زائر
الفصل الثالث والرابع
(الإدمان على التدخين)
يرتبط مفهوم الإدمان على مادة ما، بتحقق ثلاثة شروط فيها:
1-أن يكون لهذه المادة تأثيراً واضحاً ومباشراً ومديداً على الجملة العصبية المركزية سواءٌ كان هذا التأثير شديداً أم خفيفاً.
وهنا يمكن الحديث عن الإدمان على القهوة والشاي كمنبهات خفيفة للجملة العصبية المركزية، كما يمكن الحديث عن الهيروين والأمفيتامين والكوكائين وأدوية كثيرة نفسية من زمرة المطمئنات الكبرى والمخدّرات، كموادَّ ذاتِ تأثيراتٍ قويّةٍ واضحةٍ على الجملة العصبية المركزيّة.
فقد أوضح تقرير الجراحين الأمريكيين لعام 1988 وجود تأثيرات فيزيولوجية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث يحرض إفرازاً زائداً للأدرينالين والنورأدرينالين في المشبك العصبي لخلايا الجهاز العصبي المركزي ، بالإضافة لتأثيراته الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية، حيث أسلفنا في ذكر ذلك من خلال الإشارة إلى تأثيره المنشط، الذي يمكن رصده في مخطط كهربائية الدماغ، وإلى تأثيره المهدئ من حيث تخفيفه للمنعكس الرضفي.
2- أن يسبب تعاطي هذه المادة ما يسمى بظاهرة التحمل الدوائي وهي أن تناول هذه المادة ذات التأثيرات الفارماكولوجية لأول مرة يمنح متعاطيها قدراً معيناً من تلك التأثيرات، ومن ثم لابد له في المرات القادمة من تناولها بجرعات أكبر للحصول على نفس القدر من التأثيرات.
وقد أثبت تقرير 1988 أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، التي يمكن رصدها هنا مقرونةً بسقفٍ معيَّنٍ ربما لا يستطيع المدخن تجاوزه، وذلك بسبب محدودية قدرة المدخن على استخدام جهازه التنفسي في الإدخال الدوائي لهذه المادة، ومع ذلك فقد شوهدت بعض الحالات التي تجاوز فيها المدخن أيَ سقفٍ متوقع، وربما انتهى إلى تدخين مائة لفافةٍ يومياً ليحصل على نفس القدر من الشعور بالإشباع، الناتج عن تدخينه عشر لفافات بادئ ذي بدء.
3- أن يتسبب التوقف عن تعاطي هذه المادة بظهور ما يسمى بالأعراض الانسحابية، وهذه الأعراض تكون واضحةً وقويةً بحيث تجبر المدمن على العودة إلى تعاطيها فوراً، وإلاّ قد تهدّد حياتَهُ لشدّتها وتأزُّمها، كما يحدث في حالات إدمان المخدِّرات مثلاً.
والنيكوتين يسبب اعتماداً فيزيائياً، يتبدى بظهور العديد من الأعراض الانسحابية عند الانقطاع عن التدخين، منها الشعور بالضّيق والحنق والتململ، وربما تطورت عند بعض المقلعين إلى حالات من الغضب والعنف وفقدان السيطرة وزيغ البصر.
ولنلاحظ التطور التاريخي للدراسات المتعلقة بموضوع الإدمان على التدخين عبر بضعة عقود.
فقد أشار تقريرِ الجراحين العامِّين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1964، أولَ الأمر، إلى أن استخدام التبغِ إن هو إلا نوع من الاعتياد، حيث يشدد هذا التقرير على أهمية العيوب الشخصية والاضطرابات النفسية كعامل من عوامل الإجبار والقسرية في مسألة اعتياد التدخين.
ولكن بعد خمسة عشْر عاماً، استنتجَ تقرير 1979 أن التّدخينِ هو تعلق ملحٌّ بعنصر جوهرِي.
أما تقرير 1988 فقَدْ دعا إِلى مراجعةِ شاملةِ لتدخينِ التّبغِ باعتبارِهِ إدماناً وليس اعتياداً.
واستنتج التقرير الأخير (1988) أن:
1- لفائف التبغ والأشكال الأخرى منه تسبب الإدمان.
2- النيكوتين هو العنصر المسَبّب للإدمان في التّبغ.
3- إن الآلية التي يحدث فيها الإدمان على التدخين مشابهة تماماً لتلك التي تسبب الإدمان على المخدرات كالهيروين أو الكوكائين.
