التصنيفات
الباطنية

الوقاية من التسمم الغذائي | دراسات

إن مسببات الأمراض ( Pathogens وهي مشتقة من الكلمة اليونانية Pathos أو “المعاناة” وكلمة genes وتعني “منتج”) قد نجدها كذلك فيما نتناوله من طعام؛ فأمراض الطعام، أو التسمم الغذائي هو عدوى يسببها الغذاء الملوث. وفقًا لمراكز التحكم والوقاية من الأمراض، فإن هناك واحدًا من بين كل ستة أمريكيين يصاب بتسمم غذائي كل عام. حوالي ثمانية وأربعين مليون شخص يمرضون كل عام – وهو عدد أكبر من إجمالي عدد سكان كاليفورنيا وماساتشوستس. مائة ألف منهم يضطرون لدخول المستشفى، وألف منهم يموتون، وكل هذا بسبب ما يأكلون ليس غير.

فيما يتعلق بسنوات الصحة المفقودة، فإن المسببات الخمسة الأكثر خطرًا وأثرًا هي توليفات من الكامبيلوباكتر والسالمونيلا في الدواجن، وطفيليات التوكسوبلازما في لحم الخنازير، وبكتيريا الليستيريا في اللانشون ومنتجات الألبان. من الأسباب التي تجعل المنتجات الحيوانية متهمًا رئيسيًّا في هذا الصدد أن معظم مسببات الأمراض الحيوانية برازية. ولأن النباتات لا تتبرز، فإن بكتيريا إي. كولاي التي تصيبك من أكل السبانخ لا تنشأ في السبانخ؛ فهذه بكتيريا معوية والسبانخ ليس لها أمعاء. لكن وضع السماد العضوي للنباتات وجد أنه يزيد فرص تلوثه ب إي. كولاي بمقدار خمسين مرة.

البيض والسالمونيلا

أضخم أعباء الصحة العامة في الولايات المتحدة الآن فيما يتعلق بتسمم الطعام هو السالمونيلا. إنها السبب الرئيسي لتسمم الغذاء – المفضي لدخول المستشفى، وكذلك المفضي للموت. وهي في حال تصاعد دائم؛ فعلى مدى العقد الماضي، زادت الحالات بنسبة ٤٤٪، خاصة بين الأطفال وكبار السن. بعد فترة تتراوح بين اثنتي عشرة ساعة واثنتين وسبعين ساعة من وقوع العدوى، تظهر معظم الأعراض – الحمى، الإسهال، التقلصات المعوية الشديدة. ويدوم المرض عادة بين أربعة وسبعة أيام، لكن في حالات الأطفال وكبار السن، يكون المرض عنيفًا لدرجة تستدعي الحجز بالمستشفى – أو ترتيبات الدفن. كثير من الناس يربط بين السالمونيلا والبيض – ولهذا سبب وجيه، ففي عام ٢٠١٠، تم استرجاع نصف بليون بيضة من السوق لتفشي السالمونيلا. لكن ظلت صناعة البيض ترفع شعار: كفوا عن الشكوى، البيض آمن. وردًّا على أصوات منادية بعزل البيض، وفي مقال رأي نشر في ال يو إس إيه توداي، أصر رئيس الغرفة التجارية لمنتجي البيض على القول: “البيض المطهو بشكل كامل، آمن بشكل كامل”. لكن ما بالتحديد “الطهو الكامل”؟

مولت صناعة البيض بنفسها بحثًا عن السالمونيلا وطرقًا عدة لطهو البيض، فماذا وجدوا؟ لقد وجدوا أن السالمونيلا يمكنها البقاء في البيض إن تم طهوه ممزوجًا، أو مقليًّا، ووجد أن قليه بطريقة العيون هو أكثرها خطرًا، فانتهي الباحثون الممولون من المنتجين إلى القول: “يجب اعتبار طريقة البيض العيون غير آمنة”. بعبارة أخرى، حتى منتجو البيض ذاتهم يعلمون أن منتجهم الذي يعد بطريقة يتبعها ملايين الأمريكيين كل يوم، يكون غير آمن، في الواقع، نحن نعلم ذلك من مدة، فقبل عشرين عامًا، قرر باحثو جامعة بوردو أن السالمونيلا يمكنها البقاء في البيض المطهو بطريقة الأومليت والفرنش توست. بل إن السالمونيلا قد تبقى في البيض المغلي لثماني دقائق.

