التصنيفات
الصحة العامة

الأنزيمات: سر الحياة الصحية

هذه خلاصة الحقيقة التي توصل إليها الدكتور شينيا، بعد فحوصه التي أجراها للسبل المعدية المعوية (الأجهزة الهضمية) لما يتجاوز مئات الألوف من المرضى، خلال 35 سنة في ممارسة العلاج السريري كاختصاصي في التنظير الداخلي (الباطن)، وبوصفه أول شخص في العالم يستأصل سليلة (كتلة من النسيج تبرز من سطح طبيعي إلى الخارج أو إلى الداخل وتشبه الزائدة اللحمية) باستخدام منظار القولون دون الحاجة إلى إجراء جراحة شق جدار البطن، الأمر الذي جعله مطلب الملايين من الناس في الولايات المتحدة، ممن هم بحاجة إلى إجراء فحوص للقولون أو استئصال السليلات بطريقته الأقل ضرراً.

هذا لنقف على تاريخه الطبـي المميز، وخبرته الفريدة المكتسبة من اطلاعه على الكم الهائل من السبل الهضمية ومعالجتها متخذاً البحث العلمي منهجاً للوقوف على أسباب تدهورها الذي بدوره يؤدي إلى تراجع الصحة الجسدية والنفسية.

يؤكد د. شينيا أن الجهاز الهضمي لشخص ما حين يكون سليماً، يستطيع جسم ذلك الشخص بسهولة مقاومة الأمراض على اختلاف أنواعها، فالتشخيص يثبت أن الإنسان السليم جسدياً ونفسياً يتمتع بخصائص معدية معوية جيدة.

كما أثبتت النتائج التي توصل إليها من استبياناته التي أجراها على المرضى ومن معطيات سريرية مختلفة، إن هناك عاملاً واحداً يمارس دوراً أساسياً في الحفاظ على صحة الفرد، بدءاً من جهازه الهضمي وامتداداً وشمولاً لبدنه ككل، إن هذا العامل هو العامل الأنـزيمي.

ما هو الأنزيم؟

الأنـزيم (مصطلح عام يطلق على محفز بروتيني يصنع في داخل خلايا الكائنات الحية. وحيثما كانت هناك حياة سواء أكانت حيوانية أو نباتية، كانت هناك أنـزيمات دائماً، والأنـزيمات تشترك في جميع التفاعلات الضرورية للحفاظ على الحياة، من قبيل التركيب والتفكيك والنقل والإفراز وإزالة السموم والإمداد بالطاقة. ولولا الأنـزيمات لما كانت الكائنات الحية قادرة على الحفاظ على الحياة).

إنها الأنـزيمات، العامل الفعّال في مختلف أنشطة الكائنات الحية بذوراً صغيرة كانت أم إنساناً فبرعم البذرة يبرز من داخل البذرة نتيجة لعمل الأنـزيمات الموجودة في البذرة الحية. كما ينمو ذلك البرعم ويصبح ورقة خضراء بفعل الأنـزيمات أيضاً.

هذه الحقيقة تجعلنا ندرك بوضوح بأن البذور (الحبوب) المقشورة كالرز الأبيض و(الحبية) التي هي عبارة عن قمح مقشور والتي يعتبر تناولها يومياً وعلى وجه الخصوص الرز، عادة غذائية شائعة ومترسخة في الغالبية العظمى من الأسر العراقية هي حبوب ميتة، لا حياة فيها والدليل على صحة ذلك، إنها لا تبرز براعماً عند وضعها في ظروف إنبات سليمة، بل على العكس نجدها تتعفن، لماذا..؟ لأنها خالية من الحياة فاقدة للأنـزيمات.

وفيما يخص دور الأنـزيمات في أبداننا ودعماً لما جاء في دراسة د. شينيا نقرأ للدكتور جميل القدسي في دراسته (أسرار القمح) قوله: (وقد ظلمنا الأنـزيمات عندما اعتقدنا أنها تعمل في الجهاز الهضمي وهي تعمل في كل خلايا الجسم).

إن معظمنا على الأغلب يعتقد أن الأنـزيم اسم متعلق بالهضم، وفي الجهاز الهضمي فقط، إن هناك بعض الأنـزيمات التي تفرز في الجهاز الهضمي وتكون وظيفتها الأساسية تفكيك المواد الغذائية، مثل البروتينات والدهنيات والكاربوهيدرات إلى وحدات بسيطة، مثل الأحماض الأمينية التي تتفكك من البروتينات والأحماض الدهنية التي تتفكك من الدهون، والسكاكر الآحادية التي تتفكك من الكاربوهيدرات تحت تأثير الأنـزيمات.

