التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

فيروس الروتا، العجلية Rotavirus

في فصل الشتاء يلاحظ أن الأمراض التي تصيب مجاري الجهاز التنفسي، العليا والسفلى منها على السواء، هي الأكثر شيوعاً إذا ما أخذنا في الاعتبار تقلبات درجة حرارة الجو (أيام البرد والصقيع بخاصة)، إلى تغير نسبة الرطوبة واشتداد سرعة الرياح، إلى جانب ظروف معيشية متردية تساعد، هذه المجموعة من العوامل؛ على نمو وتكاثر وانتقال الجراثيم، لا سيما الفيروسات منها.

وما يلفت الانتباه في هذا الفصل هو حصول حالات إسهال حادة، وعلى شكل وباء أحياناً، وخصوصاً في البلاد الباردة المناخ، حيث يتكرر حدوث هذه الحالات كل عام، ويدفع بمئات الإصابات إلى دخول المستشفى لا سيما الأطفال ما دون الخمس سنوات، وهو ما يحصل في كثير من دول العالم، الأوروبية منها على وجه التحديد، حيث يسجل في فرنسا وحدها بين مليون ومليون ونصف استشارة طبية سنوياً بشأن هذه الإصابة، وتتركز في أكثر الأوقات خلال شهري كانون الأول وكانون الثاني.

وقد بقيت الحال كذلك خلال عقود إلى أن اكتشفت الجرثومة المسببة لهذه الإصابات وتم عزلها بعد دراسات وأبحاث مخبرية، وكان ذلك في العام 1973. تبين بعدها أن هذا الفيروس هو من نوع Rotavirus أي الفيروس الدولابي أو العجلية، نظراً لشكله كالدولاب.

يؤدي هذا الفيروس إلى التهابات حادة في الأمعاء، ويمكن أن يتطور المرض بشكل حاد وشرس ليصبح في غاية الخطورة على الوضع الصحي للمريض.

تصيب فيروس الروتا الأطفال دون الخمس سنوات بخاصة، وتحدث الإصابة الأولى عادة ما بين عمر الثلاثة والأربعة أشهر، وغالباً في سن أبكر في البلاد حيث نسبة الإصابة بهذا الفيروس عالية جداً: في المكسيك مثلاً أصيب فيما مضى (أي قبل وضع اللقاح الفعال ضد هذه الجرثومة قيد التناول منذ عدة سنوات) 96 % من الأطفال تحت عمر السنتين بهذا الفيروس، كما يصيب الأخير البالغين في حال إصابة أطفالهم عن طريق العدوى، كما يصيب الأشخاص ذوي العاهات المناعية (أمراض الدم الخبيثة، سرطان، ايدز…)، أو المسنين الذين يعيشون بين مجموعات (بيوت نقاهة وغيرها).

تحصل العدوى بانتقال الجرثومة عن طريق الفم، بعد تلوث الطعام أو مياه الشرب خصوصاً، ويتم ذلك عن طريق براز الشخص المريض، كما يمكن للجرثومة الانتقال بواسطة المجاري الهوائية.

لسنوات خلت كانت هذه الحالات تصيب 70 إلى 90 % في فصل الشتاء، ولكن يلاحظ منذ بضع سنوات تكاثر الإصابات في فصل الصيف، لاسيما عند تدهور الأوضاع الصحية ووجود نقص حاد في المحافظة على الحد الأدنى من القواعد العامة للنظافة.

علامات الإصابة بالفيروس روتا

تتمركز الإصابة بهذا الفيروس في خلايا الأمعاء الدقيقة (enterocytes)، وتحدث عملية الإسهال بسبب الاضطراب في عملية الهضم والخلل في امتصاص السكريات ما يؤدي إلى خسارة كميات كبيرة من المياه والأملاح.

