زائر
سماعُ ألوان وتذوّق أشكال!(*)
دالاّت(1) قيّمة في فهمنا دماغ الإنسان ووظائفه، تكشفها دراسات أجريت
على أولئك الذين تمتزج إحساساتهم بعضها ببعض(2).
<S .V. راماشاندران> ـ <M .E. هبارد>
حينما يصنع <M. بليكسلي> فطائر «الهامبرگر» بيديه ويعطيها شكلها، يشعر بطعم مر قوي في فمه. وترى <E. جونز> (وهو اسم مستعار) لونًا أزرق حينما تصغي إلى النغمة دو دييز shap وهي تعزف على البيانو، في حين تثير الأنغام الأخرى لديها ألوانا متفاوتة إلى حد كبير تغدو فيه مفاتيح البيانو مكوّدة لونيا -ded، الأمر الذي يسهل عليها تذكر السلالم الموسيقية وعزفها. وحينما ينظر <J. كولمان> إلى أرقام سوداء مطبوعة، فإنه يراها ملونة بألوان يختلف الواحد منها عن الآخر. إن <بليكسلي> و<جونز> و<كولمان> هم من بين قلة من أناس لا يختلفون عن الأسوياء إلا في أنهم ذوو حس مواكب. فهم يدركون العالم العادي بطرق غير عادية، ويبدون وكأنهم يسكنون أرضا غامضة ليست ملكا لأحد، تقع بين الخيال والواقع. فعند هؤلاء تختلط إحساسات اللمس والذوق والسمع والرؤية والشم عوضا عن أن تبقى منفصلة بعضها عن بعض.
لقد عَرَف العلماء الحديثون الحسَّ المواكب منذ عام 1880، حينما نشر <F. گالتون> [وهو أحد أقرباء <h. داروين>] مقالة علمية عن هذه الظاهرة في مجلة Nate. بيد أن معظمهم لم يعرها اهتماما وعدّها ضربا من الأوهام أو نتيجة لتعاطي مخدر ما (يولِّد SD والمسكالين تأثيرات مشابهة) أو مجرد أمر غريب. ولكن منذ خمس سنوات بدأنا وآخرون غيرنا نكتشف السيرورات الدماغية التي يمكن أن تفسر الحس المواكب. وخلال ذلك عثرنا أيضا على دالاّت es تخص بعضا من أكثر مظاهر العقل البشري غموضا، مثل: نشوء الفكر التجريدي، واستخدام المجاز، وربما اللغة أيضا.
نظرة إجمالية الحس المواكب(**)
• إن مصطلح الحس المواكب [المأخوذ من الجذر الأغريقي syn بمعنى «معا»، وaisthesis بمعنى «إدراك»]، يمثل حالة يعاني فيها أناس مزجا بين نوعين من الإحساسات أو أكثر؛ وفيما عدا ذلك هم أسوياء تماما.
• لقد ظل يُنظر إلى هذه الظاهرة عقودا من السنين على أنها اختلاق أو محض ذكريات، ولكن تبين مؤخرا أنها حقيقة. وربما تحدث بسبب تفعيل متصالب تقوم فيه باحتان دماغيتان منفصلتان ببعث النشاط كل في الأخرى
• فيما يستكشف العلماء الآليات المعنية بالحس المواكب، فإنهم يتعرفون كذلك كيف يعالج الدماغ المعلومات الحسية عموما وكيف يستعملها في إقامة ارتباطات تجريدية بين ما يبدو أنها مدخلات لا علاقة بينها.
يتمثل التفسير الشائع للحس المواكب في أن المصابين به يستشعرون ذكريات الطفولة وارتباطاتها ويعيشونها. فلربما سبق لشخص ما أن لعب بمغانط magnets الثلاجة يوم كان طفلا، وكان حينها الرقم 5 أحمر والرقم 6 أخضر. ولكن نظرية الربط هذه لا تجيب عن سبب اقتصار الاحتفاظ بمثل هذه الذكريات الحسية النشيطة على بعض الناس فقط. فأنت قد تفكر بالبرد حينما تنظر إلى صورة مكعب من الثلج، ولكن يحتمل ألا تشعر بالبرد مهما يكن عدد المرات التي واجهتَ بها الثلج والجليد في صِباك.
وهناك فكرة أخرى سائدة ترى أن ذوي الحس المواكب هم مستخدمون للمجاز فحسب حينما يصفون نغمة دو بيمول fat بأنها «حمراء»، وحينما يقولون إن طعم الدجاج «شائك» pinty ـ وذلك تماما على نحوِ ما يمكن أن نقول أنا وأنت عباراتِ «قميص صاخب» d shit و«جبنة حادة» shap heese. ونشير إلى أن لغتنا العادية حافلة بمثل هذه الاستخدامات المجازية المرتبطة بالحس، وربما ليس ذوو الحس المواكب إلا أناسا يتمتعون بموهبة خاصة في هذا المجال.