إلا أن مفهوم الأنـزيمات أكبر من ذلك وأوسع بكثير، إذ تعمل الأنـزيمات في كافة أنحاء الجسم، في الدماغ والقلب والرئتين والكلى والدم والجهاز اللمفاوي والجهاز التناسلي والبولي وفي كل خلية من خلايا الجسم بدون استثناء، فهي بحق (وسائل التكنولوجيا الربانية الخاصة في جسم الإنسان) كما يصفها د. القدسي، فهناك مليارات من التفاعلات الحيوية التي تحدث في أجسامنا والتي لا تحصل ولا تستمر ولا تكتمل إلا بواسطة الأنـزيمات.

مصادر الأنزيمات في أبداننا

من بين أكثر من خمسة آلاف نوع من الأنـزيمات العاملة في جسم الإنسان كما يذكر د.شينيا، هناك فئتان كبيرتان، فئة تركب في داخل أجسامنا، والفئة الثانية نحصل عليها عن طريق الغذاء.

بالإضافة إلى أنّ هناك نحو ثلاثة آلاف نوع من الأنـزيمات تصنعها الجراثيم أو البكتيريا المعوية في أجسامنا.

والشيء الواضح – كما يخبرنا – أن العادات الشائعة بين الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص معدية معوية جيدة، إنهم يأكلون الكثير من الأطعمة الطازجة التي تتميز باحتوائها على الكثير من الأنـزيمات. وهذا لا يعني أن طعامهم الجيد الغني بالأنـزيمات، وفّر لهم الأنـزيمات التي يحتويها فحسب، إنما هو إضافة إلى ذلك، يعمل على توليد بيئة معوية صحية في أبدانهم، تجعل البكتيريا المفيدة في أمعائهم، منتجة للأنـزيمات بكفاءة عالية. وبذلك تتضاعف الفائدة التي يقدمها ذلك النوع من الغذاء الطازج الغني بالأنـزيمات إلى أبدان الذين يتناولونه.

وفي المقابل يشترك الأشخاص ذوي الخصائص المعدية المعوية السيئة في أسلوب حياة من شأنه زيادة استهلاك الأنـزيمات من أبدانهم، مثل إدمانهم على التدخين وتناول الأطعمة بكميات كبيرة والاختيار السيئ للأطعمة الحاوية على الإضافات الطعامية المصنّعة من منكهات ومكسبات لون ومواد حافظة بالإضافة إلى استخدام الأدوية والتواجد في بيئات ملوثة ومجهدة والتعرض المستمر للضغوط التي تثير في نفوسهم الكرب والأحزان. كل ذلك من شأنه أن يستنفد أعداداً هائلة من الأنـزيمات.

نفهم من ذلك أن لنا دوراً من مصلحتنا ألاّ نغفل عنه في غنى أجسامنا أو فقرها إلى الأنـزيمات وعلى أساس هذه المعرفة أصبح من الضروري تكثيف الاهتمام والعناية المدروسة بنظامنا الغذائي وأسلوب حياتنا.

عندما تمتلك أجسامنا الكثير من الأنـزيمات، تتعزز طاقة الحياة والجهاز المناعي فيها. علينا إذاً أن نتعرف على كل ما من شأنه استهلاك أنـزيمات أبداننا لتجنبه، والمثابرة في معرفة كل ما من شأنه منحها لنا أو تصنيعها.

الأنزيمات في غذائنا

يقرّ الخبراء والباحثون في هذا المجال بعدم إمكانية تحضير الأنـزيمات صناعياً في الوقت الحاضر، وبأن تركيبها الطبيعي لا يتم إلا في داخل الكائنات الحية.

فلا سبيل لنا في الحصول عليها إلا من خلال الكائنات الحية المصنعة لها، وعليه بإمكاننا الحصول على الأنـزيمات من المحاصيل النباتية الطازجة حديثة القطف أو القلع من التربة والتي نمت في أرض غنية بالمعادن من دون استخدام المخصبات الكيميائية، ولكي ننتفع بها علينا أن نتناولها مباشرة بعد جنيها قبل أن تتلف أنـزيماتها، وإن كان الحصول على منتجات زراعية بهذه المواصفات أمراً صعباً، لكن من الممكن تيسيره فيما لو عمّت المعرفة في مجال الغذاء الصحي بين عامة الناس، وتوفرت الهمة المتأججة حماساً وشوقاً لإصلاح الأرض والبدن.