وقد أوضح هذا التقرير أن التدخين يجمع كل معايير الإدمان. فيتم الاستمرار بالتدخين رغم الرغبة بإيقافه في العديد من الحالات، ورغم وضوح الأذى اللاحق بالمدخن، كما أن هناك تأثيرات نفسية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث أن كل أشكال التبغ المنتشرة لها مظهر مشترك، وهو الامتصاص السريع للنيكوتين إلى التيار الدموي، ومن ثم التحرر المتتالي له إلى الجملة العصبية المركزية، حيث يمتص من قبل الدماغ الذي يحوي مستقبلات خاصة لهذه المادة، ذات التأثيرات المنشطة وربما المهدئة، أو التأثيرات الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية. بالإضافة إلى أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث ظاهرة التحمل، والنزوع إلى زيادة كميات النيكوتين المطلوبة التي يفترض أنها تعطي نفس القدر من التأثيرات المرغوبة.
وهذه التأثيرات مثبتة عند حيوانات التجربة الموضوعة قيد دراسة عمياء فيما إذا حقنت محلولاً ملحياً غفلاً أو محلول النيكوتين.
وأوردت الدراسات أن أكثر العقارات الشائعة المسببة للإدمان (الهيروين)، يمكن الإقلاع عنه بقليل من الجهد، كما حصل مع الجنود الأمريكيين في فيتنام، حيث أقلعوا عن الهيروين بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة. في حين يُقرَن ذلك مع الإدمان على النيكوتين، وهو شديد القسرية بحيث يستمر المرء مدمناً رغم كل المخاطر والأضرار المترتبة على ذلك، فإدمان النيكوتين أقوى من إدمان الهيروئين بعشرة أضعاف. وأشد ما يلاحَظُ ذلك عند المرضى المقلوبين أو المصابين باعتلالات الرئة، أو غيرها من الأمراض الخطيرة، والذين لا يلبثوا أن يتعافَوا من إحدى هجماتها الحادة حتى يعاودوا التدخين.
وعودةً إلى تقرير 1979 الذي تعقب دوافع وموانع التدخين، كما تعقب دوافع وموانع الإقلاع عنه في الاتجاه الآخر، حيث تحدث عن تنوع دوافع اكتساب هذه العادة بتبدل المرحلة العمرية، وأكد أيضاً أن هناك عواملَ متعددةٌ تَتفاعلُ بشكل تراكمي، مكرسةً عادة التدخين.
كما ذكر التقرير أيضاً أن اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين ومن ثم المثابرة على هذا الإقلاع كسلوك إنما هو فعلٌ معقّدٌ إلى حدٍ كبير، نظراً للعملياتِ الكيمياوية الحيويةِ والفيزيولوجيةِ المتعدّدةِ التي تتداخل في هذا الفعل، إضافةً إلى تأثير العوامل الأخرى في مثل هذا الفعل، كخصائص شخصيةِ المدخن، وقصته في التعاطي المتكرر للتبغ، بالإضافة للموروث الثقافي والاجتماعي والديني من حيث أثره في تعقيد هذا الفعل أو تبسيطه، وانعكاس ذلك في توسيع أو تقليص انتشار هذه العادة في المجتمعات المختلفة.
هذا وقد قدمت لنا هذه الدراسات أبواباً وآفاقَ جديدة للبحث عن طرائق مساعدة للإقلاع عن التدخين، مثل لصاقات النيكوتين وبانة النيكوتين وإرذاذ النيكوتين الأنفي. حيث تزيد فرص النجاح في الإقلاع عن التدخين مرتين إلى ثلاث مراتٍ عند استخدام هذه الوسائل. فتزيد قدرة المدخن في التغلب على صعوبات الإقلاع في الأسابيع الأربعة الأولى (مرحلة الفطام)، والتي غالباً ما تحصل فيها حالات الانتكاس.
وعند اعتماد هذه الطرق التعويضية، يجب استخدام بالشكل الأمثل، حيث أن إدخال كميات كافية من النيكوتين إلى البدن، يزيد في نجاعة هذه الطرق، ويقلل من ظهور الأعراض الانسحابية.
ويقول البروفيسور غاي سيزرلاند أن تناول خمس عشرة قطعة من بانة النيكوتين يومياً لا يشكل أي خطرٍ، بل على العكس، فإن هذه الكمية لا توفر سوى ثلث معدل النيكوتين الذي يدخل الجسم عند تدخينِ خمسَ عشرةَ لفافةِ تبغٍ في اليوم.
