التصنيفات
الصحة العامة

الوقاية من أسباب المرض وزيارة الأطباء | دراسات

كما يقول القائل، الوقاية خير ألف مرة من العلاج. القول طريف لكنه أكثر من صادق. ما الذي يدفعك لتغيير نمط حياتك وغذائك إن كان بمقدور الطب الحديث أن يقوم بمهمة إصلاح ما قد فسد فيك؟

للأسف، لا يتمتع الطب بالفاعلية التي يتصورها معظم الناس. إن الأطباء يبرعون فعلًا في مداواة حالات مرضية حادة، مثل إصلاح كسور العظام والشفاء من حالات العدوى، لكن فيما يتعلق بالأمراض المزمنة، والتي هي الأسباب الرئيسية للإعاقة والوفاة، ليس للطب التقليدي عليها تأثير كبير، بل إنه في بعض الأحيان يكون ضره أكبر من نفعه.

فمثلًا، تقتل الآثار الجانبية الناجمة عن الأدوية التي تعطى للمرضى في المستشفيات ما يقدر ب ١٠٦ آلاف أمريكي كل عام. وهذه الإحصائية وحدها تجعل الرعاية الطبية السبب رقم ستة في ترتيب أسباب الوفاة في الولايات المتحدة. وهذا الرقم لا يمثل إلا الوفيات الناجمة عن تناول أدوية موصوفة من قبل أطباء. لكن ٧٠٠٠ آخرين يموتون بسبب أخذ الدواء غير الصحيح عن طريق الخطأ، و٢٠ ألفًا آخرون يموتون من الأخطاء الأخرى بالمشافي. المستشفيات أماكن خطرة، وكل الأرقام السابقة لا يدخل فيها ٩٩ ألف شخص يموتون بسبب حالات عدوى تكتسب داخل المستشفيات. لكن هل يلام الأطباء على الموت بسبب العدوى؟ قد يلامون إذا لم يحافظوا على غسل أياديهم على الأقل.

نعرف منذ أربعينيات القرن التاسع عشر أن غسل اليدين أفضل سبيل للوقاية من عدوى المستشفيات، إلا أن الالتزام بين العاملين في مجال الرعاية الصحية لا يتجاوز ٥٠٪. والأطباء هم أول المذنبين. فقد انتهت إحدى الدراسات إلى أنه حتى في وحدات الرعاية المركزة، وجد أن وضع لافتة “بمحاذير الاتصال” أدى إلى التزام أقل من ربع الأطباء بغسل أياديهم بشكل جيد أو استخدام مطهرات حال التعامل مع المرضى. وهذا صحيح. إن نسبة من يلتزمون بغسل أياديهم قبل وضعها على المرضى لا تصل إلى واحد بين كل أربعة أطباء. يخشى العديد من الأطباء أنه لو علم كم المرضى الذين يموتون خطأ كل سنة على يد الأطباء، فإن ذلك قد “يدمر مستوى الثقة العامة”. لكن إن كان الأطباء لا يبالون حتى بغسل أياديهم، فما حجم الثقة الذي نستحق؟

هذا الموقف المؤسف (والمهول!) يعني أنك قد تذهب لإجراء جراحة بسيطة فتخرج بعدوى قاتلة – هذا إن خرجت أصلًا، في كل عام يموت أكثر من ١٢ ألف أمريكي جراء مضاعفات لعمليات جراحية لم تكن ضرورية بالأساس. ولمن تابعوا الأرقام السابقة، يمكننا القول إن أكثر من ٢٠٠ ألف شخص يموتون كل عام لأسباب طبية. وهذه الأرقام تعتمد فقط على إحصاءات المرضى الذين أدخلوا للمستشفيات. أما خارج المستشفيات – في عيادات الأطباء الخاصة مثلًا – تقود الآثار الجانبية للأدوية فقط إلى ١٩٩ ألف حالة وفاة إضافية.

ويقدر معهد الطب ضحايا الأخطاء الطبية بما يزيد على ٩٨ ألف حالة وفاة سنويًّا، بما يرتفع بالرقم الإجمالي إلى ٣٠٠ ألف. وهو رقم يفوق عدد سكان مدن بأكملها مثل نيوأرك، أو بافلو، أو أورلاندو. وحتى باعتماد تقديرات أكثر تحفظًا لوفيات الأخطاء الطبية، فإن الرعاية الصحية تأتي كثالث أكبر سبب للوفاة في الولايات المتحدة.

فما رد المجتمع الطبي على هذه الخلاصات المفزعة؟ الصمت المطبق قولًا وفعلًا. انتهى التقرير الأول، الذي صدر في عام ١٩٧٦، إلى أن ١٢٠ ألف حالة وفاة من تلك التي تقع بالمستشفيات يمكن تفاديها. بعدها، وبعد ستة عشر عامًا، صدر تقرير آخر نشر في دورية الجمعية الطبية الأمريكية ، وذكر أن الوفيات الناجمة عن أسباب طبية “تعادل وفيات ثلاث حوادث طائرات كل يومين”. وفي الفترة التي مضت بين هذين التقريرين، مات قرابة مليوني أمريكي بسبب الأخطاء الطبية، إلا أن المجتمع الطبي لم يعلق على هذه المأساة ولم يبذل أي جهد يذكر لتقليل هذه الأعداد. هناك تقدير آخر ب ٦٠٠ ألف حالة وفاة، انتهى إليه المعهد الطبي في تقرير فارق عن حجم الأخطاء الطبية الكارثي – لكن ومرة أخرى، لم يحصل الكثير.