من المحاصيل الغنية بالأنـزيمات البقوليات والحبوب الكاملة (غير المقشورة) وغير المسمدة بالأسمدة الكيميائية ولكنها أيضاً صعبة المنال في بلدنا. وتتواجد فقط في الأسواق التي تسوق الأغذية الصحية الطبيعية. الحمد لله، نجد أنواعاً عديدة من البقوليات والحبوب وهي جميعها مخازن لأنواع الأنـزيمات، وبإمكاننا مضاعفة ما فيها من خيرات ببرعمتها، أو بتحويلها إلى عشب أخضر. من بين هذه الأطعمة النباتية، سنختار حب القمح، لنتعرف على كنوزه وكيفية استثمارها في صحتنا، وهو الحب الذي يصفه د. جميل القدسي في (أسرار القمح) بأنه (ملك الطعام ومن أعظمه على الإطلاق). ونراه يرجع ذلك على وجه الخصوص إلى أنـزيماته التي هي المادة الأهم من بين مكوناته الأخرى. وهو كثيراً ما يكرر ذلك، رغبة منه في أن يعلم الناس، أن هناك في خلايا القمح ما هو أفضل من كل المكونات التي يعرفونها في تركيبه وأكثرها تغذية وبناء وصحة وعلاجاً ووقاية وشفاء بإذن الله، ألا أنها الأنـزيمات.

فلنصغ إلى قوله في ذلك (إن حبوب القمح تحتوي على عناصر عظيمة تعتبر قادة عظماء، يستطيعون أن يتدخلوا في كافة أنحاء الجسم تقريباً، ذلك لأن أسماء الأنـزيمات التي تحتويها حبة القمح، يكاد لا يخلو سنتيمتر واحد تحدث فيه تفاعلات حيوية في جسم الإنسان إلا ويحتاج لواحد من هذه الأنـزيمات العظيمة أو أكثر من الأنـزيمات التي استودعها الله في حبة القمح).

ولثراء حبوب القمح بكل مقومات الصحة، نجدها تُمثّل ركناً أساسياً في جميع أنظمته الغذائية (العلاجية) سواء أكانت المشكلة المرضية عضوية أو نفسية.

كما نقرأ للدكتورة مريم نور تأكيدها على أهمية القمح الغذائية والعلاجية، حيث تقول إنه (غذاء ودواء لكل داء) في تقديمها لكتاب (القمح المبرعم ومنافعه).

في الواقع هناك العديد من الدراسات التي تناولت هذه المادة الغذائية ودورها الذي لا يضاهى في بناء الصحة البدنية والعقلية والنفسية. لكن دراسة د. جميل القدسي تميّزت بتركيزها على أنـزيمات القمح بشكله المبرعم وعشبة القمح. وبما أن الأنـزيمات هي ضالتنا التي نبحث عن مواطنها في غذائنا، بعد أن وقفنا على مدى فعاليتها في توفير حياة صحية مديدة بفضل الله لذلك اخترنا الاستفادة من دراسته كمرجع مهم يشبع حاجتنا لما نحن بصدده.

تحضير القمح المبرعم.. وكيفية تناوله

د. أيمن الحسيني في كتابه (الغلال والحبوب أغذية الأصحاء والمعمرين)، يذكر طريقة لتحضيره تستغرق ثلاثة أيام:

في اليوم الأول يغسل القمح ويوضع في إناء وينقع بحيث يغطي الماء سطحه.

في اليوم الثاني يصفّى القمح من الماء ويترك في إنائه رطباً.

في اليوم الثالث، يحدث إنبات للقمح، حيث تظهر نقطة بيضاء بطرف حبة القمح والتي تمثل جنين القمح، وبذلك يكون القمح جاهزاً للتناول.

أما الطريقة التي تحضر بها د. مريم نور القمح المبرعم كما جاءت في كتابها مع كمال مزوّق (صحتين).. (وأنا أتبع هذه الطريقة في تحضيره منذ سنوات) فتتلخص بما يلي:

ينقع القمح بالماء مدة 12 ساعة تقريباً، ثم يصفى ويوضع في إناء زجاجي (علبة زجاجية شفافة) توضع فوق فوهتها قطعة من الشاش النظيف (أو منشفة صغيرة رطبة) بعد ذلك يغسل كل ست ساعات ويصفى من الماء جيداً كي لا يعفن، وبعد مرور 24 ساعة يبدأ التنبيت ببروز البرعم من طرف الحبة، حينها يرفع الشاش ويعاد الغطاء إلى الإناء ويوضع في الثلاجة ويكون جاهزاً للأكل.