مع أخذ هذا كله في الاعتبار، لن يكون مستغربًا، ووفقًا لإدارة الطعام والعقاقير، يجب أن نعلم أن ١٤٢ ألف أمريكي يمرضون كل عام ببيض ملوث بالسالمونيلا. وهو وباء مقرون بالبيض في الولايات المتحدة كل عام. لكن البيض ليس سوى صاحب المركز العاشر في قائمة أسوأ مسببات الأمراض في الأطعمة.

الدواجن والسالمونيلا

تناول الدواجن، وليس بيضها، هو في الواقع أكثر مصادر التسمم بالسالمونيلا شيوعًا. لقد تم الربط بين انتشار واسع النطاق لسلالة خبيثة من هذه البكتيريا وأكبر شركة انتاج للدواجن في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بدأ هذا الوباء من مارس ٢٠١٣ وحتى يوليو ٢٠١٤. فلِمَ طالت مدة التفشي؟ السبب الأكبر كان لاستمرار الشركة في إنتاج الدجاج الموبوء على الرغم من تحذيرات مراكز التحكم والوقاية من الأمراض. ورغم أن الحالات التي سجلت رسميًّا لا تتجاوز المئات، فإن تقديرات المؤسسة تشير إلى أن مع كل حالة مؤكدة للسالمونيلا هناك ثمان وثلاثون حالة لم تسجل. هذا يعني أن دواجن الشركة ربما أعيت أكثر من عشرة آلاف شخص. وحين ذهب مسئولو وزارة الزراعة للتحقيق، وجدوا أن ٢٥٪ من العينات التي تم اختبارها مصابة بإحدى سلالات السالمونيلا، وهي غالبًا نتيجة مادة برازية وجدت على الدجاج النافق.

إن المكسيك حظرت استيراد الدواجن من هذه الشركة، لكنها ظلت متاحة في الولايات المتحدة بشتى أرجاء البلاد. حين يظهر خلل في مكابح سيارة أحد منتجي السيارات، فإنه يقوم باسترجاع جميع هذه السيارات بداعي الأمان، فما الذي منع من استعادة الدواجن المصابة بالسالمونيلا؟ حاولت وزارة الزراعة مرة أن تغلق الشركة لضبطها مخترقة معايير السلامة المتعلقة بالسالمونيلا في أكثر من مناسبة، فرفعت الشركة دعوى وكسبتها. وقال القاضي في حكمه: “لأن إجراءات الطهو المعتادة للحم والدواجن تقضي على السالمونيلا، فإن وجود السالمونيلا في منتجات اللحوم لا يصمها بأنها ضارة بالصحة”.

لو كان الطهو الجيد قاتلًا للبكتيريا، فما الذي يجعل آلاف الأمريكيين يقعون مرضى بسبب الدواجن الملوثة بالسالمونيلا كل عام؟ المشكلة تكمن في التلوث المضاعف. بين تناول الطائر الطازج أو المجمد من المتجر وحتى دخوله في الفرن، تلحق الجراثيم التي على الطائر بالأيدي والأواني، وأسطح المطبخ. كذلك أظهرت الدراسات أن ٨٠٪ من الحالات، يكون وضع الدجاج الطازج على لوح التقطيع لدقائق كفيلًا بنقل البكتيريا الممرضة. وإذا ما وضعت الدجاجة المطبوخة مرة أخرى على اللوح نفسه، فإن احتمال تلوثها قائم بنسبة ٣٠٪.

لِماذا يتم تعريض المستهلك الأمريكي لهذه المخاطرة؟ بعض الدول الأوروبية انخفضت بمستويات الدواجن المصابة بالسالمونيلا إلى ٢٪، فما السر؟ لأنه من غير القانوني فيها أن تباع دواجن مصابة بالسالمونيلا، فيا له من مبدأ! هم لا يسمحون ببيع طير يحمل مصدر مرض مسئول عن مرض أكثر من مليون أمريكي كل عام. هناك نشرة متخصصة بصناعة اللحوم يفسر فيها أستاذ علوم داجنة من ألاباما السر في عدم اتباع إجراءات صارمة بهذا الشأن: “إن المستهلك الأمريكي لن يتحمل دفع التكلفة. هكذا ببساطة”. إن كان على المنتجين إنفاق المزيد لضمان منتج آمن، فسوف يرتفع السعر. ويقول الرجل: “الحقيقة أن بيع دواجن خالية تمامًا من السالمونيلا أمر تفوق كلفته كل طاقة”.