أخيرًا، جرت بعض التغيرات الطفيفة، فمثلًا، لم يعد يسمح بعمل المتدربين أو الأطباء المقيمين لأكثر من ٨٠ ساعة أسبوعيًّا (نظريًّا على الأقل)، ولم يعد يسمح بزيادة ورديات العمل على ثلاثين ساعة عمل على التوالي. ربما لا يبدو ذلك تقدمًا كبيرًا، لكن حين بدأت تدريبي الطبي بعد التخرج في كلية الطب، كنا نعمل ورديات بست وثلاثين ساعة كل ثلاثة أيام – بإضافة أيام عملنا الأخرى، يصبح الإجمالي ١١٧ ساعة عمل أسبوعيًّا. حين يجبر المتدربون والمقيمون من الأطباء على العمل الليلي المكثف، تشير الدراسات إلى أنهم يرتكبون أخطاء طبية أكثر بزيادة تصل إلى ٣٦٪، وزيادة قدرها خمس مرات في أخطاء التشخيص، وزيادة بمقدار الضعف في “أخطاء الانتباه” (مثل الإغفاء خلال الجراحة). فالمريض هو من يجب أن يكون نائمًا، وليس الجراح. لا عجب إذن في أن الأطباء المثقلين بالعمل قد يتسببون بأخطاء طبية متعلقة بالإرهاق تصل إلى ٣٠٠٪ وهي أخطاء قد تصل بالمريض إلى الموت.

لو وقعت حادثة طيران كل يوم وقتل المئات، لا بد أننا سنجد تدخلًا فوريًّا من إدارة الطيران الفيدرالي لتفعل شيئًا، فلِمَ لا يواجه أحدهم العمل الطبي؟ بدلًا من مجرد إصدار التقارير، لم لا تطلب هيئات مثل معهد الطب من الأطباء والمستشفيات اتباع إجراءات وقائية في الحد الأدنى، مثل تكويد العقاقير لمنع الخلط بينها. (وهو عمل، كما تعلم، يتم حتى على أغلفة توينكيز في المتاجر).

إلا أن المنتظمين في تعاطي أدوية هم فقط من يقتلون بسبب الأخطاء في وصف الدواء أو من آثاره الجانبية، في الحقيقة يجب أن تكون بمستشفى حتى تموت بفعل خطأ أو اكتساب عدوى هناك. الخبر السار هو أن معظم زياراتنا للأطباء هي بسبب أمراض يمكن منعها بالأساس بالطعام ونمط الحياة الصحيين.

إن أفضل سبيل لتحاشي الآثار الكارثية للفحوص والعلاجات الطبية لا يتمثل في تحاشي الأطباء بل في تحاشي الوقوع بالمرض أساسًا.

الإشعاع

هناك مخاطر ليست مرتبطة بالعلاج الطبي فحسب بل بالتشخيص كذلك في بعض الأحيان، في ورقة بحثية بعنوان “المخاطر المحتملة للإصابة بسرطان قاتل بفعل الإشعاع المنبعث من عمليات التصوير بأشعة إكس” والصادرة عن جامعة كولومبيا في عام ٢٠٠١، أعيد الحديث عن مخاوف قديمة بشأن المخاطر المحتملة للإشعاع المستخدم في عمليات التشخيص. وأشعة سي تي أو سى إيه تي هي عمليات تصوير تستخدم مجموعة من أشعة إكس من زوايا مختلفة لإنتاج صور متقاطعة، تعرض الجسم لإشعاع يزيد مئات المرات عما يتعرض له الجسم من أشعة إكس العادية. وعلى أساس الزيادة الكبيرة في احتمالات الإصابة بالسرطان بين الناجين من قنبلة هيروشيما والذين تعرضوا لجرعات مشابهة من الإشعاع، قدر أنه من بين جميع الأطفال الذين تعرضوا لأشعة سي تي لتصوير البطن أو الرأس، هناك خمسمائة “ربما يموتون بسرطان له علاقة بهذه الإشعاعات”. وفي رد على هذا الكشف الكبير، علق مدير التحرير في مجلة إشعاع رائدة بالقول: “نحن إخصائيو الأشعة ربما نكون مذنبين بقدر الآخرين حين يتعلق الأمر بعدم مراقبة مرضانا”.

إن خطر الإصابة بسرطان بعد حالة تصوير واحدة بأشعة سي تي يزيد بنسبة ١ إلى ١٥٠في الأطفال الإناث. وبشكل عام التشخيص الطبي الإشعاعي تسبب في عام واحد ب ٢٨٠٠ حالة سرطان ثدي بين النساء الأمريكيات، و٢٥ ألف من حالات سرطان متنوعة. بعبارة أخرى، يتسبب الأطباء كل عام في وفاة عشرات الألوف نتيجة السرطانات كل عام.

