يرى معظم أطباء التحسس التقليديين أن حالات التحسس الغذائي غير شائعة نسبيا ولا تطرأ سوى لدى واحد بالمئة من الناس، خاصة لدى الأطفال.
كما يلاحظون بأن معظم الأشخاص الذين يعانون من التحسس الغذائي، يتحسسون تجاه طعام واحد أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر. أما أعراض التحسس – ويظهر أغلبها على شكل مشاكل جلدية، تنفسية، وهضمية فتكون واضحة برأيهم، وتبدأ غالبا في غضون ساعة أو اثنتين من تناول الطعام المسيء. ويتفاعل الجهاز المناعي مع المحسّس الغذائي (الآرج الغذائي) بالطريقة نفسها التي يتفاعل فيها مع المحسسات الأخرى، كاللقاح أو العفن، بحيث ينتج على الفور جسما مضادا يؤدي إلى تحرير الهيستامين، والذي هو واحد من كيميائيات كثيرة تحفز أعراض التحسس الكلاسيكية.
ولكن ثمة مشكلة واحدة في هذا الوصف، برأي جايمس برايلي، دكتور في الطب، اختصاصي في أمراض التحسس في بوكا رايتون، فلوريدا. إنه تحليل خاطئ تماما للحالة.
ويقول: “برأيي أن تفكير أغلب أطباء التحسس لحالات التحسس الغذائي متخلف عن زماننا بعشرين أو ثلاثين عاما. وقد أثبتت أعداد هائلة من الأبحاث العلمية أن الأفكار السائدة عن التحسس غير صحيحة”.
فصحيح أن بعض الأشخاص يعانون من التحسس الغذائي الكلاسيكي الموصوف أعلاه، ولكن د. برايلي يعتقد بأن هذا النوع ليس سوى واحد من أنواع عديدة، ولا يشكل أكثر من 5 إلى 10 بالمئة من الحالات. أما النسبة الباقية، والتي تشكل 90 إلى 95 بالمئة من مرضى التحسس الغذائي، فإليك تفاصيل عنها.
في الواقع، حالات التحسس الغذائي غير نادرة، وهي لا تطرأ لدى الأطفال بصورة أساسية. والحقيقة أن أغلبية الأميركيين – بالغين كانوا أم أطفالا – يعانون من التحسس تجاه بعض الأطعمة، استنادا إلى د. برايلي. ولا أحد يعرف سبب كثرة هذه الحالات، ولكن يعتقد د. برايلي أن أبرز الأسباب ترجع إلى فرط الإجهاد وعدم الحصول على قسط واف من الراحة، هذا فضلا عن تسمم البيئة واعتماد غذاء غير طبيعي.
إضافة إلى ذلك فإن التحسس الغذائي لا يقتصر على الجلد أو الجهاز التنفسي أو الهضمي، بل يمتد أثره إلى أي جهاز أو نسيج أو عضو من الجسم، كما يشير د. برايلي، وهذا ما يحصل غالبا.
والواقع أن كثيرا من المشاكل الصحية تحدث إما نتيجة للتحسس الغذائي أو كمضاعفات منه، برأي جاكلين كرون، دكتورة في الطب، طبيبة في نيومكسيكو. وتشتمل هذه المشاكل على فقر الدم، ارتفاع ضغط الدم، تعب، إكزيما، ربو، صداع نصفي، إنتانات في الأذن، التهاب الجيوب الأنفية، ضعف السمع، اعتلال الغدة الدرقية، حمى القش، داء الثدي الكيسي الليفي، هذا بالإضافة إلى داء الكلى، داء السكر، التهاب المفاصل، اعتلال الحويصلة المرارية، داء تهيج الأمعاء، الحرقة، وأمراض كثيرة أخرى، كما تقول.
علاوة على ذلك، إن ردة الفعل التحسسية تجاه الأطعمة لا تظهر دوما على الفور. فقد تبدأ الأعراض بالظهور في مدة تتراوح بين ساعتين وثلاثة أيام بعد تناول الطعام. ما يعني أنك قد لا تشتبه أبدا بأن انزعاجك ناجم عن طعام أكلته. كما أنك قد تتحسس ضد عدة أطعمة، وليس نوعا واحدا أو اثنين، كما يشير د. برايلي (ومن الممكن أن يتراوح عددها بين 3 إلى 10، وقد يصل أحيانا إلى 20 نوعا).