البكتيريا البرازية في اللحوم

إن مشكلة التلوث بمسببات المرض تتجاوز حدود منتج واحد للدواجن، ففي إصدار عام ٢٠١٤ من دورية كونسيومرز ريبورتس، نشر الباحثون دراسة عن الكلفة الحقيقية للدجاج الرخيص. لقد اكتشفوا أن ٩٧٪ من صدور الدجاج الموجود في متاجر التجزئة ملوثة بالبكتيريا التي قد تصيب الإنسان. إن ٣٨٪ من السالمونيلا التي وجدوها كانت مقاومة لعدة مضادات حيوية؛ وتعتبر مؤسسة مراكز مراقبة والتحكم في الأمراض هذه المسببات المرضية خطرًا على الصحة العامة.

وتعبر عن ذلك بوضوح مايو كلينك بالقول: “إن معظم الناس تنالهم العدوى بالسالمونيلا جراء تناول أطعمة ملوثة بالبراز”. فكيف يصل إلى هناك؟ في أماكن الذبح، فعادة ما تعلق الدواجن بخطاف معدني، وغالبًا ما يخترق الخطاف أمعاءها وقد ينزل منها بعض الفضلات على لحم الدجاجة. ووفق آخر مسح أجرته هيئة الطعام والعقاقير للحوم المبيعة، فإن ٩٠٪ من الدجاج المعد للبيع ظهرت آثار إصابته بفضلات معوية.

بالتأكد من وجود جراثيم مثل إي. فاسيلس وإي. فيشام كمؤشرات على التلوث البرازي، فإن ٩٠٪ من الدجاج، و٩١٪ من لانشون الديك الرومي، و٨٨٪ من اللانشون البقري، و٨٠٪ من شرائح لحم الخنزير ملوثة على نحو يشمل كل البلاد.

وفي حين زادت حالات تفشي العدوى بالسالمونيلا، فقد تقلصت حالات العدوى البرازية بالإي كولي من لحوم الأبقار. فما الذي جعل الأبقار أكثر أمانًا من الدجاج؟ العامل الوحيد المرجح أن الحكومة تمكنت من فرض حظر على بيع اللحم البقري الملوث بسلالة خطرة من فيروس إي. كولاي. لكن ما الذي يجعل بيع اللحم البقري المصاب بمسبب أمراض فتاكة أمرًا غير قانوني، في حين يبقى بيع الدجاج المصاب قانونيًّا تمامًا؟ فالسالمونيلا في الدجاج تقتل من الناس أكثر بكثير مما تقتله الإي. كولاي في لحم الأبقار.

تعود المشكلة إلى قضية شهيرة في عام ١٩٧٤ حين قامت الجمعية الأمريكية للصحة العامة بمقاضاة وزارة الزراعة لوضعها خاتم القبول على لحوم موصومة بالسالمونيلا. وفي دفاعها عن صناعة اللحوم، قالت وزارة الزراعة: “هناك مصادر عدوى عديدة تسهم في المشكلة إجمالًا، ولن يكون مبررًا تحديد صناعة اللحوم على نحو خاص والطلب منها تمييز منتجاتها النيئة باعتبارها خطيرة على الصحة العامة”. بعبارة أخرى، إن ارتباط السالمونيلا بالألبان واللحوم كذلك، فإنه من غير الإنصاف إجبار منتجي اللحوم تحديدًا على جعل منتجاتهم أكثر أمانًا. وهذا منطق يشبه تمامًا القول بعدم إجبار منتجي التونة على وضع تحذيرات على العلبة من الزئبق الذي تحويه لأنك قد تتعرض للزئبق إن أكلت الترمومتر مثلًا. وقد دعمت دائرة طعون واشنطن العاصمة موقف صناعة اللحوم، مؤكدة على أن لوزارة الزراعة التصريح ببيع لحوم تحتوي على السالمونيلا وذلك لأن ” ربات البيوت والطهاة الأمريكيين ليسوا جهلة أو أغبياء وطرق تحضيرهم وطهوهم للطعام لا ينتج عنها في العادة الإصابة بالسالمونيلا”. وهذا يشبه قولنا إن المركبات الصغيرة لا تحتاج لوسادة هوائية أو أحزمة أمان، ولا يحتاج الأطفال لمقاعد سيارات خاصة؛ وذلك لأن الأمهات في العادة لا يصطدمن بشيء في أثناء القيادة.

