحوصات وتحاليل عامة، وهذا ما يحدث، مثلاً، عند وجود ألم باطني حاد في منطقة الخاصرة: يمكن أن يوجه التشخيص وبشكل خاطئ نحو الجهاز الهضمي.
الفحوصات والتحاليل الطبية المساعدة على التشخيص
• تحاليل الدم (كريات حمراء وبيضاء، الصفائح الدموية، سرعة تخثر الدم، البولة الدموية وفحوصات أخرى تظهر وظيفة الكليتين).
• تحليل مخبري عام للبول مع تحديد نسبة الكريات البيضاء والحمراء، الموجودة عادة بكميات ضئيلة جداً في البول: مستوى الزلال، درجة حموضة البول وكثافته أو وجود مواد غير طبيعية تنذر بإصابة الكلى.
• زرع البول المخبري مع تحديد الأدوية المضادة للحيوية الفعالة في حال النتيجة الإيجابية للزرع (إثبات وجود جرثومة كماً ونوعاً وفئة).
• إجراء صور شعاعية ملونة للكليتين والمجاري البولية والمثانة، للتأكد من سلامة الجهاز البولي من الإصابات التشويهية الخلْقية مع إجراء فحص الصورة الصوتية، كذلك التصوير الطبقي إذا دعت الحاجة.
كلها فحوصات تساعد على التشخيص الدقيق والقيام بعدها بالتدخل الجراحي (المثانة، المجاري البولية أو الكلى)، إذا استدعى الأمر ذلك بعد تثبيت التشخيص بشكل واضح وموثق بمجموعة من المستندات والتحاليل. وهناك قاعدة علمية متبعة حالياً ومتفق عليها في كثير من الجامعات الطبية في العالم، وهي تقوم على إجراء الصور الشعاعية عند حصول أول إصابة التهاب للمجاري البولية لدى الأطفال، للتأكد من سلامة هذا الجهاز من الأمراض التكوينية (كالتشوه الحاصل في المنطقة بين المثانة ونقطة تواصلها مع الحالب، ما يؤدي إلى ارتداد البول صعوداً نحو الكلية، مسبباً ركود البول، اتساع قطر الحالب، التهابات وتداعيات على الكلية عضوياً ووظيفياً). هذا الخلل التكويني إذا ما ترك على هواه فإنه يؤدي إلى إصابة الكلى، في بعض الحالات، مع حصول الفشل أو القصور الكلوي وخطرة على صحة الطفل وحياته عموماً. هذه الإصابة التكوينية تحصل لدى الصبيان بنسبة أعلى من البنات 45 إلى 20 بالمئة.
خلاصة القول، إن تشخيص الإصابة بالتهابات المجاري البولية ليست بالأمر الصعب، حتى لدى الأطفال الرضع أو حديثي الولادة، طالما أن الفحص السريري الطبي يجري دائماً بطريقة كاملة، متأنية وعلمية وعدم التردد بإجراء تحليل أولي بسيط وسريع للبول مع الزرع، قبل التسرع بالوصفة الطبية المضادة للالتهاب التي تؤدي إلى إخفاء علامات الالتهاب في أغلب الأوقات لتستتر فترة طويلة أو تعود وتظهر فيما بعد، مع ما يرافق ذلك من مضاعفات سلبية على صحة الطفل.
أما الحالات لتي تدعو إلى التفكير بالتهاب المجاري البولية، في الأعمار كافة وذلك عند:
• حصول ارتفاع منفرد في الحرارة، أو ترفع حروري غير واضح الأسباب.
• وجود زلال أو دم في البول.
• هبوط غير محدد السبب للوضع الصحي العام.