أغذية فقدت حياتها الرسمية

زائر
فهد عامر الأحمدي
لست خبيراً في مجال التغذية ولكن لو طلب مني تحديد أفضل أربعة أطعمة لأجبت بلا تردد: العسل، واللبن، والسمك، والحبوب الكاملة .. ورغم سهولة العثور على هذه الأغذية في المتاجر والأسواق؛ إلا أن معظمها يصبح ميتا وفارغ المحتوى حين يصل لفم المستهلك ..
فالأطعمة المصنعة عموما تتعرض لعمليات تكرير كيميائية وحرارية - وإضافات لتحسين الطعم ومقاومة البكتيريا - بهدف تحسين مذاقها وتمكينها من البقاء فوق رفوف المتاجر لأطول فترة ممكنة!
فالأطعمة الأربعة السابقة - مثلا - قد تحتفظ بمسماها وطعمها المعتاد ولكن تركيبتها الداخلية تتغير حين تتعرض للتكرير والتعليب والحفظ والإضافة ...
فالعسل مثلا يفقد الكثير من ميزاته الغذائية حين يتعرض لعمليات حفظ تعتمد على الحرارة العالية .. فالحرارة المرتفعة تفكك عناصره الداخلية وتدمر الفيتامينات الموجودة فيه - وتثبط الأنزيمات المفيدة في عملية الهضم ذاتها .. والأنزيمات - كما هو معروف - مواد طبيعية توجد في الأغذية الطازجة كي تساعد على هضمها والاستفادة منها بأفضل طريقة ممكنة . فحين نتناول عسلا طبيعيا - أو تفاحة طازجة - لا نتناول فقط نسباً متوازنة من الفيتامينات والمعادن بل وأنزيمات قادرة على هضمها بالذات (وهو مالا يتوفر في العسل المحضر بطريقة اصطناعية مكررة) !!
... أما اللبن فيتميز باحتوائه على كافة العناصر الغذائية المفيدة بالإضافة الى تركيز مضاعف من حامض اللبنيك وفيتامينات B . كما يتضمن (الزبادي على وجه الخصوص) بكتيريا مضادة لتسمم الخلايا ومنشطه لجهاز المناعة والغدد الليمفاوية - بالإضافة الى أحماض عضوية تطرد سموم الأمعاء وتحمي من بعض أنواع السرطان .. ولكن المشكلة أن عمليات الحفظ والتعليب تغير نسب الأحماض وتقتل البكتيريا الحميدة في اللبن طمعا ببقائه في المتاجر لوقت أطول . كما قد يضاف إليه السكر والمربيات والمنكهات الصناعية الضارة - أو غير المفيدة بحد ذاتها - خصوصا في المنتجات الموجهة للأطفال !!
... والأمر في الحقيقة لا يقتصر على الحرارة والمواد الحافظة وعمليات التعليب القاسية، بل وأيضا في ابتعاد "المسمى" عن المحتوى .. فالسمك مثلا يتضمن زيوتاً طبيعية مفيدة للصحة والقلب والبصر وتلعب دورا مهما في مقاومة الكوليسترول الضار بالشرايين . غير أن قسما كبيرا منه يباع هذه الأيام بشكل قوالب وأقراص للساندويتشات - أو أصابع للقلي - تتضمن الكثير من بقايا السمك والملح والبقسماط والعظام المطحونة والزيوت المضافة (وقل الشيء نفسه عن أقراص الهامبرجر التي تتضمن بقايا الحيوان والكثير من الملح والغضاريف) ..
اما الحبوب الكاملة فالمقصود بها حبوب القمح والذرة والأرز التي لم تتعرض للتكرير والتصفية (وهو ما يشكل الفرق بين الدقيق الأبيض والأسمر) . فحين تتعرض هذه الحبوب للتصفية والتكرار - وتزال قشرتها الخارجية السمراء - لا يبقى منها غير قلب نشوي خالص نستهلكه بشكل معجنات أو خبز أبيض فقير المحتوى والحبوب المصنعة بهذه الطريقة ليست فقط فقيرة بالفيتامينات والمعادن بل ويتشكل معظمها من "الكربوهيدرات" التي تتحول في الجسم الى سكر يرهق البنكرياس ويسبب السمنة (كونه يتحول بسرعة الى شحوم تتراكم في الجسم) !
... وهذه النماذج الغذائية (الأربعة) مجرد مثال لأغذية كثيرة فقدت حياتها بسبب عمليات التكرير والتعليب وإضافة المواد الاصطناعية . ورغم أنها تصبح أكثر لذة وإغراء بعد تصنيعها (لدرجة يصعب إقناع أطفالنا بتناولها طازجة) إلا أنها ميتة بالفعل وخالية من العناصر المفيدة ومثخنة بالمواد الغريبة !! الفرق بدون شك يكمن بين الطازج والمصنع، بين الطبيعي والمعلب، بين الحي والميت، بين نقي كما خلقه الله ومعروض بطريقة مغرية تداعب حواس الزبون (... والكرة في ملعبك الآن) !