يعتبر الفطام عملية معقّدة تشترك فيها عوامل متعددة تتعلق بالطفل نفسه من حيث تطوره الفيزيولوجي والمناعي والعضوي، وتتعلق أيضاً بالأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المجتمع الذي يعيش فيه الرضيع.
يعتبر الفطام في البلاد الفقيرة مرحلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للطفل الرضيع، لأن حليب الأم طعام معقّم ومتكامل من الناحية الغذائية والانتقال منه إلى طعام صلب – وهو غالباً طعام الأسرة المعتاد الذي يعرّض الرضيع – إلى نقص في بعض العناصر الضرورية مثل البروتين، إضافة إلى احتمال تلوّث الطعام بالجراثيم، وما يعقّد المشكلة أيضاً، تزامن الفطام مع مرحلة ظهور الأسنان وما يوافق ذلك في بعض الأحيان من آلام وارتفاع حرارة وإسهالات.
إن مفهوم كلمة الفطام يتغير مع الزمن، ويختلف معناها اللغوي عن الطبي.
تعني كلمة الفطام في المعجم الوسيط: «قطع الولد عن الرضاع» ومتعارف عليه بين الناس أن الفطام يعني: توقّف الأم عن إرضاع طفلها رضاعة طبيعية.
أما المعنى الطبي الحالي لكلمة فطام فهو: إدخال الأطعمة المناسبة بصورة تدريجية ابتداءً من المرحلة العمرية 5–6 أشهر مع الاستمرار في تغذية الطفل بالحليب سواء كان طبيعياً أو صناعياً.
إن إدخال الطعام قبل الشهر الخامس ضار بصحة الطفل وقد جاء في تقرير لجنة التغذية التابعة للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ما يلي:
إن إدخال الطعام بصورة مبكّرة لن ينفع الرضيع في شيء سوى أن الطعام يحتوي على وحدات حرارية تزيد عن حاجة الطفل، ويمكن أن تسبب له حساسية أو تزيد من سمنته، بالإضافة إلى إشكالات ومضاعفات صحية في المستقبل.
الفطام بمعنى التوقف عن الإرضاع الطبيعي
يجب أن يتم بالتدريج، يلحق القطع الفجائي أضراراً جسيمة بالرضيع، الركن الأساسي في الفطام أن يتم على مراحل يمكن في البداية إلغاء بعض الرضعات في الأوقات غير المهمة، مثل رضعة الضحى الواقعة بين الصباح والظهر والاستعاضة عنها بوجبة خفيفة.
تستطيع الأم في وقت الرضاعة المحذوفة الخروج من المنزل لتعريف الطفل على أشياء جديدة مثل الذهاب إلى الحديقة أو السوق أو زيارة الأصدقاء، وهكذا في كل مرة تلغي فيها رضعة يستعاض عنها بوجبة طعام، وكل ذلك يتم بشكل تدريجي وعفوي دون أن يصدم الطفل بالحرمان المفاجئ.
مع مرور الوقت، بشكل مقصود أو غير مقصود تقل الرضعات، وربما خلال شهر أو شهرين من الزمان تبقى رضعة أو رضعتان طوال اليوم، والغالب أن تبقى رضعة ما قبل النوم إلى النهاية.
القاعدة الذهبية في الفطام «لا تعرضي الرضاعة على الطفل وفي نفس الوقت تمنعيها» تجنّبـي الجلسات والأوقات التي اعتاد الطفل على الرضاعة فيها حتى لا تذكّريه بها. يجب أن يكون مخطط الفطام مرناً بمعنى إمكانية التراجع في بعض الحالات مثل المرض، أو إذا شعرت الأم أن سلوك الطفل يتغير نحو الأسوأ، كأن تنتابه حالات حزن قوي أو غضب شديد أو عصبية غير مفهومة، إذا حدث هذا فإن غالب الظن أن الفطام يجري بسرعة أكبر من أن يطيقها الرضيع.
تشكّل عملية الفطام عبئاً نفسياً ثقيلاً على الأم والرضيع على حد سواء، من واجب الأب في هذه الحالة مد يد العون والمساهمة بشكل أكبر في تقديم الحب والحنان إلى الرضيع لتعويض ما يفتقده من غياب الرضاعة الطبيعية.