ويتفاعل الجهاز المناعي مع المحسّسات الغذائية (وتكون عادة بروتينات غير مهضومة تدخل مجرى الدم عبر جدار الأمعاء التي صارت منفذة بفعل عوامل عديدة حياتية وبيوكيميائية) عبر إنتاج أنواع عديدة من الأجسام المضادة التي تلتصق بالمحسّسات. وتحفز هذه المركبات المكونة من الطعام والأجسام المضادة مجموعة من التفاعلات الالتهابية التي تسبب أعراضا وأمراضا متنوعة، استنادا إلى د. برايلي.
وتبقى ملاحظة أخيرة، إذ يضيف أن “حالات التحسس الغذائي قابلة للتخفيف أو العلاج أو الشفاء”.
دليل العناية الطبية
عليك أن تقصد الطبيب على الفور إن عانيت من أعراض تحسس خطيرة بعد الأكل. وتشتمل هذه الأعراض على طفح جلدي، حكاك، ورم، دوار، أزيز في النفس، قصر في النفس، وصعوبة في البلع.
كما يتوجب عليك أن تقصد الطبيب إن كنت تعاني من مرض مزمن أو من عارض لا تفسير له، أو كنت تنتمي إلى عائلة من مرضى التحسس (ذلك أن للعامل الوراثي تأثيرا على التحسس)، أو كان أحد أقربائك يعاني من تحسس تجاه الغلوتين أو من الاعتلال الجوفي، أو كنت تعاني من النوع الأول من داء السكر (المعتمد على الأنسولين)، أو من اعتلال الغدة الدرقية الذاتي المناعة، أو من ترقق العظم الذي لا يتجاوب مع العلاج التقليدي.
وإن لم تتمكن من تحديد الطعام المسؤول عن الأعراض، أو لم تكن أكيدا من أن الغذاء هو المسؤول، قم بزيارة طبيب تحسس ذي توجه بديل يفهم طبيعة التحسس الغذائي، كما ينصح جايمس برايلي، دكتور في الطب، اختصاصي في أمراض الحساسية في بوكا رايتون، فلوريدا. فنظرا لمدى تعقد حالات التحسس الغذائي، يرى معظم المرضى أنهم بحاجة إلى عناية طبيب، كما يشرح.
ومن شأن الطبيب أن يطلب إجراء فحص للدم شديد الدقة يسجل ردات الفعل المتأخرة لأكثر من 100 نوع من الطعام. وبعد الفحص، قد يعتمد طبيبك اختبار امتناع وتحدّ عن الطعام، يقوم على إبعاد أطعمة معينة من الغذاء ومن ثم إعادتها واحدة تلو الأخرى. وفور إتمام الاختبار، تضع أنت وطبيبك خطة غذائية لتجنب الأطعمة التي تسبب أعراض التحسس.
اعرف السبب
ليس من السهل تحديد نوع الطعام أو البروتين المسبب للتحسس.ويحتاج كثيرون إلى مساعدة الطبيب للتعرف على المحسسات الغذائية وتجنب المأكولات التي تسبب لهم المرض. ولكن ثمة خطوات يمكنك تجربتها بنفسك لتبدأ تحديد مصدر أو مصادر مشكلتك.
اليوميات الغذائية: دليل شخصي
عليك أن تعرف ما هي الأطعمة التي تأكلها دوما، أي يوميا أو يوميا تقريبا. ذلك أن واحدا أو أكثر منها هو المسؤول عن التحسس الغذائي لديك على الأرجح.
ويفسر د. برايلي قائلا: “حين تمطر الجسم بوابل من الأطعمة نفسها التي تحتوي على المغذيات نفسها، خاصة في حالة الأمعاء الراشحة، يأتي وقت يصرخ فيه الجسم مستغيثا”.
لذا، يوصي مارك ستانغلر، دكتور في طب المعالجة الطبيعية في سان دييغو، بكتابة يوميات غذائية، تدون فيها كل ما تأكله (بما في ذلك مكونات الأطعمة المصنعة) لمدة أسبوع.
وإن وجدت بأنك تأكل الطعام أو المكون نفسه ثلاث أو أربع مرات أو أكثر في الأسبوع الواحد، أبعده من غذائك لمدة 10 أيام لترى إن كنت ستشعر بالتحسن. ثم تناوله ثانية لترى إن كانت الأعراض ستتفاقم. وإن أدى امتناعك عن هذا الطعام إلى تخفيف الأعراض، وتناولك له إلى عودتها من جديد، من المرجح أن يكون هو المسؤول عن التحسس، كما يقول د. ستانغلر.