تجنب تناول الدجاج لتجنب عدوى الجهاز البولي

مم تأتي عدوى المثانة؟ في دراسات أجريت على النساء تعود للسبعينيات من القرن الماضي، وجد أن حركة البكتيريا من المستقيم إلى منطقة المهبل يسبقها ظهور عدوى بالمثانة. لكن ليس قبل خمس وعشرين سنة من هذا حين أثبتت تقنيات البصمة الوراثية أن سلالات إي. كولاي المقيمة في المعدة تعمل كمورد لعدوى الجهاز البولي.

ومرت خمس عشرة سنة أخرى قبل أن يتمكن العلماء من تعقب الجاني الأصلي، أو المصدر الرئيسي للبكتيريا المتصلة بعدوى الجهاز البولي: إنه الدجاج. كما أن الباحثين في جامعة ماكجيل وجدوا الإي كولاي المسبب لعدوى الجهاز البولي في مجازر الدجاج، وكذلك في منافذ توريد اللحوم، وأخيرًا في العينات البولية المأخوذة من النساء المصابات. وهكذا أصبح لدينا الآن دليل مباشر على أن عدوى المثانة قد تكون حيوانية المنشأ – تنتقل من الحيوان إلى الإنسان. وهو اكتشاف مهم، ذلك أن عدوى الجهاز البولي تصيب أكثر من عشرة ملايين امرأة كل عام في الولايات المتحدة بتكلفة تفوق مليار دولار. أسوأ من هذا أن العديد من سلالات الإي كولاي الموجودة في الدجاج والمسببة لعدوى الجهاز البولي أصبحت الآن مقاومة لبعض أقوى المضادات الحيوية.

ألا يمكننا حل هذه المعضلة بتوزيع ترمومتر الطهو والتأكد من أن الناس يطهون الدجاج بشكل سليم؟ نعم – بسبب تقاطع مصادر الإصابة، فالدراسات تشير إلى تناول الدجاج النيء باليد يقود إلى استيطان البكتيريا للأمعاء حتى لو لم تأكل منه شيئًا. في هذه الحالة، لن تفيدك جودة طهو الدجاج مهما بلغت. يمكنك أن تحيلها رمادًا وتبقى مصابًا بالعدوى. وبعد العدوى، وجد أن تلك البكتيريا المقاومة للعقاقير تتكاثر بدرجة تجعل منها جزءًا كبيرًا من البكتيريا المعدية للمصاب.

والسبب في وجود البكتيريا البرازية في المطابخ على نحو يفوق وجودها في الحمامات هو أن الناس في الغالب يعدون الدجاج في المطبخ وليس في الحمام. لكن ماذا لو كنت حذرًا فعلًا؟ قامت دراسة لافتة، نشرت بعنوان “فاعلية النظافة الشخصية في الوقاية من تقاطع الإصابة بالعدوى من لحوم الدجاج في المطبخ المنزلي،” بوضع هذا السؤال محل اختبار. حيث زاروا ستين منزلًا، وأعطوا كل أسرة دجاجة نيئة، وطلبوا منهم طهوها. بعد طهو الدجاجة، عاد الباحثون ليجدوا البكتيريا من براز الدجاج – السالمونيلا والكامبيلوباكتر، وكلاهما مسببات مرض خطرة للإنسان – في جميع أرجاء المطبخ: على لوح التقطيع، والأواني، والخزانة، ومقبض الثلاجة، ومقبض الفرن، ومقبض الباب، وغيره.

لم يكن الناس على علم بما يفعلون، فكرر الباحثون التجربة، لكنهم في هذه المرة حددوا للعائلات تعليمات محددة، فبعد طهو الدجاج، طلب من المشاركين غسل جميع هذه الأسطح بالماء الساخن والمطهرات، خاصة لوح التقطيع، والأواني، والخزانة، ومقابض الأبواب. لكن مع هذا وجد الباحثون البكتيريا البرازية في كل مكان.

