إنها مسألة كيميائية مباشرة: الجذور الحرة تسبب التلف، ومضادات التأكسد تخفف التلف. هذه خلاصة دور الجذور الحرة كما جاءت في كتاب (بواعث الطاقة الثلاثة)، (د. تود، د.سيفرين) و(د. ستانفورد ل. سيفرين).
تضعنا هذه الدراسة أمام أكثر الاكتشافات الصحية إثارة منذ ظهور المضادات الحيوية، ألا وهو اكتشاف (الجذور الحرة) وفهم الدور الذي تلعبه في إصابة الجسد بالأمراض.
إن هذا الاكتشاف لم يمضِ عليه سوى خمس وأربعون سنة. حيث طرح (د. هارمان) نظريته حول الجزيئات الوحشية – كما وصفها – التي تئزُ داخل خلايا أجسامنا ملحقة التلف بأغشيتها ونوياتها. ويؤكد أن التأثيرات التراكمية الناجمة عن التلف الذي تُحدثه هذه الجزيئات، هي التي تسبِّب شيخوخة أجسامنا.
الدكتور هارمان، مكتشف هذه الجزيئات الوحشية المدمرة هو الذي أطلق عليها اسم (الجذور الحرة).
اليوم وبعد هذه السنوات الطويلة من البحوث وآلاف التجارب العلمية من قبل مئات العلماء تبين أن نظرية الدكتور هارمان صحيحة.
الجذور الحرة.. ما هي؟
إنها مركبات تتميز باحتوائها على إلكترون نشط غير مستقر، لأنه لا يحتوي على زوج إلكتروني آخر يشكل معه رابطة ثنائية فيستقران كزوجين، ولكونه وحيداً فإنه يبقى ثائراً ونشطاً وغير مستقر، ويقوم بمهاجمة غشاء أي خلية من خلايا الجسم أو نواتها أو أحماضها النووية لكي يسرق منها إلكتروناً آخر حتى يستقر بهذا الإلكترون الجديد.. ويشكل زوجاً إلكترونياً مستقراً. هذه هوية الجذور الحرة كما عرّفنا عليها (د. جميل القدسي).
أما المسيرة التخريبية للجذور الحرة، فنطلع عليها عبر دراسة (الطبيبين سيفرين)، حيث تكون الجزيئات التي ينقصها إلكترون واحد غير متوازنة وناشطة لذلك تصطدم بغشاء الخلية وتسرق منه الإلكترون الذي تحتاجه. وهذا ما يؤدي إلى عمليات من هذا النوع بشكل سلسلة تبلغ الألوف خلال بضعة ثوان.
فحين يقوم الجزيء الذي ينقصه الإلكترون بسرقة إلكترون من جزيء آخر، يقوم الجزيء الذي تعرض للسرقة بسرقة إلكترون من آخر وهكذا تكون مُحصلة هذه السرقات المتتابعة من الإلكترونات، هي تأكسد أغشية خلايا أجسامنا.
إننا جميعاً مطلعون على عملية التأكسد. إنها ما يحدث للمعدن عندما يُترك تحت المطر في العراء، إنه يصدأ (يكسوهُ الصدأ) وهذا ما تفعلهُ الجذور الحرة في كل خلية من خلايا أجسامنا، إنها تسلب الحيوية من أغشية خلايانا التي تتمتع بالصحة وتحول خلايانا الفتية إلى خلايا مُسنَّة متآكلة.
عندما تصدأ أغشية الخلايا وتتلف، تُصبح غير قادرة على نقل المغذيات والأوكسجين والماء إلى داخل الخلايا وغير قادرة أيضاً على إزالة الفضلات من الخلايا، ونتيجة لذلك فإن الخلية، ذلك الجزء الصغير جداً منا، يموت. وأحياناً يكون التلف كبيراً إلى درجةٍ تؤدي إلى تمزق الأغشية وتسرُّب ما تحتويه الخلية إلى الدورة الدموية، مما يؤدي إلى إتلاف المزيد من الخلايا، ويمكن للجذور الحرة أن تمارس عملياتها التخريبية داخل الخلية أيضاً، حيث تقوم بمهاجمة نويات الخلايا، التي يخزن فيها الحامض النووي (DNA) ويمكن للجذور الحُرة آنذاك أن تسرُق الإلكترونات من الحمض النووي مما يؤدي – كما تذكر الدراسة – إلى تمزّق سلاسل الحمض النووي الطبيعية الذي يؤدي بدوره إلى تحولات تسبب السرطان.
وقد أثبتت الدراسات علاقة الجذور الحرة المباشرة في إخماد نظام المناعة، مما يجعل الجسد عرضة للأمراض الخطيرة.
وعندما تسير الجذُور الحرة في الدم تؤكسد الدهون (الكولسترول) فيه فتجعل الكولسترول أكثر لزوجة والتصاقاً وأكثر ميلاً إلى التراكم في الأوعية الدموية، ويزيد تضرر جدران الأوعية الدموية من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة وداء الزهايمر.
وإذا هاجمت الجذور الحرة بروتينات الجسم فإنها تشوِّه الأنـزيمات التي تحتاجها أجسامنا للقيام بالإصلاح الخلوي وصيانة الخلايا، كما يمكن أن تؤكسد الجذور الحُرة البروتينات البنيوية في الجلد، مما يؤدي إلى التجاعيد وتغير اللون وسرطانات الجلد. وفي حال أطلق العنان للجذور الحُرة في النسيج الغضروفي الذي يبطن المفاصل، تؤدي إلى الألم المفصلي والفُصال العظمي (التهاب العظم والمفصل) (Osteoarthritis). كما يُتهم الضرر التأكسدي الذي تسببه الجذور الحُرة في ظهور الساد (تكثف عدسة العين وغياب شفافيتها) المرتبط بالعمر (Age-related cataract).