إن المرضى الذين يخضعون لهذه الأشعات نادرًا ما يتم إعلامهم بمخاطرها، فمثلًا، هل تعلم أن مخاطر الإصابة بسرطان عبر تصوير الصدر بأشعة سي تي يعادل مخاطر الإصابة به جراء تدخين سبعمائة سيجارة؟ واحدة من كل ٢٧٠ امرأة في أواسط العمر قد تصاب بالسرطان جراء عمل صورة أشعة واحدة للأوعية الدموية. إن أشعة سي تي وإكس قد تكون عاملًا في إنقاذ حياتك، لكن المؤكد أن ما بين خمس إلى نصف هذه الأشعات تجرى بشكل غير ضروري ويمكن استبدالها والإتيان بأنواع تصوير أكثر أمانًا أو عدم إجرائها على الإطلاق.

كثير من الناس كانوا يتخوفون من تعرض كامل أجسادهم للإشعاع عبر أجهزة المسح في المطار والتي تستخدم أشعة إكس، لكن هذه الآلات قد انحسر استخدامها منذ زمن. لكن الطائرة ذاتها قصة مختلفة تمامًا، فبسبب التعرض للعديد من الأشعة الكونية من الفضاء الخارجي لوجودك في تلك الارتفاعات الهائلة، فإن رحلة جوية واحدة عابرة للبلاد تعرضك للقدر ذاته من الأشعة الذي تتعرض له خلال عمل تصوير لصدرك بأشعة إكس. (وبالنظر لجدول سفرياتي السابق، فلعلي الآن ألمع في الظلام!).

فهل هناك من شيء يمكنك فعله لتقليل تعرضك للإشعاع؟ الإجابة تكمن في الطعام الصحي، كما هي الحال مع كثير من المشكلات الصحية.

في بحث موله المعهد الوطني للسرطان، درس الباحثون الأنماط الغذائية والسلامة الكروموسومية لدى الطيارين، والذين يحقنون يوميًّا بهذه الإشعاعات، وذلك لإيجاد الطعام الذي قد يمثل وقاية مناسبة لهم. وقد وجدوا أن الطيارين الذين يكثرون من الأطعمة التي تحتوي على مضادات الأكسدة بكثرة هم أقل الطيارين معاناة من تلف المادة الوراثية. وأنا أوكد هنا على أنها أطعمة، فالمكملات الغذائية مثل فيتامين سي وإي لا تفيد في ذلك. أما الطيارون الأكثر تناولًا لفيتامين سي من خلال الخضراوات والفاكهة هم من تتوافر لهم الوقاية. أما تناول المكملات الغذائية فليس في رأيي سوى هدر للمال. من يتعاطون ٥٠٠ مليجرام من فيتامين سي كل يوم هم أكثر إصابة بتلف المادة الوراثية بفعل الأكسدة.

تذكر أن مضادات الأكسدة الطبيعية في الطعام تعمل في تآزر؛ فثمة توليفة من مختلف المركبات التي تعمل معا على حمايتك، بخلاف الجرعات العالية من أنواع مفردة من مضادات الأكسدة الموجودة في المكملات. وبالطبع كان الطيارون الأكثر تناولًا للمواد الغذائية النباتية المتنوعة، والمركزة في طائفة متنوعة من الأطعمة النباتية مثل الحمضيات، والجوز، والبذور، والقرع، والفلفل، هم الأقل معاناة من تلف المادة الوراثية بفعل الإشعاعات التي تنال منهم صباح مساء.

لقد وجد الفريق البحثي أن الخضراوات ذات الأوراق الخضراء مثل السبانخ والكالي لها السبق على بقية الخضراوات والفاكهة فيما يتعلق بالحماية من الإشعاعات. طوال هذا الوقت وأنا أحمل رقائق الكالي في سفرياتي ليس لخفة وزنها فحسب، بل لدورها في حماية المادة الوراثية.

ذات الحماية النباتية التي يستمتع بها الطيارون وجدت لدى الناجين من القنبلة الذرية، فعلى مدار عقود، قام الباحثون بتتبع ستة وثلاثين ألف ناج من الهجمات النووية على هيروشيما وناجازاكي. أولئك الذين يعتمدون أنماطًا غذائية تقوم على الفاكهة والخضراوات قلت مخاطر إصابتهم بالسرطان بنسبة ٣٦٪. الأمر ذاته تكرر عقب كارثة مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا، حيث كان تناول الفاكهة والخضراوات مصدر حماية كبيرًا لمناعة الأطفال، بينما كان تناول البيض والسمك سببًا في زيادة الإصابة بتلف المادة الوراثية. وقد رأى الباحثون أن هذه النتيجة ربما تكون لتلوث المنتجات الحيوانية بالعناصر المشعة أو لدور الدهون الحيوانية في تكوين الجذور السائبة.

إن هذه الحوادث النووية توفر فرصًا نادرة لدراسة آثارها على البشر؛ لأنه من غير الأخلاقي تعريض البشر بشكل مقصود لمثل هذه الإشعاعات. لكننا علمنا من خلال وثائق الحرب الباردة التي كشفت عنها السرية بشأن التجارب الإشعاعية أن الحكومة الأمريكية لم تتوقف قط عن حقن الملونين بالبلوتونيوم أو إطعام الأطفال “المختلين عقليًّا” بوضع نظائر مشعة في حبوب الإفطار. رغم أن إصرار البنتاجون على أن تلك كانت “الطرق الوحيدة المتاحة” لإيجاد طرق لحماية الناس من الإشعاع، فإن الباحثين منذ ذلك الحين استطاعوا الخروج ببعض الطرق التي لا تخالف ميثاق نورمبرج.