يمكنك أن تخمن السخط الذي ربما أصاب الباحثين. وفي النهاية أصروا على استخدام المشاركين في الدراسة سائل تبييض الملابس، فقماشة غسل الصحون المستخدمة في التنظيف غمرت أولًا في سائل التبييض المضاد للجراثيم، ثم قام المشاركون برش محلول منه على جميع الأسطح وتركوه لخمس دقائق. لكن حين عاد الباحثون وجدوا السالمونيلا والكامبيلوباكتر على بعض الأواني وقماشة التنظيف والسطح الملاصق للحوض، والدواليب. كان مقدار الإصابة أقل كثيرًا، لكن مع هذا، فإنك إن لم تعامل مطبخك كمختبر معقم، فلن يبقى لك إلا عدم إحضار الدجاج أصلًا إلى بيتك لتجنب وجود هذه المسببات البرازية للأمراض.

لكن ثمة بشارة: لا يعني تناولك الدجاج استعمار هذه البكتيريا لمعدتك للأبد، ففي دراسة أجريت على متطوعين أصابتهم البكتيريا بعد تناول اللحم، وجد أن البكتيريا التي حاولت السيطرة على معدتك لم تعش أكثر من عشرة أيام. حيث إن البكتيريا الصالحة في المعدة كانت قادرة على القضاء عليها. المشكلة للأسف هي أن الناس يأكلون الدجاح أكثر من مرة خلال عشرة أيام، ما يجعل أجسادهم محلًّا دائمًا لهذه البكتيريا.

بكتيريا يرسينية Yersinia في لحم الخنزير

يمرض حوالي مائة ألف أمريكي كل عام ببكتيريا اليرسينية. في كل حالة تفش كشف عن مصدرها، كان الجاني هو لحم الخنزير المصاب بتلك البكتيريا.

في أغلب الحالات، يؤدي التسمم ببكتيريا اليرسينية إلى التهاب معوي شديد، لكن الأعراض تكون حادة وتشبه التهاب الزائدة الدودية، ما قد يؤدي إلى إجراء جراحات عاجلة لم يكن لها داع. أما الآثار طويلة المدى للعدوى ببكتيريا اليرسينية تشمل الالتهاب المزمن في العينين، والكلى، والقلب، والمفاصل. انتهت الدراسات إلى أنه في غضون عام من الإصابة بتسمم اليرسينية، تزيد فرص ضحاياه سبعًا وأربعين مرة في الإصابة بالتهاب المفاصل ذاتي المناعة، وقد تلعب هذه البكتيريا كذلك دورًا في إثارة حالة الغدة الدرقية ذاتية المناعة والتي تعرف بمرض جريفز.

إلى أي حد هو تلوث لحوم الخنازير في أمريكا بهذه البكتيريا؟ قامت مجلة كونسيومر ريبورتس باختبار حوالي مائتي عينة من مدن عبر البلاد ووجدت أن أكثر من ثلثي الكمية موبوء باليرسينية. ولعل هذا بسبب الكثافة والاكتظاظ اللذين يسمان أغلب عمليات تصنيع لحوم الخنازير. يشير مقال بمجلة ناشونال هوج فارمر بعنوان “تزاحم خلجان الخنازير” إلى أن منتجي لحم الخنزير يضاعفون من أرباحهم بحجز الخنزير في مساحة قدرها ست أقدام مربعة. بمعنى أنك تحشر حيوانًا يبلغ وزنه مائتي رطل في مساحة محيطها قدمان في ثلاث أقدام. يعترف الكتاب بأن هذا التزاحم تتبعه مشكلات، منها التهوية غير الصحية وزيادة المخاطر الصحية، لكنهم ينتهون إلى قول: “إن تكديس الحيوانات في حيز أضيق يعود عليك بأرباح أكثر”.

ولا يتوقع للأسف أن يتغير هذا المنهج في القريب. لماذا؟ لأن هذه البكتيريا لا تمرض الخنازير. بعبارة أخرى، هي مشكلة صحة عامة، وليست مشكلة إنتاج حيواني، فلا تؤثر على الصناعة، فبدلًا من منح هذه الحيوانات مجالًا أوسع للتنفس، تمرر هذه الصناعة الضخمة إلى المجتمع كلفة تقدر ب ٢٥٠ مليون دولار هي فاتورة مرض عشرات الألوف من الأمريكيين كل عام.