تحدث الإصابة بالفيروس ارتفاعاً حاداً في الحرارة (39 إلى 40 درجة) يترافق مع حالة من الإسهال الحاد والتقيؤ، وتبدأ العلامات المرضية بالظهور خلال 12 ساعة إلى أربعة أيام من التقاط الجرثومة، ويمكن أن تدوم من 4 إلى 8 أيام، وفي هذا الوضع يمكن حصول حالة تجفاف حاد وسريع ما يستدعي الاستشفاء الطارئ، ويشكل سوء التغذية عند الطفل عاملاً سيئاً لتطور الإصابة.

وسائل الوقاية

تنحصر أساليب الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس الخطير لدى الأطفال، بعاملين أساسيين:

1. المحافظة الدائمة على القواعد العامة للنظافة، لاسيما عندما يكون الموضوع هو تغذية الأطفال، لعدم نقل العدوى إليهم، ويكون ذلك من خلال غسل اليدين جيداً بالصابون، قبل الطعام وبعده وعند الخروج من المرحاض وقبل تحضير أية وجبة طعام للطفل، والسهر الدائم على تعقيم أدواته التي تستعمل يومياً وخصوصاً خلال الرضاعة الاصطناعية (عن طريق القنينة)، والانتباه إلى نظافة مياه الشرب وتعقيمها، كذلك المياه التي تستعمل لإذابة مسحوق الحليب، والعمل على طهي الطعام جيداً وغسل الخضار والفاكهة بواسطة محلول معقم. وفي حالات الإسهال الحاد من المهم استعمال المحلول الفموي (مصل الشرب) للوقاية من التجفاف، على أن تحدد الكمية المتوجب إعطاؤها للطفل المصاب من قبل الطبيب المعالج.

2. اللقاح هو صمام الأمان حالياً ضد هذا المرض الشديد الخطورة على حياة الأطفال والرضع منهم خصوصاً، وقد أثبت هذا اللقاح فعاليته المضمونة بعد سنوات من تواجده في أغلب دول العالم، ومنها لبنان، ما أدى إلى تدني الإصابات بفيروس الروتا.

لقاح ضد فيروس الروتا: جرثومة الإسهال الحاد والخطير عند الأطفال

تلوث البيئة عموماً موضوع شاسع، واسع الأفق والأبعاد، وتأثيراته متعددة على حياة الإنسان في مجالات البر والبحر والجو.

أما بشأن تلوث المياه وانعكاساتها السلبية على صحة الإنسان؛ نرى أنه مصدر أساسي وخطير لإصابة الأطفال، خصوصاً، بالأمراض الانتقالية المعدية، وذلك عن طريق تجرع المياه الملوثة أو غير الصالحة للشرب، ما يؤدي إلى إصابة الجهاز الهضمي (المعدة، الأمعاء، الكبد) بجراثيم فتاكة، تزداد خطورتها كلما كان الطفل صغيراً، لا سيما قبل بلوغه عمر السنتين.

من هنا نود الحديث عن مرض، يصيب الأطفال والأولاد: التهاب الأمعاء الحاد (acute gastroenteritis)، وعندما نعلم أن جسم الطفل الطبيعي، المولود في أوانه، يحتوى عند الولادة على 75 بالمائة من وزنه ماء، ندرك أهمية فقدان الماء (ومعه الأملاح: صوديوم، بوتاسيوم) والذي يتعرض له الطفل عند إصابته بالتهاب حاد في الأمعاء؛ وتظهر هذه الخسارة للماء على شكل إسهال حاد مع استفراغ متكرر، ناهيك عن ارتفاع حرارة الجسم الداخلية (39.5 إلى 40 درجة مئوية) الذي يصحب هذه العلامات المرضية، ما يساعد على تفاقم فقدان الجسم للماء ويعرض حياة الطفل للخطر من خلال التجفاف الحاد (acute dehydration)، وما يعتريه من تداعيات خطيرة على وظائف الجسم الأساسية (القلب، الدماغ، الكلى).

تعود أسباب هذه الالتهابات الحادة في الأمعاء، في معظم الأحيان، إلى إصابة الطفل بأنواع مختلفة من الجراثيم، أكانت بكتيريا (Bacteria) أو فيروس (virus) أو جرثومة طفيلية (parasite) وغيرها.