توقيت الفطام من حليب الأم
يكاد يجمع الأطباء وعلماء التغذية على أن الرضاعة الطبيعية يجب أن تستمر حتى نهاية السنة الأولى من العمر على أقل تقدير، بعد ذلك يستطيع الطفل تناول أغذية مختلفة دون الخوف من الحساسية، في نفس الوقت تؤمن له هذه الأغذية قيمة عالية تفي بحاجات جسمه النامي، لا يعني ذلك أنه يجب طبياً فطم الطفل عندما يبلغ السنة الأولى من عمره، إن قرار الفطام قرار تتخذه الأم حسب الظروف المختلفة وحسب تقديرها لحاجة طفلها وقدرته على الاستغناء عن حليبها جسدياً ونفسياً، لو كان القرار في يد الرضيع لأجّل الفطام إلى أبعد مدى ممكن.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:{{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ }} صدق الله العظيم (سورة البقرة 233).
إن في هذا حض على تمديد الرضاعة إلى عامين، عندها يشتد ساعد الطفل ويقوى عوده ويزداد اعتماده على نفسه وقدرته على الاستغناء عن حليب أمه.
في حقيقة الأمر لا تشكّل الرضاعة مصدراً غذائياً للطفل فقط، بل هي رابطة جسدية نفسية عميقة الجذور، يستمد الطفل منها عوناً ودعماً في مواجهة الحياة، وأكبر مثال على ذلك الطفل الذي تعدّى السنة ولم يفطم بعد إذا قابل غريباً أو داهمه خوف، فإنه يسارع إلى صدر أمه حيث الغذاء والأمان في نفس الوقت.
يجب أن تلبي حاجة الطفل إلى الرضاعة من ثدي أمه إلى الوقت التي تشعر فيه الأم أن طفلها لم يعد يهتم بهذه الحاجة الغريزية؛ إن الادعاء بأن إطالة فترة الرضاعة الطبيعية إلى ما بعد السنة تجعل الطفل إتكالياً، ومتعلقاً بأمه أكثر من اللازم، لا يستند إلى أساس علمي، بل على العكس إن مراقبة هؤلاء الأطفال أظهرت مستوى عالياً من التوازن النفسي والاعتماد على الذات ومواجهة الآخرين والتأقلم مع الجديد.
ومن الجهة الأخرى يؤدي الفطام المبكر إلى اضطرابات نفسية حادة عند الطفل، مثل نوبات البكاء، التعلّق الشديد بالأم وفيما بعد العدوانية ضد الأطفال الآخرين، وعدم القدرة على بناء علاقات وثيقة معهم، لذا كان من الضروري أن تدرك الأم خطورة هذا الموضوع وتعطي الرضاعة الطبيعية حقها من الوقت والاهتمام والصبر.
هناك مقولة مفادها «لا يُنسى حب إلا بحب جديد» يمكن الاستفادة من هذا المعنى في الفطام، على الأم أن تشغل رضيعها بأشياء تصرف انتباهه عن الرضاعة، وطبقاً لعمر الطفل، مثل رواية بعض القصص المبسّطة أو ترديد الأغاني، أو ممارسة اللعب معه وقتاً كافياً، أو الخروج معاً من المنزل، بمعنى آخر توسيع قاعدة العلاقة بين الأم والطفل وعدم قصرها على موضوع الرضاعة فقط.
إذا أمعنا النظر في مفهوم الفطام نراه يتكرر بأشكال متباينة في مرحلة الطفولة الأولى، ونعنى بالفطام هنا انقطاع أنماط الاتصال المختلفة مع الأم.
في البداية تكون الولادة عندما ينفصل الجسدان عن بعضهما البعض، وينقطع الحبل السري الذي كان يمد الجنين بأسباب الحياة، يلي ذلك بعد هنيهة من الزمن الفطام من الرضاعة الطبيعية والحرمان من صدر الأم الدافئ ثم الانفصال والابتعاد عن سرير الأم والنوم في سرير منفصل، وما هي إلا بضع سنوات حتى يجد الطفل نفسه في الروضة أو المدرسة بعيداً كلياً عن جو البيت الأليف المفعم بالحب والحنان مضطر إلى التعامل مع الغرباء.
متى نبدأ بتقديم الطعام للرضيع؟
يكون تقديم الطعام الصلب للرضيع عندما تلاحظ الأم أن طفلها بدأ يهتم بمراقبة أهله عند تناول طعامهم وذلك بمتابعة حركة الملعقة من الصحن إلى الفم عندما تتناول الأم الطعام، وفتح فمه مقلداً إياها، ومد يده محاولاً الوصول إلى الطعام، هذا إضافة إلى قدرته على الجلوس الجيد المتوازن في الكرسي المخصص للرضيع والتحكم العضلي الجيد بالرقبة والرأس.