في عام 1999، بدأنا محاولة اكتشاف ما إذا كان الحس المواكب خبرة حسية حقيقية، مع العلم بأن هذا التساؤل البسيط المضلل قد أزعج الباحثين في هذا المجال عقودا عدة. وتتمثل إحدى المقاربات الطبيعية بالشروع في توجيه السؤال الصريح التالي للأفراد المفحوصين: «هل هذا محض ذِكْرَى أم أنك ترى اللون فعلا وكأنه أمامك مباشرة؟» فعندما حاولنا طرح هذا السؤال لم نحظ بالشيء الكثير؛ إذ أجاب بعض المفحوصين بالقول: «آه، إنني أراه بوضوح تام.» ولكن الإجابات الأكثر تواترا كانت: «أكاد أن أراه، وأكاد ألا أراه،» أو «كلا، إنه ليس ذِكْرَى. إنني أرى الرقم أحمر بشكل واضح، ولكنني أعرف أيضا أنه ليس هكذا، بل إنه أسود، ولذلك يجب أن يكون ذِكْرَى حسبما أظن.»
ولكي يحدد علماء النفس إن كان تأثيرٌ ما أمرا مدركا حقا، فإنهم غالبا ما يستعملون اختبارا بسيطا يدعى الفَصْل segegatin أو البروز pp-t. فإذا نظرتَ إلى مجموعة خطوط مائلة مبعثرة وسط حشد من الخطوط الشاقولية، برزت الخطوط المائلة بوضوح. وفي الواقع، تستطيع فصلها فورا عن الخلفية وتجميعها ذهنيا لتشكل على سبيل المثال شكلا مثلثيا منفصلا. وعلى نحو مشابه، إذا كانت معظم عناصر الخلفية نقاطا خضراء وطُلِب إليك البحث عن أهداف حمراء، فإن هذه الأخيرة تبرز بشكل جلي. وبالمقابل، إن مجموعة الأرقام 2 السوداء المبعثرة بين مجموعة أرقام 5 من اللون نفسه تختلط فيما بينها تقريبا [انظر الشكل في الصفحة 72]، فيغدو من الصعب تحديد الأرقام 2 وتمييزها دون الانهماك في معاينة الأرقام الواحد تلو الآخر، مع أن كل رقم بمفرده واضح الاختلاف عما يجاوره، مثلما يختلف الخط المائل بوضوح عن الخط الشاقولي. وهكذا يمكننا الاستنتاج أن ملامح أولية أو بدائية معينة فقط، مثل اللون واتجاه الخط، تستطيع أن تقدم أساسا للتجميع gping؛ في حين لا تستطيع فعل ذلك رموز tkens تفوقها تعقيدا من الناحية الإدراكية، مثل الأعداد.
لقد تساءلنا: ماذا سيحدث إذا ما أَرَيْنا الأرقامَ المختلطة لأفراد الحس المواكب، الذين يبصرون لونا أحمر على سبيل المثال حينما يرون الرقم 5 ولونا أخضر حينما يرون الرقم 2. ولهذه الغاية رتبنا الأرقام 2 على نحو شكلت فيه مثلثا. فإذا كان الحس المواكب أثرا حسيا حقيقيا، وجب على مفحوصينا أن يروا المثلث بسهولة لأن الأرقام ستبدو لهم ملونة.
حينما أجرينا اختبارات البروز هذه على متطوعين جاء الجواب شديد الوضوح. فخلافا للمفحوصين الأسوياء ذكر أصحاب الحس المواكب الشكلَ المتكوِّن من مجموعات الأرقام بشكل صحيح حتى 90 في المئة من الحالات (وهذا بالضبط ما يفعله غير أصحاب الحس المواكب حين تكون الأرقام ذات ألوان مختلفة حقا). وتبرهن هذه النتيجة على أن الألوان المُسْتَحَثَّة هي حسية حقا، وأن أصحاب الحس المواكب لا يفتعلون الأمر افتعالا، ويستحيل عليهم تلفيق إنجازهم هذا. وفي مثال آخر لافت للنظر طلبنا إلى أحد أصحاب الحس المواكب الذين يرون الرقم 5 ملونا بالأحمر أن يراقب عرضا حاسوبيا. وظهر أنه لم يستطع أن يُعْلِمَنا اللحظة التي أضفنا فيها خِفْية لونا أحمر إلى الرقم الأبيض ما لم يكن هذا اللون الأحمر قويا إلى حد كاف؛ في حين استطاع أن يكتشف فورا لونا أخضر أضيف إلى الرقم 5.
