الكلمة الإنجليزية immune (مناعي) مشتقة من الكلمة اللاتينية immunis ، والتي تعني الذي لا يمس، وهي تسمية مناسبة إذا ما وعينا أن وظيفة جهازنا المناعي هي حماية جسدنا من الغزاة الخارجيين, مكونًا من عدة أعضاء، كرات دم بيضاء، وبروتينات تسمى الأجسام المضادة تشكلان تحالفًا ضد تعدي أي من مسببات الأمراض على الجسد، يعتبر الجهاز المناعي، الذي يعد جزءًا من الجهاز العصبي، أعقد جهاز يمتلكه الجسد البشري.
إن أولى طبقات الحماية في مواجهة الدخلاء الخارجيين هي العوائق المادية مثل الجلد. من تحته توجد خلايا الدم البيضاء، مثل الخلايا المتعادلة التي تهاجم وتسيطر مباشرة على مسببات المرض، وخلايا القتل الطبيعي التي تخلص خلاياك من حياتها البائسة إن هي تحولت إلى خلية سرطانية أو أصيبت بفيروس، فكيف تميز هذه الخلايا تلك الخلايا المصابة؟ غالبًا ما يتم تحديدها بواسطة الأجسام المضادة، وهي بروتينات خاصة تصنع من نوع آخر من خلايا الدم البيضاء، وتعرف بخلايا بي، والتي تعمل كقنابل ذكية تلتصق بالغازي.
كل واحدة من خلايا بي تنتج نوعًا واحدًا من الأجسام المضادة يتناسب خصيصًا مع بصمة أحد الجسيمات الغازية. ليست لديك خلية بي للتعامل مع حبوب لقاح الأعشاب وأخرى للتعامل مع البكتيريا؛ بل إن لديك واحدة كل مهمتها التعامل مع حبوب لقاح أوراق البصل السيبيري القرمزي وأخرى كل مهمتها التعامل مع البروتينات الذيلية للبكتيريا التي تعيش في منافس حرارية بأعماق المحيطات. ولو أن كل خلية بي لديك كانت تنتج نوعًا واحدًا من الأجسام المضادة، فأنت إذن بحاجة إلى بليون نوع مختلف من الخلية بي نظرًا للتباين الهائل في مسببات الأمراض على هذا الكوكب, وهذا حادث فعلًا!
لنقل إنك كنت في سعيك وهاجمك حيوان البلانبوس (وهي حيوانات تمتلك أشواكًا سامة في كعوبها). حتى هذه النقطة من حياتك، كانت الخلية بي المكلفة بإنتاج الأجسام المضادة المناسبة لسم البلانبوس تحوم في محيطها تتحين هذه اللحظة الموعودة. وبمجرد أن تم تحديد السم، بدأت هذه النسخة من خلية بي في الانقسام بشكل جنوني، وبمجرد أن شكلت سربًا كاملًا من الخلايا المستنسخة التي ينتج كل منها ملايين الأجسام المضادة تجاه سم البلانبوس، فتتخلص من السم وتحيا سعيدًا. هكذا يعمل الجهاز المناعي– أليس ذلك بعمل رائع؟
لكن مع تقدمك في السن، يتداعى أداء جهازك المناعي. أليس هذا نتيجة حتمية للتقدم في السن؟ أم أن ذلك لتدهور النمط الغذائي كذلك لدى كبار السن؟ لاختبار النظرية القائلة إن التغذية غير السليمة تساعد على فقدان القدرة المناعية مع تقدم العمر، قام الباحثون بتقسيم ثلاثة وثمانين متطوعًا بين سن الخامسة والستين والخامسة والثمانين إلى مجموعتين. تناولت مجموعة التحكم أقل من ثلاث وجبات فاكهة وخضراوات في اليوم، في حين كانت مجموعة التجربة تتناول يوميًّا الخضراوات والفاكهة أكثر من خمس مرات. وكانوا جميعًا قد حصلوا على لقاح ضد الالتهاب الرئوي، وهو إجراء يتبع مع كل من تجاوز الخامسة والستين. الهدف من التحصين تحفيز الجهاز المناعي لإطلاق أجسام مضادة لأحد مسببات الالتهاب الرئوي التي لم تتعرض لها مطلقًا. ومقارنة بمجموعة التحكم، تمتع الذين تناولوا الخضراوات والفاكهة خمس مرات بزيادة تقدر ب ٨٢٪ في إنتاج الأجسام المضادة كاستجابة لتناول المصل – وكان ذلك عقب شهور من تناول جرعات أكبر من الخضراوات والفاكهة كل يوم. وهذا يبرز إلى أي مدى يكون أثر التغذية في وظيفة الجهاز المناعي!