بإمكاننا أن نبرعم كل أنواع الحبوب والبقوليات بنفس الطريقة السابقة لنحصل على قيمتها الغذائية المضاعفة.

أما عن طريقة تناول القمح المبرعم، فلأجل الحصول على قدر جيد من المغذيات الضرورية يومياً، يفضل تناول ثلاث ملاعق كبيرة منه، موزعة على الوجبات الغذائية، مع مراعاة مضغها بشكل جيد حتى تتحول إلى سائل في الفم لتتم الاستفادة القصوى من تناولها.

بعض الدراسات تحبّذ سكب ماء ساخن فوق القمح المبرعم قبل تناوله لتعقيمه وتطريته. لكن د. جميل القدسي يؤكد على أن هذه العملية تجعلنا نخسر الكثير من خصائصه النافعة، لذلك يرى من الأفضل تناوله نيئاً، وبدون سكب الماء الساخن فوقه أو تعريضه للحرارة بأي شكل كان. ولهذا السبب تعتبر طريقة خلطه مع السلطة أو أخذه منفرداً هي من أفضل السبل لتناوله.

أما عشبة القمح، فيمكن الحصول عليها من زرع القمح في أحواض أو سنادين أو حتى في الأرض مباشرة. في مكان يصله ضوء الشمس دون أشعتها، والمداومة على ترطيب تربته كلما جفّت حتى تظهر العشبة الخضراء وتصبح بارتفاع 12 سم تقريباً.

أما طريقة تناولها فباستطاعتنا – باستخدام الماكنة – أو بمضغها جيداً الحصول على عصيرها الأخضر، الذي يزوّد من يتناوله بنسبة مرتفعة من الأنـزيمات ومن العناصر الوفيرة والنادرة مما لا يستطيع أي طعام تزويده بها.

ومن طرق تناولها الأخرى أن تفرم هذه الأوراق الخضراء ناعماً – لأنها قاسية – وتخلط مع السلطة وهذه طريقة جيدة لأنها تخلط مع الليمون الحامض مما يوفر بيئة صالحة للاستفادة التامة من مغذياتها الوفيرة.

كما تعتبر إضافتها مفرومة إلى طبق الشوربة أو – أي نوع من أنواع المرق – عند تناوله مباشرة اختياراً سليماً للحفاظ على مغذياتها والاستفادة منها كاملة.

هذا ما يخص بعض مصادر الأنـزيمات في الأغذية النباتية.

وفي حال البحث عنها في الأغذية الحيوانية، سنجدها حتماً في اللحوم الطازجة من حيوانات حديثة الذبح، أو من الأسماك الطازجة.

الشيء اللافت للانتباه، هو أن معظم الأنظمة الغذائية الحديثة متفقة على ضرورة تقليل الحصة اليومية من اللحوم، وذلك لأسباب، منها ما يعود لطبيعة البروتين الحيواني بحد ذاته، مثل صعوبة هضمه بشكل كامل فيما إذا تمَّ تناوله بإفراط، مما يؤدي إلى تفسخه في الأمعاء وتكوين منتجات ثانوية سامّة. مما يستدعي الكثير من الطاقة لإزالة سمية هذه المواد. وعندما يستعمل مقدار كبير من الطاقة – كما يذكر د. شينيا – يتولد عدد كبير من الجذور الحرة (جزيئات غير ثابتة تلحق الضرر بالخلايا وتؤدي إلى أكسدتها) وهذه الجذور مسؤولة عن عملية التشيخ والإصابة بالسرطان كما أنها تهدر رصيدنا من الأنـزيمات، يضاف إلى ذلك خطر الدهون التي تحتويها اللحوم على الأغلب، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة في نسبة التعرض للمزيد من المخاطر الصحية.

كما أن عملية تفكك البروتين الزائد عن الجسم وطرحه عبر المثانة تسبب عبئاً إضافياً على الكبد والكليتين.