مكافحة التحسس بالفيتامين ج
الفيتامين ج مفيد للجميع، ولكن الأشخاص الذين يعانون من تحسس غذائي قد يحتاجون إلى كميات زائدة منه. ذلك أن هذا المغذي يساعد أيضا على إيقاف أعراض التحسس تجاه الأطعمة، استنادا إلى جاكلين كرون، دكتورة في الطب، طبيبة في نيومكسيكو.
فهو يخفف من حدة الأعراض ويمنع الالتهاب. كما يساعد على تصنيع الهورمونات الكظرية التي تساعد على مكافحة الإجهاد العام الناتج عن أعراض التحسس. فضلا عن ذلك، يساهم هذا الفيتامين في تجديد الجهاز المناعي الذي أرهقته الاستجابة إلى المحسسات.
وترى د. كرون أن “على مرضى التحسس استعمال الفيتامين ج يوميا”. وتقوم فكرتها على تناوله بقدر ما يمكن للجسم أن يحتمل. وبما أن هذه النسبة تتفاوت من شخص إلى آخر، استمر بزيادة الجرعة إلى أن تصاب بالإسهال، ثم خففها قليلا إلى أن يزول هذا التأثير الجانبي.
ابدأ بتناول 1000 ملغ في اليوم، مع الوجبة، ثم ارفع المقدار 1000 ملغ يوميا، واقسم الجرعة الكاملة بشكل متساو خلال النهار، كما تنصح د. كرون. وحين تصاب بالإسهال، اخفض الجرعة بمقدار 1000 ملغ. فتلك هي الكمية المناسبة لك، كما تشير.
استعمل الحمض الأسكوربي أو أي شكل من أشكال الأسكوربات، ولكن تحقق من الوصفة للتأكد من أنه يدني التحسس. ولا تستعمل الفيتامينات الموقوتة التحرير أو القابلة للمضغ، كما يحذر د. كرون. فربما كنت لا تملك ما يكفي من أحماض المعدة لهضم النوع الموقوت التحرير، كما أن الفيتامينات القابلة للمضغ غالبا ما تحتوي على مواد مسببة للتحسس. وإن عانيت من تهيج طفيف في المثانة أو حرقة في المعدة، استعمل نوعا آخر من الأسكوربات.
حمية الامتناع: أبعد المشبوهات المعتادة
يتحسس معظم المصابين بالتحسس الغذائي تجاه عدد صغير من الأطعمة المستهلكة على نطاق واسع. وتشتمل المأكولات المشتبه بها عادة على مستخرجات الألبان والبيض والحبوب (خاصة القمح والجودار والشعير والشوفان والذرة) وفول الصويا بكل أشكاله (من التوفو إلى حليب الصويا) والفاكهة الحمضية والفستق.
ويقترح د. ستانغلر خطة أخرى تقوم على الامتناع عن جميع هذه الأطعمة لمدة 10 أيام، ومن ثم إدخالها من جديد واحدة فواحدة ومراقبة ما سيحدث. أعد إدخال طعام واحد كل 4 أيام، لأن الجسد يستغرق هذا الوقت لينظف نفسه من المحسس.
المعيشة من دون تحسس
عندما تحدد الطعام أو الأطعمة التي تسبب لك التحسس، عليك بالطبع أن تتجنبها. إضافة إلى ذلك هناك ضرورة قيامك بعدد من التغييرات البسيطة التي ستجعل جسدك أقل حساسية.
غذاء دوري: يساعد على منع التحسس
الواقع أن الأشخاص الذين يتناولون الأطعمة نفسها على الدوام هم أكثر عرضة للإصابة بتحسس تجاه الأطعمة من أولئك الذين يعتمدون مجموعة واسعة التنوع من الأغذية. لذا ينصح د. برايلي باتباع غذاء دوري يقوم على عدم تناول الطعام نفسه أكثر من مرة كل أربعة أيام.
فهذه الطريقة تساعد على الوقاية من الإصابة بالتحسس، كما يفسر. كما يتحتم عليك أيضا تجنب الأطعمة المصنعة، لأنها وببساطة حافلة بالمحسّسات الشائعة والمواد الكيميائية المضافة. ويضيف أن “أغلب الأشخاص الذين يعانون من التحسس تجاه الأطعمة يتحسسون أيضا تجاه الكيميائيات”.