وهناك فواكه وخضراوات بعينها تمنح الوظيفة المناعية دفعة إضافية فوق هذا.
الكالي Kale
لا يأكل الأمريكيون سوى القليل جدًّا من الكالي, ووفق وزارة الزراعة الأمريكية، يتناول الأمريكي في المتوسط ما مقداره ٢٢ جرامًا من الكالي كل عام. وهو ما يعادل كوبًا ونصفًا للشخص الواحد… كل عشر سنوات.
كونه من الخضراوات الورقية داكنة الخضرة، لا يعتبر الكالي أحد أكثر الأطعمة فائدة على هذا الكوكب فحسب – لكنه يساعد كذلك على مكافحة العدوى. لقد قام باحثون يابانيون بتقطير كمية ضئيلة من الكالي على خلايا دم بيضاء بشرية في طبق مختبري، ما يعادل واحدًا من مليون من الجرام من بروتين الكالي, وحتى هذه الكمية بالغة الضآلة ضاعفت إنتاج الأجسام المضادة خمس مرات.
كذلك استخدم الباحثون الكالي النيء، لكن غالبية الأمريكيين يستخدمونه مطهوًّا، فهل يدمر طهوه قدرته على تعزيز المناعة؟ لقد اتضح أنه حتى مع سلق الخضراوات لمدة ثلاثين دقيقة متصلة لا يتأثر إنتاج الأجسام المضادة. بل بدا أن الكالي المطبوخ ربما يكون أكثر فاعلية.
لكن هذه الخاصية تم اكتشافها مختبريًّا. وحتى محبو الكالي لا يحقنونه في أجسادهم كالهيروين، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لبروتينات الكالي أن تصل بشكل مباشر إلى خلايا الدم. ولم تجر تجارب سريرية (تلك التي تجرى على أشخاص حقيقيين) على الكالي حتى يومنا هذا, ويبدو أن هذا النبات يستقطب مزيدًا من موارد البحث العلمي. ولدينا الآن دليل قوي على الفوائد المناعية لقريب الكالي الأقل شهرة، البروكلي.
البروكلي Broccoli
كما سبق أن ذكرت، فإن أعظم اتصال لجسدك بالعالم الخارجي هو من خلال بطانة أمعائك، والتي تغطي أكثر من ٦١٠ أمتار مربعة، وهو ما يعادل مساحة بيت متوسط. لكن البطانة رفيعة جدًّا – فقط خمسون جزءًا على المليون من المتر. بعبارة أخرى، الحاجز الذي يفصل بين تيار دمك والعالم أدق بكثير من سُمك ورقة منديل. هذا لأن الجسد بحاجة لامتصاص المغذيات من الطعام: ولو أن البطانة كانت أكثر سُمكًا من هذا، لوجدت المغذيات صعوبة في المرور. وإنه لشيء عظيم أن يكون جلدك مضادًّا للتسرب حتى لا تبدأ أنت بالتسريب، لكن بطانة أمعائك يجب أن تسمح بامتصاص السوائل والمغذيات. ومع هذه الطبقة الهشة بين جوفك المعقم والخارج الفوضوي، أنت بحاجة لآلية دفاع جيدة تبعد عنك السوء.
وهنا يأتي دور الجهاز المناعي، وبالخصوص نوع معين من خلايا الدم البيضاء تسمى الخلايا الليمفاوية تحت جلدية, وتؤدي هذه الخلايا وظيفتين: هي تضبط وتصلح البطانة المعوية الرقيقة، وهي كذلك تمثل أول خطوط دفاعها ضد مسببات الأمراض. وهذه الخلايا مغطاة بمستقبلات مسئولة عن تفعيل الخلايا. لسنوات لم يستطع العلماء فك شفرة مستقبلات تلك الخلايا. لو استطعنا معرفة كيفية تفعيل هذه الخلايا، لأمكننا تعزيز الجهاز المناعي.
وقد اتضح أن مفتاح الشفرة موجود في البروكلي.
