يعتبر الجهاز الهضمي من الأجهزة الكبيرة المعقّدة داخل الجسم البشري ووظيفته هضم الطعام المتناول بحيث يصبح مناسباً للاستفادة منه كمادة لبناء الجسم وتعويض التالف منه، وكطاقة لتوليد الحرارة والحركة، وكمصدر للعناصر المختلفة التي تدخل في التفاعلات الكيميائية المسؤولة عن استمرارية الحياة.
يبدأ الجهاز الهضمي بتجويف الفم، حيث تقوم الأسنان بطحن الطعام ويقوم اللسان بخلطه باللعاب حتى يصبح عجينة لينة يسهل ابتلاعها، يحتوي اللعاب على خميرة الأميلاز (amylase) والتي تفرزها مجموعة من الغدد اللعابية واقعة أمام الأذن وتحت اللسان وتحت الذقن، تقوم الخميرة بهضم جزئي للمواد النشوية بعد عجن الطعام وخلطه باللعاب، بعد ذلك ينساب قطعاً صغيرة إلى المريء، وهو عبارة عن أنبوب عضلي يصل البلعوم بالمعدة.
المعدة عبارة عن تجويف عضلي أو إن شئت كيس عضلي تبلغ سعته عند الإنسان البالغ 2–3 لتر وعند الأطفال أقل من ذلك، على سبيل المثال سعة المعدة عند الولادة 30 مل، تزداد لتصبح 120 مل في عمر الشهر، تتموضع المعدة تحت الحجاب الحاجز من الجهة اليسرى أي في القسم العلوي الأيسر من البطن، تفرز جدران المعدة عصارات تحتوي على مواد حامضة وعلى خميرة الببسين (pepsin) التي تقوم بوجود الوسط الحمضي المناسب بهضم المواد البروتينية، وفي نفس الوقت تقوم جدران المعدة بالتقلّص لخلط الطعام بالحمض والعصارات الموجودة داخل المعدة، يعتمد بقاء الطعام في المعدة على نوعية الغذاء المتناول، على سبيل المثال حليب الأم يمكث في المعدة حوالى الساعة والنصف، بينما الحليب الصناعي يمكث أكثر من ساعتين لصعوبة هضم بروتينه.
وإذا أخذنا الأطعمة الصلبة فإن بيضة مسلوقة تبقى في المعدة ما يقارب الساعة، بينما قطعة لحم البقر مع الخبز قد يستغرق هضمهما في المعدة أكثر من ثلاث ساعات، في حال كون الطعام غنياً بالدهون فإنه لا يخرج من المعدة قبل ست ساعات.
ينتقل الطعام بعد هضمه الجزئي من المعدة إلى الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة أو ما يسمى بالاثني عشر ويبلغ طوله لدى الإنسان البالغ حوالى 25سم من أصل الأمعاء الدقيقة التي يبلغ طولها حوالى ستة أمتار، بينما يبلغ طولها لدى حديث الولادة 7 سم.
تفتح على قناة الاثني عشر غدتان هضميتان كبيرتان هما الكبد والبنكرياس، يفرز الكبد عصارة هاضمة خضراء اللون تتجمع في كيس صغير ملتصق بالكبد يسمى «المرارة».
عندما تخرج عجينة الطعام الحمضية من المعدة وتمس جدران الاثني عشر ينطلق هرمون يدعى «كولي سيستو كينين» (Cholecystokinin) من غشاء الاثني عشر إلى الدورة الدموية ويصل إلى المرارة، حيث يحرّض على سكب عصارتها في الاثني عشر.
تقوم عصارة المرارة بتجزئة حبات الدهون الكبيرة إلى حبيبات صغيرة بحيث تستطيع خميرة الليباز (Lipase) المفروزة من البنكرياس هضم هذه الحبيبات الدهنية الدقيقة، إضافة إلى خميرة الليباز تحتوي عصارة البنكرياس على خمائر هاضمة أخرى لهضم النشويات، البروتين والدهون.
يواصل الطعام مروره في الأمعاء الدقيقة وذلك بواسطة دفع التقلصات العضلية الموجودة في جدران الأمعاء، وفي نفس الوقت ينسكب المزيد من العصارات الهاضمة من جدران الأمعاء لتهضم المزيد من المركبات الغذائية، إضافة إلى عملية الهضم يجري امتصاص المواد الغذائية المهضومة في الأمعاء الدقيقة ليحملها الدم إلى الكبد وغيره من الأعضاء حيث يجري الاستفادة منها، سواء في بناء خلايا الجسم أو بحرقها لتوليد الطاقة.
يصل ما تبقى من مواد وألياف غير قابلة للهضم إلى الأمعاء الغليظة التي بدورها تقوم بامتصاص ما تحتويه هذه المواد من ماء ثم تدفع البقية الباقية والتي لم يعد فيها أي فائدة إلى خارج الجسم على شكل فضلات.
هذا موجز عن الجهاز الهضمي عند اكتمال وظيفته، ولكن كيف يكون هذا الجهاز عند الطفل الرضيع وكيف يكون عند الجنين ويتطور بعد ذلك.