(الإدمان على التدخين)
يرتبط مفهوم الإدمان على مادة ما، بتحقق ثلاثة شروط فيها:
1-أن يكون لهذه المادة تأثيراً واضحاً ومباشراً ومديداً على الجملة العصبية المركزية سواءٌ كان هذا التأثير شديداً أم خفيفاً.
وهنا يمكن الحديث عن الإدمان على القهوة والشاي كمنبهات خفيفة للجملة العصبية المركزية، كما يمكن الحديث عن الهيروين والأمفيتامين والكوكائين وأدوية كثيرة نفسية من زمرة المطمئنات الكبرى والمخدّرات، كموادَّ ذاتِ تأثيراتٍ قويّةٍ واضحةٍ على الجملة العصبية المركزيّة.
فقد أوضح تقرير الجراحين الأمريكيين لعام 1988 وجود تأثيرات فيزيولوجية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث يحرض إفرازاً زائداً للأدرينالين والنورأدرينالين في المشبك العصبي لخلايا الجهاز العصبي المركزي ، بالإضافة لتأثيراته الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية، حيث أسلفنا في ذكر ذلك من خلال الإشارة إلى تأثيره المنشط، الذي يمكن رصده في مخطط كهربائية الدماغ، وإلى تأثيره المهدئ من حيث تخفيفه للمنعكس الرضفي.
2- أن يسبب تعاطي هذه المادة ما يسمى بظاهرة التحمل الدوائي وهي أن تناول هذه المادة ذات التأثيرات الفارماكولوجية لأول مرة يمنح متعاطيها قدراً معيناً من تلك التأثيرات، ومن ثم لابد له في المرات القادمة من تناولها بجرعات أكبر للحصول على نفس القدر من التأثيرات.
وقد أثبت تقرير 1988 أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، التي يمكن رصدها هنا مقرونةً بسقفٍ معيَّنٍ ربما لا يستطيع المدخن تجاوزه، وذلك بسبب محدودية قدرة المدخن على استخدام جهازه التنفسي في الإدخال الدوائي لهذه المادة، ومع ذلك فقد شوهدت بعض الحالات التي تجاوز فيها المدخن أيَ سقفٍ متوقع، وربما انتهى إلى تدخين مائة لفافةٍ يومياً ليحصل على نفس القدر من الشعور بالإشباع، الناتج عن تدخينه عشر لفافات بادئ ذي بدء.
3- أن يتسبب التوقف عن تعاطي هذه المادة بظهور ما يسمى بالأعراض الانسحابية، وهذه الأعراض تكون واضحةً وقويةً بحيث تجبر المدمن على العودة إلى تعاطيها فوراً، وإلاّ قد تهدّد حياتَهُ لشدّتها وتأزُّمها، كما يحدث في حالات إدمان المخدِّرات مثلاً.
والنيكوتين يسبب اعتماداً فيزيائياً، يتبدى بظهور العديد من الأعراض الانسحابية عند الانقطاع عن التدخين، منها الشعور بالضّيق والحنق والتململ، وربما تطورت عند بعض المقلعين إلى حالات من الغضب والعنف وفقدان السيطرة وزيغ البصر.
ولنلاحظ التطور التاريخي للدراسات المتعلقة بموضوع الإدمان على التدخين عبر بضعة عقود.
فقد أشار تقريرِ الجراحين العامِّين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1964، أولَ الأمر، إلى أن استخدام التبغِ إن هو إلا نوع من الاعتياد، حيث يشدد هذا التقرير على أهمية العيوب الشخصية والاضطرابات النفسية كعامل من عوامل الإجبار والقسرية في مسألة اعتياد التدخين.
ولكن بعد خمسة عشْر عاماً، استنتجَ تقرير 1979 أن التّدخينِ هو تعلق ملحٌّ بعنصر جوهرِي.
أما تقرير 1988 فقَدْ دعا إِلى مراجعةِ شاملةِ لتدخينِ التّبغِ باعتبارِهِ إدماناً وليس اعتياداً.
واستنتج التقرير الأخير (1988) أن:
1- لفائف التبغ والأشكال الأخرى منه تسبب الإدمان.
2- النيكوتين هو العنصر المسَبّب للإدمان في التّبغ.
3- إن الآلية التي يحدث فيها الإدمان على التدخين مشابهة تماماً لتلك التي تسبب الإدمان على المخدرات كالهيروين أو الكوكائين.