لعلك تعلمت وأنت صغير أن عليك تناول الخضراوات، بما فيها الكرنبيات مثل البروكلي والكالي والقنبيط والكرنب، والكرنب الملفوف. لكنَّ أبويك لم يخبراك على الأغلب لِمَ يجب عليك أن تأكلها. نحن الآن على دراية بأن هذه العائلة من الخضراوات تحتوي على عناصر ضرورية للحفاظ على دفاعات الأمعاء. باختصار للبروكلي القدرة على تحفيز جهازك المناعي.
لماذا تطور جهازنا المناعي معتمدًا على أنواع معينة من الخضراوات؟ حسنًا، متى نكون بحاجة أصلًا لتحفيز جهازنا المناعي؟ حين نأكل. يستهلك الجسد الكثير من الطاقة للحفاظ على الدفاعات المعوية، فما الداعي للحذر الشديد طيلة الوقت في حين نأكل مرات قليلة في اليوم؟ لِمَ تستخدم أجسادنا الخضراوات بشكل خاص كإشارة تحذير لجمع قوات الدفاع؟ لقد تطورت أجسادنا على مدى ملايين السنين ونحن نتناول المواد الخضرية فحسب – نباتات برية، منها الخضراوات الورقية الداكنة (أو بحسب ما كنا نسميها حينها الأوراق) – ولذلك تطورت أجسادنا على اعتبار أن الخضراوات هي مصدر الغذاء الرئيسي. ووجود الخضراوات في البطن إشارة للنظام المناعي بالبقاء يقظًا. فإن لم نأكل خضراوات كل وجبة، فقد يكون في هذا إهمال لإستراتيجية جسدنا الدفاعية.
ومن اللافت أن الدفعة المناعية التي توفرها لنا الخضراوات الكرنبية مثل البروكلي لا تحمينا من مسببات الأمراض الموجودة في الطعام فحسب بل من ملوثات البيئة كذلك. نحن نتعرض بشكل دائم إلى العديد من المواد السامة – من دخان السجائر، إلى عوادم السيارات، والمداخن، وأدخنة طهو اللحوم والسمك والألبان، وحتى من لبن الأم (نتيجة لما تتعرض له الأم). ولأن بعض هذه الملوثات، مثل الديوكسين، تحدث تأثيرات سامة على مجسات النظام المناعي ومكونات هذه الخضر تحجب هذه التأثيرات.
هناك نباتات أخرى يمكنها كذلك الدفاع عن جسدنا في مواجهة السموم؛ فقد وجد الباحثون في اليابان أن العناصر الغذائية في الأغذية النباتية مثل الفاكهة والخضراوات وأوراق الشاي والفاصوليا يمكنها حجب التأثيرات السامة مختبريًّا، فمثلًا، وجد الباحثون أن وجود مستويات من هذه المغذيات في الدم والذي يتحقق بتناول ثلاث تفاحات في اليوم أو مقدار ملعقة من البصل الأحمر ينقص نسبة السمية في الجسم إلى النصف. والمأخذ الوحيد أن أثر هذه المغذيات لا يبقى إلا لساعات قليلة، ما يعني أن عليك الحفاظ على صحية الغذاء الذي تتناوله، وجبة بعد أخرى، هذا إن أردت الحفاظ على دفاعاتك في مواجهة مسببات الأمراض وكذا الملوثات.
إلا أن القدرة على حجب السميات لا تقتصر فقط على الأغذية النباتية، فهناك منتج حيواني واحد له تلك القدرة على حجب الآثار السرطانية للديوكسين – بول الإبل. ولذا حين يرفض أولادك تناول الفاكهة والخضراوات.
التوت Berries: تنشيط خلايا القتل الطبيعي
للوقاية من الأمراض، يأتي التوت بكل ألوانه كبطل في هذا الصدد، وذلك وفق ما أورده المختبر البحثي النباتي الحيوي. إن الخصائص المقاومة للسرطان في العناصر الغذائية للتوت تعزى إلى قدرتها الواضحة على مقاومة، وتقليل، وإصلاح التلف الناتج عن الإجهاد التأكسدي والالتهاب. لكن حتى وقت قريب لم يكن يُعْلَم شيء عن قدرات التوت في تحفيز خلايا القتل الطبيعية.