يغطي حليب الأم أو الحليب الصناعي حاجات الطفل الغذائية كاملة إلى حوالى الشهر الخامس من العمر، وإعطاء الرضيع طعاماً قبل هذا العمر إنما يكون تمهيدا ً لبدء التغذية أو بناءً على رغبة الرضيع التي يظهرها لأمه بشكل أو بآخر.
يتعذر إعطاء الرضيع الطعام الصلب قبل الشهر الرابع لأن هناك منعكسات ولادية في الفم والبلعوم تمنع بلع الطعام الصلب، مثل منعكس دفع اللسان (Tongue Thrust Reflex) وهو يدفع الأجسام الغريبة في فم الرضيع إلى الخارج، الحكمة من وجود هذا المنعكس هي حماية الرضيع من بلع الأجسام الغريبة، يختفي المنعكس بعد الشهر الخامس، إن منعكس التقيؤ (Gag Reflex) يكون حساساً جداً في هذا السن بحيث يصعب على الرضيع بلع الطعام الصلب، هذا إضافة إلى أن التناسق بين حركة اللسان لدفع الطعام إلى الخلف وحركة عضلات البلعوم لا يكون قد أخذ شكله النهائي لبلع الطعام قبل الشهر الخامس من العمر. ربما كان ظهور الأسنان، وتظهر عادة في الشهر السادس إعلاناً بأن وقت الطعام قد حان.
كيف نبدأ بإعطاء الطعام؟
في البداية تعتبر إصبع الأم أفضل ملعقة، لأنها طرية ودرجة حرارتها مناسبة، كما إن إصبع الأم تقدّر حرارة الطعام فلا تعطيه ساخناً يؤذي فمه الحساس، بعد المرحلة التمهيدية لإطعام الطفل واختبار قدرته واستعداده لتقبّل الطعام عن طريق الإصبع، يمكن الانتقال إلى الملعقة ويفضّل أن تكون صغيرة تناسب حجم الفم، ومفلطحة (ليست عميقة) حتى يسهل انزلاق الطعام منها إلى فم الرضيع، الملاعق البلاستيكية أفضل من المعدنية لأنها لا تحتفظ بالحرارة.
تعتبر عملية الأكل تصرفاً اجتماعياً أيضاً، لذا لا بأس أن تحدّث الأم طفلها أثناء تقديم الطعام كأن تقول له «هذا هو الجزر لونه أصفر طعمه لذيذ، والآن سوف يفتح خالد فمه ويأكل الجزر هم م م م م» وفي نفس الوقت تفتح الأم فمها، وتتظاهر بتناول الطعام وتمضغه بشهية وسرور لأن الأطفال يحبون التقليد، ولا بأس أن تأكل الأم بضع لقمات من طعام الطفل في بداية الوجبة لتشجيعه، وفي نفس الوقت لمعرفة درجة حرارته وطعمه.
يحب الطفل أن يشترك بيديه في لعبة إطعامه، كأن يمسك الملعقة أو صحن الطعام، لذلك حتى تبعدي يديه وحتى لا يتطاير الطعام في فضاء الغرفة، اشغليه بأشياء يحب مسكها مثل ملعقة ثانية ملونة أو أعطيه شيئا يأكله بنفسه مع العلم أن الطفل يستطيع الإمساك بشكل جيد بين الإبهام والإصبع في حوالى الشهر السادس.
يجب الانتباه جيداً لدرجة حرارة الطعام، الدرجة المثالية هي درجة حرارة الجسم (37) درجة مئوية وليس أكثر من ذلك وإلا أصيب فم الرضيع بالحروق، الشخص البالغ يستطيع تناول أطعمة شديدة ساخنة كثيراً، لكن الأغشية المخاطية في فم الرضيع حساسة جداً وتتأثر بسرعة بالسخونة.
لا يفقد طعام الرضيع خصائصه بالتسخين بواسطة الميكروويف، لكن ينبغي ملاحظة درجة سخونة الطعام لأن الميكروويف يرفع درجة حرارة الطعام إلى درجات عالية.
أي الأوقات أفضل لإطعام الطفل؟
تستهلك المحاولات الأولى لإطعام الطفل وقتاً وجهداً كبيرين من الأم، لذا عليها أن تختار الوقت الذي تكون فيه في أحسن حالاتها، وليس عليها واجبات منزلية أخرى، أما من ناحية الطفل فإن أفضل الأوقات هي عندما يكون جائعاً جداً بحيث يقبل على أي طعام يقدّم إليه.