تكوّن الجنين
بداية، الجنين هو نتاج خلية مصدرها الأب تدعى النطفة تتحد مع خلية الأم المسمّاة البويضة، فتكون البويضة الملقحة، هذه البويضة المتناهية في الصغر والتي لا تُرى إلا من خلال المجهر، المتناهية في الضعف إلى درجة العجز هي بداية كل كائن بشري عاش على الأرض منذ بداية الخليقة.
يقذف الرجل عند الجماع عدداً هائلاً من النطاف يتراوح عددها من 200 إلى 300 مليون نطفة. تنطلق هذه النطاف بسرعة خرافية إلى داخل الرحم ومنه إلى الأنبوبين للقاء البويضة القادمة من مبيض المرأة، وقدّر أحد العلماء سرعة النطفة أضعاف سرعة الطائرة النفاثة، وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار حجم النطفة والزمن الذي تستغرقه لقطع مسافة الرحلة. إن حياة النطفة قصيرة لا تتجاوز يوماً واحداً، لذلك كان عليها الانطلاق بأقصى سرعة كي تتحد مع البويضة وتحقق ديمومة الحياة.
نطفة واحدة من بين هذه الجموع الغفيرة تفوز وتصل إلى البويضة، ينغرس رأس النطفة عميقاً في لحظة اللقاء في جسم البويضة بينما يبقى الذيل خارجاً، لأن لا أهمية له سوى دفع النطفة للوصول إلى هدفها المنشود، تتغير طبيعة جدار البويضة بعد ذلك فيوصد أبوابه ولا تستطيع بعد ذلك أية نطفة أخرى اختراق جدار البويضة الموصد، بعد هذا الالتحام أو ما يسمى طبياً بالتلقيح، تنقسم البويضة بسرعة محمومة في نظام بديع، الخلية الواحدة تصبح اثنان، والاثنان أربعة، والأربع ثمانية، والثماني ستة عشر وهكذا…
في نفس الوقت تتّجه هذه الكتلة من الخلايا من الأنبوب إلى جوف الرحم، الذي يستقبلها، فقد أصبحت جدرانه طرية غنية بالأوعية الدموية التي تحمل الغذاء والحياة، فتسارع البويضة المنهكة من الرحلة التي استغرقت أسبوعاً لتعشعش عميقاً حيث الغذاء والأمن.
بعد استقرار البويضة في جدار الرحم يستمر انقسام الخلايا، ثم تبدأ هذه الخلايا في التمايز وتصطف في ثلاث طبقات، الطبقة الخارجية ومنها يتكون الجهاز العصبـي والجلد والحواس، الطبقة المتوسطة ومنها تتكون العظام والقلب والشرايين، الطبقة الداخلية ينبثق منها جهاز الهضم والرئتان والكلى.
تكوين الجهاز الهضمي
تنشأ القناة الهضمية البدائية كما ذكرنا آنفاً من الطبقة الجنينية الداخلية وذلك خلال الأسبوع الرابع من الحمل وتتطور هذه القناة مع الجنين، ويزداد طولها حتى تصبح ألف ضعف عما كانت عليه في البداية، يبلغ طول الأمعاء الدقيقة الإجمالي عند الولادة حوالى ثلاثة أمتار، اثنان ونصف المتر طول الأمعاء الدقيقة ونصف المتر الأمعاء الغليظة.
هناك دلالات تشير إلى أن أمعاء الجنين تبدأ في امتصاص سكر العنب والأحماض الأمينية في عمر الثلاثة أشهر، ومن المرجح أن الأمعاء يمكن أن تقوم بعملها كجهاز هضمي بسيط اعتباراً من الشهر الخامس من الحمل.
تطوّر الهضم عند الوليد
يعتمد الجنين في الرحم وحتى أوان الولادة على أمه في غذائه، لكن عند انقطاع الحبل السري بعد الولادة، والذي كان يمده بالغذاء، يصبح واجباً عليه الاعتماد على نفسه، ويكون الوليد عملياً على استعداد لتناول الحليب من اللحظات الأولى بعد الولادة لأن منعكسات المص والبلع تكون جاهزة لأداء وظيفتها كذلك باقي الجهاز الهضمي، يفضل تأجيل ذلك بضع ساعات حتى يتسنى للوليد أخذ قسط من الراحة بعد رحلة الولادة المضنية.
إن الحليب الذي يرضعه الوليد سواءً كان طبيعياً من الأم أم صناعياً سوف يستبدل وبالتدريج فيما بعد بالأطعمة الصلبة. توجد فروق كبيرة بين سكر الحليب (Lactose) هو السكر الأساسي في الحليب، وسكر القصب (Sucrose) الذي يشكل السكر الرئيسي في الطعام الصلب، لذلك يواصل الجهاز الهضمي تطوره بعد الولادة بما يتناسب مع الأطعمة التي تقدّم إلى الطفل في كل مرحلة من مراحل عمره، ومن هنا كانت الأهمية البالغة أن تعرف الأم بعضاً من أساسيات التغذية فتقدّم للطفل الطعام المناسب في العمر المناسب، حتى لا تنساق وتطعم الطفل أكلاً لم يستعد الجهاز الهضمي له بعد وتكون النتيجة إصابته باضطرابات هضمية كالإسهال أو المغص أو الحساسية.