لعلها تبدو شريرة نوعًا ما، لكن خلايا القتل هي نوع من خلايا الدم البيضاء ذات الأهمية الكبرى لفريق الرد السريع للجهاز المناعي في مواجهة الخلايا المصابة بفيروسات
أو الخلايا السرطانية. وهي تسمى خلايا قاتلة؛ لأنها لا تتطلب تعرضًا مسبقًا لمرض حتى يتم تفعيلها، بخلاف أجزاء أخرى من الجهاز المناعي الذي لا يستجيب للتهديد بفاعلية إلا بعد فترة تعرض، كما في حالة السعال الديكي مثلًا. أنت بالنهاية لا تريد الانتظار حتى ظهور ورمك الثاني حتى يتحرك جهازك المناعي لمحاربته.
هناك حوالي ملياري خلية من هذه القوات الخاصة تجوب تيار الدم على مدار الساعة، لكن الأبحاث تؤكد أن بإمكانك تعزيز قدراتها بتناول التوت، في إحدى الدراسات، طلب الباحثون من رياضيين تناول كوب ونصف من التوت كل يوم لمدة ستة أسابيع لاختبار قدرة التوت على تقليل الإجهاد التأكسدي الناجم عن العدو لمسافة طويلة. وقد نجح التوت الأزرق في ذلك لكن نتيجة أهم ظهرت بخصوص أثره على الخلايا القاتلة. الطبيعي أن أعداد هذه الخلايا تقل بعد فترة تدريبات تحمل طويلة، فتهوي بمقدار النصف لتصل إلى مليار خلية. لكن اللاعبين الذين تناولوا التوت تضاعفت لديهم أعداد هذه الخلايا، لتقترب من أربعة بلايين خلية.
يمكن للتوت الأزرق زيادة عدد خلايا القتل الطبيعي، لكن هل هناك أطعمة أخرى يمكنها تعزيز نشاطها – بمعنى مدى فاعلية مقاومتها للخلايا السرطانية؟ نعم هناك، إنه تابل عطري يسمى حب الهال. وضع الباحثون خلايا لمفاوية مسرطنة في طبق مختبري وأضافوا إليها خلايا القتل الطبيعي، فكانت قادرة على إزالة ٥٪ فقط من حجم الخلايا السرطانية. لكن بعد أن نثر الباحثون بعناية بعض الهال، نشطت الخلايا القاتلة على نحو مذهل وقضت على المزيد من الخلايا السرطانية – ما يفوق قدرتها من دونه بعشر مرات. إلا أنه لم تجر حتى الآن تجارب سريرية لهذا على مرضى السرطان.
ولكن نظريًّا وجد أن كعك التوت المحقون بالهال يزيد من نشاط خلايا القتل في الجسم، كما يعزز غريزتها في قتل الخلايا السرطانية.
البروبيوتيكس Probiotic: الوقاية من البرد
الأطفال المولودون قيصريًّا يكونون أكثر عرضة على ما يبدو بالعديد من أمراض الحساسية، بما في ذلك تحسس الأنف، والربو، وربما تكون لديهم كذلك حساسية لبعض الأطعمة (تظهر أعراض الحساسية حين يبالغ جهازك المناعي في الرد على مثير طبيعي غير مؤذ، مثل حبوب اللقاح). الولادة الطبيعية تورث الطفل بكتيريا مهبل أمه. أما أطفال الولادة القيصرية فيحرمون من هذه التجربة الطبيعية. والفارق في هذه الجرثومات المعوية بين الطفلين يؤثر على الطريقة التي ينمو بها الجهاز المناعي، بحسب الفارق في معدلات الحساسية. هذا البيان تؤكده أبحاث تظهر أن الاضطراب في الجراثيم المهبلية لدى الأم بسبب عدوى نقلت جنسيًّا، مثلًا، قد تؤدي إلى زيادة احتمالات إصابة الطفل بالربو.
هذه النتائج طرحت للنقاش سؤالًا أكبر عن تأثيرات البكتيريا المعدية الصالحة في الجهاز المناعي. لقد أظهرت بعض الدراسات أن التزويد بهذه البكتيريا الطيبة (البروبيوتيكس) قد يكون له أثر إيجابي على المناعة. إن أول دراسة بينت أن كرات الدم البيضاء المستخرجة من أشخاص زودوا بالبروبيوتيكس لعدة أسابيع أظهرت تحسنًا كبيرًا في قدرتها على محاصرة وتدمير أي غاز محتمل. وقد استمر هذا الأثر لثلاثة أسابيع على الأقل بعد قطع التزويد بالبروبيوتكس, وكذلك تحسن نشاط خلايا القتل الطبيعي.