لقد استهدفت إحدى هذه الطرق دراسة الخلايا البشرية في أنبوب اختبار، فوجد الباحثون أن كرات الدم البيضاء المعرضة لأشعة جاما أقل تعرضًا لتلف المادة الوراثية إذا ما عولجت هذه الخلايا بجذور الزنجبيل. إن مركبات الزنجبيل تحمي المادة الوراثية بقدر ما تفعل الأدوية الموصوفة لعلاج آثار الإشعاع بجرعة أقل ب ١٥٠ مرة. وأولئك الذين يتناولون الزنجبيل لمنع دوار الحركة خلال السفر جوًّا ربما تتحقق لهم كذلك حماية مما هو أكبر من الغثيان.

هناك أطعمة شائعة أخرى قد توفر الحماية في مواجهة أضرار الإشعاع منها الثوم، والكركم، وتوت الكوجي، وأوراق النعناع، لكن أيًّا من هذه الأطعمة لم يجر اختباره في دراسات علاجية. كيف لنا أن نختبر القدرة الوقائية لأطعمة يأكلها الإنسان بخلاف دراستها في أطباق مختبرية؟ لدراسة مدى قدرة الغذاء على الحماية من الإشعاعات الكونية، تم إخضاع الطيارين للدراسة، فهل تعلم مَن الذين خضعوا للدراسة لبيان فاعلية الغذاء أمام التعرض لأشعة إكس؟ إنهم فنيو تشغيل أجهزة الأشعة.

لقد وجد أن عمال المستشفيات الذين يقومون على تشغيل أجهزة الأشعة هم أكثر من يعانون تلف المادة الوراثية ومستويات أعلى من الإجهاد التأكسدي مقارنة بغيرهم من العمال في المستشفيات. لهذا السبب، اختار الباحثون مجموعة من فنيي أجهزة أشعة إكس وطلبوا منهم شرب كوبين من شاي الترنجان المخزني كل يوم ولمدة شهر (الترنجان المخزني هو عشب من فصيلة النعناع). وحتى مع هذا الإطار الزمني الضيق، أظهر هذا المشروب قدرة على تعزيز إنزيمات مضاد الأكسدة في دم المشاركين وقل في الوقت ذاته مقدار التلف في المادة الوراثية.

الفائدة الواقعية للغذاء مقابل العقاقير

وفق دراسة على ما يزيد على مائة ألف من ولاية مينيسوتا الأمريكية، ظهر أن سبعة من كل عشرة أشخاص يوصف لهم دواء واحد على الأقل كل عام. أكثر من نصف هؤلاء يوصف لهم صنفان أو أكثر من الأدوية، و٢٠٪ يوصف لهم خمسة أصناف أو أكثر. يصرف الأطباء أكثر من أربعة بلايين وصفة دواء كل عام في أمريكا. ما يعني ثلاث عشرة وصفة دواء لكل رجل وامرأة وطفل.

إن أكثر الأصناف ورودًا في وصفات الأطباء اثنان هما: سيمفاستاتين، وهو دواء لخفض الكوليسترول، وليسنوبريل، دواء لخفض ضغط الدم. وهناك العديد من العقاقير التي تطرح كمحاولة للوقاية من الأمراض. لكن إلى أي مدى تفلح هذه الأدوية؟

الإفراط في الثقة بفاعلية الأدوية والإجراءات الطبية في الوقاية من الأمراض ربما كان السبب في تهوين الأطباء والمرضى على السواء من قدرة التدخلات الغذائية والتغييرات في نمط الحياة. وفق استبيانات، يميل الناس إلى التضخيم البالغ في قدرة المسح السيني للثدي ومنظار القولون على الوقاية من السرطان، أو في قدرة أدوية مثل فوساماكس في منع الكسور، وعقار ليبتور في الوقاية من نوبات القلب القاتلة. ويعتقد المرضى أن عقاقير الستاتين الخافضة للكوليسترول أكثر فاعلية بعشرين مرة في الوقاية من النوبات القلبية. فلا عجب إذن أن يظل الناس على اتكالهم على العقاقير في إنقاذ حياتهم! لكن السر الصغير هنا هو أن معظم من تم استبيان آرائهم قالوا إنهم لن يكونوا مستعدين لتكرار تناول هذه العقاقير إذا علموا قلة الفائدة التي توفرها في الواقع.

فإلى أي مدى تفتقد أكثر الأدوية شيوعًا في أمريكا إلى الفاعلية؟ حين يتعلق الأمر بأدوية الكوليسترول، وضغط الدم، والسيولة، فإن فرص المرضى ذوي الحالات الخطرة في الإفادة من تلك العقاقير لا تتجاوز ٥٪ على مدار خمس سنوات. وحين سئلوا، قال معظم المرضى إنهم يريدون من يخبرهم بالحقيقة. لكننا، كأطباء، نعلم أننا إذا بحنا بهذه الحقائق للمرضى، فإن معظمهم لن يستجيب لتناول الأدوية كل يوم ولبقية حياته، وهو الأمر الذي سيكون كارثيًّا لقلة من المرضى يستفيدون فعلًا من هذه الأدوية. ولهذا يبالغ الأطباء في شركات الأدوية في وصف الفوائد بالتغاضي عن ذكر محدودية فاعليتها على أرض الواقع. وحين يتعلق الأمر بمرض مزمن، سنجد أن ممارسة الطب التقليدي لا تختلف كثيرًا عن مجرد الخداع.