الأفضل إعطاؤه الطعام الصلب بين وجبات الرضاعة، وليس عقب الرضاعة الطبيعية مباشرة، وذلك للتأكد من جوعه، إضافة إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن إعطاء الطعام مع الحليب الطبيعي يعرقل امتصاص الحديد من الأمعاء.
ربما وجبة الضحى وهي بين الوجبة الصباحية الأولى ووجبة الظهر أنسب الأوقات للبداية بإعطاء الطعام الصلب.
الحساسية
انتشرت أمراض الحساسية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، يمكن أن يعاني الرضيع منها أيضاً، لهذا يفضل دائماً أن يقدّم للرضيع نوع جديد واحد من الأطعمة في كل مرة، ثم الانتظار أسبوعاً فإن لم تظهر أعراض حساسية مثل طفح جلدي أو عدم تحمّل مثل الإسهال يقدّم نوع آخر جديد من الطعام ثم مراقبة الطفل وهكذا.
إذا ظهرت أعراض الحساسية لنوع معيّن من الأطعمة يجب أن يوقف هذا الطعام ثم الانتظار بضعة أشهر لتقديمه مرة ثانية بعد ذلك.
– لا ينصح بتقديم نوعين من الطعام لأول مرة وفي نفس الوقت لأنه إذا ظهرت أعراض حساسية لا يعرف أي نوع هو السبب.
– إذا كان أحد أفراد الأسرة يعاني من حساسية لنوع معيّن من الطعام، يفضّل أن لا يقدّم هذا الطعام للطفل حتى عمر متأخر، عند تحضير طعام الطفل يفضّل استخدام الفواكه والخضار واللحوم الطازجة، وعدم استخدام المحفوظة أو المثلجة لأنها تحتوي على مواد كيميائية حافظة قد تسبب الحساسية للرضيع الصغير.
الماء
دلت الدراسات المختلفة على أن إعطاء الماء أثناء الرضاعة الطبيعية أو الصناعية ليس ضرورياً، إلا في البلاد الحارة حيث يتعرق الرضيع كثيراً، بعد البدء بإعطاء الطعام الصلب يصبح تقديم الماء ضرورة غذائية لأن الطعام الصلب يحتوي على الكثير من الأملاح والعناصر المعدنية والتي يحتاج الجسم إلى الماء لطرحها عن طريق الكلية.
يفضل غلي الماء ثم تركه يبرد إلى درجة حرارة الغرفة قبل تقديمه إلى الرضيع، سواء كان هذا الماء من الحنفية أو من زجاجة الماء المعبأة تجارياً.
الصبر ثم الصبر
إن البدء في تعليم الطفل تناول الطعام الصلب والانتقال من زجاجة الحليب إلى الملعقة ومن وضعية الاستلقاء والاسترخاء أثناء رضاعة صدر الأم إلى وضعية الجلوس على كرسي أمام المائدة، هذا الانتقال ليس بالأمر السهل بالنسبة للطفل، ويتطلب من الأم صبراً جميلاً وأعصاباً متينة ويستهلك إضافة إلى ما سبق وقتاً طويلاً.
الطفل بطبيعته لا يستطيع في هذا السن الجلوس وقتاً طويلاً، لذا بعد فترة قصيرة من بدء الطعام سوف يحاول الخروج من الكرسي وإن لم يستطع يبدأ في الصراخ أو ربما يغلق فمه ويحوّل رأسه فجأة إلى الجهة المقبلة فتدخل الملعقة أذنه بدل فمه، أو ربما يغيظ أمه فيترك الطعام متراكماً في فمه ولا يبتلعه أو حتى يمكن أن يبصق الطعام.
في النهاية تجد الأم المسكينة أن الطعام المتناثر على الطاولة والثياب والأرض أكثر من الطعام الذي تناوله الطفل، حتى إذا كان طفلك من هذا النوع لا داعي لليأس، يفعل كثير من الأطفال نفس الشيء ولكن في النهاية يتعلمون.
أرجو ألاّ تظن الأم أن كل الأطفال يصعب تعليمهم تناول الطعام، فهناك الكثير من الأطفال الهادئين الذين يقبلون على الطعام بسرور وشهية ولا يسببون أي إزعاج لأمهاتهم، نرجو أن يكون طفلك من هذه الفئة.