إن تحسين وظيفة الخلية مختبريًّا أمر جيد، لكن هل ترجمت هذه النتائج إلى حالات عدوى أقل؟ لقد تطلب الأمر عشر سنوات أخرى حتى أجريت دراسة عشوائية عمياء كليًّا بمجموعة تحكم. (وهذه تعتبر المعيار الذهبي للبحث، فالدراسة العشوائية العمياء كليًّا ذات مجموعة التحكم والدواء الوهمي هي تلك التي لا يعرف فيها الباحثون ولا المشاركون من أخذ الدواء الفعال ومن أخذ الوهمي حتى تنتهي الدراسة). وقد أظهرت الدراسة أن أولئك الذين تلقوا البروبيوتيكس قلت إصابتهم بالبرد كثيرًا، وقلت أيام مرضهم، وقلت الأعراض لديهم بشكل عام. كما أن الأدلة المتوافرة حتى اليوم تقضي بأن البروبيوتيكس تقلل من مخاطر عدوى المسار التنفسي العلوي لكنها غير كافية لكي يوصى الناس بتناولها في عقاقير.
إن لم تكن قد عانيت خللًا في البكتيريا المعدية نتيجة جرعة مضاد حيوي أو عدوى معوية، فالأفضل لك التركيز على تغذية البكتيريا الصالحة التي تحيا فعلًا داخل معدتك. فما الذي تأكله هذه البكتيريا الصديقة؛ الألياف ونوع معين من النشا يتركز في الفاصوليا. وهذه المواد تسمى البروبيوتيكس. إن البروبيوتيكس هي البكتيريا الصديقة بحد ذاتها، أما البريبايوتكس فهو ما تأكله هذه البكتيريا. وأفضل سبيل لإسعاد هذه البكتيريا وتحسين غذائها هو أن تكثر من تناول الأطعمة النباتية الكاملة.
وحين تتناول طعامًا طازجًا، تحصل على الاثنين: الوقاية، والعلاج، فالخضراوات والفاكهة مغطاة بملايين من بكتيريا حمض اللاكتيك، وبعضها من نفس النوع المستخدم في مكملات البروبيوتيكس الدوائية. فحين تصنع مخلل الكرنب، مثلًا، لا تكون بحاجة إلى إضافة بادئ تخمير؛ لأن البكتيريا موجودة فعلًا على أوراق الكرنب. وزيادة نسبة ما تأكله من خضراوات وفاكهة نيئة في غذائك اليومي يوفر لك الأفضل.
تحفيز الجهاز المناعي بالرياضة ماذا لو كان هناك دواء أو مكمل دوائي يمكنه تقليل أيام مرضك للنصف الناجم عن حالات عدوى الجهاز التنفسي العلوي كما في حالات البرد العادي؟ إنه أمر كفيل بتحقيق مكاسب ببلايين الدولارات للشركة المصنعة لهذا العقار. لكنَّ هناك بالفعل شيئًا يمكنه تحفيز جهازك المناعي بالمجان وعلى نحو كبير بحيث تقل أيامك المرضية بنسبة تتراوح ما بين ٢٥٪ و٥٠٪. وكل آثاره الجانبية طيبة، فما ذاك الشيء؟
الرياضة
أكثر من ذلك أنك لا تحتاج للكثير منها كي تحصل على النتائج. تقول الدراسات إنك إن تركت أولادك يجرون حولك لست دقائق فقط، فإن نسبة الخلايا المناعية المتجولة في تيار الدم تزيد بمعدل ٥٠٪. وعند تقدم السن، تساعد الرياضة المنتظمة على منع تدهور المناعة المرتبط بالشيخوخة. وقد انتهت إحدى الدراسات إلى أنه في حين يزداد احتمال إصابة النسوة العجائز قليلات الحركة بأمراض تنفسية علوية خلال فصل الخريف إلى ٥٠٪، فإن عينة عشوائية من أولئك اللاتي بدأن برنامج مشي يوميًّا لمدة نصف الساعة تراجعت احتمالات إصابتهن إلى ٢٠٪. وانخفضت هذه النسبة بين ممارسات العدو بشكل ممنهج إلى ٨٪. يبدو أن ممارسة الرياضة تحسن أداء الجهاز المناعي في مواجهة العدوى لخمس مرات.