بالنسبة لملايين المرضى الملتزمين بتناول تلك العقاقير التي لا تفيد، لا تكمن مأساتهم في المال المهدر والآثار الجانبية، فبالنسبة لي، أرى المأساة الحقيقية هي فقدان جميع الفرص في معالجة الأسباب الحقيقية لحالات المرضى. حين يبالغ الناس بشدة في مدى الوقاية التي توفرها لهم أدويتهم، يصبحون أقل استعدادًا لإحداث التغييرات الغذائية الضرورية لتقليل مخاطر إصابتهم على نحو كبير.

خذ مثلًا عقاقير الستاتين، لخفض مستوى الكوليسترول. أفضل ما يمكنها تقديمه بشأن تقليل الخطر المطلق لوقوع نوبة قلبية تالية أو وقوع الوفاة لا يتجاوز ٣٪ على مدى أكثر من ست سنوات. في حين يوفر الطعام النباتي الكامل نتيجة أفضل من ذلك بعشرين مرة، فينخفض بمعدل الخطورة إلى ٦٠٪ بعد أقل من أربع سنوات. في 2014، نشر الدكتور كالدويل إيسلستين الابن سلسلة حالات لقرابة مائتي شخص بأمراض قلبية خطرة تظهر أن اتباع نظام غذائي نباتي بالقدر الكافي يمنع حصول نوبات قلبية خطرة في ٩٩.٤ من الحالات التي اتبعت النظام.

أنت بالقطع لا تملك رفاهية الاختيار بين اتباع نظام غذائي صحي وتناول حبة دواء لمنع نوبة قلبية؛ لأن الأدوية لن تجدي في المدى القريب في ٩٧٪ من الحالات. وقطعًا ليست الحال بين الغذاء والدواء حال نفور كامل، فهناك العديد من الخاضعين لنظام رعاية الدكتور إيسلستين تابعوا تناول أدوية القلب الخاصة بهم. كل ما هنالك أنك بحاجة لإدراك الحجم الواقعي لفاعلية محتويات الأدوية التي تتناولها مقارنة بمحتويات ثلاجتك. قد تبقى أمراض القلب القاتل الأول للرجال والنساء وحتى الأطفال إذا ما استمر الأطباء في الاعتماد على الأدوية والدعامات. لكنك إن اتبعت غذاء صحيًّا، فقد تتمكن من إبعاد الخطر المحدق بقلوبنا. وتلك حقيقة على الأطباء أن يكونوا فخورين بإذاعتها على مسامع مرضاهم.

الأسبرين

فهل للأدوية المتاحة دون وصفة طبية أية فاعلية؟ وخذ الأسبرين كمثال لهذه الأدوية. ربما يكون الأسبرين هو أكثر الأدوية شيوعًا في العالم، إنه متوافر كعقار منذ ما يزيد على قرن. أما مادته الفعالة، وهي حمض الساليسيليك، فظلت تستخدم في صورتها الطبيعية (كمستخلص من لحاء الأشجار) لتخفيف الألم والحمى لآلاف السنين. أحد أسباب شيوع استخدامه إلى الآن – رغم وجود مسكنات ألم أفضل منه حاليًّا – كونه يستخدم من قبل ملايين الأشخاص بشكل يومي لزيادة سيولة الدم وذلك لتقليل خطر حدوث النوبات القلبية. غالبًا ما تقع النوبات القلبية بسبب تجلط دموي ناتج عن تصلب شرياني في أحد الشرايين التاجية. وتناول الأسبرين قد يساعد على إيقاف حدوث ذلك.

يقلل الأسبرين كذلك من خطر الإصابة بالسرطان. تتمثل فاعليته في قيامه بقمع إنزيم يثير عناصر تساعد على التجلط، ومن ثم تحدث السيولة. وفي الوقت ذاته يوقف مركبات مساعدة على الالتهاب تسمى بورستاجلاندينز، وهو ما يقلل الألم والتورم والحمى. وهذه المركبات تساعد كذلك على تمدد الأوعية اللمفاوية داخل الأورام، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار الخلايا السرطانية. ومن أسباب قناعة الأطباء بقدرة الأسبرين على الوقاية من السرطان هي قدرته على مواجهة محاولات الورم فتح تمددات ليمفاوية خارج موضعه لتسهيل انتشاره عبر الجسد.