وبما أن البروتين الحيواني بروتين كامل، فهو ضروري لبناء بدن سليم. لذلك قد لا نجد نظاماً غذائياً صحياً يخلو منه، ولكن بنسبة محددة وتكاد تكون موحدة بين معظم الأنظمة الغذائية المتوازنة والتي لا تتجاوز 10-15 بالمئة كحصة يومية من الغذاء الكلي (ما عدا نظام الماكروبيوتك الذي يرى أن البروتين الحيواني يجب ألاّ يتناوله الفرد إلا مرة واحدة في الشهر إذا كانت له رغبة قوية في تناوله) لأن هذه النسبة المدروسة والمتفق عليها تقريباً في معظم الأنظمة الحديثة تجعلنا ننتفع بقيمته الغذائية العالية، وفي نفس الوقت نكون في مأمن من الآثار السلبية المترتبة على زيادة استهلاكه.

كلنا ندرك أن هذه النسبة المحددة من اللحوم، والتي ننتظر منها أن تدعم صحتنا يجب أن تكون طازجة، ومن مصادر طبيعية أي من مواشي لم تتعرض لحقن الهرمونات ووابل المضادات الحيوية ولم تتغذَّ على أطعمة مصنّعة أو ملوثة. لكن من الضروري التخلص من دهونها بإزالة كل ما قد علق بها من دهون عند تقطيعها وتهيئتها للطبخ، وحتى مرق اللحوم (الماء الذي سلقت به اللحوم) يفضل وضعه في الثلاجة بعد أن يبرد. لتسهيل إزالة ما به من دهون، بعد أن تتحول إلى طبقة جامدة فوق سطح السائل.

ليست اللحوم هي الأغذية الحيوانية الوحيدة الحاوية على الأنـزيمات كما أنها ليست الوحيدة التي تغطي حصة الفرد اليومية للبروتين الحيواني، بل هناك البيض والحليب والجبن واللبن والقشطة.

هناك أقوال وآراء متباينة فيما يخص هذه الأطعمة ذات المصدر الحيواني من قبل خبراء التغذية. والمنشأ الرئيسي لذلك التباين، هو التشكيك في سلامة مصادرها وفي طريقة تصنيعها. فهي غالباً ما تكون نتاج مشاريع تجارية بحتة، والمفروض أن ندرك أن صحة المستهلك لا تخطر في بال مصنعي هذه الأطعمة ولا في حساباتهم.

كل المراجع تتفق على أن الأطعمة التي تصنعها المشاريع التجارية لا تصلح أن تكون طعاماً للإنسان.

فالبيئة التي تُربّى فيها الحيوانات المنتجة لهذه الأطعمة هي أماكن شبيهة بالسجون، مليئة بالمبيدات الحشرية السامة التي تستخدم بكثافة لحماية الحيوانات من الإصابة بالأوبئة جراء تواجدها بكثافة في مناطق ضيقة. كما تتم إضافة مضادات حيوية وهورمونات صناعية ومواد كيميائية أخرى بانتظام إلى طعام الحيوانات.

يذكر (هيرمان أهيرا) في كتابه (جوهرة الماكروبيوتك)، إن العجل يتلقّى المزيد من حقن المضادات الحيوية والحمامات الكيميائية. كما يتم حبسه في صناديق صغيرة مظلمة ويقدم له طعام معالج كيميائياً بطريقة مصممة خصيصاً لتصاب العجول بالأنيميا، وذلك للحفاظ على لحم العجل ناعماً فاتح اللون.

وتجرى عملية إطعام الحيوانات وفق مبدأ عام وهو الحصول على أكبر قدر من الأوزان في أقل وقت وبأقل تكلفة. ومن أقوى وأخطر المواد التي تعطى لمواشي الإنتاج لتحقيق هذا الهدف هو هورمون جنسي صناعي يطلق علية اسم ثنائي أثيل ستلبسترول (DES). ويقال إن استخدام هذا المركب وحده في الثمانينيات كان ينتج (675) مليون رطل إضافي من اللحم البقري في الولايات المتحدة سنوياً.

واستمرت صناعة اللحوم ومنتجاته التجارية في استخدامه كمادة مدرّة للربح الوفير حتى يومنا هذا ولكن تحت مسميات أخرى عديدة كما تذكر المصادر الجريئة التي تفضح مثل هذه الجرائم الخفية.

وكان قد نشر في 24 يوليو سنة 1970، كما يذكر (هيرمان اهيرا)، إن قاضي دائرة محاكم الاستئناف السابعة في الولايات المتحدة قد قضى بما يلي: (تشير الإحصاءات إلى أن مادة أثيل ستلبسترول (DES)، هي بالتأكيد سبب من أسباب إصابة الحيوانات بالسرطان ومحتمل أن تكون من أسباب إصابة الإنسان به).