فما الذي يجري؟ كيف تقلل الحركة البسيطة من فرص الإصابة بالعدوى؟ إن حوالي ٩٥٪ من جميع أنواع العدوى تبدأ في أسطح رطبة، بما في ذلك العينان، وفتحات الأنف، والفم. وهذه الأسطح تجري حمايتها بأجسام مضادة تسمى IgA (وهي اختصار النوع A من الإيميونجلوبين)، والتي توفر عائقًا مناعيًّا بتحييد الفيروسات ومنعها من اختراق الجسد، فتقوم IgA في اللعاب، مثلًا، بدور خط الدفاع الأول ضد أنواع عدوى الجهاز التنفسي مثل الالتهاب الرئوي والأنفلونزا. لذا الرياضة الخفيفة هي كل ما تحتاج إليه لرفع مستوى IgA وتقليل فرص الإصابة بأعراض الأنفلونزا. وبالمقارنة بمجموعة لا تتحرك كثيرًا، وجد أن من يلعبون تمارين الأيروبكس لثلاثين دقيقة ثلاث مرات أسبوعيًّا وعلى مدى اثني عشر أسبوعًا حققوا زيادة في مستويات IgA في اللعاب بمقدار ٥٠٪ وقلت بشكل لافت إصابتهم التنفسية.
وفي حين تحسن الرياضة البدنية الوظيفة المناعية وتقلل مخاطر العدوى التنفسية، فإن الجهد المكثف والمستمر قد يأتي بآثار عكسية. إنك حين تتحول من الخمول إلى النشاط تقل فرص العدوى، لكن عند نقطة معينة، قد تزيد المبالغة في التدريب والجهد الزائد من فرص العدوى لتراجع الأداء المناعي. ففي الأسابيع التالية على سابقات الماراثون أو الماراثونات الكبيرة، يبلغ المشاركون فيها زيادة بين مرتين وست مرات في إصابتهم بحالات عدوى في المسار التنفسي العلوي. وخلال يوم من بدء منافسة دولية، سجل لدى لاعبي كرة قدم كبار انخفاض لافت في مستويات IgA وقد ربط بين هذا الانخفاض وإصابات الجهاز التنفسي العلوي خلال التمرين. ووجدت دراسات أخرى أن مستويات IgA تنخفص عقب مجرد نوبات فردية من التدريب المكثف.
فما الذي يمكنك فعله إن كنت مغرقًا في نشاطك الرياضي؟ كيف تقلل فرص إصابتك بالعدوى؟ لا يبدو لدى الطب الرياضي التقليدي ما يقدمه في هذا الصدد: سيطلبون منك أخذ حقنة للبرد وتحاشي ملامسة عينيك أو ملامسة أنفك، والابتعاد عن المرضى. شكرًا للنصيحة. ما يجعل هذه الاستحكامات غير كافية هو أن عدوى الجهاز التنفسي غالبًا ما تكون بتنشيط فيروسات خاملة موجودة بالفعل داخل الجسم، مثل فيروس إبشتيان بار، المسبب لمرض كثيرة الوحيدات، فحتى لو لم تتصل بأي شخص آخر، بمجرد أن يتراجع الأداء المناعي، سوف تعود تلك الفيروسات الخاملة للنشاط لتمرضك.
لحسن الحظ، هناك عدد من الأطعمة تساعد على الحفاظ على قوة المناعة في مواجهة المهددات.
طحلب التشيلوريلا Chlorella
هو طحلب أخضر أحادي الخلية ينمو في المياه العذبة ويباع غالبًا في هيئة مسحوق أو مضغوط في كبسولات. كان اليابانيون هم أول من قال إن الأمهات اللاتي تناولن التشيلوريلا زاد في لبن صدورهن تركيز ال IgA . ورغم أن مستخلص هذا الطحلب لم يثبت أنه يزيد القدرة المناعية الإجمالية، فإن هناك دليلًا على أن الطحلب الكامل فعال، في دراسة جرت في اليابان في عام ٢٠١٢، بحث الباحثون عن اللاعبين المعرضين للعدوى خلال معسكر تدريبي وجمعوهم. بالنسبة لمجموعة التحكم، التي لم تحصل على مكملات، انخفضت لديهم معدلات IgA بشكل لافت خلال التدريبات المكلفة. لكن أولئك الذين أعطوا التشلوريلا، ظلت مستويات IgA لديهم ثابتة.