يتبع..
دالاّت(1) قيّمة في فهمنا دماغ الإنسان ووظائفه، تكشفها دراسات أجريت
على أولئك الذين تمتزج إحساساتهم بعضها ببعض(2).
<S .V. راماشاندران> ـ <M .E. هبارد>
حينما يصنع <M. بليكسلي> فطائر «الهامبرگر» بيديه ويعطيها شكلها، يشعر بطعم مر قوي في فمه. وترى <E. جونز> (وهو اسم مستعار) لونًا أزرق حينما تصغي إلى النغمة دو دييز shap وهي تعزف على البيانو، في حين تثير الأنغام الأخرى لديها ألوانا متفاوتة إلى حد كبير تغدو فيه مفاتيح البيانو مكوّدة لونيا -ded، الأمر الذي يسهل عليها تذكر السلالم الموسيقية وعزفها. وحينما ينظر <J. كولمان> إلى أرقام سوداء مطبوعة، فإنه يراها ملونة بألوان يختلف الواحد منها عن الآخر. إن <بليكسلي> و<جونز> و<كولمان> هم من بين قلة من أناس لا يختلفون عن الأسوياء إلا في أنهم ذوو حس مواكب. فهم يدركون العالم العادي بطرق غير عادية، ويبدون وكأنهم يسكنون أرضا غامضة ليست ملكا لأحد، تقع بين الخيال والواقع. فعند هؤلاء تختلط إحساسات اللمس والذوق والسمع والرؤية والشم عوضا عن أن تبقى منفصلة بعضها عن بعض.
لقد عَرَف العلماء الحديثون الحسَّ المواكب منذ عام 1880، حينما نشر <F. گالتون> [وهو أحد أقرباء <h. داروين>] مقالة علمية عن هذه الظاهرة في مجلة Nate. بيد أن معظمهم لم يعرها اهتماما وعدّها ضربا من الأوهام أو نتيجة لتعاطي مخدر ما (يولِّد SD والمسكالين تأثيرات مشابهة) أو مجرد أمر غريب. ولكن منذ خمس سنوات بدأنا وآخرون غيرنا نكتشف السيرورات الدماغية التي يمكن أن تفسر الحس المواكب. وخلال ذلك عثرنا أيضا على دالاّت es تخص بعضا من أكثر مظاهر العقل البشري غموضا، مثل: نشوء الفكر التجريدي، واستخدام المجاز، وربما اللغة أيضا.
نظرة إجمالية الحس المواكب(**)
• إن مصطلح الحس المواكب [المأخوذ من الجذر الأغريقي syn بمعنى «معا»، وaisthesis بمعنى «إدراك»]، يمثل حالة يعاني فيها أناس مزجا بين نوعين من الإحساسات أو أكثر؛ وفيما عدا ذلك هم أسوياء تماما.
• لقد ظل يُنظر إلى هذه الظاهرة عقودا من السنين على أنها اختلاق أو محض ذكريات، ولكن تبين مؤخرا أنها حقيقة. وربما تحدث بسبب تفعيل متصالب تقوم فيه باحتان دماغيتان منفصلتان ببعث النشاط كل في الأخرى
• فيما يستكشف العلماء الآليات المعنية بالحس المواكب، فإنهم يتعرفون كذلك كيف يعالج الدماغ المعلومات الحسية عموما وكيف يستعملها في إقامة ارتباطات تجريدية بين ما يبدو أنها مدخلات لا علاقة بينها.
يتمثل التفسير الشائع للحس المواكب في أن المصابين به يستشعرون ذكريات الطفولة وارتباطاتها ويعيشونها. فلربما سبق لشخص ما أن لعب بمغانط magnets الثلاجة يوم كان طفلا، وكان حينها الرقم 5 أحمر والرقم 6 أخضر. ولكن نظرية الربط هذه لا تجيب عن سبب اقتصار الاحتفاظ بمثل هذه الذكريات الحسية النشيطة على بعض الناس فقط. فأنت قد تفكر بالبرد حينما تنظر إلى صورة مكعب من الثلج، ولكن يحتمل ألا تشعر بالبرد مهما يكن عدد المرات التي واجهتَ بها الثلج والجليد في صِباك.
وهناك فكرة أخرى سائدة ترى أن ذوي الحس المواكب هم مستخدمون للمجاز فحسب حينما يصفون نغمة دو بيمول fat بأنها «حمراء»، وحينما يقولون إن طعم الدجاج «شائك» pinty ـ وذلك تماما على نحوِ ما يمكن أن نقول أنا وأنت عباراتِ «قميص صاخب» d shit و«جبنة حادة» shap heese. ونشير إلى أن لغتنا العادية حافلة بمثل هذه الاستخدامات المجازية المرتبطة بالحس، وربما ليس ذوو الحس المواكب إلا أناسا يتمتعون بموهبة خاصة في هذا المجال.