ولا زالت إلى اليوم تتبع نفس الأساليب السابقة في تغذية الحيوانات من مواشي ودجاج، مضافاً إليها تقنيات حديثة أخرى أكثر خطراً في سرية تامة، من أجل توفير اللحوم والحليب والبيض بكميات كبيرة مربحة. لذلك تعتبر المخاطر التي يتعرض لها الإنسان بسبب تناوله للأطعمة الحيوانية وحتى النباتية المصنعة تجارياً أكبر كثيراً من تلك التي كان يتعرض لها سابقاً.

وبعد هذه الحقيقة التي أصبحت واضحة عن معظم غذائنا العصري، وغيرها من الحقائق الأخرى المخبأة في ملفات الأغذية السوداء.

مَن منا لا يرى…؟ إن صحتنا وطاقتنا وحياتنا كلها، ستبقى في مهب الريح إن لم نأخذ على عاتقنا صناعة غذائنا.

ليس أمامنا إلا أن نـزرع بأنفسنا محاصيلنا الغذائية، وأن نربِّي على أرضنا المواشي التي نحتاج إليها في غذائنا، في مزارع طبيعية نـزرع عشبها بمعرفتنا بعيداً عن السموم الكيميائية. ونترك دجاجنا ينثر ترابها بأقدامه باحثاً عن غذائهِ الطبيعي بمعرفته وفطرته.

إنه الأمل والحلم والهدف الذي يجب أن نحياه واقعاً. إنها الفرصة لكي نكون الأوائل في إعادة الحياة إلى طعامنا وأعمارنا.

فتش عن الأنزيمات في عالم الكائنات المجهرية الحية

يذكر د. عبد الباسط محمد السيد في كتابه (جودة الغذاء) في موضوع صناعة الأنـزيمات ما يلي: (فشل البحث العلمي حتى الآن في التوصل إلى تخليق الأنـزيمات بشكل صناعي رغم وجود دراسات جادة أنفقت عليها مليارات الدولارات في هذا الشأن).

ويضيف د.شينيا، أن الأنـزيمات في الوقت الحاضر لا يمكن أن تصنع خارج خلايا الكائنات الحيّة لكننا نستطيع تصنيع أطعمة تحتوي على الأنـزيمات مثل الأطعمة المخمرة، فالأحياء المجهرية (البكتيريا النافعة) التي يحتويها هذا النوع من الطعام (المخمّر) هي التي تقوم بتركيب الأنـزيمات ودورنا يقتصر على إيجاد تلك البيئة الصالحة لتكاثر هذه الأحياء المجهرية المصنعة والمنتجة للأنـزيمات.

أعتقد أن الحصول على الأنـزيمات التي تصنعها البكتيريا النافعة التي تتكاثر في الأطعمة المخمرة هو السبيل الأسهل. خاصة بالنسبة للأسر التي تتقن عملية تخمير الخضار بأنواعه للحصول على المكبوس أو الطرشي وكذلك نحن ماهرون في تحضير الخل، وكلها أطعمة غنية بالكائنات المجهرية الحية النافعة المنتجة للأنـزيمات.

فإذا كُنا سابقاً نحضّر هذه الأطعمة سعياً وراء مذاقها ونكهتها. فلنحرص بعد اليوم على تحضيرها طمعاً في أنـزيماتها أيضاً.

الأطعمة المُخمَّرة، غذاءٌ تعرفه الموائد القديمة

أكاد أكون واثقة، أخي القارئ انك تشاركني الإحساس بوجود شعور عام يمكن وصفه بالقاصر يسيطر على البشر بتوالي الحقب الزمنية وراء بعضها، إنه الشعور السطحي الخادع الذي يوحي للإنسان بأن الحظ يحالفه لأنه يتنعَّم بجني ثمار التقدم العلمي، والازدهار التكنولوجي المبهرة. تلك التي حُرم أسلافه من التمتع بها، ويتمنى أن يرى ما سيحمله المستقبل البعيد من عجائب الحياة المرفهة للأجيال القادمة.

وفي المقابل نرى الحقيقة التي تكشف عن وجهها يوماً بعد يوم لتضعنا أمام واقع مغاير تماماً لما في الأذهان. فها نحن جميعاً نغرقُ في هموم وسموم وأمراض حياتنا المعاصرة الغادرة.