لكن ثمة تحذيرًا: لقد نشر مؤخرًا تقرير لحالة مزعجة ورد من أوماها بولاية نبراسكا، بعنوان: “ذهان التشيلوريلا”. وفيه أن امرأة بالغة من العمر ثمانية وأربعين عامًا عانت انهيارًا نفسيًّا بعد شهرين في بدء تناولها للتشيلوريلا, فطلب منها أطباؤها التوقف عن تناوله ووصفوا لها أدوية مضادة للذهان. وبعد أسبوع، عادت لحالتها الطبيعية. لم يسبق أن تم الربط بين التشيلوريلا والذهان؛ ولذلك اعتقدوا في البداية أنها مصادفة. بعبارة أخرى، ربما تصادف تعرض المرأة للذهان مع بدء تناولها للتشيلوريلا، والسبب الذي أشعرها بالتحسن بعد توقف تناولها ربما كان عائدًا لأثر الدواء. لكن بعد سبعة أسابيع، وهي لا تزال على العقار، عادت لتناول التشيلوريلا – فعاد لها الذهان ثانية. لقد توقفت عن تناول التشيلوريلا، فتراجع الذهان مجددًا. ربما لم تكن التشيلوريلا بذاتها التي أثارت هذه النوبة بل إن تلوثًا بالمادة أو عشًا فيها هو ما أحدث ذلك؛ لا نعلم على وجه اليقين. ونظرًا لما نعرفه عن سوء سمعة سوق المكملات الغذائية الدوائية فمن الصعب أن نعرف بشكل دقيق ما نحصل عليه تحديدًا حين نذهب لشراء “طعام” في عبوات دوائية.
هناك خيار آخر للرياضيين الذين يريدون الحفاظ على قدرتهم المناعية وهو الخميرة الغذائية، ففي دراسة أجريت عام ٢٠١٣ ورد أنك تستطيع الحفاظ على مستويات كرات الدم البيضاء عقب التمارين الرياضية من خلال استخدام نوع خاص من الألياف توجد في خميرة الخبز وخميرة البيرة والخميرة الغذائية. الخميرة البيرة لاذعة الطعم، لكن الخميرة الغذائية لها رائحة جيدة تشبه رائحة الجبن, وطعمها جيد خصوصًا مع الفشار.
اكتشفت الدراسة أنه بعد ساعتين من ركوب الدراجة العنيف، انخفض عدد الوحيدات (نوع آخر من كرات الدم البيضاء) في دم المشاركين في الدراسة. بينما أولئك الذين قاموا بالعمل ذاته وتناولوا ثلاثة أرباع ملعقة من الخميرة الغذائية انتهت ممارستهم الرياضة بعدد وحيدات أكبر من ذلك الذي بدأوا به.
هذا كله رائع في التقارير المعملية، لكن يترجم تناول ألياف الخميرة إلى انخفاض فعلي في مرات التعرض للأمراض؟ أخضع الباحثون هذا السؤال للاختبار في ماراثون كارلسبد بولاية كاليفورنيا.
العداءون الذين أعطوا ما مقداره ملعقة من 0421 يوميًّا في الأسابيع الأربعة التالية على السباق قلت إصاباتهم بحالات عدوى تنفسية بمقدار النصف مقارنة بالعدائين الذين تناولوا شبيهًا وهميًّا, وكذلك أورد من تناولوا الخميرة أنهم شعروا بأن حالتهم أفضل. حين طلب منهم تقييم حالتهم بدرجة من عشرة، على اعتبار العشرة هي أفضل حال، قدم العداءون الذين تناولوا الخميرة الوهمية درجات بين الأربعة والخمسة. على الجانب الآخر، أولئك الذين تناولوا الخميرة بانتظام شعروا بتحسن كبير، حيث كانوا بين ست وسبع درجات. عادة ما يعاني اللاعبون الكبار تدهورًا مزاجيًّا قبل المنافسة وبعدها، لكن هذه الدراسة كشفت عن أن القليل من الخميرة يحسن الحالة العاطفية بشكل كبير، وقللت مشاعر التوتر، والإرهاق، والارتباك، والغضب، بينما زادت لديهم “القوة”.
إن الحياة الصحية قد تنجينا من الأمراض التي ينقلها الهواء وتلك التي ينقلها الطعام؛ لذا فإن تناول مزيد من الخضر والفاكهة وممارسة الرياضة بوتيرة أكبر من شأنه تحسين قدرة الجهاز المناعي على محاربة حالات العدوى التنفسية مثل حالات البرد.