الإقلاع عن التدخين بعيداً عن القسرية 5

زائر
الفصل الثالث
(أساليب سلوكية)
(لإخماد جذوة التعطش للتدخين)

من المهم جداً أن يؤسس الإنسان، ويقوي الأُسسَ، ثم يبني عليها إقلاعَهُ عن التدخين. لأن في ذلك ضمانٌ لعدم العودة إلى هذه العادة، التي وصفها أحدهم بأنها عادةٌ شيطانيةٌ بحتة، فقد كانت تضطرّه إلى ترك صلاة الجمعة مراتٍ عديدة، لأنه تعود ارتشاف كأس شاي وتدخين لفافة تبغ، تماماً، في ذلك الوقت الذي يدعى فيه الناس إلى الصلاة، فكان ينصاع إلى شهوة النفس الجارفة، إلى أن وعى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما استقبل صحابته العائدين من الجهاد يخبرهم فيقول: (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فقالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله ؟ قال: مجاهدةُ العبدِ هواه)، وقوله كذلك: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسَه وهواه).
عندها، أقلع صاحبنا عن التدخين، مقتنعاً أنه إن لم يكن لديه القدرة على مجاهدة نفسه، فحريٌّ به أن لا يسلك أي دربٍ من دروب الجهاد مهما كان سهلاً.
ومن هنا فعلى المرء أن يبحث عن دوافع من شتى الأنواع، أخلاقيةٍ وثقافيةٍ ودينية، لكن على أن تكون دوافع لا تتخامد مع الزمن.
وفي مقالتنا هذه الكثير من الدوافع، التي لو استذكرها الإنسان لوجدها دائماً بذات القوة والاستمرارية، فمثلاً:
1- مبدأ جهاد النفس، الذي ذُكِرَ آنفاً، كمبدأ ديني مهم، له أعظم الأثر في تحفيز استمرارية الإقلاع عن التدخين.
2- مبدأ عدم التدخين في الأماكن المغلقة، وخاصة في المنزل، ومقارنة ذلك بالامتناع التلقائي عن التدخين في المساجد، والذي يحفزه إحساس دفين بأن التدخين من الرذائل التي يجب أن لا يأتيها المرء في الأماكن الطاهرة، وحرمة المنزل كحرمة المسجد .. على حد اعتقادي.
3- مبدأ أن التدخين يدل على مستوى فكري وثقافي معين، وأن من أحد علامات الرقيِّ في المجتمعات، انخفاض نسبة المدخنين فيها، فأكثر الفئات التي تستشري فيها هذه العادة تختص بمستوىً ثقافيٍّ وتعليميٍّ متدنٍّ.
4- مبدأ الغيرة الشديدة على أولادنا، من أن لا يقعوا في براثن هذه العادة الشريرة، وكلنا يعلم مدى الألمِ الذي ينتاب أحدَنا عندما يعلم أن ولده اليافع قد بدأ التدخين، وهو لا يملك أية وسيلة لردعه أو منعه أو حتى محاججته، فكيف ذاك، وهو المدخن يحلِّل لنفسه ما يحرِّمُ على غيره، فينطبق عليه قولُ الشاعر:
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثلَهُ عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
5- استخدام ما تيسر من القناعات والطرائق السلوكية لتهدئة النفس وتخفيف معاناة الإقلاع، فمثلاً شربة ماء قد تغنيك عن إشعال لفافة تبغ، كما أن استمرارية تلقينَ النفسِ بأن حمل لفافة التبغ شيء مخجلٌ ومسببٌ للحرج في الكثير من الأماكن، قد يعين على قلبِ المفهوم السائد عن ارتباط التدخين بالرجولة. فإذا استطاع المرء أن يرسخ هذا الشعور لديه فإنه سيسقط من حسابه أكثر من 80% من لفافاته المدَخنة يومياً، وسيصبح تدخينه عادة شخصية يلجأُ إليها فقط عندما يكون مبتعداً عن مجتمعه.