في حين أن المجتمعات القديمة التي لا تخلو نظرتنا إليها من الشفقة،كانت تقودها فطرتها الصافية إلى حيث تكمن منابع الحياة الصحية الهادئة، والتي في حال فقدها لا شيء يبهر ولا شيء يُمتع، فهي حقاً أهم ما يصبو إليه الإنسان في كل زمان ومكان.

إن تلك المجتمعات الحية الهادئة، لا حاجة لها لقراءة الكتب أو حضور الندوات التي تحاول بشتى الطرق إغراء القارئ أو المستمع للالتفات إلى ما يصلح صحته، وينقذه من سموم طعامه وبيئته وأفكاره.

منذ آلاف السنين كانت الخمائر الطبيعية تُستخدم في غذاء الشعوب في دول عديدة من الشرق الأوسط إلى بلدان أوروبا الشرقية وغيرها.

يذكر د. عبد الباسط: أن اللجوء إلى الاستنبات البكتيري، كان يتم من خلال الخميرة الطبيعية والبكتيريا من أجل عملية تكاثر البكتيريا المولدة للأنـزيمات في المواد الغذائية، وأن العالم الألماني د. ستراث ماير قد توصل بعد سنوات عديدة من الأبحاث، التي تركزت على استخلاص القوى الكامنة في الأعشاب الطبيعية والاستنبات البكتيري الذي من خلاله تتم عملية التخمير، إلى التعرف على أحد الخمائر التي تعرف اليوم بـ (خميرة الخبز) والتي تُعد من أهم الخمائر علمياً، وقد تم استخدامها في مجالات عديدة طبية وعلمية.

من المعروف علمياً أن هناك أعدادا هائلة من البكتيريا المعوية التي تعيش في معي كل إنسان والتي تُقدر بـ (1000 تريليون كعدد إجمالي). وأهم وظيفة تقوم بها هذه البكتيريا، هي إنتاج الأنـزيمات التي تعد مصدراً لطاقة الحياة في أبداننا.

وهناك عدد لا يحصى من النتوءات في المعي تُدعى (الزغابات المعوية)، ويتم في هذه الزغابات إنتاج الكثير من الخلايا المساهمة في الجهاز المناعي، مثل كريات الدم البيضاء والخلايا القاتلة الطبيعية، وتدخل العصيات اللبنية، وهي من البكتيريا المفيدة في الفراغات بين تلك النتوءات الزغابية.

وعندما تقاوم كريات الدم البيضاء والخلايا القاتلة الطبيعية الأجسام الغريبة كالجراثيم والفيروسات والخلايا السرطانية، تنتج عن عملية المقاومة هذه أعداد كبيرة من الجذور الحُرة (جزيئات غير ثابتة تلحق الضرر بخلايا الجسم وتؤدي إلى أكسدتها)، حينئذ تمارس البكتيريا النافعة أو المفيدة دورها الفعال في إزالة تلك الجذور. وهنا تتضح أهمية الأطعمة المخمرة الغنية بالبكتيريا التي تزوِّد أبداننا بالأنـزيمات المقاومة للأكسدة.

فعندما تتكاثر الجذور الحُرة في المعي – كما يذكر د.شينيا – تموت البكتيريا النافعة منتجة أنـزيمات مقاومة للتأكسد، مما يؤدي إلى إبطال عمل الجذور الحُرة التخريبـي وهذا يوضح دور الجذور الحُرة في استهلاك الكثير من الأنـزيمات في أبداننا والتي يجب أن تتوفر بكثرة في غذائنا كونها عنصراً أساسياً يرعى فعالية أعضائنا الحيوية ويدعم صحتنا.

ولقد أثبت العلم الحديث، أن الجذور الحُرة هي السبب في الشيخوخة المبكَّرة وفي الإصابة بالأمراض الخطيرة بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والروماتيزم وداء الزهايمر، وأن اتباع نظام غذائي يوفر الأنـزيمات، وأسلوب حياة يقي من استنـزاف الأنـزيمات ويحافظ عليها، من شأنه أن يؤدي إلى الوقاية من تلك الأمراض وغيرها ويمنح الصحة.

ولكن مهما كانت الظروف المحيطة بنا تبقى مسؤولية صحتنا وحياتنا تحت سيطرتنا.

إن أبسط ما يجب علينا فعله، هو أن ننظر بعين العقل الواعي إلى كل طعام يوضع أمامنا قبل أن نقربهُ من أفواهنا.

فهناك حرب تشنّها الجذور الحرة على خلايانا، وكل طعام يدخل جوفنا يكون لصالح حرب التخريب تلك أو ضدها.