فهل يجب علينا إذن أن يتناول كل منا حبة يومية من الأسبرين منذ الصغر؟ (لاحظ أن الأسبرين لا يجب أن يعطى للرضع أو الأطفال). كلا، لا يجب. لأن للأسبرين آثاره الجانبية، فذات الفائدة المتمثلة في زيادة السيولة قد تستحيل إلى خطر حين تؤدي إلى نزيف دماغي، حيث يحصل نزيف في المخ. يمكن للأسبرين كذلك أن يتلف بطانة المسار الهضمي. بالنسبة لأولئك الذين أصيبوا سابقًا بنوبة قلبية وتابعوا نمطهم الغذائي السابق (وبالتالي هم قريبون جدًّا من الإصابة بنوبة قلبية أخرى)، فإن تحليل المنافع والمخاطر واضح جدًّا في هذه الحالة: تناول الأسبرين أنفع بست مرات من حجم مخاطره. لكن بالنسبة للجمهور العادي الذين لم تصبهم نوبات قلبية، فإن تحليل الفوائد والمخاطر يخرج بنتيجة تعادلية تقريبًا. بمعنى أن تناول الأسبرين بشكل يومي ليس محبذًا. إذا قلنا إنه يقلل مخاطر السرطان بنسبة ١٠٪، فإن ذلك قد يميل بميزان الفوائد والمخاطر لصالح الأسبرين. وإذا علمنا أن تناوله بجرعة منتظمة ومنخفضة قد يقلل من مخاطر الوفاة بالسرطان بمقدار الثلث، فإن ذلك قد يغري بتوصية الجميع بتناوله. إلا إذا كنت قادرًا على الحصول على فوائده دون مخاطره.

شجرة الصفصاف ليست النبات الوحيد الذي يحتوي على حمض الساليسيليك، فهو موجود على نطاق واسع في العديد من الفواكه والخضراوات. وهذا هو السر في وجود مادة الأسبرين الفعالة في دم كثيرين لا يتعاطونه أصلًا. كلما زدت من تناولك للفاكهة والخضراوات، زاد مستوى حمض الساليسيليك في دمك. بل إن أصحاب الأنظمة الغذائية النباتية تزيد مستويات الحمض في دمهم على أولئك الذين يتناولون جرعة منتظمة صغيرة من الأسبرين.

مع كل هذا الفيض الهائل من حمض الساليسيليك، قد تظن أن النباتيين هم أكثر عرضة للإصابة بالقرح، فمعروف أن الأسبرين يأكل المعدة أكلًا. لكن الحقيقة أن النباتيين هم أقل عرضة للإصابة بالقرح. فكيف ذلك؟ لأن حمض الساليسيليك، في النبات، يأتي مزودًا بشكل طبيعي بمغذيات واقية للمعدة، فمثلًا، أكسيد النيتريك الناتج عن نترات غذائية له آثار وقائية على المعدة بتعزيزه تدفق الدم وإنتاج المخاط الوقائي في بطانة المعدة، وهي آثار تواجه بشكل واسع التأثير المساعد على تكون القرح المصاحب لتناول الأسبرين. وعليه فإن الجمهور العادي بتناوله لأطعمة نباتية لا يحصل فقط على منافع الأسبرين دون مخاطره بل يحصلون على المنافع – إضافة لمنافع أخرى.

من أصيبوا سابقًا بسكتة قلبية عليهم الالتزام بنصيحة الطبيب، والتي ستشمل على الأغلب تناول الأسبرين كل يوم. لكن ماذا عن الآخرين؟ أرى أن على الجميع تناول الأسبرين– لكن في صورته الطبيعية، لا في حبة دواء.

إن ما تحتويه النباتات من حمض الساليسيليك يفسر القدرة الوقائية الكبيرة للأنماط الغذائية النباتية التقليدية، فمثلًا، قبل أن يميل طعامهم للأسلوب الغربي، كانت المنتجات الحيوانية لا تتعدى ٥٪ من طعام اليابانيين. خلال هذه الفترة من خمسينيات القرن الماضي، كانت معدلات الوفاة بسرطانات القولون والبروستاتا والمبيض أقل ما بين خمس إلى عشر مرات في اليابان مقارنة بالولايات المتحدة، بينما تقل نسب سرطان البنكرياس واللوكيميا والليمفوما ما بين ثلاث وأربع مرات. وكما رأينا في هذا الكتاب، فإن معدلات السرطان وأمراض القلب الغربية تتراجع بشدة بين الشعوب التي يتركز غذاؤها على الأطعمة النباتية.

إن كان جزء من تلك الوقاية عائدًا للمغذيات النباتية التي يحملها الأسبرين، فأي نباتات على وجه الخصوص غنية بهذه المواد؟ في حين يوجد حمض الساليسيليك بشكل مطلق في الخضراوات والفاكهة، فإن الأعشاب والتوابل تتمتع بأعلى تركيز له. فبودرة الفلفل الحار والبابريكا والكركم غنية بهذا المركب، لكن الكمون هو أعلاها غنى به. إن ملعقة واحدة من الكمون تعادل حبة أسبرين خفيفة. ويفسر لك هذا السر في كون الهند – وهي أكثر بلاد العالم استخدامًا للتوابل – أقل البلدان في نسب الإصابة بسرطان القولون – وهو السرطان الأكثر حساسية لتأثير الأسبرين.

وكلما زاد التتبيل كان أفضل! فطبق خضار الفيندلو الحريف يحتوي على نسبة من حامض الساليسيليك أكبر بأربع مرات من تلك التي يحويها طبق خضار أخف تتبيلًا. خذ وجبة واحدة منه وستحصل على ما تحتاج إليه من حامض السالسيكاليك كأنك تناولت الأسبرين تمامًا.