وأودُّ في هذا السياقِ أن أطرحَ تساؤلاً لو أمكنَ للمدخنِ أن يتقبَّلَه بقناعةٍ ويقين، لكان ذلكَ خطوةٌ كبيرةٌ جداً في اتجاه الإقلاع عن التدخين.
ترى ما مقدار الطهارة التي نأمل أن نجدها في علبة التبغ؟! ذلك إذا اعتبرنا أن مقياس الطهارة هو مقدار ما يحمله الشيء من فائدة لمستعمله. وعلى العكس فإن مقدار الضرر الذي يحمله الشيء نفسه، إنما يجعله من خلال نفس المقياس، بعيداً عن الطُهر. والتبغ بكل تأكيد يحمل مقداراً هائلاً من الضرر لمستعملِهِ، مما يجعله مصنفاً في خانة الأشياءِ التي يُشكُّ في طهارتها.
ثم إن منفضةَ السجائرِ الممتلئةِ أعقاباً أمامكَ على طاولةٍ في حديقة منزلِكَ، أشدُ تنفيراً، بكلِ تأكيدٍ، من مخلفاتِ الحيواناتِ بالقرب منكَ وأنتَ جالسٌ على مرجٍ أخضرَ في نزهةٍ ربيعية. أم أن لك رأيٌ آخر عزيزي المدخن ؟.
كما يخطر ببالي، على سبيل التهكم لا الجِّد، أنه لو أمكن للسادة الصيادلة أو منتجي الأدوية أن يطوروا طرق إدخال دوائي أخرى لحاصلات إحتراق التبغ، غير التدخين، كأن تسوق هذه المواد على شكل مضغوطات، بدلاً من علب السجائر، بحيث أن المدمن يستطيع الحصول على حاجته بابتياع علبة دواء من الصيدلية، يتناول مضغوطاتها بلعاً، فلا يسبب أذى للآخرين من حوله، من جهة، وينفي عن نفسه صفة المدخن، من جهة أخرى، فيصبح اسمه (بَلَّاع المضغوطات).
وتخيلوا معي أن دواءً ما يوصف لمريض بجرعة 20-30 مضغوطة يومياً. والأسوأ من ذلك، على ما أعتقد، لو كان هذا المستحضر الدوائي، مصنوعاً بشكل تحاميل.
ثم إذا حاولنا أن نرد التدخين إلى أصله، فهل كان ذلك الشاب الذي أخرج من منخريه عمودين من الدخان، أكثرَ من أضحوكةٍ ومحطَ سخريةٍ لكل ذي بصيرة واتزان، إلا المتخبطين قلقاً ومراهقةً وحبَّ ظهور، مَثَلُهُ كَمَثَلِ ماضغِ الزجاجِ الذي ليس من الضروري أن يقلده كل من يراه.
6- إن وضعَ خطةٍ تحسبُ من خلالها كيفية تجاوز الأوقات الصعبة، وذلك بملاحظة وتسجيل أكثر الأوقات تهافتاً على التدخين، يساعد في التعرف على فترات الضعف، بحيث يكون المرء متأهباً لها على الأقل، ومن ثم يختارُ وقتاً أو موعداً للإقلاع كأن يكونَ مناسبةً كبيرةً، فيجعلَها حداً فاصلاً بين حياته كمدخن وكغير مدخن.
7- استنباط طرقٍ ومشاغلَ ونشاطاتٍ تشغَلُنا عن التدخين، وليبحثُ كل واحدٍ منا عن هوايته التي كاد أن يلُفَها النسيان، فيمسحَ عنها غبارَ الزمنِ ويصقُلها ويلمعها، فكم من المهارات تفتَّقتْ متأخرةً، فالأم موزيس فنانةٌ مشهورة، بدأت الرسم في سن الثامنة والستين.
8- تجنّبُ المناسبات الاجتماعية التي يتواجد فيها مدخنون، ومخالطة غير المدخنين، والإعلانُ أمام الجميع قرارَ الإقلاع، ولكن ليس بشكلٍ تعسفي ارتجالي، إنما بشكل ناضجٍ ومدروسٍ ومخططٍ له.
9- الاستمتاعُ بالوضع الجديد المتغير للحياة، والبدء بالنشاطاتِ الرياضيةِ التي لم يكن من الممكن أن يزاولَها مدخنٌ، كالمشي في ساعات الصباح الباكر، أو إجراء بعض التمارين.
10- أخيراً عدم الشعور بالإحباط عند الفشل في ترك التدخين، فقلةٌ من ينجحون في ذلك من المحاولة الأولى، حيث ينجح اثنان من كل مئة مدخن في هذه المرة، ولكن ستتضاعف، بكل تأكيد، فرص النجاح بتكرار التجربة.

 

زائر
جزاكي الله خيرا.