في عام 1999، بدأنا محاولة اكتشاف ما إذا كان الحس المواكب خبرة حسية حقيقية، مع العلم بأن هذا التساؤل البسيط المضلل قد أزعج الباحثين في هذا المجال عقودا عدة. وتتمثل إحدى المقاربات الطبيعية بالشروع في توجيه السؤال الصريح التالي للأفراد المفحوصين: «هل هذا محض ذِكْرَى أم أنك ترى اللون فعلا وكأنه أمامك مباشرة؟» فعندما حاولنا طرح هذا السؤال لم نحظ بالشيء الكثير؛ إذ أجاب بعض المفحوصين بالقول: «آه، إنني أراه بوضوح تام.» ولكن الإجابات الأكثر تواترا كانت: «أكاد أن أراه، وأكاد ألا أراه،» أو «كلا، إنه ليس ذِكْرَى. إنني أرى الرقم أحمر بشكل واضح، ولكنني أعرف أيضا أنه ليس هكذا، بل إنه أسود، ولذلك يجب أن يكون ذِكْرَى حسبما أظن.»
ولكي يحدد علماء النفس إن كان تأثيرٌ ما أمرا مدركا حقا، فإنهم غالبا ما يستعملون اختبارا بسيطا يدعى الفَصْل segegatin أو البروز pp-t. فإذا نظرتَ إلى مجموعة خطوط مائلة مبعثرة وسط حشد من الخطوط الشاقولية، برزت الخطوط المائلة بوضوح. وفي الواقع، تستطيع فصلها فورا عن الخلفية وتجميعها ذهنيا لتشكل على سبيل المثال شكلا مثلثيا منفصلا. وعلى نحو مشابه، إذا كانت معظم عناصر الخلفية نقاطا خضراء وطُلِب إليك البحث عن أهداف حمراء، فإن هذه الأخيرة تبرز بشكل جلي. وبالمقابل، إن مجموعة الأرقام 2 السوداء المبعثرة بين مجموعة أرقام 5 من اللون نفسه تختلط فيما بينها تقريبا [انظر الشكل في الصفحة 72]، فيغدو من الصعب تحديد الأرقام 2 وتمييزها دون الانهماك في معاينة الأرقام الواحد تلو الآخر، مع أن كل رقم بمفرده واضح الاختلاف عما يجاوره، مثلما يختلف الخط المائل بوضوح عن الخط الشاقولي. وهكذا يمكننا الاستنتاج أن ملامح أولية أو بدائية معينة فقط، مثل اللون واتجاه الخط، تستطيع أن تقدم أساسا للتجميع gping؛ في حين لا تستطيع فعل ذلك رموز tkens تفوقها تعقيدا من الناحية الإدراكية، مثل الأعداد.
لقد تساءلنا: ماذا سيحدث إذا ما أَرَيْنا الأرقامَ المختلطة لأفراد الحس المواكب، الذين يبصرون لونا أحمر على سبيل المثال حينما يرون الرقم 5 ولونا أخضر حينما يرون الرقم 2. ولهذه الغاية رتبنا الأرقام 2 على نحو شكلت فيه مثلثا. فإذا كان الحس المواكب أثرا حسيا حقيقيا، وجب على مفحوصينا أن يروا المثلث بسهولة لأن الأرقام ستبدو لهم ملونة.
حينما أجرينا اختبارات البروز هذه على متطوعين جاء الجواب شديد الوضوح. فخلافا للمفحوصين الأسوياء ذكر أصحاب الحس المواكب الشكلَ المتكوِّن من مجموعات الأرقام بشكل صحيح حتى 90 في المئة من الحالات (وهذا بالضبط ما يفعله غير أصحاب الحس المواكب حين تكون الأرقام ذات ألوان مختلفة حقا). وتبرهن هذه النتيجة على أن الألوان المُسْتَحَثَّة هي حسية حقا، وأن أصحاب الحس المواكب لا يفتعلون الأمر افتعالا، ويستحيل عليهم تلفيق إنجازهم هذا. وفي مثال آخر لافت للنظر طلبنا إلى أحد أصحاب الحس المواكب الذين يرون الرقم 5 ملونا بالأحمر أن يراقب عرضا حاسوبيا. وظهر أنه لم يستطع أن يُعْلِمَنا اللحظة التي أضفنا فيها خِفْية لونا أحمر إلى الرقم الأبيض ما لم يكن هذا اللون الأحمر قويا إلى حد كاف؛ في حين استطاع أن يكتشف فورا لونا أخضر أضيف إلى الرقم 5.
يتبع..