التغيرات الرئيسية في الجهاز الهضمي
إن وظائف الجهاز الهضمي تتطور بعد الولادة، وذلك حتى يستطيع الكائن البشري هضم المواد الغذائية المقدّمة له والاستفادة منها، بداية يفرز الجهاز الهضمي الخمائر المناسبة لهضم حليب الأم وهو الغذاء الوحيد في الأشهر الأولى من العمر ومع مرور الوقت يتطور المزيد من الغدد فتنتج خمائر جديدة تقوم بهضم المواد الأخرى غير الحليب مثل اللحوم.
سوف نستعرض بشكل مبسّط طرق هضم المواد الغذائية:
هضم البروتين:
تعتبر خميرة البيبتايدز (Peptidase) التي تفرزها المعدة من الخمائر الهامة في هضم البروتين، الجدير بالذكر أن اللحم من الأغذية الغنية بالبروتين، يكون إفراز هذه الخميرة قليلاً جداً حتى سن الثلاثة أشهر بعد ذلك تزداد كميتها بالتدريج، الخميرة الثانية هي تربسين (Trypsine) ويفرزها البنكرياس تكون كميتها في البداية قليلة ثم تزداد حتى تصل إلى نسبتها الطبيعية عند بلوغ الطفل السنة الأولى من العمر، تزداد فاعلية هضم البروتين الموجود في الحليب البقري مع التقدّم في العمر، وتصل إلى نسبة جيدة عند عمر الستة أشهر.
تطبيقات علمية:
1– لا يمكن تقديم اللحوم للرضع قبل سن الستة أشهر بأي حال من الأحوال لأن الخمائر المسؤولة عن هضمه غير متواجدة بكمية وافية وبفاعلية كافية.
2– حليب الأم هو الأفضل دائما ًولا سيما في الأشهر الستة الأولى من العمر، لأن هضم البروتين الموجود في الحليب الصناعي (الحليب البقري) لا يتم بشكل كامل إلا بعد الستة أشهر الأولى من عمر الرضيع.
هضم المواد السكرية والنشوية:
تتطور الخمائر الهاضمة للسكاكر الثنائية بشكل جيد قبل الولادة مثل لاكتاز (Lactase) وسكراز (Sucrase)، والملفت للنظر أن خميرة سكراز تتواجد قبل خميرة لاكتاز بالرغم من أن خميرة لاكتاز هي الضرورية لهضم سكر الحليب والذي يحتاجه الرضيع أولاً، على كل الأحوال تتناقص خميرة اللاكتاز بعد عمر السنتين لذا يصبح هضم الحليب غير كامل عند الإنسان البالغ مما يؤدي إلى النفخة وتكوّن الغازات عند الكثيرين.
يتحسن امتصاص سكر العنب من الأمعاء بعد السنتين الأولتين من العمر وهو السكر الذي تمتصه الأمعاء مباشرة دون الحاجة إلى خمائر هاضمة.
يفرز البنكرياس خميرة الأميلاز (Amylase) وهي ضرورية لهضم المواد السكرية والنشوية المركبة، لا يكتمل إفراز هذه الخميرة إلا عند عمر السنتين.
تطبيقات عملية:
1– عدم الإفراط في إعطاء النشويات للرضع، إذ تعمد بعض الأمهات إلى ذلك بغية زيادة أوزان أطفالهن، الفائض من هذه المواد الغذائية والتي لم تستطع الأمعاء هضمها سوف يتراكم في الأمعاء، ثم يتخمر مطلقاً غازات ومواد مختلفة تسبّب المغص والآلام.
هضم الدهون:
تشير الدراسات إلى أن هضم الدهون عند الرضّع يسير ببطء، مقارنة مع البالغين، فخميرة الليباز (Lipase) المسؤولة عن هضم دهون الطعام والمفرزة من غدة البنكرياس تكون قليلة الكمية عند الولادة ثم تزداد تدريجياً خلال السنة الأولى من العمر، كما تشترك في هضم الدهون أيضاً الأحماض الموجودة في عصارة المرارة وهي بدورها قليلة في السنة الأولى من العمر.
دلت الأبحاث على أن الدهون الموجودة في حليب الأم يتم امتصاصها في الأمعاء بشكل كامل، مقارنة مع الدهون في الحليب البقري والتي لا يمكن امتصاصها بشكل جيد.
تطبيقات عملية:
1– مرة أخرى يثبت حليب الأم أنه الأفضل، الدهون التي يحتويها سهلة الامتصاص من الأمعاء بعكس الدهون في الحليب البقري، ويخرج جزء منها مع البراز دون الاستفادة منه، بل إن هذه الدهون تتحد في الأمعاء مع الكالسيوم وبذلك يخرج الكالسيوم مع البراز ويحرم الجسم من عنصر مفيد.
2– يفضّل أن لا يُعطى قبل التسعة أشهر أي نوع من أنواع الدهون سواء كانت زيتاً أو زبدة أو سمن أو دهن حيواني.