أما وسيلة انتقال هذه الجراثيم إلى جسم الطفل فهي، عموماً، العدوى عن طريق الفم بواسطة المياه الملوثة بتلك الجراثيم؛ من هذه الجراثيم فئة تعرف بفيروس الدولابي (rota virus)، كما يبدو بالفحص تحت المجهر الالكتروني؛ ينتشر هذا الفيروس عادة في فصل الشتاء، بالرغم من تكاثر إصاباته خلال فصل الصيف في السنوات التي خلت، وينتقل إلى جسم الطفل عن طريق المياه غير الصالحة للشرب، أو المياه غير المعقمة كفاية والتي تستعمل لتحضير وجبة حليب الطفل؛ وبخاصة لدى الأطفال الذين يتغذون عن طريق الرضاعة الاصطناعية (بالقنينة).

يشكل هذا النوع من الفيروس أكثر من 50 بالمائة من الإصابات بالإسهال الحاد عند الأطفال الرضع؛ وهي تتكون من تسعة أنماط، إذ تختلف عن بعضها بعضاً بتكويناتها البروتينية (G1…….G9).

يمكن للطفل الواحد أن يصاب عدة مرات بهذا الفيروس نظراً لتعدد أنماطه، وفي كل إصابة يحصل على مناعة نوعية ضد هذا النمط أو ذاك؛ هذا ما يحصل لدى الأطفال الذين اكتمل جهازهم المناعي للدفاع ضد هذه الجرثومة.

من هنا نرى أن الأطفال حديثي الولادة والرضع هم الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس، نظراً لضعف وهشاشة جهازهم المناعي الذي هو في طور الاكتساب والتكوين.

يقودنا كل هذا الشرح للفت النظر والحديث، بل التركيز، على لقاح نوعي، متطور وذي فعالية مضمونة من المؤسسات الصحية العالمية كافة (WHO، FDA…)، لقاح يؤمن لهؤلاء الأطفال ومنذ نعومة أظفارهم، مناعة نوعية ضد عدة أنماط من هذا الفيروس «روتا «. يتوافر في لبنان حالياً، ومنذ سنوات، نوعان من اللقاح ضد الروتا، الأول يحوي على نمط واحد من هذه الجرثومة، ما يؤدي بعد التلقيح إلى اكتساب مناعة بالتقاطع ضد عدة أنماط من جرثومة الروتا، ويعطى هذا اللقاح عن طريق الفم من خلال جرعتين ابتداء من الأسبوع السادس من العمر، على أن يحصل الرضيع على الجرعة الثانية قبل الأسبوع السادس عشر، وكحد أقصى قبل بلوغه الشهر الثامن. أما اللقاح الثاني فهو يحوي على خمسة أنماط من بروتين الجرثومة، يؤدي إلى مناعة مماثلة للقاح الأول ولكن يعطى على ثلاث جرعات.

تفيد الإحصاءات والدراسات التي تقوم بها مؤسسات عالمية وذات صدقية علمية، والتي تهتم بصحة الأطفال، عن حصول 114 مليون إصابة سنوياً بهذا الفيروس في العالم؛ يدخل منها 54 مليون حالة للاستشفاء؛ وتودي بحياة 614000 طفل، تحت عمر السنتين، سنوياً.

من هنا تظهر أهمية هذا اللقاح والذي يعطى للطفل الرضيع باكراً، ابتداءً من عمر 6 أسابيع وقبل بلوغه الثمانية أشهر. وبهذا اللقاح نؤمن للطفل الحماية الكافية، ضد هذه الجرثومة الفتاكة، ريثما يكون جهازه المناعي اشتد عوده وتمرس في مجابهة الأمراض المعدية (بعد عمر السنتين)، وبخاصة إذا ما تعرض لأي نمط أو فئة من ال «روتا»، فيكون قد تحصن بالمناعة الكافية لمجابهته من خلال الأجسام المضادة (Antibody) والتي اكتسبها في دمه ضد الروتافيروس، بواسطة اللقاح الذي حصل عليه في مرحلة طفولته الأولى.