إن فوائد هذا الحامض تعد سببًا آخر يدفعك للبحث عن الطعام العضوي، فلأن النباتات تستخدم هذا الحامض كهرمون دفاعي، فإن نسبته قد تزيد في النبات حين يتعرض للعض مثلًا من بعض الحشرات. والنباتات التي ترش بالمبيدات الحشرية لا تتعرض للهجوم كثيرًا، ومن ثم لا تجد فيها ذات المستوى نفسه من الحامض، في إحدى الدراسات، مثلًا، وجد أن الحساء المصنوع من خضار عضوي تزيد فيه نسبة حامض الساليسيليك بست مرات على تلك التي أعدت بمحتويات تقليدية وغير عضوية.

وثمة سبيل آخر للحصول على معدلات أعلى من هذا الحامض باستهداف الأطعمة الكاملة. مثل خبز القمح الكامل، فهو لا يوفر معدلات أعلى من الساليسيليك فحسب بل تزيد فيه المغذيات بشكل عام مائة مرة على القمح الأبيض – ثمانمائة مقابل ثمانية تقريبًا.

ربما ينصب التركيز على حامض الساليسيليك لضخامة البيانات الواردة عن الأسبرين، لكن هناك مئات المغذيات النباتية الأخرى التي لها تأثير مضاد للالتهاب ومضاد للأكسدة كذلك. مع هذا، ومع قوة الدليل على فاعلية الأسبرين، هناك من يتحدث في مجال الصحة العامة عن انتشار “لنقص حامض الساليسيليك”، معتبرين أن المركب يعد فيتامينًا أساسيًّا: “فيتامين إس”. وسواء كانت الفائدة عائدة لهذا الحامض أو لمجموعة أخرى من المغذيات في الأغذية النباتية الكاملة، فإن الحل نفسه يبقى ذاته: تناول المزيد منها.

منظار القولون

منظار القولون. لعلك لن تجد أبدًا إجراءً طبيًّا نمطيًّا مخيفًا أكثر من هذا العمل، في كل عام، يقوم الأطباء بإجراء قرابة أربعة عشر مليون عملية منظار قولون، وهو فحص لبيان وجود تغيرات غير طبيعية في الأمعاء الغليظة (القولون) والشرج، في هذا الإجراء يتم إدخال أنبوب مرن بطول ١٥٢.٤ سنتيمترات مثبتة به كاميرا صغيرة ويتم نفخ القولون بالهواء للتمكن من رؤية بطانته. وأي تكونات مشبوهة أو أنسجة غريبة تؤخذ منها عينات للفحص. وتساعد مناظير القولون الأطباء على تشخيص أسباب النزيف الشرجي أو الإسهال المزمن، لكن البحث عن سرطان في القولون ربما يكون أكثر أسباب إجراء هذه المناظير شيوعًا.

من الأسباب التي تصعب على الأطباء إقناع مرضاهم بالعودة إلى القيام بهذا الإجراء عملية تطهير البطن، والتي يجبر فيها المريض على شرب كميات من مسيل قوي قبل عمل المنظار وذلك لتطهير القولون من كل ما فيه. وهناك كذلك الألم والقلق المصاحب للإجراء ذاته (رغم أنك تعطى عقاقير لفقدان الذاكرة تساعدك على نسيان ما كان عليه الأمر)، ومشاعر الحرج والانكشاف، والخوف من أية تعقيدات قد تطرأ. هذه المخاوف ليست أوهامًا محضة؛ فعلى الرغم من النمطية الشديدة لهذا الإجراء، فإن تعقيدات خطيرة تحصل فيه بمعدل حالة بين كل ٣٥٠ حالة، ومن ذلك مشكلات مثل حدوث ثقوب أو نزيف قاتل. قد تقع الثقوب حين يرتطم طرف المنظار بجدار القولون، أو حين تتم المبالغة في نفخ القولون، أو حين يقوم الطبيب بكي موضع نزف بعد أخذ العينة. وفي حالات نادرة جدًّا، قد يتسبب هذا الجهاز في إثارة بقايا غازات وهو ما قد يتسبب في انفجار القولون حرفيًّا.

الموت بسبب مناظير القولون حالات نادرة، حيث تقع حالة وفاة في كل ٢٥٠٠ عملية. إن هذه النسبة البسيطة تصل بحجم من يموتون كل عام خلاله بالألوف، ما يطرح سؤالًا: هل تفوق منافعه مخاطره؟ إن مناظير القولون ليست هي الطريقة الوحيدة لمسح القولون بحثًا عن السرطان. مؤسسة الخدمات الوقائية الأمريكية، الكيان الرسمي المخول بوضع الحدود الإرشادية، تعتبر المناظير مجرد إحدى الطرق المقبولة لمسح القولون. ويجب على كل فرد وصل إلى الخمسين إما أن يقوم بعمل منظار للقولون كل عشر سنوات، أو أن يقوم بعمل تحليل للبراز بحثًا عن الدم كل عام (والذي لا يشمل أي مسح بصري)، أو عمل منظار سيني كل خمس سنوات مع تحليل للبراز كل ثلاث سنوات. الأدلة الداعمة لمنظار القولون أو اختبار المادة الوراثية في البراز ليست كافية. ورغم أن أعمال المسح الروتينية لم يعد يوصى بها لمن هم في الخامسة والسبعين، هذا يعني أن اختباراتك كانت سلبية لخمس وعشرين سنة. إن كنت الآن في الخامسة والسبعين، ولم يجر لك أي مسح، فلعلها فكرة سديدة جدًّا أن تجري مسحًا واحدًا على الأقل في ثمانيناتك.