بكتيريا كوليستريدوم ديفيسيل Clostridium difficile في اللحوم

إنها بكتيريا أخرى جديدة: كوليستريدوم ديفيسيل أو سي. ديف كما يعرف، وهي أحد أكثر المهددات البكتيرية إلحاحًا؛ حيث تصيب ما يقرب من ربع مليون أمريكي كل عام ويقتل آلافًا منهم بكلفة قدرها مليار دولار سنويًّا. وهي تتسبب في حالة تسمى التهاب القولون الغشائي الكاذب، والتي تتجلى في حالة إسهال مؤلم وذي تشنجات. في العادة, تعد بكتيريا سي. ديف عدوى تكتسب بالمستشفيات – أي أنك تصاب به في أماكن الرعاية الصحية – لكن اتضح مؤخرًا أن ثلث الحالات فقط هي التي ارتبطت باتصال الشخص المصاب بأحد المرضى. فما الذي يجري؟

حسنًا، ثمة مصدر آخر للعدوى هو اللحوم. لقد وجدت مؤسسة مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض أن ما نسبته ٤٢٪ من منتجات اللحوم المعبأة التي تباع في ثلاث سلاسل كبرى لبيع المنتجات الغذائية مصابة بسموم تنتج بكتيريا سي. ديف. وقد اتضح أن الولايات المتحدة بها أعلى نسبة من إصابة اللحوم ببكتيريا سي. ديف في العالم.

كذلك وجد سي. ديف في الدجاج، واللحم البقري، والرومي، لكن وجوده في لحم الخنزير حظى بأعلى نسبة اهتمام من قبل مسئولي الصحة، ذلك أنه يشبه إلى حد بعيد تلك السلالة الموجودة في الحالة البشرية غير المرتبطة بالمستشفيات. ومنذ عام ٢٠٠٠ ، تزايد تسجيل حالات سي ديف كأحد الأسباب الرئيسية للعدوى المعوية بين صغار الخنازير. وتلوث الذبيحة وقت الذبح بهذه البكتيريا يعد السبب الأرجح لتلوث لحوم الخنازير المبيعة.

الطبيعي ألا تسبب لك هذه البكتيريا ضررًا، فحتى إن دخلت إلى معدتك، فإن البكتيريا الصالحة فيها تتمكن من هذه البكتيريا. وفي أول مرة تضطر فيها لتناول مضاد حيوي يعرقل عمل البكتيريا المعدية الطبيعي، فإن بكتيريا سي. ديف قد تكشف عن وجهها القبيح مسببة جملة من حالات الالتهاب المعوي، والتي من بينها حالات قد تهدد الحياة مثل تضخم القولون السام. (وهي حالة نسب الوفاة فيها مرتفعة جدًّا).

ألا يزيل الطهو كل هذه البكتيريا؟ حسنًا، سي. ديف ليست كأغلب أنواع البكتيريا، فبالنسبة للحوم، تعتبر درجة حرارة ٧١ درجة مئوية هي درجة الطهو الداخلي المناسبة. لكن بكتيريا سي. ديف يمكنها البقاء خلال ساعتين من الطهو على هذه الدرجة. بعبارة أخرى، يمكنك طهو دجاجة لمدة ساعتين متصلتين على هذه الدرجة وتبقى البكتيريا فيها حية.

ولعلك شاهدت إعلانات المطهرات الكحولية التي تقضي على ٩٩.٩٩٪ من الجراثيم. حسنًا، بكتيريا سي. ديف تدخل في قائمة ٠.١٪ المتبقية. هم لا يسمونها بكتيريا عملاقة عبثًا. فبقايا الجراثيم المتخلفة ثبت أنها قابلة للانتقال بمصافحة اليد حتى بعد استخدام المطهر اليدوي. حتى إن أحد الباحثين ممن اكتشفوا نوعًا آخر من البكتيريا في اللحوم الأمريكية، المكورات الذهبية العنقودية المقاومة للميثيسلين، ينصح المتعاملين مع اللحوم النيئة بارتداء قفازات.

إن الالتزام بالأطعمة النباتية يساعد على وقايتك من التسمم الغذائي؛ لأنك تبتعد عن مسببات الأمراض البرازية الفتاكة.