وليس من مصلحتنا أبداً أن نأكل ونشرب ونعيش، فقط وفق ما تشتهيه أنفسنا وتفضله أذواقنا إن كانت صحتنا واستثمار حياتنا في مقدمة اهتماماتنا.

انظر إلى الخمائر كمكمل غذائي مهم

كل أنواع الأغذية المخمرة، مثل المكبوسات والخل والميزو (مادة غذائية مخمرة، تتكوّن من فول الصويا وبعض أنواع الحبوب يشيع استخدامها في اليابان وفي أميركا) واللبن المصنوع من الحليب الطبيعي المحلِّي غير الملوث بالكيميائيات، تحتوي على نسبة مرتفعة من البكتيريا النافعة المصنعة للأنـزيمات.

وتأتي خميرة الخبز وتسمى في كثير من المراجع بـ (خميرة البيرة) لتحمل لأبداننا كل ما تحتاجه من أنـزيمات ومعادن وفيتامينات، لذلك عندما يتم تناولها بانتظام وبشكل دائم كمكمل غذائي يومي، يظهر أثرها بوضوح على الصحة بشكل عام. ويتجلى أثرها في تنشيط العمليات الذهنية، مما يحقق تحسناً واضحاً في مستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ الذين يتناولونها بانتظام.

إن كنت تشعر بالوهن أو التعب العام فإن ذلك الشعور الذي يولّد ما يشبه البلادة واللامبالاة سينتهي ما دمت مواظباً على تناول الخميرة يومياً، ليس ذلك فقط بل ستشعر بالحيوية، وترى في نفسك قدرات لم تعهدها من قبل، مما يفتح أمامك أبواباً لاهتمامات جديدة تُغني حياتك.

إن كل هذه التغيرات الإيجابية التي تطرأ على الصحة، تنتج عن قدرة الخميرة على مدِّ الجسم باحتياجاته الأساسية لتنشيط الوظائف الحيوية وتقوية الجهاز المناعي، باعتباره الدرع الحامي للجسم من مختلف الأمراض حتى الخطيرة منها، ومن غير أية تأثيرات جانبية غير مرغوبة – كما يبين ذلك د. عبد الباسط في دراسته (جودة الغذاء) ذلك لاحتواء الخميرة على عناصر حية غنية بالأنـزيمات، بالإضافة إلى غناها بكل المغذيات التي تحافظ على الصحة وتمنح الشعور بحيوية الشباب.

إذاً لا عجب في أن تصبح خميرة الخبز (خميرة البيرة) اليوم واحدة من أهم العناصر الغذائية، خاصة مع الاهتمام المتزايد بالعودة إلى الطبيعة، والترويج للاعتماد على المصادر الطبيعية للغذاء من قبل خبراء التغذية والمهتمين بالصحة عن طريق الغذاء. في ظل غزو كل ما هو صناعي لكل المتطلبات الحيوية لحياتنا.

أخي القارئ…

إذا كنت قد عزمت على أن تكون الخميرة، من ضمن مشترياتك في أول فرصة قادمة للتسوق، أرى أن ألفت انتباهك إلى وجوب الاطلاع على نشرة مكوناتها، كي يكون بإمكانك الحصول على الخميرة الخالية من السكر المضاف.

أما عن كيفية تناولها: فلك الخيار، بين أن تُذيب ملعقة طعام من حبيبات الخميرة في نصف قدح من الماء، أو من عصير الفاكهة الطبيعي الطازج أو من الحليب، وتتناولها مباشرة، على أن تكون مصاحبة للوجبات الغذائية الثلاثة، قبلها بقليل أو خلالها أو بعدها مباشرة. المهم أن تُغذي جسدك بثلاث ملاعق طعام من الخميرة مذابة في السائل الذي تفضله (يومياً) هذا وفقاً لما جاء في كتاب (الغذاء يصنع المعجزات) د. جايلورد هوزر.

ويفضل أن تتناول إلى جانب الخميرة وبنفس الترتيب ألزمني – إن استطعت – ملعقة طعام من القمح المبرعم وأخرى من العسل الأسود وإذا لم يتوفر يمكن الاستعاضة عنه بالدبس (عسل التمر)، إذا لم يكن لديك مانع صحي يمنعك من تناول السكريات. لأن هذه الأطعمة الثلاثة مناجم طبيعية لكل ما يحتاجه جسمك من مغذيات لدعم فعالياته الحيوية التي تديم صحتك.