إن التنظير السيني يستخدم منظارًا أقل بكثير من منظار القولون وتبعاته أقل بعشر مرات. لكن لأن المجهر فيه لا يتجاوز مداه داخل الجسم مقدار ٦١ سنتيمترًا، فقد يفوته رصد الأورام في مناطق أبعد، فأيهما أفضل بشكل عام؟ لن نعرف على وجه الدقة إلا بعد إجراء تجارب عشوائية محكومة على منظار القولون تكون جاهزة للنشر في عشرينيات القرن الحالي. ومعظم الدول المتطورة لا توصي بأي من الطريقتين في المسح. وبالنسبة لسبيل مسح القولون بحثًا عن سرطان فإنهم لا يزالون يوصون باختبار دموية البراز.

فأي الطرق الثلاث أنسب لك؟ إن هيئة الخدمات الوقائية الأمريكية ترى أن قرار اختيار الطريقة يجب أن يتخذ على أساس فردي بعد موازنة المنافع والمخاطر مع الطبيب.

لكن إلى أي مدى يخطر الأطباء مرضاهم بما هو متاح من خيارات؟ قام باحثون بتسجيل زيارات الأطباء لاستبيان ذلك. كانوا يبحثون في هذه التسجيلات عن تسعة عناصر أساسية لاتخاذ القرار على بينة، التي تشمل شرح المنافع والمساوئ لكل خيار، وبيان جميع البدائل، والتأكد من فهم المريض لهذه البدائل.

للأسف، حين تعلق الأمر بمسح للقولون، وجد أن الأطباء والممارسين، وفي معظم الأحيان، لا يبلغون مرضاهم بأي من هذه المعلومات الحيوية، لا يذكرون أيًّا من العناصر التسعة. ويصف ذلك مقال في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية بالقول: “الاحتمالات والهواجس التي يجب على المرضى مدارستها كثيرة جدًّا ووقت الأطباء أقل كثيرًا من إمكانية مناقشتها مع المرضى”. ولذا فإن كل ما يفعله الأطباء هو ضبط قرار المرضى على ما يرونه هم، فماذا يختارون؟ في استبيان موله المعهد الوطني للسرطان لأكثر من ألف طبيب، وجد أن كل الأطباء تقريبًا (٩٤.٨٪) يوصون بعمل منظار قولون. فلماذا يدفع الأطباء في الولايات المتحدة باتجاه منظار القولون بينما يفضل الناس في بقية أرجاء العالم الوسائل غير الاقتحامية؟ ربما يكون ذلك؛ لأن بقية الأطباء في العالم لا يتلقون أجرًا على هذا الإجراء. فكما يقول أحد إخصائيي الجهاز الهضمي: “منظار القولون هو الدجاجة التي تبيض ذهبا”.

في تحقيق استقصائي بجريدة النيويورك تايمز عن التكاليف المتزايدة للرعاية الصحية، ذكر أنه في العديد من الدول المتقدمة الأخرى، لا تكلف مناظير القولون أكثر من بضع مئات من الدولارات، فماذا عن الولايات المتحدة؟ يكلف هذا الإجراء آلافًا، وهو الأمر الذي رأى الصحفيون أنه غير مرتبط بتقدم تقني معين بقدر ارتباطه بالخطط التجارية لتعظيم حجم المكاسب، والتسويق، وجماعات الضغط. فمن المسئول عن تحديد الأسعار؟ إنها الجمعية الطبية الأمريكية. تكشف الواشنطن بوست في تحقيق أجرته أنه في كل عام، تحدد لجنة سرية من الجمعية الطبية الأمريكية الحدود السعرية للإجراءات الطبية الشائعة. والنتيجة تقديرات مبالغ فيها للوقت اللازم لإجراء خدمات طبية شائعة. وكما بينت الجريدة فإنه لو سلمنا بالتقديرات التي تضعها الجريدة، فسيكون على بعض الأطباء العمل لأربع وعشرين ساعة كاملة لإجراء جميع الأعمال التي يوردون بها تقريرهم لسلطات الخدمات الصحية والتأمين. هل من عجب إذن أن أطباء الجهاز الهضمي يجنون سنويًّا ٥٠٠ ألف دولار تقريبًا؟

لكن ما الذي يدفع طبيب الأسرة أو المتدرب إلى القيام بهذا الإجراء رغم أنه لن يكون هو من يجريه؟ إن كثيرًا من الأطباء الذين يحيلون مرضاهم لإخصائيي الجهاز الهضمي يتلقون محفزات مالية ليست قليلة على ذلك. إن مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكي يعلق على هذه الممارسة التي تسمى إحالات ذاتية، حيث يحيل مقدمو الخدمة الصحية مرضاهم إلى جهات يرتبطون معها بمصالح مالية. ويقدر المكتب أن الأطباء يقومون بعمل إحالات غير ضرورية تصل إلى مليون إحالة سنويًّا بسبب التربح الشخصي منها.

إن إمكانية تجنب النوبات القلبية تصل إلى ٩٦٪ بين النساء اللاتي يأكلن أطعمة كاملة العناصر ويلتزمن بنمط حياة صحي. إن قاتل النساء الأول من الممكن ألا يحصل لهن أبدًا