المأكولات الطازجة والعضوية: أخف على الجسد
على المصابين بالتحسس الغذائي أن يركزوا على الإكثار من خضار الطازجة العضوية والفاكهة غير الحمضية والبروتين الحيواني الخالي من الدهون وغير المأخوذ من الألبان، والأسماك الدهنية. وهذه الأطعمة هي “الأكثر أمانا” لأن أجدادنا أكلوها في الماضي. ويضيف د. برايلي أن أجسادنا تكيفت مع هذه المأكولات.
MSM: عالج الأعراض بالكبريت
إن المكمل الغذائي MSM (ميثيلسولفونيلميثان)، وهو شكل من أشكال الكبريت، لا يشفي حالات التحسس الغذائي. ولكن من شأنه أن يخفف الأعراض وذلك بمنع ردات الفعل الالتهابية أو تخفيفها في الجسم، كما يعتقد ستانلي و. جاكوب، دكتور في الطب، أستاذ جراحة في جامعة Oregon Health Sciences University في بورتلاند.
وإن استعملت المكمل بانتظام، قد تتمكن برأي د. جاكوب، من أكل طعام يسبب لك المشاكل عادة. ويوصي بتناول مسحوق الـ MSM مرتين في اليوم، متبعا التعليمات على الوصفة.
هيدروكلوريد البيتان: يمنع المحسسات من التكون
تقول د. كرون: “حين يتوقف الجهاز الهضمي عن تحليل الطعام بصورة سليمة، يعجز الجسم عن التعرف عليها كأطعمة وقد يتعامل مع جزيئات الطعام كأنها دخيلة أو محسسة عوضا عن كونها غذاء”.
فإن كنت تشعر بأن الطعام يبقى في معدتك بعد الأكل، ربما تكون هذه المشكلة ناتجة عن نقص في حمض الهيدروكلوريك في المعدة، كما تقول.
ومع أنه من الأفضل تشخيص حالات انخفاض نسبة حمض المعدة لدى الطبيب، ترى د. كرون أن بإمكانك اختبار سلامة الهضم لديك بعصر ليمونة حامضة في كوب من الماء الدافئ وشربها مع الوجبات. وإن تحسن الهضم، فتلك إشارة إلى نقص في حمض المعدة. توقف عندها عن شرب عصير الليمون وتناول مكملا من هيدروكلوريد البيتان قبل الأكل. ابدأ بجرعة مقدارها 300 ملغ لترى إن كانت ستفيدك. ويمكنك عند الحاجة زيادة الجرعة بمقدار 50 ملغ. وإن تواصلت الأعراض، اقصد الطبيب.
وفي حال شعرت بحرقة طفيفة غير مؤلمة في معدتك بعد تناول المكمل، فربما كنت لا تحتاج إلى زيادة الحمض، برأي د. كرون. إن شرب 12 إلى 16 أونصة (341 إلى 455 سم3) من الماء يوقف الحرقة على الفور.
الأنزيمات الهضمية: تساعد البنكرياس
إن نقص أحماض المعدة ليس السبب الوحيد الذي يحول الطعام إلى محسس. فربما كنت تعاني أيضا من نقص في الأنزيمات الهضمية التي يفرزها البنكرياس، كما تشير د. كرون. وبوسعك التعويض عن هذه الأنزيمات بواسطة المكملات. وتوصي باختيار مستحضر يحتوي على الأميلاز أو السيلولاز أو البروتياز أو البابين أو البروملين. تناول المكمل مع الوجبات متبعا التعليمات على الوصفة، كما تنصح.
مكمل معدني/عديد الفيتامينات: حماية شاملة
على كل شخص تقريبا أن يستعمل مكملا معدنيا عديد الفيتامينات نظرا لوجود كثير من الأطعمة المصنعة الخالية من المغذيات في غذائنا.
“وقد يحتاج المصابون بتحسس غذائي إلى مكملات أكثر”، كما تشير د. كرون، لأن عملية التحسس تعيق الهضم السليم وقد تسبب قصورا في المغذيات. لذا فهي توصي باستعمال مكمل لا يحتوي على المكونات الشائعة المسببة للتحسس، كالحليب والذرة والقمح والبيض والصويا والسكر والخميرة.