وقد أوضح هذا التقرير أن التدخين يجمع كل معايير الإدمان. فيتم الاستمرار بالتدخين رغم الرغبة بإيقافه في العديد من الحالات، ورغم وضوح الأذى اللاحق بالمدخن، كما أن هناك تأثيرات نفسية فعالة للنيكوتين على الجملة العصبية المركزية، حيث أن كل أشكال التبغ المنتشرة لها مظهر مشترك، وهو الامتصاص السريع للنيكوتين إلى التيار الدموي، ومن ثم التحرر المتتالي له إلى الجملة العصبية المركزية، حيث يمتص من قبل الدماغ الذي يحوي مستقبلات خاصة لهذه المادة، ذات التأثيرات المنشطة وربما المهدئة، أو التأثيرات الحالَّة للقلق المتواسطة بعمليات هرمونية عصبية. بالإضافة إلى أن التناول المديد للنيكوتين يؤدي إلى حدوث ظاهرة التحمل، والنزوع إلى زيادة كميات النيكوتين المطلوبة التي يفترض أنها تعطي نفس القدر من التأثيرات المرغوبة.
وهذه التأثيرات مثبتة عند حيوانات التجربة الموضوعة قيد دراسة عمياء فيما إذا حقنت محلولاً ملحياً غفلاً أو محلول النيكوتين.
وأوردت الدراسات أن أكثر العقارات الشائعة المسببة للإدمان (الهيروين)، يمكن الإقلاع عنه بقليل من الجهد، كما حصل مع الجنود الأمريكيين في فيتنام، حيث أقلعوا عن الهيروين بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة. في حين يُقرَن ذلك مع الإدمان على النيكوتين، وهو شديد القسرية بحيث يستمر المرء مدمناً رغم كل المخاطر والأضرار المترتبة على ذلك، فإدمان النيكوتين أقوى من إدمان الهيروئين بعشرة أضعاف. وأشد ما يلاحَظُ ذلك عند المرضى المقلوبين أو المصابين باعتلالات الرئة، أو غيرها من الأمراض الخطيرة، والذين لا يلبثوا أن يتعافَوا من إحدى هجماتها الحادة حتى يعاودوا التدخين.
وعودةً إلى تقرير 1979 الذي تعقب دوافع وموانع التدخين، كما تعقب دوافع وموانع الإقلاع عنه في الاتجاه الآخر، حيث تحدث عن تنوع دوافع اكتساب هذه العادة بتبدل المرحلة العمرية، وأكد أيضاً أن هناك عواملَ متعددةٌ تَتفاعلُ بشكل تراكمي، مكرسةً عادة التدخين.
كما ذكر التقرير أيضاً أن اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين ومن ثم المثابرة على هذا الإقلاع كسلوك إنما هو فعلٌ معقّدٌ إلى حدٍ كبير، نظراً للعملياتِ الكيمياوية الحيويةِ والفيزيولوجيةِ المتعدّدةِ التي تتداخل في هذا الفعل، إضافةً إلى تأثير العوامل الأخرى في مثل هذا الفعل، كخصائص شخصيةِ المدخن، وقصته في التعاطي المتكرر للتبغ، بالإضافة للموروث الثقافي والاجتماعي والديني من حيث أثره في تعقيد هذا الفعل أو تبسيطه، وانعكاس ذلك في توسيع أو تقليص انتشار هذه العادة في المجتمعات المختلفة.
هذا وقد قدمت لنا هذه الدراسات أبواباً وآفاقَ جديدة للبحث عن طرائق مساعدة للإقلاع عن التدخين، مثل لصاقات النيكوتين وبانة النيكوتين وإرذاذ النيكوتين الأنفي. حيث تزيد فرص النجاح في الإقلاع عن التدخين مرتين إلى ثلاث مراتٍ عند استخدام هذه الوسائل. فتزيد قدرة المدخن في التغلب على صعوبات الإقلاع في الأسابيع الأربعة الأولى (مرحلة الفطام)، والتي غالباً ما تحصل فيها حالات الانتكاس.
وعند اعتماد هذه الطرق التعويضية، يجب استخدام بالشكل الأمثل، حيث أن إدخال كميات كافية من النيكوتين إلى البدن، يزيد في نجاعة هذه الطرق، ويقلل من ظهور الأعراض الانسحابية.
ويقول البروفيسور غاي سيزرلاند أن تناول خمس عشرة قطعة من بانة النيكوتين يومياً لا يشكل أي خطرٍ، بل على العكس، فإن هذه الكمية لا توفر سوى ثلث معدل النيكوتين الذي يدخل الجسم عند تدخينِ خمسَ عشرةَ لفافةِ تبغٍ في اليوم.